خاطرة مهاجر ( 1 )

 

بسم الله الرحمن الرحيم

خاطرة مهاجر


الحمد لله وحده نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :


من أحزن ما سمعت ، قالها الشيخ أسامة بن لادن :


حجاز حبها في عمق قلبي ولـكن الولاة بها ذئاب
وفي الأفغان لي دار وصحب وعند الله للأرزاق باب

قتلتني بها يا شيخ ، كم من الآهات صرخت من داخلي بعد سماعي لهذين البيتين ، إنها مشاعر إنسان فارق موطن الصبا الذي ترعرع فيه ، فارقه مظلوما مقهورا ، كارها لمفارقته المكان الذي استوطن به ، يذكرني هذا الموقف بموقف النبي – صلى الله عليه وسلم – حينما هاجر من مكة وعندما وصل إلى أطرافها الأخيرة التفت وكأني أرى الدموع نازلة على الخدود ، وهو يقول : " إنك لأحب البقاع إلي ، ولو أن أهلك ما أخرجوني منك لما خرجت ".


نعم حبيبي القارئ – حفظك الله بحفظه – هذا هو طريق الأنبياء ، هذا هو طريق الغرباء القابضين على الجمر ، وفي أحد الروايات النزّاع من القبائل ، تجد الواحد منهم كفر بكل دين غير الإسلام ، وكفر بكل عادة أو شعيرة أو حمية أو عصبية ما دامت أنها لا توافق الإسلام ، ولفعله هذا تجد أن قومه تبرؤوا منه إن لم يكن بالمقال فبلسان الحال ، وهذا واقع جربنا وتجرعنا كؤوسه ، وعشنا مع من تجرع كؤوسه حتى الثمالة ، أقول يتبرؤون منه ولسان حالهم يقول " أخرجوا الموحدين من قريتكم إنهم أناس يجاهدون " بالتمام كما قال قوم لوط " أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون " فتجد هذا الموحد يهاجر من قومه إن لم يكن بجسده فبقلبه وفكره وروحه ، يهاجر إلى حيث المنهج القويم ، والعقيدة الصحيحة ، على أثر سلفه الصالح ، يهاجر إلى الكتاب والسنة متجردا من الأهواء والتعصب ، فيا سبحان الله كان لابد من قبل استلام أوامر الله بالجهاد والقتال ، كان لابد قبلها من هجرة حتى تكون النفس صافية نقية خالية من الأوساخ والأدران التي تشوب النفس القاعدة المتخاذلة ، هذه النفس التي وصفها الله بوصفين بكتابه " .... لا يفقهون " ، " .... لا يعلمون " فلا فقه ولا علم لمن رضي بالقعود والتخاذل واستكان للظالمين ، وأينما قلّبت طرفك فقلّما تجد نفسا قاعدة إلا ورجمت المجاهدين بأبشع الألفاظ وأنهم خوارج وتكفيريين ، وأنهم يسفكون الدماء ، وذلك لما تعلق في نفوسهم من شوائب بسبب قعودهم ، والذهب مثلا لا يكون صافيا خاليا من الأوساخ إلا بعد حرقه وهذا الحرق هو الذي يزيل الأوساخ والشوائب ، فبأي ابتلاء احترقت تلك النفس القاعدة فخلت من الشوائب ؟!! النفس المهاجرة احترقت بالخوف والسجن والتعذيب ، واحترقت بالتعب والسهر على ثغور المسلمين ، واحترقت بفقد الأحبة والخلاّن ، واحترقت بالجراحات والإصابات ، فظهرت المادة الصافية الخالية من الشوائب ، ظهر الصدق واليقين ، وظهر التوكل المحض على الله تعالى ، وتجلت الخشية والخوف من الله ، أما النفس القاعدة المخلوطة بالشوائب فهي كما وصف ربك " .... لا يفقهون " و " .... لا يعلمون ".


ويا أخي الحبيب بقدر ما تتعرض للإبتلاء من أجل هدف معين ، بقدر ما يعزّ عليك هذا الهدف ، واقرأ معي ما قاله سيد قطب – تقبله الله – ففيه الخير الوفير لمن فتح الله عليه ، يقول سيد : " ... لا بد من هذا البلاء ليؤدي المؤمنون تكاليف العقيدة كي تعز على نفوسهم بمقدار ما أدوا في سبيلها من تكاليف والعقائد الرخيصة التي لا يؤدي أصحابها تكاليفها لا يعز عليهم التخلي عنها عند الصدمة الأولى فالتكاليف هنا هي الثمن النفسي الذي تعز به العقيدة في نفوس أهلها قبل أن تعز في نفوس الآخرين وكلما تألموا في سبيلها وكلما بذلوا من أجلها كانت أعز عليهم وكانوا أضن بها كذلك لن يدرك الآخرون قيمتها إلا حين يرون ابتلاء أهلها بها وصبرهم على بلائها إنهم عندئذ سيقولون في أنفسهم لو لم يكن ما عند هؤلاء من العقيدة خيرا مما يبتلون به وأكبر ما قبلوا هذا البلاء ولا صبروا عليه وعندئذ ينقلب المعارضون للعقيدة باحثين عنها مقدرين لها مندفعين إليها وعندئذ يجيء نصر الله والفتح ويدخل الناس في دين الله أفواجا ... " ( الظلال – تفسير سورة البقرة )



لا يسعني عندما أقرأ هذه الكلمات وأرى أن سيدا كتبها بدمه وقدّم من أجلها نفسه للبيع في أفضل صفقة تجارية " النفس مقابل الجنة " ، لا يسعني سوى القول : الله أكبر ، ها نحن يا سيد من بعدك باحثين عن العقيدة ، مقدرين لها ، مندفعين إليها ، وننتظر النصر من الله ، النصر القريب كما وعد ربنا ...

فيا أخي المهاجر الحبيب أنت هاجرت إلى الله ، فلا تحط رحالك إلا عنده ، ولا ترضى بالدون ، وانظر ممن تأخذ دينك " ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين "

وهنا انتهي معك أخي القارئ الكريم ، وأما سيد فأقول : سلام على روحك في الخالدين .

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

كتبها المهاجر المكلوم

يوسف البتار

3 صفر 1427هـ

4 مارس 2006 م

الساعة 30 : 3 صباحا من يوم السبت


وهذه قصيدة كتبتها في وقت سابق


" زمان دار بنا "


زمـان دار بـنـا وتـغـيـّـرت أحـوالـه وشـابـت منه رؤوس الأطـفـال الـرضـّعِ

يـُـعـاب عـلى أهـل الـجـهـاد جهادُهُم وتـفـتـخـر الأمـم بالـجـبـان المتضـعضعِ

يصـبـح الفاسق فينا صاحب مروءة وتـلـفـّق التـهـم عـلـى الرجل المتواضع

وتـرى الـحـرّ يـسوقـه عـبـد فـاجـر أفـطـس الأنـفِ ذلـيـل للـكـفـار خـاضـعِ


وترى القوم يقودهم طاغوتٌ كافرٌ سـلـيـلُ الـيـهـودِ مـن الـخـنـازير راضعِ

وشباب أمتي في لهو ورقص ولعب وأسـمـى أمـنـيـاتـهـم جـمـع الـطـوابـعِ

حرّمت الرجولة على شباب راقص كما حرّمت على النبي موسى المراضع

واحرّ القلب عـلـى أمـة هـذا حالها ضـائـعـة تـائـهـة فـي أكـثـر الـمـواضـعِ

كبيرهم لا همّ يقض مضجعه سوى جمع المال وبناء بيت بالمساحة شاسع

فـأيـن الـرجـال الكماة أولوا النهى يعيدوا المجد ويطفؤوا نارا بين أضلـعي

هـذه صـرخـاتـي أطـلـقـتهـا متألما وسـط الـظـلام إلـى رب الـولـي الـواسـع

وإذ بـالـصـدى يـرجـع إلـي قـائـلا أبشـر يـا فـتـى الإسـلام بالمجد الـنـاصـع

دونــك فــلــوجــة الــعــز ألا تــرى فيها رجالا نـورهم سـرى بـكـل الأصـقـع

أبشر يا فتى الإسلام لا تخشى العدا أنـت مـوعـود مــن الإلــه بـنـصــر رائــع

المهاجر المكلوم

يوسف البتار

في وسط ليل 3 ذي الحجة 1426

الموافق 3 – 1 – 2006


الكاتب: يوسف البتار
التاريخ: 01/01/2007