أبواق الأنظمة... سوريا كمثال

 


أعداد هائلة من أهل سوريا يخرجون يومياً إلى الشوارع يهتفون بعبارات متنوعة لكنها تصبّ كلها في معنى واحد ومطالبة واحدة وهي: سقوط النظام
ويتصاعد منحى التظاهرات العارمة يوم الجمعة ثمّ السبت، ولا يعني الغياب عن الشارع في باقي الأيام، وتقريباً تشمل هذه التظاهرات كافة المدن والقرى السورية إلا ما ندر.
وفي ظلّ نظام من أعتى الأنظمة القمعية في بلادنا وأشرسها في التعامل مع البشر، لا يُتصوّر خروج كلّ الناس مطالبين بسقوط طاغية سوريا، وقد أعجبتني لفتة من أحد السوريين الشرفاء حين سألوه في قناة فضائية: أن من يخرج إلى الشوارع لا يتجاوزون عدة ألوف من الناس، فهل يمثلون الشعب السوري؟
فقال: إن مجرد التفكير بالخروج إلى الشوارع للمطالبة بسقوط النظام أمر عظيم، ويحتاج إلى شجاعة كبيرة في ظل الرعب والخوف الذي كرّسه النظام، وخروج الشخص الواحد إلى الشارع وهو يعلم ما قد يكون مصيره هو قمة الشجاعة، والشخص الواحد بعمله هذا يمثل مائة شخص – ويعني الشجاعة - ، أضف إلى ذلك أن الفرد الواحد يمثل مجموعة خلفه، من عائلته وأقربائه، فهم على رأيه، وهذا عدا عن شريحة كبيرة من الناس يمنعها خوفها من الخروج للشارع مع رفضها للنظام... انتهى
فبالمجموع: من لا يريدون النظام هم الأغلبية من الشعب السوري، ومشاهدة جنازة لشهيد أو شهداء يمشي فيها ما لا يقل عن عشرة آلاف إنسان تعني الكثير، ولا يمكن بحال أن يُقبل رأي من يستهين بهكذا عدد!!
كلّ يوم في سوريا يسقط شهداء وجرحى، كما أنه في كلّ يوم يزداد عدد المتظاهرين الثائرين، إذن: المعادلة ليست في صالح النظام بحال من الأحوال، وتؤكد أنّ القمع والترهيب والقتل لا يزيد الناس إلا إصراراً فوق إصرارهم.
ويُبدعُ " الثوار " في التعاطي الإعلامي مع تلك الأحداث – مع شحّ الإمكانيات -، ووقع هذا الإبداع له تأثير واضح على شريحة طويلة من الناس المترددين وغيرهم
فالشعارات المستخدمة لا يملك المسلم حين يراها إلا أن يتفاعل معها تفاعلاً ايجابيا، فشعار "جمعة الحرائر" على سبيل المثال أوقدت نار الحرص على الأعراض والكرامات.
و "جمعة حماة الديار" جعلت النظام يسقط في يده، وخشي من تزعزع الولاء والطاعة بين أفراد قوات الجيش السوري التي هي محلّ شك في الأصل، والشاهد على ذلك عدد القتلى من أفراد الجيش التي يقول " حقوقيون" أن من يقتلهم هم قوات الأمن " وشبيحة" بشار حين يرفضون إطلاق النار على أهلهم.
و كذا جمعة أطفال سوريا وجمعة أطفال الحرية وحمزة الخطيب والشهداء الذين سقطوا منهم
كلّ هذه المسمّيات كان لها وقع كبير –ولا يزال-، وأثر فاعل على مجريات الأحداث...وقادم الأيام حُبلى بمسميات جديدة...لعلّ منها " جمعة حلب" حتى يخرج أهلها معانقين باقي مدن الشام...
وفي مقابل هذا الزخم الإعلامي – الذي يغيب جلّه عن عيون الفضائيات – التي تُبصرُ أحياناً وتعمى أحياناً كثيرة غيرها، لا يغيب الإعلام الرسمي بكل سذاجته ونفاقه وكذبه المثير للاشمئزاز، لا سيما أولئك الذي يُطلقون عليهم وصف " محللين سياسيين" الذين يقلبون الصورة بالكامل، ويصرّون على الرواية الرسمية التي تقول بوجود جماعات مسلحة في المدن والقرى، وبأن الدبابات والطائرات لا تدخل قرية ولا مدينة إلا بعد استغاثة أهلها بالحكومة والجيش!!
وأن أعداد من يتظاهرون بالمئات، وأنهم إرهابيون وسلفيون ومخربون، وقيل في مرحلة ما أن حزب التحرير متورط في تلك الأحداث بشكل ما...
وبالرغم من أنّ بعض المذيعين في بعض الفضائيات يحاولون أن يقولوا لمحاوريهم هؤلاء أن كلامهم أصبح ممجوجاً ومخالفاً لما يجري، إلا أنهم وفي كلّ يوم يصرّون على أن يكونوا هُزؤاً و "مسخرة" عند كلّ من يسمعهم حتى وصل الحال إلى الشعور بحاجة المرء " للتقيّؤ" من هول كذبهم ونفاقهم!!

قد يأتي زمان على الناس يشحّ فيه " المحللون السياسيون" و يندرون، لكن لا يكون هذا إلا في حالة واحدة وهي: أن يكون الساسة صادقون وواضحون مع الناس ولا يمتهنون الكذب والدجل!!
أمّا وهم كاذبون بامتياز، فإنّ أذنابهم وأبواقهم وإعلامييهم لا يكونون إلا أشد كذباً وأوقح حالاً من ساستهم.

لا أستطيع أن أصف هؤلاء " المفكرين و " المحللين" الذين خلو من كلّ معاني الرجولة والعزّة والكرامة إلا بأنهم أشد الناس طعناً في الناس بعد سادتهم من الأنظمة، فطعنات النظام قاتلة على " المحلّ" من ناحية أنها رصاص وقنابل وأعتى وأفتك الأسلحة القاتلة التي يوجهونها لصدور الكرام والأحرار، لكنّ طعنات أبواقهم أشدّ وأنكى، غير قاتلة من ناحية أنها لا " تميت" الناس فسيولوجياً، لكنها تقتلهم مرات ومرات في كلً كلمة تخرج من أفواه أولئك السفلة... ولنتخيّل والدة حمزة الخطيب –رحمه الله تعالى – وهي تستمع إلى تبريرات المحللين السياسيين والمفكرين الذين يعملون على تبرئة النظام من دمه!!

وكذا حالة كلّ أمّ وكلّ أب وأخ وأخت حين يستمعون إلى أكاذيب أبواق النظام الذين خلعوا أثواب الكرامة والأخلاق والدّين – على فرض أنهم كانوا يضعون على أنفسهم شيئاً منها – وتعلقوا بحبال النظام وقبلوا على أنفسهم أن يكونوا لسان كذب عنده ولسان نفاق ودجل يمتطيهم ويُسلطهم على أبناء دينهم وشعبهم.
والغريب أنهم لا يحسبون حساب يوم ينهار فيه النظام ويقفون أمام الناس عريانين لا ظهر لهم ولا سند، فهل يعوّلون على أن يسمعوا ممن انتهكت أعراضهم وسفكت دماؤهم: إذهبوا فأنتم الطلقاء؟!

ومع أنّ هذا التوصيف ينطبق على سوريا وأبواقها بشكل مقيت، إلا أنه لا يقتصر عليها، بل يشمل " كلّ" بلاد المسلمين باختلاف الوجوه القبيحة وحدة ألسنتها وغلظة قلوبها.

http://tareekalezzah-saifuddin.blogspot.com/search?updated-max=2011-06-05T17%3A41%3A00%2B03%3A00&max-results=4

 


الكاتب: سيف الدّين عابد
التاريخ: 08/06/2011