مقال مهم عن جهود المصلح عبدالله العلي المطوع رحمه الله |
|
بقلم: المستشار عبدالله العقيل ـ تناولنا في العدد الماضي جانباً من مسيرة الأخ الفاضل ورفيق الدرب في طريق الدعوة إلى الله عبدالله العلي المطوع.. فألقينا الضوء على مولده ونشأته وجانباً من مسيرة حياته.. وتحدثت عن بداية معرفتي به، وما وجدت فيه من صفات طيبة، وبعض جهوده المباركة في الدعوة إلى الله ونصرة دينه.. كما سردت جانباً من أقواله المضيئة التي تنم عن عمق إيمانه وحسن صلته بالله، وجميل توكله عليه واعتزازه بدينه ودعوته.. وختمنا بالحديث عن لقاءاته بمرشدي الإخوان بدءاً من الإمام البنا حتى الأستاذ مهدي عاكف، مروراً بحسن الهضيبي والتلمساني و"أبوالنصر" ومشهور ومأمون الهضيبي.
وفي هذا العدد نلقي الضوء على ما قاله عنه بعض قادة الدعوة الإسلامية والعمل الخيري بعد موته، كدليل على ما كان ولا يزال يحظى به الفقيد من مكانة مرموقة في قلوب خاصة المسلمين وعامتهم، ثم نختم بالحديث عن وفاته عليه رحمة الله.
يقول الشيخ د. يوسف القرضاوي: "وهكذا غاض النبع الفياض الذي طالما ظل يتدفق بالخير والبذل والعطاء نحو ستين عاماً، يبذل من نفسه ووقته وجهده وماله في سبيل قضايا الإسلام وأمته، ومطالب دعوته، ونصرة شريعته، وتوحيد أمته، وإحياء حضارته.
وانطفأت الشعلة المتقدة التي ظلت ترسل أشعتها نوراً وناراً: نوراً لطالبي الهداية، وناراً على دعاة الغواية.
لقد كان مرجع كل من يأتي إلى الكويت لطلب المساعدة في المشروعات الخيرية والإسلامية من كل أقطار العالم، رأيته في بيشاور في محاولات الإصلاح بين الإخوة المجاهدين في أفغانستان، ورأيته في فرنسا في افتتاح الكلية العلمية الإسلامية، ورأيته في مؤتمرات شتى تعمل للإسلام.
وحين ناديت بضرورة التصدي لخطة التنصير لأبناء المسلمين التي قررها المنصرون الأمريكان في اجتماعاتهم في ولاية كولورادو 1978م، ورصدوا لذلك ألف مليون دولار جمعوها في الحال، فاقترحت تأسيس هيئة خيرية عالمية رأسمالها ألف مليون دولار، وأعلنت ذلك في ختام مؤتمر المصارف الإسلامية المنعقد في الكويت، أقبل علي الأخ "أبوبدر" وهمس في أذني قائلاً: إني أتبرع بمليون دولار، وأرجوك ألا تعلن عن اسمي ولم يكتف بذلك بل ضم إلى المليون عمارتين من عماراته أوقفهما لصالح المشروع.
وكان أبوبدر عضو اللجنة التحضيرية التي قامت بالإعداد للمشروع الكبير مع يوسف الحجي وسليمان الراجحي وعبدالله العقيل والفقير إليه تعالى حتى تأسست الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية. وحين دعوت إلى تأسيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أرسل لي مبلغاً طيباً مع الأخ الجليل الدكتور عجيل النشمي.. لم يكن عبدالله المطوع مجرد رجل من ذوي الثراء، فقد عاش عمره صاحب دعوة وحامل فكرة وجندي رسالة نذر لها عمره ووهب لها وقته وماله وفكره.
لقد آمن بدعوة الإخوان المسلمين منذ فجر شبابه وأخلص لها وعاش فيها وعاشت فيه وكان من قيادتها المحلية والإقليمية والعالمية، ومع هذا عاش في الدعوة بروح الجندي المتواضع مع إخوانه لا يرى نفسه إلا دونهم... رحم الله أخانا وحبيبنا رجل الدعوة ورجل البر ورجل الإصلاح ورجل الكويت ورجل الخليج ورجل العرب ورجل الإسلام".
ويقول الشيخ يوسف جاسم الحجي رئيس الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية: "عرفت هذا الرجل منذ شبابه وهو يكافح لإعلاء كلمة الله، وما يقدمه من دعوة ونصائح ومشورة لحفظ الشباب، واتباع هدي الإسلام في كل مجالاته، وهذا هو طريق الدعاة إلى الله.. ونسأل الله أن يكون هو ونحن منهم، وأن يختم لنا على خير وأن نكون عند الله من المقبولين".
ويقول الدكتور عبدالله العتيقي: "فقدناك مرشداً لنا في الأمور الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإعلامية والدعوية، فقدناك سياسياً بارعاً يحبه الجميع، ويتدخل في الوقت المناسب لنزع فتيل الأزمات، محباً لحركة الإخوان المسلمين، وداعياً لها، مناصراً لتحرير المسجد الأقصى من دنس اليهود، نصيراً للحق محباً للشباب، كافلاً للأيتام والأرامل، ناشراً لكتاب الله وعلومه، مطالباً بتطبيق شرعه، مقاوماً للظلم متصدقاً على الفقراء، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، محارباً للربا، مؤسساً لأول بنك إسلامي في الكويت مع إخوانك الصالحين، مناصراً للأوقاف وقد أوقفت بعض عماراتك لدعوة الخير".
ويقول د. جاسم مهلهل الياسين: "عرفته كبيراً وعرفته كريماً، كبيراً يحمل هم الأمة، وهكذا الكبار دائماً يعيشون كباراً، بل يموتون بأجسادهم وتبقى أعمالهم شاهدة على جهادهم وصبرهم، يموتون وتظل صحائف أعمالهم مفتوحة لما يسطر فيها من أعمال حسنة، وهكذا نحسبه... فلم يترك باباً لنصرة دين الله إلا وكان سباقاً إليه. ولقد كان غدوه ورواحه في طاعة الله عز وجل.. كان يزرع الأمل في قلوب محبيه ويدفع عنهم الهم إذا رآه في أعينهم، يكون أحدنا متعباً من هزات الباطل.. فإذا ما التقى به ورأى البشر في محياه زال عنه النصب وعاد إليه الأمل، وجدد حياته ليبدأ من جديد في حيوية ونشاط.
هكذا هم الكبار.. تفتقدهم الأرض وترحب بهم السماء، كان يقول دائماً عندما التقى به: "اعلم أنه من ملك زمام التغافر... فقد ملك زمام الأمور".
ويقول الأستاذ د. توفيق الواعي: "لقد كان الرجل يتحلى بصفات العظماء الكبار، وبمواهب العباقرة الأفذاذ، فمن أي النواحي خبرته وجدته مثالاً، للحب لا للحقد، والشوق لا الوحشة، والعفو لا العقوبة، والخبرة بالأمور لا البلاهة، والنظر الثاقب لا الرؤية الساذجة، والبصيرة المتقدة لا الجبلة العمياء، والدربة والحنكة الفطرية، والنورانية القلبية التي تضيء بتوفيق الله، كان للحق سنداً لا يتضعضع، وصخرة لا تتزحزح، وكان للدين ركناً ركيناً، وإماماً عظيماً، وللفقير معطاءً كريماً سخياً وفياً أميناً يقصده المحتاج فيكفيه، والمسكين فيعطيه، باسط الكف وضاح المحيا، متهللاً كشهاب تزيده العطايا بهاءً لا مناً ولا شحناء".
ويقول الأستاذ الدكتور عجيل النشمي: "عرفت العم عبدالله المطوع عام 1963م، فعرفت نوعاً من الرجال فذاً، أبرز ما أدركته فيه همة عالية وطموح دعوي دفاق، وحماسة للدين جياشة، ومن عجب أني لم أر في هذه الهمة فتوراً مذ عرفته إلى قبل وفاته بأيام.
أول ما يحدثك ويشغل مجلسك فيه دعوته، وهموم المسلمين.. وآخر ما يحدثك عنه صحته إن سألته عنها.
ومذ عرفت الرجل عرفت معنى الشجاعة في كلمة الحق والدعوة، لا يثنيه لوم ولا عتب، ولا يمكن أن يؤخرها أو يهادن فيها كائناً من كان أمامه، وقد حباه الله مع الشجاعة قوة بيان وحجة ومنطقاً يفرض على السامعين التأثر به، ويزين ذلك خلق وأدب جم يحكم كلامه، فلا يحمله على الشطط أو الإساءة لأحد".
سالم الفلاحات المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن: "ترجل هذا الفارس العظيم صاحب الباع الطويل في الخير وجمع القلوب والاهتمام بشأن الأمة وبالبناء، ولكن عزاؤنا أنه واحد من قافلة فيها من الرجالات العظام الذين تتلمذوا على يده، وسيستمدون من تربيته خلقاً، ومن تصميمه عزماً، ومن كرمه عطاءً ومن أمله تطلعاً.
العم أبوبدر يرحمه الله "علم" و"بدر" لو سألت عنه لعرفه العالم بعطائه وجهده الذي لا ينضب، فهو في السياسة فارس، وفي الخير جواد، وفي التربية معلم. وأسأل الله أن يعوض الكويت وأهل الخير والدعاة في الأرض كلها خيراً".
ويقول د. عصام البشير: "هو رجل دعوة وفكرة.. يذود عنها بالغالي والنفيس.. والمهجة والروح، بحكمة راشدة، وبصيرة متقدة، وذهن وقاد، ووعي متفتح، وتوازن مسدد، يحرص على بناء المعنى والمبنى، ووحدة الصف، وائتلاف القلوب، وتعزيز المشترك ورعاية حق الأخوة وأدب الخلاف.. وهو تجلية مكرمات.. باسط الكفين.. ندي الوجه طليق المحيا، وضاح الجبين يلقاك في هشاشة وبشاشة.. موطأ الأكناف.. يألف ويؤلف يدخل إلى قلبك بلا استئذان.. فيتربع على عرشه حباً ووداً وتحناناً، دماثة في الخلق وخفضاً للجناح، وهو في هموم الأمة ومصائرها صاحب آيات.. وسباق غايات.. وجوّاب آفاق.. يتتبع ويستقصي.. يقف على الحقائق من مظانها.. ويعمل على حشد الطاقات وتعبئة الجهود.. في حركة دائبة وعزيمة صادقة دفعاً لعزة الأمة ورفعة شأنها.. ودحراً لخصومها بأمل لا يعرف اليأس.. ورجاء لا يقعده قنوط".
ويقول الأستاذ محمد الراشد: "منذ التقى إمام الدعوة ومرشدها حسن البنا عام 1946م في مكة المكرمة والمدينة المنورة وتقبل هديته "الرحلة الحجازية" كان العم عبدالله المطوع "أبوبدر" في رحلة وسفر دائمين في مسار الحق، لم يهدأ له بال أو يغمض له جفن قائماً وقاعداً لا يفتر في عمل الخير والصبر والجهاد. كان المال يتبعه حيثما سار فينثره يميناً وشمالاً في سبيل الله لا يخشى الفقر أو النقص. هو نسيج وحده، جمع من خصال الخير والحب والتسامح والبذل والعطاء والحكمة والقوة في الحق والصبر والثبات على أمر الدعوة وهمها. لقد كان من السابقين في أمر توحيد المسلمين ودعم نهضتهم وكان يجمع بين الشورى والحزم".
ويقول المستشار فيصل مولوي: "لا أبالغ إذا قلت: إن المسلمين لم يعرفوا في تاريخهم الطويل رجلاً جمع في نفسه كل خصال الخير كما كان أبوبدر. ليس ذلك لأن الله أعطاه قدرة مالية استخدمها في مصالح الأمة، لكنه كان شخصية نادرة تتمتع بوعي إسلامي شامل تلقاه في رحاب الحركة الإسلامية المعاصرة، واستفاد مباشرة من أعظم رواد العمل الإسلامي المعاصر الإمام الشهيد حسن البنا، بالإضافة إلى مزايا حباه الله إياها، من الجدية في مواجهة الأمور، والدأب في معالجة القضايا، والتمحيص في دراسة المشكلات والتأني في اتخاذ القرارات والعزيمة الماضية في التنفيذ، فضلاً عن الصبر الجميل أمام كل بلاء.
يتميز العمل الخيري عند أبي بدر بشمول يتسع لكل جوانب العمل الإسلامي، لم يكن مقتصراً على إغاثة المحتاجين من الأيتام أو الأرامل أو الفقراء، ولم يكتف بمساعدة المرضى وما يتعلق بذلك من المستوصفات والمستشفيات، بل كان ينظر أيضاً إلى أهمية الدعوة الإسلامية التي تقوم على قواعد سليمة من العقيدة الصحيحة والفقه الأصيل والوسطية الملتزمة، فيرى في كفالة الدعاة باباً من أهم أبواب الخير، ويجد في بناء المدارس والمعاهد الإسلامية على اختلاف أنواعها ضرورة لبناء جيل جديد يستأنف لهذه الأمة نهضتها الإسلامية، بل هو يشعر أن العمل السياسي الإسلامي يحتاج إلى الكثير من التسديد والتأييد حتى ينجح في استعادة هذه الأمة إلى رحاب الإسلام العظيم، ولم يكن يبخل على حركات المقاومة في كل بلاد العالم الإسلامي ويعتبرها جهاداً في سبيل الله حيثما وجد عدو يحتل شيئاً من أرض المسلمين أو أوطانهم".
ويقول الأخ عبدالواحد أمان: "إلى دار الخلد منزلك ومقامك يا أبا بدر إن شاء الله تعالى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، هذا دعاؤنا الذي نحبه ونتشوق إليه وما كرست له حياتك وجاهدت به نفسك، فبذلت وأعطيت وصبرت وسهرت. نسأل الله لنا ولك العافية.
إن رفقة الدرب التي امتدت لأكثر من خمسين عاماً نعتقد أنها كافية أن تؤهلنا للشهادة الطيبة عن عملك وسيرتك في الحياة الدنيا ولا نزكي على الله أحداً، فقد كنت وفياً لدعوتك، وإخوانك، صادقاً ثابتاً معتزاً بانتمائك، كنت تستشرف دائماً حياة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فتتوق إلى اللحاق بهم.
كنت شديد الحب لله ورسوله، وكنت تعلم أن الحب يصدقه الاتباع، فحرست أن تتبع مع علمك التام أن سقف الاتباع عال يحتاج إلى صبر وتشمير فصبرت وشمرت شعارك قوله تعالى: إن الله اشترى" من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة(التوبة:111).
فعقدت العهد مع الله أن تتبع سيرة نبيك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم لا لتنتقي منها انتقاء يتماشى مع هواك ورغباتك وميولك، إنما اخترت الأصعب منها والأثقل في ميزان الله وكنت تعلق على معنى الآية الكريمة: إن الله اشترى" من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، هل نحن ملكنا الأموال والأنفس حتى نعود فنبيعها لله فهي وديعته سبحانه وينظر ما نحن بها صانعون كرماً منه وتفضلاً أن هدانا لإخراج حق الفقير منها كما أمر، ثم عاد سبحانه يكرم عباده المتبعين من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبصط وإليه ترجعون 245(البقرة:245).
كان يرحمه الله يحب الحديث في معاني تلك الآيات ويتفاعل معها كثيراً وكان يردد دائماً قوله لي: "أخي أرجو أن تدعو الله أن يقيني شر الشح" هذه كانت أصول منطلقاته في مسائل المال والتصرف فيه والتي انعكست على واقع حياته وسيرته التي يشهد عليها معي خلق كثيرون.
لقد بدأ انتماؤه الفكري لدعوة الإخوان المسلمين قديماً يوم أن قابل المرشد العام للإخوان المسلمين الإمام الشهيد حسن البنا في موسم الحج 1946م، بمكة المكرمة والمدينة المنورة، ثم كانت انتماؤه التنظيمي حين أنشئت جمعية الإرشاد الإسلامي في الكويت أوائل الخمسينيات، ثم بعد أن حلت الحكومة جميع الجمعيات والنوادي في 1958م، كان له الدور البارز لاستئناف نشاط الجمعية فكانت "جمعية الإصلاح الاجتماعي" 1963م التي هي امتداد لجمعية الإرشاد".
ولن أستطيع ذكر كل من قالوا فيه كلمة الحق وشهدوا له بالخير، فهم فوق الحصر من الحركات الإسلامية المعاصرة والدعاة المسلمين والعلماء والعاملين والشباب الصالحين من داخل الكويت وخارجها، فقد كان رجل الإسلام على مستوى العالم ومنارة القاصدين لرفعة الإسلام وإعلاء شأنه.
وفاته
توفي ظهر يوم الأحد 10 شعبان 1427ه 3-9-2006م في الساعة الثانية عشرة بمكتبه إثر أزمة قلبية خلال عمله ومتابعاته لشؤون العمل الإسلامي وقضايا المسلمين، وقد شيع صباح يوم الإثنين، حيث دفن في مقبرة الصليبخات بالكويت، وشارك في التشييع أكثر من عشرين ألفاً من أهل الكويت، وفي مقدمتهم ولي العهد ومن الوفود القادمة من الخارج وفي مقدمتهم وفود الإخوان المسلمين في مصر والأردن والسودان ودول الخليج وغيرها، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
وقد رثاه الكثيرون من إخوان وأصحابه وتلامذته بقصائد كثيرة مثل الأخ محمد العرفج والأخ عدنان النحوي وصلاح القناعي، وسليمان الجارالله، وبشار البيانوني، وأبوالقيم الكبيسي وغيرهم كثيرون لا يتسع المجال لذكرهم وذكر قصائدهم الرثائية، وقد نشرت مجلة المجتمع الكويتية الغراء بعض هذه القصائد،