حد إهانة الدين هو حد الردة أيها النائب فيصل المسلم ..

 

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى جناب الأخ فيصل المسلم وفقه الله لما يحب ويرضى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،

فأكتب إليك كتابي هذا قياما بواجب النصيحة ، سائلا الله عز وجل وجل أن يشرح لنصيحتي صدرك، ويبصر بها قلبك، وأن يوقعها منك أحسن ما يوقع كلام أخ مشفق على أخيه موقعا.

وذلك أن جريدة الوطن الكويتية قد نشرت في عددها الصادر في يوم الاثنين 26. 1. 2004 أن النائبين علي الراشد ، وفيصل المسلم قد تقدما باقتراح بقانون ابتغاء تجريم كل قول أو فعل من شأنه إهانة الرسل والأنبياء وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو من شأنه إهانة الكتب السماوية الثلاثة، وأن تكون العقوبة بالحبس مدة لا تزيد عى 10 سنوات، وبغرامة لا تتجاوز عشرة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين. وذلك استنادا للمادتين الثانية والخامسة والثلاثين من الدستور، ولآية من سورة البقرة، والغاية من وراء ذلك المحافظة على الوحدة الوطنية والاستقرار والسلام الاجتماعي وعدم استثارة الشعور العام.

وأنا إذ أشكر النائبين على حسن نواياهما ، وإرادتهما للخير أذكرهما بقول عبد الله بن مسعود (كم من مريد للخير لا يدركه) فالنية الحسنة وحدها لا تكفي في قبول العمل ما لم يكن خالصا وصوابا، فأما الإخلاص فبين العبد وربه ، وأما الصواب فما كان موافقا للشرع، والباطل كل ما كان مخالفا له. وهذا العمل لا يشك مسلم في بطلانه ، وذلك من عدة وجوه:

الأول: أن التشريع حق لله تعالى وحده لا ينازعه فيه غيره قال تعالى (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله).

الثاني: أن الله عز وجل أذن للمبلغين عنه من الأنبياء والرسل أن يجتهدوا فيما لا نص فيه، وكذلك شرع النبي صلى الله عليه وسلم لورثته من أهل العلم بالشرع الاجتهاد في تقدير ما لا نص فيه وفق مقاصد الشرع، وليس في أعضاء مجلس الأمة قاطبة من بلغ هذه الرتبة ولا قاربها.

الثالث: أن العقوبات الشرعية قسمان: حدود ، وتعازير.

أما الحد فهو عقوبة مقدرة على معصية، فلا يجوز لأحد أن يعطله، أو يزيد فيه، أو ينقص منه، و الحدود معلومة منصوص عليها في القرآن والسنة في الجملة.

وأما التعزير، فهو عقوبة غير مقدرة في معصية، ومرجعه إلى تقدير الحاكم المسلم المجتهد، والقاضي الشرعي، لا لأفراد الأمة، ولا من ينوب عنهم.

الرابع: أن سب الأنبياء والرسل وإهانة القرآن ردة تخرج المسلم من دين الله عز وجل، وأما المعاهد، فإنه ينتقض عهده بذلك، فإنه ما على هذا عاهدناهم كما قال عمر رضي الله عنه. وحد الردة من الحدود المنصوص عليها، المجمع على وجوب العمل بها عند المسلمين أجمعين على تفصيل بينهم في ذلك، ولا عبرة بآراء بعض "الشاذين" من المعاصرين المصروعين على عتبات المستشرقين.

الخامس: أن عقيدة المسلمين أجمعين من لدن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا وإلى أن تقوم الساعة أن كل دين غير دين الإسلام فهو باطل، وأن كل من لم يرض بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا فهو كافر بالله العظيم، مؤمن بالطاغوت، وهذه مسلمة لا ريب فيها، واقرأ إن شئت كتاب الله عز وجل فستجدها مبثوثة في ثناياه ، وتأمل آية الكرسي والآيتين بعدها فستجدهما كما ذكرت لك، كما أن المسلمين يعتقدون أن التوراة والإنجيل الموجودين الآن قد طرأ عليهما تحريف وتبديل وهذا مما لا يشك فيه مسلم كذلك، بل حتى أتباعهما يعلمون ذلك، وعند كل طائفة من طوائفهم من النسخ ما ليس عند الأخرى، فهل هذا يعد ازدراء واحتقارا، أم إيمانا وتصديقا.

السادس: روى الإمام أحمد والبخاري وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرى شيئا في تصاليب إلا نقضه. والمعنى أنه إذا رأى رسم الصليب على ثوب ونحوه أتلفه وغير صورته؛ لأنها شعار على اعتقاد فاسد باطل. فهل من فعل ذلك من مسلم اليوم يكون في رأيكم مجرماً مفسدا في الأرض. وهل سبقكم أحد من أهل العلم إلى مثل قولكم.

السابع: الواجب على كل مسلم أن يرجع عند التنازع إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ويحرم عليه الرد أو حتى إرادة الرد إلى غيرهما .

الثامن: قد كنا نحسب من يسمون بالإسلاميين إنما دخلوا المجلس من أجل المطالبة بتحكيم الشريعة، وتعديل الدستور، وخاصة المادة الثانية منه، وإذ بنا اليوم نسمع من يتحاكم منهم إليها ، ويستند عليها، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على حالة التردي ، والهوان، أو باصطلاح الشرع حالة الفتنة التي وقع فيها بعض الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وخلاصة القول أن هذا الاقتراح مشتمل على القول على الله بلا علم، وتبديل الشرع المنزل، والتحاكم إلى الطاغوت، فأنصح الإخوة هدانا الله وإياهم بتقوى الله عز وجل، وأن يشاوروا أهل العلم قبل الإقدام على مثل هذه الأفعال. والله الموفق .

د. حامد بن حمد العلي
‏الاثنين‏، 04‏ ذو الحجة‏، 1424
الموافق ‏26‏/01‏/2004‏
الساعة: 03:10:18 ص
د. حامد بن حمد العلي
جامعة الكويت كلية الشريعة
ت: 9621822
فاكـس: 4819343

الكاتب: د.حامد بن حمد
التاريخ: 01/01/2007