من الذي يحرك من ؟ المبدأ أم المال في أمريكا ؟

 

  من الذي يسيطر على الآخر في أمريكا ؟
                           هل الدولار يسيطر على حركة الأفكار ؟
                  أم أن حركة الأفكار هي التي تهمن على حركة الدولار ؟
 
بقلم د. ماهر أبو ثائر
 
سؤال يتداوله المتابعون للشأن الأمريكي، والمتأملون لكيفية فهم وتعاطي الأمريكان للمبدأ الرأسمالي، لأن طرفي المسالة قد باتا في اندماج وتداخل يصعب معه أحيانا فصلهما قبل ترتيبهما، وقد تسهل المسألة إذا تم التعامل مع الطرفين ابتداء على اعتبارهما جناحين لطائر جارح بقلب من النفعية ينبض بدماء الشعوب المضهدة بين أظافره.
 
وبالطبع يتبع هذا السؤال أسئلة مرتبطة تتعلق بتفسير سياسات أمريكا في العالم، ومن الأمثلة على ذلك:
هل الدافع الأساسي وراء استراتيجية أمريكا التي ترسم تحركاتها العالمية هو نشر مبدئها المتبلور حاليا بأفكار الديمقراطية ؟ أم هو السيطرة على اقتصاد العالم وحركة الأموال من خلال نشر المبدأ ؟
وهل المسلمون هم الأعداء الوحيدون لأمريكا في العالم لما يحملون من مبدأ بديل ناسف لمبدأ الغرب ؟ أم أن هنالك قوى وشعوبا أخرى تراها أمريكا خصوما لما يكمن فيها من تهديدات اقتصادية بحته كالصين مثلا - بعيدا عن حرب الأفكار ؟
 
هذه مسألة جديرة بتدارسها لفهم واقع العدو الأول للأمة الإسلامية، ولمعرفة طبيعة من أو ما الذي يحرك هذا العدو.
 
صحيح أن العالم يشهد الآن صراع حضارات قوي يتجسد بوضوح بين الإسلام والغرب، وأن الغرب يصرف الدولار لتلويث الأفكار لدى المسلمين ولتغيير طريقتهم في العيش. 
 
وصحيح أن الغرب قد جاء بقضه وقضيضه ليحتل بلاد المسلمين عسكريا.
 
وصحيح أن دوافع ذلك الاحتلال تشمل الفكر والسياسة، مما يتضمن محاربة الإسلام (كمبدأ ودين) الذي يسمى إرهابا، وكذلك استباق المسلمين من الوصول إلى الحكم وطرحهم سياسة عالمية بديلة ومنافسة لسياسة الغرب، وبالتالي يهدف الغرب لقطع الطريق على المسلمين لنشر مبدئهم الإسلامي في العالم من خلال دولتهم، كما عبر كثير من ساسة أمريكا عن فكرة الخوف من احتمال قيام الخلافة في العراق (أو "إمبراطورية" إسلامية من أندونيسيا إلى إسبانيا كما عبّر بوش) إذا انسحب الأمريكان منها.
ولكن كل ذلك الصراع الفكري والسياسي والعسكري لا يتم بدون أصابع مطلية بالذهب تحرك تلك السياسات.
 
وكل ذلك الاحتلال وتلك الحروب يصعب تفسيرها بعيدا عن مسألة تحريك الاقتصاد الأمريكي وفتح الأسواق للاستثمار في الصناعات الحربية التي يهمن عليها أرباب الدولار.
 
وقبل كل ذلك كله وبعده، فإن منابع النفط كانت ولا زالت مصدر إغراء يسيل لها لعاب الغرب منذ اكتشافه. 
 
ومن ثم أيضا فإن الخوف من قيام كيان مخلص للمسلمين في العراق مثلا ليس تهديدا فكريا سياسيا بحتا، بل يتضمن بلا شك خوفا من تهديد هذا الكيان الجديد لمصالح رجال المال والاقتصاد في مجال النفط، بالقدر الذي يتضمنه من التهديد لطريقة العيش التي يطرحها المبدأ الرأسمالي.
 
إذن لا بد من وقفة أمام هذه المعادلة الصعبة في الإستراتيجية الأمريكية، وخصوصا لدى التفكير في تأثير أصحاب الشركات العملاقة في وضع الخطوط العريضة لمستقبل أمريكا والعالم ! فهم الذين يملكون الدولار الذي  يمنح القدرة على الترويج الإعلامي للسياسات ولحشد أصوات المرشحين في الانتخابات، وبالتالي لصنع القرار السياسي ومن ثم تنفيذه. وهم المستفيدون من تلك السياسات بتنمية الثروة وإشباع حب التملك الغريزي.
 
ومن ثم فالمتفحص للأفكار التي يطرحها المبدأ الرأسمالي لا يجد فيها القدرة على استقطاب العقول والقلوب، وهما محل معركة دائرة مع أمريكا حسب ما تطرح الباحثة زينو باران من مركز نيكسون، التي ترى أن الرأسمالية والديمقراطية مهددتان في حرب الأفكار الدائرة بين المسلمون والغرب.  ولعله من الصعب أن يكسب هذا المبدأ الرأسمالي عقول وقلوب الساسة وأصحاب الشركات العملاقة أنفسهم. يعني باختصار، من الصعب تصور أحد عمالقة المال الأمريكي أن يتشرب الفكر الرأسمالي بعقله وقلبه بعيدا عما يجنيه من نفعية كما يتشرب المسلمون الإسلام بعيدا عن الأهواء (بل ربما حتى كما تشرب الشيوعيون مبدأهم –الذي كان آيلا للسقوط- واستماتوا من أجله في فترة من فترات هذا التاريخ المعاصر)، ومن الصعب تصور أن يتخذ رجل المال الأمريكي مبدأه قضية حيوية يستميت هو ودولاراته من أجلها.
 
ومن ثم ونحن ندرك أن هذا المبدأ  يقوم على النفعية وأن قيمة الأشياء في أنظمتهم ومعاملاتهم - حتى الإنسان-
 
تقدر في النهاية بالدولار، إذن فربما يمكن للبعض تقديم الدولار على الأفكار في معادلات أمريكا.
 
بينما في المقابل، الساسة هم الذين يفتحون المجال أمام تلك الشركات العملاقة لفتح العالم والسيطرة على الأسواق وعلى المصادر الحيوية في العالم.
 
وفي خضم ذلك يبحث المرء عن المفكرين الأفذاذ الذين يقودون المجتمع الأمريكي ويمكن لهم أن يوجهوه حسب المبدأ، ويمكن للناس أن تشير إليهم بالبنان كدعاة للمبدأ (كما هو الحال مثلا في حملة الإسلام في شتى بقاع المسلمين، رغم انفصامهم عن الساسة وقلة الحيلة من المال في ظل غياب الإسلام عن الحكم): فهل يجدهم ؟ أم أنه في الحقيقة يجد مؤسسات إعلامية مثلا أو مؤسسات واضعة للاستراتيجيات لا تقوم لها قائمة إلا بالدولار !
 
ثم ألا يجدر بالمفكر في واقع أمريكا والمبدأ الآن أن يتأمل ما في تصريح بوش حول حرب العراق من ردة على المبدأ الرأسمالي الذي يقوم على عقيدة فصل الدين عن الحياة عندما وصف الحرب في العراق بأنها حرب صليبية أي دينية. إذن يضحي السياسي الأمريكي بعقيدة مبدئه العلمانية مقابل مصالحه ... فهل يمكن القول في هذه الحالة أن المبدأ يسبق الدولار ؟
 
صحيح أن هذه مجموعة تساؤلات، ولكنها تصب في اتجاه واحد:
المبدأ أولا أم الاقتصاد !
المفكرون أولا أم أصحاب المال !
 
وهنا يمكن لمن يعتبر أن "شر البلية ما يضحك" أن يهزل بالمسألة في زحمة هذه التساؤلات بسخرية تشبه السخرية التي تتعامل فيها أمريكا مع العالم بتحويل التساؤل إلى:
 
"هل البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة !"
 
أم أن عصر "النهضة" الأوروبية الذي أفرز المبدأ الرأسمالية كنتيجة للتحركات الليبرالية وتقديس الحرية كردة فعل على جور الكنيسة جعل المبدأ أولا !
 
ولكن جشع الأمريكان هو الذي سيقبر هذا المبدأ، بعد أن جعل الدولار أولا !
 
هذا ما قد يتساءله بعض مفسري التاريخ مستقبلا
 
 ماهر أبو ثائر
maher_abu_thayer@yahoo.com

الكاتب: د.ماهر أبو ثائر
التاريخ: 28/12/2006