هل تنجح حماس في الامتحان الصعب؟؟

 

هل تنجح حماس في الامتحان الصعب؟؟!

 

بقلم / م . أبو القاسم 

 

 

لقد كان القيادي البارز في حركة حماس إسماعيل هنية..موفقا عندما تلا في خاتمة خطبة الجمعة التي تلت الإعلان عن الفوز الساحق..الآية الكريمة على لسان يوسف عليه السلام"رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين"..

 

وهي في نظري-الآية-تؤسس لعوامل ديمومة "الملك"..

أما مؤهلات القيادة والتصدر بنجاح لهذه المهة الثقيلة..فلخصها قول يوسف نفسه-عليه السلام-"اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم"..

وهذا يقودنا إلى خلاصة موجزة تفسر أسباب اكتساح حماس للمجلس التشريعي..بالنظر إلى برنامج الحركة المعلن في قائمة الإصلاح والتغيير..

فقوله "حفيظ"..يندرج تحته كل هذه المصطلحات:الأمانة..الشفافية..العدالة..عدم "المحسوبية"..إلخ

وقوله "عليم"..يعني..فهم الواقع الدولي..والخطوط الحمر بين الثوابت(ومنها جهاد المحتل) والمتغيرات..وتقديم الأولويات..والدبلوماسية بلا تفريط..إلخ

 

ولما كان العالم بقيادة أمريكا يمثل النقيض لهذه المفاهيم..فإن هذه الأخيرة مع أحلافها وأخدانها لم يستطيعوا إخفاء قلقهم من فوز حماس قبيل الانتخابات..فـ" قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر".. حيث لهجة التهديد ووقف التعاون مع السلطة..إلخ

 

الأمر الذي أثقل صناديق الاقتراح بالقوائم الخضراء..خصوصا مع فـَوَحان رائحة الفساد التي أزكمت أنوف الشعب الأبي  من أجهزة السلطة "الفتحاوية"..التي تسعى جاهدة لإجهاض المشروع "الحمساوي".

وثقة المتنفذين في فتح في القدرة على ذلك..مع الضمانات الأمريكية..ربما يفسر نزاهة الانتخابات..مع أن بعض المحاولات للتزوير قد حصلت..مثل السماح لعناصر أجهزة الأمن بالاقتراع من أماكن عملهم..

وهذا الفشل المرتقب في سعيهم..سيؤسس لمرحلة جديدة من القضاء على المشروع الإسلامي في بؤرة هي الأكثر حساسية في العالم لدى كل مسلم..بل لدى العالم أجمع..

وللإدارة الأمريكية في أرشيفها بديل آخر غير الإفشال القسري..وهو إمكانية تليين حماس وسحب بعض التنازلات..ولديهم في وهمهم هذا سوابق تشجعهم على عدم استبعاد هذه الفرصة..حيث التجربة التركية..وتجربة ثورة الإنقاذ في السودان..ونكوص بعض كبار قادة الجهاد في أفغانستان على أعقابهم..كسياف ورباني

وهذا بالطبع  هو الإفشال الناعم..بسياسة احتواء الإسلاميين..وهو أعظم فداحة من الأول كما لايخفى

 

وتتلخص معضلة المأزق الحماسي..في ثلاثة أمور:-

1-الوضع الداخلي..ويتضمن إصلاح الفساد..بكل ما يعنيه من إثارة للمتنفعين القدماء  والمرتزقة والعملاء ومواجهة  "فتح" باحتوائها وهي ذات القاعدة العريضة والتي تصر أن تمثل دور "المعارضة"..واستمرار توفير الخدمات الاجتماعية..إلخ

2-آلية الجهاد والمقاومة والتعامل مع المحتل بصوره كافة.. وقد قالها وزير الإرهاب الصهيوني موفاز بصراحة: "إن فوز حماس يعني أنه لن يكون للدولة العبرية شريك فلسطيني في المفاوضات، لذلك على العالم أن يتفهم إقدام إسرائيل على الخطوات أحادية الجانب"

 

3-التعامل مع المجتمع الدولي..الذي تعالت صيحاته منذ الفوز بأنه لا تعامل مع حماس إلا باعترافها بإسرائيل وتخليها عن "العنف"!

 

وكل هؤلاء..لايبدو للناظر فيها ما يشير إلى أي تفاؤل..

وهنا يبرز التساؤل المهم..هل ستتمكن حماس من قيادة الدفة إلى بر الأمان؟ وكيف ذلك؟

 

 في ظل قتامة هذه الظروف..لابد من أضواء تنير الطريق..وترسم معالم المستقبل..بحيث لاترجع حماس القهقرى..ولا تتردى في مهاوي المفاوضات تحت أي ضغط..ولو أدى بها أن تجد نفسها خارج قبة البرلمان دون أي إنجاز يذكر..وهو بالمناسبة أ مر غير مستبعد في النظرية الديمقراطية ,,فصلاحيات  محمود عباس تخوله من حل المجلس..باصطناع أي مشكلة

وعليه لابد من نظرية متكاملة..تكتنف بنودها البدائل المشروعة..في خطة حماس.. تحرج من خلالها المجتمع الدولي..وتظهر عوار المنافقين..وتخرج منها في أسوأ الحالات..بلا خسارة..على أي صعيد..والأسد يبقى أسدا يزمجر..ولو وضعوه في الحبس ..يظل محتفظا بلقب:ملك الغابة

 

وبالنظر إلى عناصر المأزق المتقدم ذكرها..يمكن..وضع بعض الأسس والإضاءات

 

أولا-الوضع الداخلي..وجوهر حله بطبيعة الحكومة المشكلة..

وتتمثل ملامحها في نظري بنقاط:-

-أن تضم جميع الفصائل.. ومن خارجها ..ولكن عبر اختيار الشرفاء بعناية شديدة..أي حكومة ائتلاف..فإن تعذر ذلك:-

-أن يكونوا من ذوي الاختصاصات والخبرات الفريدة غير الحزبيين ..من غير وجود فتح المتعنتة ..أي حكومة تكنو قراط

ويكون فيها وزراء من حماس في المواقع الأهم

-أن يكون معروفا عنهم ميلهم الإسلامي في ولو في الحد الأدنى المطلوب لضمان التناسق بين المواقف..وليبارك الله تعالى في تضافر جهودهم..

 

ثانيا-التعامل مع الاحتلال :-

ويكمن ملخص حل الإشكال..برفع حماس لشعارات مطابقة لقرارات الأمم المتحدة دون التورط في الاعتراف بإسرائيل..

فتضع شروطا مسبقة للتفاوض..وكلها بالطبع قانونية..كهدم الجدار..والانسحاب من حدود الرابع من حزيران..

وإخلاء المغتصبات في هذه الحدود كافة..وترفع أثناء هذه المسيرة.الثوابت المعروفة..كقضية القدس وعودة اللاجئين..

هذه  الشروط بطبيعة الحال..لن تنفذها( إسرائيل)..الأمر الذي سيحرج المجتمع الدولي ويرسخ لمشروعية استمرار المقاومة..وسيقود ذلك لأزمة في المواقف الأمريكية..يشتد أوراها مع تصاعد الضربات الجهادية في العراق..إضافة للملفات الساخنة التي توحلت فيها كإيران..وسوريا..وبروزخمس دول ثورية معارضة للنهج الأمريكي في أمريكا اللاتينية..ولك أن تتصور درجة الأزمة الأمريكية للحد الذي جعل بوش يستدعي كل وزراء الخارجية والدفاع السابقين بعد غيبوبة شارون الأخيرة لاستشارتهم

وباختصار إن إدراك مدى  الضعف الأمريكي..جزء مهم من وقود الثبات على المباديء..والرسوخ على الثوابت

 

ولا يهم هنا..ما سيودي إليه هذا الطرح..حتى لو أدى إلى اقتلاع الحماسيين من القيادة بالقوة..فإن الشعب ساعتها سيغدو كله حماسا..بل الشعوب الإسلامية التي لم تعد  ساذجة كأيام الستينات..

وسنن الله يطوعها الله تعالى في صالح من يتماشى مع منهجه..ولو تبدى للناس غير ذلك في باديء الأمر..

 

ثالثا-أما المجتمع الدولي..فلن تعدم حركة حماس دولا تدعم مواقفها..لأن العالم في الأصل..بما فيه الاتحاد الأوروبي

..بات يمج السياسات الأمريكية(وإن كان ينافق على مضض)..ويلفظ المواقف الاستكبارية التي تتفرد بها إدارة بوش ..

ومما يدل على ذلك ما كشف النقاب عنه إسماعيل هنية الذي قال إن رئيس دولة أوروبية محترمة قال لحماس ان تصريحات سولانا لا تعبر عن كافة دول الاتحاد الأوروبي ، وأن دولته مستعدة أن تتعامل مع نتائج الانتخابات التشريعية لو فازت حماس فيها'.

ويجب على حماس ألا تسمح لأي طرف أن يختزل موقفه في مطالبتها بالاعتراف بإسرائيل..

فتواجه هذا الطلب..بضرورة أن تتعهد إسرائيل بتنفيذ جميع قرارات الأمم المتحدة..والاعتراف بحركة حماس وحق الشعب في المقاومة..وساعتها..أي إن تعهدت الدول بالتزاماتها..وأولها إسرائيل..فيمكن لحماس أن تقول..إن حصل ذلك كله..فطالبونا حينئذ بالاعتراف!

 

وينبغي التنبيه أن هذه اللحظات الحاسمة وبعد فوز حماس..يكون لكل كلمة يلقيها أي قيادي تأثيرها الدولي الخطير..بخلاف مالو كانت حماس غير ممثلة في المجلس التشريعي..فيشفع جهادهم ساعتئذ في حمل أي تصريح على التأويلات الحسنة..لأن الدماء أصدق أنباء من أي شيء

 

وأهم من الدعم الدولي الرسمي في نظري..أن يتوحد نفس الشارع الإسلامي في نصرة إخوانهم المجاهدين..

وأن يكون هذا النفس طويلا أيضا بطول المسيرة..بحيث لايكون مجرد ردة فعل مؤقتة..

 

ومما يجب التأكيد عليه لنجاح المهمة الصعبة..ما وجهه الشيخ المجاهد خالد مشعل في كلمته مخاطبا أفراد حماس..بالتواضع لله تعالى ..وعدم عزو الفوز لذوات نفوسهم ..وهذا يعيدنا إلى ما بدأنا به من عوامل استمرار الغلبة..والظفر..

حيث قال يوسف عليه السلام بعد اعترافه بنعمة الله تعالى وإقراره بفضله(وهذا هو التواضع والشكر)..قال بعدها:"فاطر السماوات والأرض توفني مسلما وألحقني بالصالحين"(وهذا هو التوكل على الله تعالى ولزوم الصراط أي المباديء)..

والذي صفته "فاطر السماوات والأرض "لا يعز عليه أن يغلب المستضعفين القلة..على المستكبرين الجبابرة

ولعل ظاهرة التعدي على مقام النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم..مما يبشر بالنصر..كما يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى

إن الحصون كانت إذا استعصت على الفاتحين..وقام الأعداء بشتم الرسول صلى الله عليه وسلم..استبشر المسلمون بالنصر..ثم لم يلبث أن يتحقق النصر


الكاتب: م.أبو القاسم
التاريخ: 28/12/2006