المرحلة القادمة من حرب الحجاب: تحرير المصطلح وإهدار الدم

 

المرحلة القادمة من حرب الحجاب: تحرير المصطلح وإهدار الدم

إن الهجمة الشرسة التي يشنها التحالف العلماني الصهيوصليبي على أعراض المسلمين ضمن حربهم العامة على الإسلام وأهله هجمةٌ متعددة المحاور؛ فهي تشمل في محاورها النظرية استثمار الشهوات وإثارة الشبهات، وفي محاورها العملية اعتداءً حسياً مباشراً على أعراض المسلمين. ولقد استعرت هذه الهجمة في الآونة الأخيرة وألهبها حقدٌ صليبيٌ يهوديٌ دفين، وأصبح استهداف المسلمات في أعراضهنّ عنوان التناصر بين حزب الشيطان وعملاء الطاغوت من بني جلدتنا ضد حزب الإيمان المرابط على ثغور التوحيد المدافع عن الدم والعرض والمال المسلم. وأريد في هذه العجالة أن أنبِّه نفسي وإخواني على أمرين اثنين يتعلقان بكلٍ من المحور النظري والعملي لحرب العلمانية الصهيوصليبية على أعراض المسلمين ألا وهما: تحرير المصطلح وإهدار الدم.

أولاً: تحرير المصطلح: إنها حربٌ على الحجاب لا النقاب
إن من أخطر وسائل أعداء الله في حربهم على الإسلام وأهله والتضييق على التوحيد وحزبه التلبيسَ على الناس بحرب المصطلحات. فبالمصطلح المدسوس يتم التفرقة بين المتماثلَين والتسوية بين المفترقَين بغير ما فرَّق به الله تعالى أو سوَّى. فلقد اخترعوا اسم "الإسلاميين" ليفرِّقوا بينهم وبين المسلمين تفرقةً ما أنزل الله بها من سلطان، في حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"من صلَّى صلاتنا واستقبل قِبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمةُ الله وذمة رسوله فلا تُخفِروا الله في ذمته" ، ولبَّسوا بمصطلح "الإنسان" ليُسووا بين الرجل والمرأة وقد قال تعالى: (وليس الذكر كالأنثى) ، وقال تعالى: (وللرجال عليهنَّ درجة) ، ولِيسوّوا بين المؤمن والكافر تسويةً ما أنزل الله بها من سلطان في حين قال الله تعالى: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين. ما لكم كيف تحكمون) .
ولقد تسرب حرب المصطلح إلى معركة العرض المسلم، ووقع كثيرٌ من الغيورين في فخ المصطلح حيث وصَّفوا الهجمة الحالية بأنها "حرب على النقاب"، فوافقوا العدو من حيث لا يشعرون في سياسة التفرقة الباطلة بين المتساويين تمهيداً للتدرج بالفتك بكل فئةٍ على حدة. إن المسلمة التي تتعبد لله تعالى بالتزام الحجاب الشرعي تقف في خندقٍ واحد مع أختها الأخرى التي تتعبد لله تعالى بالتزام الحجاب الشرعي أيضاً سواء اتفقتا على جزئيات هذه العبادة أم لا. فالمسلمة التي تلتزم الحجاب على الاجتهاد القائل بجواز كشف الوجه بضوابط هذا الاجتهاد (كأمن الفتنة ونحوه)، والمسلمة التي تلتزم الحجاب على الاجتهاد القائل بوجوب ستر الوجه إنما هما أختان ملتزمتان بنفس العبادة واقفتان في نفس خندق التصدي للعدوان على الحجاب مطلقاً. وإن العدوان على واحدةٍ منهما في صورة عبادتها الخاصة عدوانٌ على الأخرى ولو لم تُستهدف صورة عبادتها، فإذا نُزِع الخمار عن وجه من التزمت الخمار كان ذلك في المعنى عدواناً على من لا تلتزم تخمير الوجه وجوباً في عبادتها لله بالتزام الحجاب.
من الغفلة إذاً أن نسمي الحرب في مرحلتها الحالية حرباً على النقاب أو الخمار، لأن هذه التسمية تُشعر من لا تلتزم وجوب الخمار في حجابها بأن الأمر لا يعنيها، وتؤدي إلى تبلِّد حس الغيرة لدى أولياء المسلمات غير المتخمرات، حيث يرون ويسمعون العدوان على المختمرات فلا ينفعلون لذلك لأنها حربٌ على النقاب فحسب، حتى إذا انتهى أعداؤنا من هذه المرحلة وانتقلوا إلى الحرب على الجلباب ثم على غطاء الرأس ثم على الأكمام الطويلة كان تبلد الحس والغفلة بحسب التزام كل مسلمة بقدرٍ معينٍ من الثياب، وأصبح التحاكم في الخطوط الحمراء التي لا يجوز تجاوزها عائداً إلى العرف الاجتماعي بحيث يمكن أن تختلف حدود حجاب المسلمة في الشرق الوسط عنه في أوروبا أو أمريكا أو جنوب شرق آسيا.
إن الحرب الحالية بغض النظر عن استهدافها فئةً معينةً هي في حقيقتها ودوافعها وهدفها البعيد "حربٌ على الحجاب"، وإني أُهيب بكل الأقلام المسلمة المجاهدة في سبيل الله أن تلتزم مصطلح "الحرب على الحجاب" في كل خبر أو تعليق أو تنبيه أو دفاع عن أعراض المسلمات مهما كانت الفئة المستهدفة من أمهاتنا وبناتنا وأخواتنا وأزواجنا. كما أستنهض داعي الغيرة الإسلامية لدى كل المسلمين والمسلمات للاستنفار ضد هذه الهجمة الحقيرة على أعراض المسلمات، والويل الويل لمن ارتضى لنفسه أن يكون في حزب الشيطان في حين تدور رحى هذه الحرب على أعراض المسلمات.

ثانياً:إهدار الدم: من قُتل دون أهله فهو شهيد...
إن الحرب على الحجاب اليوم قد أخذت بُعداً حسياً خطيراً؛ فلقد رأينا كيف تعرض جنود الكفر وعملاؤه إلى أجساد المسلمات الطاهرات في العراق وأفغانستان وفلسطين، ومن قبل ما فعلوا في البوسنة حيث الاغتصاب وهتك الأعراض، ولبئس ما أسعفت الأمة به هؤلاء النسوة من فتوى جواز إجهاض ما حملن به جراء هذه الاغتصابات الجماعية من قِبل جنود الصرب الكفرة وجنود عصابة الأمم المتحدة، وها نحن نرى اليوم إجبار المسلمات المحجبات على نزع خمارهنّ ولا داعي للتفصيل المؤلم فيما يجري للأسيرات المخذولات في سجون الكفر العلماني والصهيوصليبي. فإلى متى تهجم عصابة كلاب الكفر المسعورة على بيتٍ مسلمٍ فنقف مذهولين مستسلمين؟ وإلى متى يتحسس الكفرة المجرمون أجساد نسائنا ونحن وقوفٌ متفرجون خائفون من تهديد السلاح؟ ألا بئست الحياة بعد هذا المشهد، وبئس حقن الدم هذا بعد أن تجمد الدم في العروق وماتت النخوة في القلوب.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجلٌ يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك. قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتِله. قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد. قال: أرأيت إن قتلتُه. قال: هو في النار" ، ولقد ترجم الإمام النووي رحمه الله لهذا الحديث بقوله:"باب: الدليل على أن من قصد أخذَ مال غيره بغير حق كان القاصدُ مهدرَ الدم في حقه، وإن قُتل كان في النار، وأن من قُتل دون ماله فهو شهيد"، فهل عرض أمهاتنا وأزواجنا وأخواتنا وبناتنا أقل حظاً في نفوسنا من أموالنا التي أهدر الشرع دمَ من قصد الاعتداء عليها؟ فوالله لئن كانت أعراضنا عندنا أقل حظاً من أموالنا فإنها في شرع الله وفي فطرة كل مسلم حي القلب يقظان غيور أعظم حظاً وأولى هدراً للدماء...
فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله، أو دون دمه، أو دون دينه فهو شهيد" ، وترجم الإمام البيهقي للحديث بقوله:"باب ما جاء في منع الرجل نفسه وحريمه وماله)، ولفظ الحديث عنده:"من أُصيب دون ماله فهو شهيد، ومن أُصيب دون أهله فهو شهيد، ومن أصيب دون دينه فهو شهيد" ، قلت: ولا يخفى أن المنع والدفع على التدرج بأقل ما يمكن، ولكن إن لم يمكن إلا بالقتال والقتل فدونكم الشهادة في سبيل الله يا أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هي حربٌ على الحجاب إذاً، وهو اعتداءٌ على أهلنا وحريمنا، فالغيرة الغيرة أيها المسلمون، والدم الدم أيها المسلمون، ولا يخدعنَّكم أحدٌ بأن دفع الرجل عن حريمه يحتاج إلى إذن من ولي الأمر، فبئس الرجل ذاك وقد جاءه الإذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليستعد أحدنا في نفسه للقتال منعاً لحريمه في سبيل الله تعالى، ولتتخذي أختي المسلمة لنفسك خنجراً تحمين به نفسك وعرضك، فما أجمل القتال والقتل في الله على أي وجه كان. ولا يخدعنك إبليسُ بأنك توفر حياتك إلى قتالٍ أعظم أو إلى معركةٍ أكبر، فإن من مات قلبه عن الدفع عن عرضه وحريمه المسلم - مع اجتماع دواعي الفطرة والعقل والدين- لا يبعد أن يموت قلبه عن قتالٍ أكبر من ذلك، نسأل الله تعالى السلامة من موت القلب، والعافية من فتنة الدين والعرض والمال.
اللهم من أراد المسلمين في أعراضهم فاهتك ستره وأهلكه واقصم ظهره، واقطع عن أعراض المسلمات لسانه، وشُلَّ عن أجساد المسلمات يده، واخلع بالرعب قلبه فلا يستخفنَّ بعرض مسلمة في أدنى الأرض أو أقصاها، أنت حسبنا ونعم الوكيل، فإن ابتليتنا اللهم بشيء من ذلك فثبِّت في الحق أقدامنا، وسدد في منع حريمنا رمينا يا عزيزُ يا جبار، ولا حول ولا قوة إلا بك.
د.وسيم فتح الله


الكاتب: د. وسيم فتح الله
التاريخ: 15/01/2010