مشكلة البطالة ونظرة في كتاب الله

 

مشكلة البطالة ونظرة في كتاب الله
بقلم : خالد بن صالح الغيص
 
    غالباً ما يتكلم في قضايا مهمة في حياتنا أهل الاختصاص ، فيتكلم في القضايا الاجتماعية أهل علم الاجتماع ، ويتكلم في القضايا المالية أهل الاقتصاد ...وهكذا ، وينسى أويغفل كثير من أهل الاختصاص أنهم قبل أن يكونوا متخصصين في مجال ما فهم مسلمون يقرؤون كتاب الله الذي فيه الهدى والنور قال تعالى :.. قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) سورة المائدة ،  والذي يهدي للتي هي أقوم كما قال تعالى : إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) سورة الإسراء ، فمن تدبر كتاب الله وامتثل هديه لا بد أن يهديه للتي هي أقوم في كل شيء كما قال تعالى : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)  سورة النحل .
     لدينا قضية البطالة التي أقلقت حكومات ودول العالم جميعاً ( فبعملية بحث يسيرة في الشبكة العنكبوتية تستطيع أن تطلع على حجم هذه المشكلة ) فالكل يبحث عن حل وعلاج لمشكلة البطالة ، ونحن كمسلمين كذلك نبحث عن حل وعلاج فمنا من يشّرق ومنا من يغّرب ، ومنا من يلف ويدور حول نفسه والحل بين أيدينا كما قيل في المثل :
" ومن الغرائب أن تسير غرائب            في الأرض لم يعلم بها المأمول
 كالعيس أقتل ما يكون لها الظما          والماء فوق ظهورها محمول "

فلماذا نذهب بعيداً والحل بين أيدينا في كتاب الله ، وإطلالة سريعة في كتاب الله أستطيع أن أحدد أعظم أسباب البطالة ألا وهو خروج المرأة من بيتها ومن مجال عملها ومزاحمتها الرجل في مجال عمله ، فبدأت الحكومات والدول بدلاً من أن تهتم في توظيف الرجال إذا بها وجدت نفسها تكافح في البحث عن فرص عمل للرجال والنساء على حد سواء ، فارتفعت نسبة من يبحث عن فرص عمل وظهرت مشكلة البطالة بصورها المختلفة ، فهذه حقيقة يغفل عنها البعض أو يتغافل أو لا يريد أن يتفهمها أو حتى يسمعها ، سواء رأى ذلك البعض أم لا ، فهي حقيقة ، المرأة مجال عملها بيتها وعندما زاحمت الرجل في مجال عمله ظهرت لنا البطالة بوجهها البشع ، فالله تعالى أمر المرأة  بالقرار في البيت  كما قال تعالى : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى....... (33). سورة الاحزاب ، وبين جل وعلا في القرآن أن هناك تكاملاً بين الرجل والمرأة ، فالرجل يعمل خارج البيت ليكفل زوجته وأسرته والمرأة تعمل داخل البيت لتحقق الراحة والطمأنينة والسكينة لزوجها وأسرتها كما قال تعالى : وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) سورة الروم . فعندما جاء ذكر الرجل في الاية قال تعالى : إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ . فالمطلوب من الرجل أن ينتشر في الأرض ليطلب الرزق له ولأسرته ، وعندما جاء ذكر المرأة في الآية قال تعالى : وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً . فالمرأة لا تكون سكناً حقيقياً للرجل إلا بالقرار في البيت لتتفرغ له ولا تنشغل عنه ، وهذا التكامل ذكّرنا الله به في سورة الليل حيث يقول تعالى : وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) . فكما أن الليل والنهار مختلفان ولكنهما متكاملان غير متضادين ، فالليل له خصائصه ودوره وأثره في الخليقة فكذلك النهار ، وهذا من المتفق عليه الذي يوصلنا إلى المختلف عليه بين البشر وهو دور الرجل والمرأة فجاء القسم بهما في هذه السورة بعد القسم بالليل والنهار مباشرة من غير فاصل  ليبين الله تعالى إنهما وان كانا مختلفين في الخلق والتكوين الا أنهما متكاملان غير متضادين كتكامل الليل والنهار ،  فللرجل دوره وأثره في الحياة وكذلك المرأة ، وكل له خصائصه وتكوينه الخاص به لتسير الحياة ، فالرجل بما أعطاه الله من قوة وشدة وغيرها ليناسب دوره في العمل وكسب العيش ، والمرأة كذلك بما وهبها الله من حنان وعطف لتكون محضناً للأبناء وسكناً للرجل ، ولا يطغى كل على دور ومهمة الأخر فيحدث الاختلال في سير الحياة من مشكلة البطالة وغيرها *،  ولذلك جاءت أغلب عبارات القرآن في موضوع الرجل والمرأة بما يدل على دور ومهمة كل منهما في الحياة  ، فالرجل للعمل والكسب ، والمرأة للبيت والسكن ورعاية الأبناء كما مر بنا في الآيات السابقة  وكما في قوله تعالى تعالى : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ (34) سورة النساء. وكما في قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ... (11) سورة الحجرات .   قال الزمخشري في الكشاف : القوم : الرجال خاصة؛ لأنهم القوّام بأمور النساء . قال الله تعالى : { الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النساء } [ النساء : 34 ] واختصاص القوم بالرجال : صريح في الآية وفي قول زهير :أقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ ...انتهى بتصرف . وكما قال تعالى : فَقُلْنَا
*  راجع إن شئت كلام الشيخ الشعراوي رحمه الله عند تفسيره لآية سورة النساء رقم (32) على الرابط التالي :http://www.elsharawy.com/qw.html
يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)  سورة طه . قال الزمشخري في الكشاف : وإنما أسند إلى آدم وحده فعل الشقاء دون حوّاء بعد إشراكهما في الخروج؛ لأنّ في ضمن شقاء الرجل وهو قيم أهله وأميرهم شقاءهم ، كما أنّ في ضمن سعادته سعادتهم ، فاختصر الكلام بإسناده إليه دونها ، مع المحافظة على الفاصلة ، أو أريد بالشقاء التعب في طلب القوت ، وذلك معصوب برأس الرجل وهو راجع إليه . انتهى بتصرف ، وقال الشنقيطي في أضواء البيان : أخذ بعض العلماء من هذه الآية الكريمة وجوب نفقة الزوجة على زوجها لأن الله لما قال { إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة } بخطاب شامل لآدم وحواء ، ثم خص آدم بالشقاء دونها في قوله { فتشقى } دل ذلك على أنه هو المكلف بالكد عليها وتحصيل لوازم الحياة الضرورية لها : من مطعم ، ومشرب ، وملبس ، ومسكن .اهـ

    وبعد هذا العرض السريع لآيات القرآن الكريم يتبين أنه لا تسير عجلة الحياة إلا بتكامل وتضافر جهود كل من الرجل والمرأة كل من محله وموقعه الذي خلقه الله تعالى له ، الرجل في طلب العيش بالكد والاكتساب والمرأة في الرعاية والأمومة وما أن يختل هذا التكامل والتضافر إلا ويحدث الشقاء والعناء كمشكلة البطالة وغيرها **.

** لم أتطرق في هذا المقال إلا لمشكلة البطالة التي نتجت عن خروج المرأة من بيتها أما السلبيات الأخرى فلها مقال آخر بعون الله تعالى
وخروج المرأة من بيتها ومزاحمتها للرجل في موقع عمله لا أدعي أنه  السبب الوحيد لمشكلة البطالة فهناك أسباب أخرى ولكن خروج المرأة هو أعظمها ، وللأسف كل الدراسات والبحوث والقرارات التي بحثت مشكلة البطالة تكلمت وتناولت كل الأسباب المحتملة التي يمكن أن تؤثر في مشكلة البطالة إلا تأثير سبب  خروج المرأة ونحن كمسلمين يهمنا أن نحل مشاكلنا بما أمرنا به ربنا تعالى ، فإذا كان غيرنا يلف ويدور حول المشكلة ويغض طرفه عن السبب الرئيس ، فإننا نضع أصبعنا على أس المشكلة ألا وهو خروج المرأة ، فلا بد أن نبدأ الآن - قبل فوات الأوان - بإصدار القرارات والتوصيات التي تعيد المرأة إلى بيتها ووضع الحوافز المساعدة لتحقيق ذلك ، كما فعل من فعل قبل سنوات بإصدار القرارات التي أدت بعد سنوات طويلة إلى إخراج المرأة من بيتها ، ولم ييأس حتى حقق ما يريد ، كذلك علينا أن نبدأ الآن خير من أن لا نبدأ أو نستلم لليأس والواقع ، فعودة المرأة لبيتها ومملكتها الأولى يوفر على الدول والحكومات مبالغ كبيرة حقيقية ولكنها غير منظورة تدفعها الدول  من أجل رعاية الأبناء وإصلاح النشأ وحمايتهم من الجريمة والفساد وتحقيق الوئام داخل الأسرة وتحقيق الراحة النفسية للمرأة ، والتي كثير من الدول تنفق كثيراً من الأموال لتحقيقها بينما تُخرج المرأة من بيتها بحجة زيادة الدخل وهي في الحقيقة تنفق أكثر مما تجنيه من خروج المرأة . ولذلك نرى بعض الدول الآن بدأت بإصدار القرارات والتوصيات التي تشجع عودة المرأة إلى بيتها من جديد ، فلذلك أدعو أصحاب القرار في بلاد المسلمين إلى التنبه إلى هذه

القضية المهمة وهي خروج المرأة من بيتها ومزاحمتها للرجال في مجال عملهم ، والعمل على إصدار القرارات التي تعيد المرأة إلى مملكتها الاولى من جديد ، وان كان هناك حاجة إلى خروج المرأة للعمل فيما يخص شئون المرأة خاصة كالتعليم والطب مثلا  فيجب أن يكون ذلك تحت رأي ومشورة وقرار لجنة للفتوى الشرعية عملاً بقوله تعالى : فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)  سورة النحل . حتى تكون كل قراراتنا تحت مظلة شرعية فنبرأ الى الله تعالى فهو سائل كل راع عما استرعاه .
 
وأسأل الله التوفيق والسداد
خالد بن صالح الغيص
18/1/1431
ksmksmg@hotmail.com
 
 

الكاتب: بقلم : خالد بن صالح الغيص
التاريخ: 11/01/2010