ألا اشهدوا أن دمها هدر!

 

              ألا اشهدوا أن دمها هدر

 

بقلم د. وسيم فتح الله

 

لقد اشتدت في الآونة الأخيرة وتيرة التطاول الدنيء والبذيء على شخص الرسول صلى الله عليه وسلم، وما هي إلا نفحات كلاب بائسة لا تضر شمس النبوة في شيء، ولكن أين ردة فعل المسلمين حكاماً ومحكومين، بيان شجب وقلق مدفون ضمن نشرة أخبار وكالة الأنباء الإسلامية، واستجداءات واستعطافات من منظمات إسلامية تخاطب وتستجدي من أفرط في كفره وغيِّه يسفك دماء المسلمين يمنةً ويسرة، أمن هؤلاء ننتظر الإجابة؟ واثكل أماه، واثكل أماه...

 

وإننا مهما استبد بنا الغضب فلا مندوحة لنا عن الفيء إلى منهج الكتاب والسنة لنتعلم كيف نكون رجالاً قرآنيين محمديين في وجه هذه العواصف الحقود، ولذا أتقدم بخجل شديد من الله أولاً ثم من حبيبي وقائدي النبي الرسول الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، لأذكِّر نفسي وإخواني بحكم هؤلاء السفهاء ممن سوَّلت لهم أنفسهم المقيتة التجرؤ على شخص النبي صلى الله عليه وسلم، حتى نتمكن من الانقياد لحكم الله فيهم عقيدةً إذا لم نتمكن منه عملاً، وطوبى وألف طوبى لمن تمكن منه عملاً ...

 

قال الله تعالى في كتابه:"إن الذين يحادُّون الله ورسوله كُبتوا كما كُبت الذين من قبلهم"[1]، وقال تعالى:" إن الذين يُحادُّون الله ورسوله أولئك في الأذلين"[2]، وقال تعالى :" إن شانئك هو الأبتر"[3]، فهذه الآيات المحكمات وأخواتها أصلٌ في تجريم أولئك المتطاولين على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكلام والمقال، وهي جريمة لا يُقبل معها عذر، أي عذر، وتأمل معي مشهد المنافقين حين فضحهم الله تعالى:" ولئن سألتهم ليقولُنَّ إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون. لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم"[4]، ولقد استقرت هذه البداهة في عقول الصحابة الكرام كما هو واضح من المشهد التالي، فعن ابن عباس رضي الله عنه :

أن أعمى كانت له أمُّ ولد تشتم النبي‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏وتقع فيه،‏ ‏فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنـزجر، قال: فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وتشتمه فأخذ ‏المِغول[5]‏ ‏فوضعه في بطنها واتَّكأ عليها فقتلها، فوقع بين رِجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذُكر ذلك لرسول الله‏ ‏صلى الله عليه وسلم،‏ ‏فجمع الناس فقال : أنشد اللهَ رجلاً فعلَ ما فعل، لي عليه حقٌ إلا قام. فقام الأعمى‏ ‏يتخطى الناسَ وهو يتزلزل، حتى قعد بين يدي النبي‏ ‏صلى الله عليه وسلم‏ ‏فقال: يا رسول الله، أنا صاحبها، كانت تشتمك ‏‏وتقع فيك، ‏‏فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنـزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كان البارحة جعلت تشتمك ‏وتقع فيك، ‏ ‏فأخذت‏ ‏المغول ‏فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها. فقال النبي‏ ‏صلى الله عليه وسلم:‏" ‏ألا اشهدوا أن دمها‏ ‏هدر"[6]...

نعم ، هكذا كانت غَيرة الإيمان، وهكذا استقر حب النبي صلى الله عليه وسلم في قلوب أصحابه، وهكذا كان البيان من مُبيِّن الشريعة الغراء: ألا اشهدوا أن دمها هدر!

 

وإليكم بعض أقوال أهل العلم في هذا الباب أيضاً :

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول : "المسألة الأولى: إن من سب النبي صلى الله عليه وسلم- من مسلم وكافر، فإنه يجب قتله، هذا مذهب عليه عامة أهل العلم".

 

وقال القاضي عياض - في كتابه الشفا بتعريف حقوق المصطفى -  في حكم سب النبي -صلى الله عليه وسلم: " اعلم وفقنا الله وإياك، أن جميع من سبَّ النبي - صلى الله عليه وسلم- أو عابه، أو ألحق به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرَّض به، أو شبَّهه بشيء على طريق السب له أو الإزراء عليه، أو التصغير لشأنه، أو الغض منه والعيب له، فهو سابٌ له، والحكم فيه حكم الساب – يُـقتل- كما نبينه"، ثم قال رحمه الله:"وكذلك من لعنه أو دعا عليه أو تمنى له أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه، على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسُخف من الكلام، وهجر ومنكر من القول وزور، أو عيَّره بشيءٍ مما جرى من البلاء أو المحنة عليه، أو غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه، وهذا كله إجماع العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابة - رضوان الله عليهم إلى هلم جرا".

 

وقال أبو بكر بن المنذر:" أجمع عوام أهل العلم على أن من سب النبي  صلى الله عليه وسلم يُقتل، وممن قال ذلك مالك بن أنس، والليث، وأحمد وإسحاق وهو مذهب الشافعي". 

 

ونُقول أهل العلم في هذا الباب أكثر من أن تحصى، وليس المقام مقام تأصيلٍ علميٍ لبدهية عقدية كهذه، وإنما المقام مقام تنبيه الغافلين، وتعريف الجاهلين بما للنبي صلى الله عليه وسلم من حقٍ علينا تجاه أولئك الأراذل من سِفلة البشر الذينلم يجدوا لأنفسهم النتنة سبباً موجباً لمقت الله لهم سوى التطاول على خليله وصفيِّه وحبيبه، فلبئس ما اختاروا لأنفسهم...

 

فالغيرة الغيرة يا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، انظروا في أنفسكم ما قد عساه أحدنا يصنع فيمن شتم أباه، فلا يقل صنيعك مع هؤلاء القوم عن ذلك، هذه دول الكفر الصليبية قد لفظت بلسانها مالم تستطع أن تكتمه في صدورها من قيحٍ وصديد، وأسفرت عن وجهها الكالح بعد أن انكشفت سوأتها الصليبية الحقود فما بات للحياء عندها معنى، فما أنتم فاعلون؟

 

ألا فلينعقد القلب على عداء هؤلاء عداءً لا هوادة فيه، واعلم أنه بقدر ما يكون حُبك للحبيب صلى الله عليه وسلم يكون بُغضك لهؤلاء، وبقدر ما يكون حُبك وتزلفك من هؤلاء يكون بغضك للنبي صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله، واعلم أن المقام لم يعد مقام حوار أديان وصراع حضارات وبيانات مثقفين، بل المقام مقام ذلك الأعمى؛ أعمى البصر متَّقد البصيرة الذي ما استطاع أن ينام على فراش وشخص الرسول صلى الله عليه وسلم يُنتقص، فطوبى له ولمن جرى على سنته...

 

أما أنتم أيها البؤساء القابعين على كراسي الذل وعروش الهوان، يا من سحبتم السفراء من دول تعرضت بمنقصة لذواتكم، ويا من قطعتم التجارة عن دول عرَّضت بسمعة بعضكم، ويا من جيَّشتم جيوش العالم لاستنقاذ حفنة تراب مما تسمونه الوطن، وذبحتم قرابين الولاء عند كل صنم ووثن، أما أنتم فقد ماتت منكم القلوب وتعفنت، فما بتنا ننتظر منكم شيئاً، كيف وقد امتُهن المصف فما حركتم ساكناً، وشُتم النبي صلى الله عليه وسلم من قبل فلم تنبسوا بقولٍ سوى تمتمات الشجب والاستنكار الفارغ، وكيف ننتظر ممن عطل حكم الله أن ينتصر لقرآنه، وكيف ننتظر ممن يحارب سنة رسول الله أن ينتصر لشخصه، فاقبعوا في أقبية الذل المقيتة، فإنا قد خلعناكم منذ زمنٍ بعيد وما تشعرون، دونكم كراسي الحكم اهنأوا بها، أما نحن فلن نهنأ حتى نرغم أنوف كل من مس رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء، ولن نهدأ حتى تمور الأرض بهيعاتنا موراً، عنوان ثأرنا قول المعصوم صلى الله عليه وسلم :"ألا اشهدوا أن دمها هدر"

 

وبعد، فليكن أقل ما تفعل أخي المسلم أن تعلن بين الناس حكم هؤلاء، فعسى الله تعالى أن يجعل من أصلابنا من يقيم حد الله في هؤلاء، ولتذهب المصالح الوطنية ودساتير الشرعية الدولية إلى الجحيم فذاك أليق بها، وأسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يُعجِّل بالانتقام لنبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يستعملنا في ذلك، وألا يؤخر ذلك بتقصيرنا، وأسأله تعالى حيث لم يُسعفنا العمل كما أسعفنا القول، أن نكون من جنس من قال تعالى فيهم:" ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون"[7]، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

د.وسيم فتح الله 

  

 



[1] سورة المجادلة - 5

[2] سورة المجادلة - 20

[3] سورة الكوثر - 3

[4] سورة التوبة – 65-66

[5] المغول : سيف قصير رفيع

[6] سنن ابي داود – صحيح أبي داود للألباني رحمه الله

[7] سورة التوبة - 92


الكاتب: د.وسيم فتح الله
التاريخ: 28/12/2006