موت صدام.. على الكفر أم على الإسلام؟

 

موت صدام.. على الكفر أم على الإسلام؟

بقلم : بكر بن سليم بَكْرِيّ الكِنانِيّ

لم تكتب هذه المقالة للإجابة عن هذا السؤال، وإنما انتقادًا لطريقة كثير من الإخوة - في المنتديات وغيرها- في نقاش هذه المسألة، وكشفًا لحقيقة الخلاف فيها، وتذكيرًا بأمور ربما غفل عنها بعض إخواننا غفر الله لهم.

 فكتابة هذه المقالة لا تدخل فيما نهى عنه إخواننا المشرفون في الحسبة، لأن هدف المقالة هو تقريب وجهات النظر والتهوين من شأن مسألة الخلاف، فهذا نقيض علة نهيهم، وإن كنتَ ستقرأ في ثنايا المقالة رأي الكاتب في مسألة إسلام صدام فهو تابع للمقصود الأصلي من المقالة لبيان فكرة،

 وليس مقصودًا بالأصالة، ويثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالا، فأرجو أن لا يعود الإخوة إلى ما نُهوا عنه ويخوضوا مجددا في تلك المسألة.

 وبعد، فاعلم وفقني الله وإياك للهدى أن بحث مسألة إسلام صدام هو من فضول المسائل، كيف لا وهو قد أشغلنا عن ما يحصل لإخواننا المجاهدين في الصومال من محاربة شاملة من صليبيي أثيوبيا ومرتدي الصومال، وكلنا يعلم ما هم عليه من ضعف في العدة والعتاد، وشدة حاجتهم إلى نصرة إخوانهم المسلمين لهم بالمال والسلاح والرجال، والإعلام،

أفلا يرى الإخوة أن صدامًا قد أشغلهم عن مناصرة قضية المسلمين في الصومال؟ أين تعريفكم بالقضية، ونشركم لما تعرفونه وقرأتموه في بيان حقيقة الصراع في الصومال وأنه امتداد للغزو الصليبي على بلاد المسلمين، بل أينكم من متابعة أخبارهم؟ وقد انسحبوا من آخر معاقلهم كما يذكر الإعلام،

 فهل إسلام صدام أو كفره يستحق أن نترك من أجله قضية إخواننا في الصومال، بل قضية الإسلام في الصومال؟

وكيف لا تكون مسألة صدام من فضول المسائل وقد أشغلتنا عن تطورات الوضع في العراق، وقد بدأ الأميركان يلاعبون المجاهدين بخبث بعد أن أدركوا فشلهم العسكري، فهذه المرحلة هي أهم مراحل الجهاد في العراق، بل ربما كانت من أهم مراحل الصراع بين الإسلام والكفر في التاريخ،

 فقضية العراق هي أهم القضايا التي يعتمد عليها الصليبيون في حلمتهم على الإسلام، ويعتمد عليها المجاهدون لصد هذه الحملة، ولإقامة الخلافة الراشدة وتحرير بلاد المسلمين من احتلال الصليبين المباشر وغير المباشر عبر ولاتهم المحليين على بلاد المسلمين،

وسأفرد مقالة لبيان بعض ملامح هذه المرحلة الهامة من المعركة في العراق وبيان خطورتها إن يسر الله ذلك. وكلنا يقول أن مسألة إسلام صدام أو كفره ليست بأهمية هذه المرحلة من الصراع في العراق، فكيف ينشغل أهل الإعلام الجهادي بصدام ويتركون قضية الإسلام؟

 بل إن إعدام صدام له مدلولات قد تبين لنا شيئًا من ملامح الإستراتيجية القادمة للصليبيين في العراق، وما هي رسالتهم للرافضة عبر إعطاء صدام لهم؟ وما هي رسالتهم لحكام المنطقة من ولاتهم على بلاد المسلمين؟

 وكيف سيتعامل الأميركان مع أهل السنة في العراق بعد إعدام صدام؟ وغير ذلك من القضايا التي نحتاج إلى أن تصرف الجهود لبحثها واستقرائها من إخواننا، لمشاركة المجاهدين في رسم سياستهم للمرحلة المقبلة، فلا يشغلك أمر مثل ذاك عن أمر مثل هذا، واعرف دورك الحقيقي ولا تغفل عنه، واتق الله ولا تكن ممن تقاعس عن نصرة إخوانه المجاهدين بما يملك، أو عن سد ثغره الذي هو عليه، فإن كانوا هم طليعة الأمة وأيديها التي تضرب الصليبيين،

فأنتم أيها القاعدون أهل الساقة، وأنتم بالتحديد يا رواد المنتديات الجهادية لكم دور مهم، في إعانة المجاهدين في الجانب السياسي، وفي الجانب الإعلامي ولو بأن تكونوا حلقة الوصل بين الجماعات المجاهدة وعامة الناس، فكونوا صوتهم وأوصلوا قضيتهم وأخبارهم وإصداراتهم إلى الناس، ولا يشغلكم عن قضيتكم هذه قضايا أخرى جانبية.

وهذه المسألة لم تكن فقط مشغلة لإخواننا عن ما هو أهم، بل هي للأسف كانت سببًا للفتنة والشقاق بين الإخوان، ومدعاةً لأن ظهرت ألفاظ ليست بلائقة، كوصف بعض الإخوة لمن ترحم على صدام بأنه صدامي أو بعثي، أو قول بعضهم بأنه لا يقول بكفر صدام إلا خارجي، أو أن من امتنع عن تسمية صدام بالمسلم هو من جماعة التوقف والتبين، وهذه مرحلة ما كنا نتمنى أن يصل إليها الإخوة، خصوصًا وأنها في مسألة ليست من الأصول، بل الخلاف فيها مبني على مسألة جزئية.

وقد عجبت حقا أننا نجتهد في دعوة المجاهدين إلى الاتحاد، ونجمع لذلك الأصوات، وبين بعض الفصائل اختلافات منهجية أو تكتيكية، ونحن قد تفرقنا بسبب مسألة كهذه! لا أننا اختلفنا في الرأي، فهذا وارد ولا يعاب، بل العجيب أننا تفرقنا وحصلت الفتن بين الإخوة في هذا، فرحم الله من ألزم نفسه أولاً ما يدعو المجاهدين إلى التزامه.

فإذا قال القائل: ولكن تكفير المسلمين أوالتألي على الله هو أمر خطير لا يجوز السكوت عنه، أو قال أن تسمية الكافر مسلمًا هو قادح عقدي وليس أمرًا فرعيا أو هينًا، يقال له أن استحضار محل الخلاف كفيل بأن يُنزَل هذا الخلاف المنزل الذي يستحقه، بلا غلو أو تضييع.

 فالفريقان كلاهما متفقان على أن صدامًا كان من طواغيت هذا العصر ومن أشدهم إجرامًا ومحاربةً لله، وأعني هنا الإخوة مستقيمي المعتقد والمنهج، لا القوميين أو الإسلاميين المتميعين الذين كانوا يرون عبد الناصر في زمنٍ ما بطلا من أبطال الإسلام، أو من اعتبروا عرفات شهيدًا!

فهؤلاء شأنهم أعظم، والحديث معهم يكون بمراجعة الأصول لا بنقاش قضية صدام. والفريقان متفقان على أن صدامًا لو تاب تاب الله عليه، ولا يمنع من قبول توبته أنْ كان يحارب الله ويقتل المسلمين، فعمر وخالد وأبو سفيان وغيرهم كانوا من صناديد الكفر، وانقلبوا بفضل الله عليهم إلى صحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليكون أحدهم خيرًا من خير أهل عصره ممن جاءوا من بعدهم.

 فحقيقة الخلاف هي في مسألة جزئية صغيرة، وهي أن ما ظهر من صدام، هل يدل على توبته أم لا.

 فمن قالوا بإسلامه، قالوا أنه قد تاب بدليل تشهده عند الموت، وما حصل له في آخر عمر ملكه من تدريس للشريعة وغير ذلك، ثم ما آل إليه حاله من قراءة للقرآن وكثرة ترداده لعبارات إسلامية كنصرته لقضية فلسطين وإشادته بالمجاهدين.

ومن قالوا بكفره، قالوا إن ما ظهر منه ليس دليلا على توبته من كفره، فصدام - وغيره كثير من البعثيين والقوميين والديموقراطيين- ينسب نفسه إلى الإسلام وهو يظن بصحة نسبته هذه، فهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويعظم الرسول في نفسه، ويصلي، ويقرأ القرآن ويفعل غير ذلك من المظاهر الإسلامية، فإن ظهر منه ذلك بعد أن أسره الصليبيون فهو استمرار لأمره الذي كان عليه ولم يطرأ عليه شيء،

وأي غرابة في أن يفزع من يظن نفسه مسلمًا إلى القرآن عند الشدائد؟ أو أن يتلفظ بالشهادتين عند قتله؟ فليس غريبًا أن يقوم في امرئ شيء من شعب الإيمان ولا يثبت له أصله لوجود ما يناقض أصل الإيمان عنده، فكفر صدام وأمثاله لم يكن لأنهم جحدوا الشهادتين، بل لوجود مكفرات أخرى لديهم لعل جامعها مسألتا الحاكمية ومعقِد الموالاة.

فإذا كان جاحد حرمة الزنا لا يسلم إذا تلفظ بالشهادتين، بل بإقراره بما كفر بجحده، فكذلك كل كافر، لا يقال بإسلامه إلا بتركه لما كفر به وتوبته عنه، لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، فلا نقول بزوال حكم الكفر عن رجل إلا بأن يزول عنه ما كفر بسببه، وزواله يكون بالتوبة لا بتركه للعجز ونحوه. فإذا كان المتقرر عند الفريقين كفر صدام سابقًا، لم يكن هؤلاء ليقولوا بإسلامه ما لم يظهر منه ما يدل على توبته، أما ما جعله الفريق الآخر من دلائل توبته مما فعله مؤخرًا، فقد كان صدام يفعله في وقتٍ اتفق الفريقان على كفره فيه، وليس دالا على توبته عن ما وقع فيه من المكفرات، وأما كونه أسيرًا ويحتمل أنه تاب ولم يصلنا ذلك، فهذا بينه وبين ربه، أما نحن فلم نؤمر بمعرفة ما في قلبه، وإنما لنا ظاهره، وظاهره كما أسلفنا.

 فليس لمن توقف عن تكفيره تورعًا لاحتمال توبته أن يطلب ممن كفّره أن يسميه مسلمًا لمجرد احتمال التوبة.

ورغم هذا، فإن مقتل صدام قد غاظني لا محبة له أو إشفاقًا عليه، وإنما بغضًا للروافض، وفي كل ما شأنه أن يفرحهم أو يجعلهم يتشفون بالمسلمين، فأسأل الله أن لا تطول فرحتهم بقتلهم لمن يظنونه رمزًا للمسلمين بأن يحصد المجاهدون رقاب من هم حقا رموز للروافض.

 فإن كان الأمر كما سلف، والخلاف لم يكن في ما هو كفر أو إيمان، وإنما هو في مسألة فرعية وهي في كون ما ظهر من صدام قرائن على توبته أو لا، فهل كان ذلك ليستحق كل ما حصل من الإخوة من انشغال واقتتال؟

ولا يفوتني التنبيه لأمر مهم، وهو أن لا يظهر من الإخوة من يطلب من المجاهدين بيان موقفهم من صدام، فالمرحلة الآن خطيرة، ومرتكزها الأول هو السياسة، ومعلومٌ مدى تأثر العامة في العراق بمقتل صدام، فالمجاهدون أدرى بما يسعهم قوله وما لا يسعهم اليوم، وهم أعرف بالسياسة الشرعية، فلا تكن لك يد في تضييق الخيارات عليهم، ودفعهم إلى ما لا يريدون.

 هذا ما أردت التنبيه عليه، وهو قد تناول جانبًا من الجوانب المتعلقة بإعدام صدام، وهناك جوانب أخرى مهمة، وعبر كثيرة، ، تناول شيئًا منها بعض الكتاب، وما زالت هناك جوانب أخرى بحاجة لمن يتصدى لها بقدر يتناسب مع أهميتها، بغير إهمال لها أو غلو فيها، أسأل الله أن ييسر لنا من يسد بقلمه ما تركه من قبله أو غفل عنه.

اللهم اشفِ صدور المؤمنين، وعجل هلاك من آذوا الموحدين، واغفر لنا تقصيرنا في نصرة الدين. وصلِّ اللهم وسلم على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين . 


الكاتب: بقلم : بكر بن سليم بَكْرِيّ الكِنانِيّ
التاريخ: 05/01/2007