معنى الدين

 

معنـى الديــن

بقلم : د. خادم حسين بخـش

تعريف الدين : كلمة الدين مأخوذة من فعل حروفه دَان يَدِيْنُ دِيناً وديانة ، وذلك إذا خضع وذل فأطاع ، يقول ابن فارس في معجمه ( معجم مقاييس اللغة لابن فارس ) الدال والياء والنون أصل واحد ، إليه يرجع فروعه كلها ، وهو جنس من الانقياد والذُل فالدين الطاعة ، وقال صاحب مختار الصحاح : دَانَه يَدِينه دِيناً بالكسر أذله واستعبده ، وفي الحديث : الكَيِّس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت .

 الدين اصطلاحاً : اسم لجميع ما يُعبَد به الله ، وهو الملة والإسلام وهو : اعتقاد بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالجوارح والأركان ، بما جاء به محمد عليه أفضل الصلاة وأتم السلام . حاجة الإنسان إلى الدين : فَطَرَ اللهُ الإنسانَ على الخضوع والإتباع ، ولا يتحقق ذلك إلا بنموذج يضعه الإنسان نُصب عينيه ، والدين يمثل هذا النموذج في صورة محمد المبعوث من عند الله ، الذي يحمل رسالة الله إلى الإنسانية ، إذن الإنسان في أمس الحاجة إلى الدين ، لأنه به يستنير الطريق ، وعن طريقه يحقق إنسانيته ، فحاجته إلى الدين أشد من حاجته إلى الطعام والشراب والتنفس والهواء . فطرية التدين وأصالة التوحيد : خلق الله الإنسان على التوحيد ، فالتوحيد فطرة فيه ، قال تعالى : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ، وأشهدهم على أنفسهم ، ألست بربكم ؟ قالوا بلى شهدنا.....) وقال صلى الله عليه وسلم ( كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يُهَوِّدانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه ...) ولم يقل أو يُمَسْلِمَانِه ، لأن الإسلام هو الفطرة فلا يحتاج إلى توجيه ، بشرط أن يتخلى عن المسلم شياطين الإنس والجن .

 لذلك لا يشك مسلم قط أن ما تدعيه الحَفْرِيات والمكتشفات الأثرية بأن الأصل في الإنسان الشرك ، وأن التوحيد طارئ ، كذب مكشوف ، وافتراء واضح ، ومسخ لفطرة الإنسان التوحيدية ولن تسمع من هؤلاء المكتشفين إنهم وجدوا ضمن مكتشفاتهم التوحيد لأن ذلك يناقض هدفَهم الذي خرجوا من أجله ويريدون بثه في البشرية ، والحق أن البشرية تسير في خطين متوازيين لا يلتقيان ولا يرتفعان خط التوحيد وخط الشرك والوثنية .

وحدة أصول الرسالات الإلهية وأن دين جميع الأنبياء هو الإسلام : كل الرسالات التي جاء بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام منزلة من عند الله العليم الخبير ، وتمثل خطاً واحداً سلكه كل المبعوثين من عند الله ، ويظهر من تتبع دعوات الرسل أن الدين الذي دعت إليه جميعاً واحد ، هو الإسلام قال تعالى : ( إن الدين عند الله الإسلام ) والإسلام ليس اسماً خاصا لدين خاص ، وإنما هو اسم للدين المشترك الذي أتى به كل الأنبياء . فهذا نوح يقول لقومه ( فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين ) يونس 72 والإسلام هو الدين الذي أُمِرَ به أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام ( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ، ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ) البقرة 130+131 و به وصى كلٌ من إبراهيم ويعقوب أبناءهما قائلََين ( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) البقرة 132 فالإسلام دين عام طالب به كل الأنبياء أتباعَهم ، منذ أولى الرسالات إلى خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم ، ولُبُّ هذه الرسالات عبادة الله وحده لا شريك له ، ونبذ ما يعبد من دون الله اتفقوا جميعاً في المعتقدات ، إذ لا نسخ فيها ، منذ آدم إلى محمد عليه الصلاة والسلام ، وربما اختلفوا في الأحكام العملية إذ النسخ يدخلها ، فهم متفقون في المعتقدات وربما يختلفون في الأحكام العملية كأحكام الطهارة والزواج وما شابه ذلك . زمالة الأديان أو حوارها أو وحدتها في نظر الإسلام : منذ أربعة عقود الماضية ، بدأنا نسمع بين الحين والآخر ما يسمى بالتقارب بين الأديان ، أو التوحيد بينها ، أو خلط بعضها في بعض ، والخروج منها بدين يجمع بين شعاراته جُل الطقوس التي يدين بها البشر ، فيُرضيهم جميعا ، وقد عقدت من أجل ذلك العديد من الندوات والجلسات المشتركة ، بين اليهودية والنصرانية والإسلام ، منها ما عقد في مدينة روما ، ومنها ما عقد في العديد من الدول الإسلامية .

ولا شك أن ذلك بمثابة ترك الحق الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم ( تركتكم على المَحَجَّة البيضاء ، ليلُها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالك ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، وتبني الباطل الذي لا يشك مسلم في بطلانه ، قال تعالى ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ...) وقال سبحانه ( وقالت اليهود عزير ابن الله ، وقالت النصارى المسيح ابن الله ...) الإسلام ناسخ لجميع الرسالات ومهيمن عليها : القرآن والسنة كتابا الإسلام ، فشرع الله الأخير المحفوظ في كتابه جَمَعَ بين دفتيه محاسن ما قبله من الكتب الإلهية السابقة ، كالتوراة والإنجيل قال تعالى ( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه ...) ومن هنا كان القرآن هو الحاكم على تلك الكتب ، والناسخ لما جاء في تلك الرسالات السابقة ، وأما ما هو موجود في تلك الرسالات فهو مُغيَّر أو منسوخ لا يجوز العمل به . موقف المسلم من الأديان المعاصرة : يجب على المسلم أن يعتقد اعتقاداً جازما أن جميع الأديان السابقة منسوخة ، وأن دين الإسلام الأخير الذي نزل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم هو الحق الذي سيبقى إلى يوم القيامة ، وأن ما سواه من الأديان دخلها التحريف والتغيير ، وأن الصحيح منها موجود في القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم . اللهم أهد ضال المسلمين ، ورده إلى الحق المبين ، إنك قادر حكيم .


الكاتب: بقلم د. خادم حسين بخــش
التاريخ: 08/04/2008