التعهير والتخنيث والتأنيث: ثلاثية التدمير في المجتمعات الإسلامية

 

التعهير والتخنيث والتأنيث: ثلاثية التدمير في المجتمعات الإسلامية

د. وسيم فتح الله

ثلاثُ صيغ مبالغة اشتمل عليها هذا العنوان، ولست أقصد عنوان المقال بل أقصد عنوان الإختراق الصهيوصليبي الخطير في قلب مجتمعاتنا الإسلامية اليوم، تلك المجتمعات التي كانت تباهي العالم بمنظومةٍ أخلاقيةٍ عنوانُها :"إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق" ، وقدوتُها :"وإنّك لعلى خُلُقٍ عظيم" ، وتأويلُها:"كان خُلقه القرآن" ، وكان تمايزُها عن الضدِّ بمفارقة مَن صفتُه :" وتأتون في ناديكم المنكر" .


وكانت تباهي العالم بمنظومةٍ من الرجولة عنوانُها:"رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله" ، وصِفتُها:"فيه رجالٌ يحبون أن يتطهروا" ، وقدوتُها:"محمدٌ رسولُ الله والذين معه أشداءُ على الكفار رحماءُ بينهم" ، وكان تمايزُها عن الضدِّ بمفارقة مَن صفتُه :"فإذا أُنزلت سورةٌ مُحكمةٌ وذُكر فيها القتالُ رأيت الذين في قلوبهم مرضٌ ينظرون إليك نظر المَغشي عليه من الموت" .


وكانت تباهي العالم بمنظومةٍ من القَوامة عنوانُها:"الرجالُ قوَّامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض" ، وصفتُها :"وعاشروهنَّ بالمعروف" ، وقدوتُها :"خيرُكم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" ، وكان تمايزُها عن الضد بمفارقة مَن صفتُه :" والأمرُ إليكِ فانظري ماذا تأمرين" .


فأين ذهبت معالم الخيرية هذه، وأين تبددت تلك المنظومة الإسلامية الأخلاقية والإجتماعية والسياسية التي تضبط الرجال بأخلاق الكمال ليسوسوا الأمة بما يرضي اللهَ في العاجل والمآل...

لقد أدرك أعداء الله وأعداؤنا مكان هذه المعالم السامية من وصف الخيرية لهذه الأمة العظيمة، فأخذوا يُعملون فيها بمعاول الهدم المغلَّفة بشتى أنوع الشبهات والشهوات؛ فإذا بهم ينفثون سمومهم ويذْرُون زبالات عقولهم في جنبات مجتمعاتنا المسلمة يلوثون بها ثوب الطهر ويخرقون بها حجب الحياء، ويميعون بها معالم الرجولة، ويُسيِّدون بها إناث القطيع؛ فإذا بالرجال نساء، وإذا بالنساء رَجِلات قد صدَّقن ببلاهة وسخف أن إحداهن وزيرة أو قاضية أو مسؤولة أو عما قريب "ولية أمر"، فإذا بهذا الوضع المقلوب لا يختلف كثيراً عن أسلاف هؤلاء الذين نكسوا فطرة الخلق وقلبوا موازين الأمور :"إنكم لتأتون الرجالَ شهوةً مِن دون النساء بل أنتم قومٌ مسرفون" ...

إن ثلاثية التعهير والتخنيث والتأنيث التي غزت مجتمع المسلمين اليوم لا تستمد خطرها من نشر رذيلةٍ أو تخنيث رجولةٍ أو تسييد نسوة، وإنما تستمد خطرها الحقيقي من كونها منظومة متكاملة تقوم على معاندة المنظومة الربانية التي قضت شرعاً وفطرةً بأن صلاح المجتمع في حياءٍ يُحفظ، وأعراضٍ تُستر، ورجالٍ يَلُون أمر الدين والمجتمع، ومؤمناتٍ قانتاتٍ حافظاتٍ للغيب قارَّاتٍ في البيوت متابعاتٍ بالمعروف، تلك فطرةُ الله وهذا خَلْقُ الله :"ألا يعلم مَن خَلَقَ وهو اللطيف الخبير" ...

إن مظاهر العهر التي سرت في جنبات المجتمع المسلم اليوم ليست مجرد نزواتٍ فردية وزلاتٍ شهوانية، بل هي تقنينٌ وضعيٌ لتنكيس نواميس الله الشرعية ولتحليل الحرام وتحريم الحلال، حتى أضحت الدعارة مهنةً والطهارة تهمةً، وأمسى الشذوذ استقامةً والاستقامةُ تبلداً وقصوراً في صيغة التعبير الجنسي لا يلبي طموح العبد الآبق في التمرد على سيده ومولاه، وكأن الحال اليوم حال قوم لوط حين أعلنوا عداوتهم لدعوة التطهير الباطن بالتوحيد والظاهر بالترفع عن حضيض اللواط والسحاق النتن، قال تعالى:"وما كان جوابَ قومه إلا أن قالوا أخرِجوهم من قريتكم إنهم أُناسٌ يتطهرون" . نعم؛ إن مكمن الخطر في سياسة التعهير المنظم لمجتمعات المسلمين هو في معارضة منهج الله تعالى المتكامل فطرةً ووحياً بمنهجٍ وضعيٍ عنوانه التمرد على فطرة الله التي فطر الناس عليها؛ فطرة التوحيد وفطرة الطهارة وفطرة البذر في الحرث الطيب لا في أوعية القمامة...


وإن مظاهر التخنيث التي تسري في جنبات الأمة اليوم ليست مجرد خَوَرٍ وانكسار يستشعره بعض الذكور من أبناء المجتمع، بل هي منظومة متكاملة تسعى إلى تجريد الرجولة من معناها الشرعي الذي ورد في القرآن فهو حب التطهر من الأدران كل الأدران، وهو عمارة المساجد بذكر الله دونما التفات إلى تجارة أو لهو، وهو صِدْق العهد مع الله تعالى. أولئك الرجال القرآنيون إذاً؛ منهم مَن قضى نَحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدّلوا تبديلاً. وإذا برجال المجتمع اليوم بعد أن جردتهم منظومة التخنيث الغازية من هذه الصفات القرآنية إذا بهم خُشُبٌ مسنَّدة ليس لها من الرجولة إلا وصف الذكورة، ولكنها ذكورة ناقصة لأنها ذكورة ممرغة في الذل، غارقة في الهوان في مقابل حفظ الشهوتين؛ الفرج والبطن. ثم ليكن ثمن هاتين الشهوة ذلاً وخنوعاً، وليكن بيعاً للدين بعرض من الدنيا، وليكن الرجل أو الذكر طاعماً كاسياً في داره، قانعاً بالبُلغة من العيش، متلحفاً بلحاف الذل، متدثراً بدثار الخنوع والهوان، يتأول مأزوراً غير مأجور حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إذا تبايعتم بالعِينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" . إن مَن فَقِهَ معنى الرجولة في القرآن لَيدرك أن منظومة التخنيث هذه انقلابٌ على سنة الله وتنكيسٌ لفطرة الخلق السليم، وليعلم هؤلاء الذكور أن دورهم في مثل هذه المنظومة لا يقف عند الفناء في الشهوتين فحسب، بل إنهم منخرطون بحياتهم البئيسة هذه في منظومة تنكيس الفطرة، فطرة الله التي فطر الناس عليها، فتباً لهؤلاء وتباً لأمثال هؤلاء ...


وأما مظاهر التأنيث فلا يخفى أنها تتمثل في تسييد إناث المجتمع بإسناد شتى الولايات العامة والخاصة لهنّ مما لا صلاح للمجتمع ولا فلاح له إلا بإسناده لأهله من الرجال القرآنيين الحارسين لثغور الدين القائمين على شؤون المجتمع، أما منظومة تسييد الإناث هذه فمنظومة أخرى من ظواهر تمرد الخلق على الخالق وتنكيس الفطرة وقلب موازيين الأمور. وواهمٌ من يظن أنه ينقض سنة الله الشرعية :"لن يُفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة" بقدرٍ كوني يخالف ظاهرُه مقتضى هذا الأمر الشرعي فيستدل بهذا الواقع الكوني على بطلان الأمر الشرعي؛ إن امتناع العبد عن إقام الصلاة لا يدل على بطلان الأمر بالصلاة، وإنما يدل على إباق هذا العبد وتمرده على سيده ومولاه، فلا يغرنَّه أن سيده لا يزال يطعمه ويسقيه، وكذلك نقول إن نجاح ما يسميه بعض البلهاء "القيادات النسوية"في سياسة مجتمعاتهن لا يدل على بطلان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم تولية أمور المسلمين وولاياتهم العامة للنساء، لأن ذاك النجاح الظاهر ليس إلا نوع استدراج، مثله كمثل إطعام وسقي ذاك العبد الآبق الممتنع عن الصلاة، فهو يظن أن الله يكرمه بالرزق في حين أنه يستدرجه إلى غاية الذل والهوان؛ ذل الآخرة وهوانه على الله تعالى فلا يبالي به في أي أودية الدنيا هلك.

وهكذا تتجلى خطورة منظومة تسييد النساء في مجتمعاتنا اليوم بكونها تمثل لوناً من ألوان معارضة المنظومة الربانية التي يوافق فيها أمر الشرع فطرة الخلق في قوامة الرجال وولايتهم شؤؤون الدين والدنيا في حين تقر المرأة مكفولة محصنة لا تعاند لله فطرةً ولا تعصي لشريعته أمراً. أما تلك الرَجِلَة المسترجلة فلا هي لأنوثتها صانت، ولا هي على مجتمعها قامت، فتباً لنسوة أبينَ إلا أن يقعن فيمن لعنهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لتفخر بمنصب قضاء وحقيبة وزارة وولاية أمر...


ألا فليَعُد كل عبدٍ آبق إلى آخيته، وليدخل المكلفون في السِلم كافة، ولتعلم هذه الأمة رجالها ونساؤها أن لا فلاح لها في الدنيا والآخرة إلا بالتزام أمر ربها وسنة نبيها وهدي سلفها، فإنه لن يفلح الآخر بغير ما أفلح به الأول، وإنها والله السنن، ولا تبديل لسنن الله ولا تبديل لأمر الله مهما وهم الواهمون ومهما تمرد المتمردون، ولئن كان مكرُ قومِ لوط بالسعي لإخراج المتطهرين، فإن مكر الله تعالى قد أحاط بهم مصبحين، فنقول لكل من عادى الله وسنن الله ومنهج الله؛ إن موعدكم الصبح، أليس الصبح بقريب


الكاتب: د. وسيم فتح الله
التاريخ: 29/05/2007