قراءة في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة - صراع الديمقراطية والإرهاب

 

بسم الله الرحمن الرحيم

قراءة في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

- صراع الديمقراطية والإرهاب -

الدكتور ماهر أبو ثائر - فلسطين

maher_abu_thayer@yahoo.com

 

صدرت خلال الأيام الماضية استراتيجية الأمن القومي لأمريكا، ونشرت على الموقع الألكتروني للبيت الأبيض باللغة الانجليزية، وقدّمت الإستراتيجية برسالة من الرئيس الأمريكي بوش مؤرخة بتاريخ 16/3/2006، وهي وثيقة هامة من الوثائق التي تلزم المحليين والمتابعين للشأن الامريكي والشؤون العالمية، وهي بالطبع تفسر العديد من السياسات الأمريكية في العالم وخصوصا تجاه المسلمين.  أود في هذه المقالة التحليلة أن استعرض الصراع الذي تطرحه تلك الإستراتيجية ما بين الديمقراطية من جهة وما تسمّيه الإرهاب من جهة أخرى، وأن أربط ذلك بالخطر الحقيقي الذي لم تفصح عنه تلك الإستراتيجية وإن كانت قد أشارت إليه.

 

الرسالة التي تقدم الإستراتيجية تبدأ بحديث جاد مفاده أن أمريكا في حالة حرب، وأن هذه الإستراتيجية تأتي استجابة للتحديات التي تواجهها أمريكا نتيجة بروز ظاهرة الإرهاب المشتعل بايديولوجية عدائية تقوم على الكراهية والقتل، حسب تعبير بوش. هذه أولى العبارات التي يقدم فيها رئيس أعظم دولة في العالم (او شرطي العالم) استراتيجية دولته وهي في حالة حرب. إذن فأمريكا مذعورة، أو هكذا ارادت أن تبدو في هذه الوثيقة، وهي تتحرك تحرك المسعور للدفاع عن نفسها أمام هذا التهديد. قد يظن البعض أن هذا التهديد الذي يرهب أمريكا هو عسكري بحت، وهو محصور في الصراع الدموي مع من يرفع السلاح في وجه أمريكا، وبالتالي فمن الطبيعي إبرازه وخصوصا وأن أمريكا ما زالت في حالة التحام معه ميدانيا. وقد يظن البعض أيضا أن تسليط الضوء على هذا التهديد وتحديد التحدي بهذا االوضوح أمر عادي، ولكن هل يغفل العاقل أن يرى تفاهة أن تعتبر جماعة أو جماعات عسكرية مشتتة في أطراف الأرض تهديدا استراتيجيا لأمن أعظم دولة في العالم لولا أن وراء الأكمة ما وراءها !؟ وهل يستقيم عقلا أن يكون شيخ مختبئ في الكهوف، ومعه ثلة آمنت بقضيتها المصيرية، مصدر ومحل هذا التهديد لولا أنّ المبدأ الذي يحرك هؤلاء هو أكبر منهم ومن أمريكا !؟ لا يستقيم هذا التحديد للتهديد إلا على اعتباره تهديدا فكريا (أيديولوجيا) تشارك في حمله هذه الجماعات المسلحة مع أمة تمتد من أندونيسيا إلى إسبانيا (حسب تعبير بوش في مناسبة سابقة).  ومن ثم وبعد المضي قدما في مطالعة الإستراتيجية، يكتشف القارئ أن حالة الحرب المعلنة والدائرة تتحول إلى "حرب أفكار"، وأن السلاح الأمريكي فيها هو ترويج أفكار الحرية والكرامة الإنسانية وأن البديل الذي تطرحه أمريكا في صراعها هذا هو الديمقراطية. إذ يقول بوش في تلك الرسالة: "إن تقدم الحرية (liberty) سيجعل أمريكا أكثر أمنا"، ومن ثم يقول لاحقا: " لقد وقفنا من أجل نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير مواجهين تحديات ..." إذن فالمسألة لسيت ثلة من "الإرهابيين" (حسب تعبيرهم) يزعجون أمريكا وبعض الدول الغربية وينالون من مصالحها هنا وهناك، بل هي حرب أيديولوجية تقض مضجع شرطي العالم في مأمنه خلف المحيطات. هذا الكلام ليس لمتعة الإنشاء ولا لتضخيم الأمور، بل هو صريح في هذه الوثيقة الرسمية تسلط عليه الضوء هذه المقالة.

 

الرئيس الأمريكي يتحدث صراحة عن الخيارين الذين باتا محل جدل بين الساسة والمفكرين في أمريكا، وهما طريق العزلة والتحصن مقابل طريق الثقة وقيادة العالم، فيعتبر أن الأول هو خيار الخوف الذي يجتذب الذين يرون أن التحديات عظيمة جدا ويفشلون في رؤية فرص أمريكا، بينما يحدد أن إدارته تختار طريق الثقة التي تقوم على تفضيل القيادة على العزلة، ومواجهة التحديات بدل تأجيلها للأجيال اللاحقة، ومقاتلة الأعداء في الخارج بدل انتظار وصولهم لأمريكا. وأن أمريكا تتطلع لتشكيل العالم لا أن تتشكل بحسبه، وأن تؤثر في الأحداث بدل أن تكون تحت رحمتها.  هذا هو مستوى الحوار الإستراتيجي الجاري في مناخات صنع القرار في أمريكا، وهو بالطبع ردة فعل على تهديد عظيم يجعل بعض أرباب أمريكا يفكرون في الإنحسار وراء المحيط لأنهم يرونه أكبر من أن يواجه ! فما هو هذا الخطر المحدق غير تهديد أمة عابرة للقارات والشعوب والأزمان تتطلع لأن تعيد صناعة التاريخ على أساس مبدئها الذي يهدد ثقافة الغرب فيدفعه إلى حرب الأفكار هذه ؟!

 

إذن فحقيقة واقعة أن بعض الساسة والمفكرين في أمريكا بدأوا يفكرون في خيار العودة والإنكفاء داخل حدودهم كما كانوا قبل عقود من هذا الزمن، وهذا مؤشر مهم ومؤذن بعودة للوراء تبشر العالم بخير، وحتى وإن كانت الإدارة الحالية لا زالت مصرّه على خيار قيادة العالم. إذن فعندما تقوم لأمة الإسلام قائمة وعندما تنجح مقاومتها في مزيد من الضربات الموجعة لجيش المحتل المعتدي، فلا يستبعد حينها أن ترجح كفة القائلين بخيار التحصن والإنحسار، ويمكن حينها أن تندفع أمريكا أكثر خلف المحيطات ساحبة خلفها ذيول هزيمة عسكرية وفكرية مريرة.

 

ومن ثم يحدد بوش الركنين الأساسيين الذين تقوم عليهما الإستراتيجية، فالركن الأول هو الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية كطريق للعمل من أجل القضاء على الديكتاتوريات ونشر ما يسمّيه الديمقراطية الفعّالة.  والركن الثاني هو مواجهة تحديات هذا الزمن من خلال قيادة مجتمع نام من الديمقراطيّات.  إذن فحيثما قلّبت الأمر تجد الديمقراطية والصراع الفكري حولها وتجد خيار قيادة أمريكا لمواجهة التحدي المضاد. وإذن أيضا، فالمفتاحان الرئيسان في هذه الإستراتيجية هما: الديمقراطية (وأيديولوجيّتها) والإرهاب (وأيديولوجيته)، أي هي الديمقراطية التي يروّجها الغرب والإسلام الذي يحمله "المتطرفون" حسب ما يوصفون. وهذا مما لا شك هو صراع فكري قبل، وبعد، وأثناء الصرع العسكري الحالي والمستقبلي !

 

وهنا قد يقف بعض المسلمين، المنضبعين بثقافة الغرب والمغلوبين أمامها، محتجّين بأن طرفي الصراع ليسا على هذا التحديد، إذ الديمقراطية بنظرهم لا تتعارض مع الإسلام، بل هي من صميم الإسلام تطبيقا لمبدأ الشورى. والحقيقة أن هذه الفكرة أتفه من أن يردّ عليها، إذ لا يختلف إثنان من العارفين بالديمقراطية أنها حكم الشعب وأنها تجعل السيادة للشعب فيقررون طريقة عيشهم برأي الأغلبية أو من تنتدبهم الأغلبية للتشريع، فهي نظام وضعي، بينما الإسلام يقرر طريقة العيش بالوحي والوحي فقط، ولذلك فلا أساس فكري أو شرعي للقول بأي توافق بين المبدئين، ومن ثم فإن حرب الأفكار الدائرة هذه تؤكد التناقض بين المبدئين، وإلا فلماذا المواجهة ؟

 

ووثيقة الإستراتيجية هذه تتناول عدة محاور تفرض نفسها على أمريكا وتوجب عليها القيام بما يتعلق بها، شملت أساسا محور الترويج الفكري والتأثير من أجل ما يسمونه "الكرامة الإنسانية"، وهي بمثل هذا الشعار تحاول أن تصنع لها رسالة تجتذب العالم من أجل كسب الصراع الفكري مع الإسلام كتهديد رئيسي كما أسلفت. وهي بذلك تقرّ ضمنا بصراع الحضارات وتحاول أن يكون لها رسالة حضارية تنشرها في العالم تغطي خلفها سعيها لتحقيق مصالحها الرأسمالية.  ومن ثم تطرح الاستراتيجية محاور تعزيز التحالفات من أجل هزيمة الإرهاب العالمي، والعمل لحل الصراعات الإقليمية، ومنع الأعداء من امتلاك أسلحة الدمار الشامل وبالتالي منع تهديد أمريكا وأصدقائها، ومن ثم إطلاق حقبة جديدة من النمو الإقتصادي العالمي من خلال التجارة والأسواق الحرة. وتوسعة دائرة التطوير والتنمية من خلال فتح المجتمعات وبناء بنيتها التحتية نحو الديمقراطية، وتطوير اجندات للتعاون مع المراكز الرئيسية للقوة العالمية، وتحويل مؤسسات الأمن القومي الأمريكي نحو الإستجابة للتحديات والفرص في القرن الواحد والعشرين، والإنخراط في فرص مواجهة تحديات العولمة.  وتناقش وثيقة هذه الإستراتيجية كل محور من هذه المحاور على حدة، مستعرضة النجاحات والتحديات، ومبينة الطريق أمام أمريكا فيها، ومفصلة الأهداف في كل منها.  واكتفيت في هذه المقالة بتحليل المحاور التي تتعلق بموضوع الصراع ما بين الديمقراطية والإرهاب.

 

تتحدث الوثيقة عن الحرية والعدالة (ضمن محور الكرامة الإنسانية) "كمفاهيم صحيحة وكحقيقة تقبلها كل شعوب الأرض"، وبالتالي فإن على أمريكا الدفاع عن هذه المفاهيم. والتساؤل البسيط هنا: لماذا يطرح موضوع الدفاع لو كانت هذه المفاهيم مقبولة عند كل شعوب الأرض ؟ ولماذا هي في حالة دفاع لو لم تكن محل هجوم ضمن صراع فكري مرير ؟ فالدفاع لا يكون إلا عند الهجوم ! ومن ثم تدعو الوثيقة إلى الديمقراطية كونها المناخ الذي يحمي هذه المطالب الإنسانية التي هي "ليست محل تفاوض" ! هكذا الأمر بالنسبة لأمريكا، فنشر الديمقراطية قد بات قضية مصيرية لأنها  تحفظ لها البقاء.

 

ومن ثم تستعرض نجاحات في مجال ترويج الديمقراطية والحرية والكرامة الإنسانية من مثل إسقاط الحكم في أفغانستان وفي العراق، وهي تضلل في ذلك الإستعراض بإن تنسب هذا الإسقاط للشعوب، وتتناسى بسذاجة واضحة أن صور الدبابات الأمركية التي كانت ولا زالت تسرح في تلك الأرجاء ما زالت عالقة في الأذهان. وتتحدث بايجابية عن تطور الأوضاع في لبنان ومصر والسعودية والأردن والكويت والمغرب نحو مزيد من الديمقراطية والإصلاح. ولا يخفى على أبسط البسطاء أن هذه الأنظمة هي أمثلة واضحة للقمع والإستبداد ولامتهان كرامة شعوبها. وهي بالتالي تضلل هنا أيضا بسذاجة واضحة. ثم تذكر الثورات الملونة التي حصلت في جورجيا وأوكرانيا وقيرغيزستان وتصفها أنها جلبت الأمل بالحرية خلال ذلك الجزء من العالم دون أن تشير إلى صراع السيطرة على المصالح في آسيا الوسطى. وتتحدث أيضا عن تقدم الديمقراطية في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا من خلال الإنتقال السلمي للسلطة، معتبرة بذلك أن الرغبة الإنسانية نحو الحرية عالمية. وبعد ذلك لا تنكر وجود تحديات في مجال نشر الديمقراطية تتطلب دعم الشعوب الحرّة.

ومع مديح أفكار الديمقراطية والترويج لها على أنها أفكار تستحق أن تكون رسالة إنسانية، لا تخفي وثيقة الإستراتيجة أن نشر الديمقراطية يحقق مصالح أمريكا، فالوثيقة تذكر بصراحة أن ترويج فكر الحرية "يعكس قيمهم ويقدّم مصالحهم". ومن ثم تذكر أنه من أجل أن "نحمي شعبنا ونرفع قيمنا، يتوجب على أمريكا أن تنشر الحرية عبر الكون من خلال قيادة جهد دولي لإنهاء الديكتاتورية وترويج الديمقراطية الفعّالة". ورغم هذا الوضوح في تحديد المصالح حول نشر الديمقراطية لا زال بعض دعاة التغيير في الأمة يرفعون نفس هذه الشعارات وكأن مصالح الذئب والفريسة واحدة ! ولا زالوا يحاولون "أسلمة" هذه المفاهيم الغربية مدركين أو غير مدركين أنهم بذلك ينفّسون ضغط الحرب الفكرية على أمريكا عدوة الأمة والبشرية !

 

ومن ثم ضمن محور محاربة الإرهاب، تحدد الوثيقة أن أمريكا تحارب عدوا عالميا جديدا وأن الحرب على الإرهاب لم تنته، وتستعرض النجاحات التي حصلت فتتحدث عن خسارة القاعدة ملاذها الآمن في أفغانستان وعن تحطيم شبكتها، وعن القبض على خالد الشيخ محمد، بطريقة تجعل المرء يفكر أن هذه الإستراتيجية هي خطة لعصابة مافيا تطارد أشخاصا مبعثرين في أصقاع الأرض، وتحتفل بسقوطهم وليست استراتيجية لأقوى دولة على الأرض تدّعي أنها تحمل رسالة إنسانية، مما يعكس التفاهة التي ينسبها البعض إلى رئيس الدولة على استراتيجية دولته.  ويحق القول أن الهبوط لهذا المستوى من التفكير الإستراتيجي لغريب، ومؤذن بخراب عمران أمريكا، وهو تحقيق جلي ومثل عملي لنظيرية ابن خلدون حول الدول بإن "الظلم مؤذن بخراب العمران".

 

وبعد ذلك تصدع الوثيقة "بحرب الأفكار" بالقول: "على المدى الطويل، فإن كسب الحرب على الإرهاب يعني كسب معركة الأفكار" وهي بذلك تردد صدى الباحثة زينو باران من معهد نيكسون التي ما فتئت تنادي بحرب الأفكار، وهي من أوائل من صرخت بذلك. مما له العديد من الدلائل: أولها مدى تأثير رؤى الباحثين "الصغار" في استراتيجية الدولة الكبرى، فزينو باران هذه، باحثة من أصل تركي حصلت على الدكتوراه عام 1996 وركزت في أبحاثها على الإسلام السياسي المنادي بعودة الخلافة، وتعتبره تهديدا جوهريا بعد أن "استطاع أن يضرب برجي الفكر الغربي -الرأسمالية والديمقراطية- مثلما استطاعت القاعدة أن تضرب برجي الإقتصاد في نيويورك" كما تطرح (وأنظر مثلا مقالها بعنوان مباشر: القتال في حرب الأفكار - Fighting the War of Ideas- في مجلة الشؤون الخارجية (Foreign Affairs . November / December 2005). فحق لهذه الباحثة أن تفخر بأنها من أعظم المؤثرين في استراتيجية أعظم دولة على الأرض على حداثة عهدها بالسياسيات والاستراتيجيات، فعقد من الزمن في مجال البحوث السياسية والاستراتيجية جعلها تطفو على السطح الاستراتيجي لأمريكا! ولكن ربما الأمر ليس بهذه البساطة، فهذا المكانة التي تبوّأتها لم تكن لتحظى بها لولا أنها اختارت دراسة وتحليل خصم شرس لأمريكا، وسلطت الضوء عليه وعلى خطورته ! ولا اريد في هذه المقالة أن أحدد هذا الخصم العظيم بالإسم، وإنما يكفي للقارئ أن يجري محاولة بحث بسيط على إحدى محركات البحث على الإنترنت تحت اسم (Zeyno Baran)، أو أن يزور موقع مركز نيكسون ((www.nixoncenter.org  الذي تعمل به باران، ليكتشف اسم الخصم بنفسه.

 

وهذا التحديد الإستراتيجي لطبيعة الحرب بأنها حرب على الأفكار يؤكد ما تطرحه زينو باران من نجاح حملة الإسلام السياسي – الخصم- في معترك الصراع الفكري مع أمريكا، بحيث أصبح الموضوع تحديا استراتيجيا يتطلب تحركا من نوعه.  ومن ثم يقرر قوة هذا الفكر المضاد الذي هو في صميم أمة تمتد على جناحي صقر يربض على قلب العالم "من أندونيسيا إلى إسبانيا" ! إذن فخطورة الموقف لا شك فيها، فهل تدرك هذا الموقف النخبة المثقفة التي ما فتئت ترى أن أمريكا بمثابة فرعون الذي قال: "أنا ربكم الأعلى"، ولا زلت تقدم له الولاء الفكري متمثلة قوله: "قال فرعون ما اريكم الا ما ارى وما اهديكم الا سبيل الرشاد". كفى هؤلاء المثقفين تأليها لأمريكا وخنوعا لأربابها، وآن لهم أن يدركوا أنها تترنّح تحت ضربات المجاهدين في حرب عسكرية وتحت ضربات العاملين للتغيير الجذري في الحرب الفكرية وقد أفلست الحيل. وإن لم يصّدقوا كلام أمثالي من الناطقين بالضاد لأنهم لا زالوا تحت سكرة الإنبهار والإنضباع بما أنجزته أمريكا، فليصدّقوا مثلا كلام الخبير الاستراتيجي النزويجي الذي استضافته قناة الجزيرة في برنامج "بلا حدود" مساء الأربعاء الموافق 22/4/2006، فجزم بسقوط أمريكا وانهاريها ضمن عقدين من الزمن !

 

فحتمية سقوط أمريكا مقطوع بها، وحتية قيام قوة عالمية بديلة على أساس فكر عالمي يكون جديدا على الساحة السياسية أيضا مقطوع بها. ستقوم قائمة الأمة الإسلامية في دولة تخشاها أمريكا قبل قيامها، بل تخشى عصابة من المؤمنين يحملون فكر هذه الدولة ولمّا تقم لهم قائمة، وتعتبر تهديدهم استراتيجيا.  وعلى الرغم من أن هذه الوثيقة لم تذكر لفظ الخلافة بنفس الصراحة التي عبر عنها العديد من قادة أمريكا من أمثال رامسفيلد وغيره في معرض التعبير عن الخوف من ظهورها من جديد، إلا أنها لم تخف ذلك، فذكرت الوثيقة أن الإرهابيين "العابرين للشعوب" - transnational- الذين يواجهوننا اليوم يشوهون دين الإسلام من أجل خدمة رؤية سياسية عنيفة وهي إقامة إمبراطورية شمولية لا تعترف بكل أنواع الحريات الدينية والسياسية من خلال الإرهاب. وهذا الوصف لديهم لا ينطبق إلا على دولة الخلافة التي يعبر خصم أمريكا عن تفاصيلها بما يفهم أمريكا هذه الأوصاف.

 

هذه هي استراتيجية أمريكا، وهذا هو التحدي الأول أمامها: إرهاب الإسلام الذي يسعى لتوحيد الأمة ضمن كيان يقضي على مصالح أمريكا في المنطقة وفي العالم، وأمريكا تستعد لمواجهة هذا التحدي، فماذا عن استراتيجية الأمة الإسلامية ؟ وكيف تواجه تحديات امريكا لها ؟ سؤال مطروح على من "كان له قلب او القى السمع وهو شهيد".
الكاتب: د.ماهر أبو ثائر
التاريخ: 28/12/2006