معذرة سادتي الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

معذرة سادتي الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين  

خَمِيس بن علي الماجري.

 أستاذ مجاز في الشّريعة من الزّيتونة التّونسيّة، والمشرف العام على موقع تونس المسلمة ـ باريس

ما أنا بين أيديكم إلاّ كهدهد سليمان، وما أنا إلاّ من التمس قطرة من بحر علمكم، وعذرا إن كان الوقت ليس وقت لوم أو مراجعة، ولكنّ تأخير البيان وقت الحاجة لا يجوز. نعم لا يمكن أن يحشركم العدول أنّكم علماء سلاطين، ولكنّ من أخطائكم الكبرى أنّكم تدارونهم وتجاملوهم، فهم بالتّالي سوف لن يستمعوا إليكم.

إنّ الحكّام الظّلمة الذين قرّرتم زيارتهم هم الذين أجمعوا على الخيار السّلمي مع المحتلّ، هم الذين ضغطوا على حركة الجهاد والمقاومة لتستسلم ولتركع وتلتزم بقرارهم الأمريكيّ الإسرائيلي؟ هم الذين شجّعوا المنهزمين في الضّفّة للنّيل من حماس؟ هم الذين سكتوا طويلا عن الحصار الظّالم الذي دام أكثر من سنتين وقد حصلت كوارث إنسانيّة رهيبة؟ إنّ زيارتكم للأتراك خاصّة يضعكم في حرج شديد، فهذه الحكومة \"المشبوهة\" التي قابلت وزيرة خارجيّة الكيان الصّهيوني قبل الغارة بقليل. وأحسب أنّ هذه الحكومة صارت تلعب لصالح الصّهيونيّة في المنطقة، فهي المتحالفة تحالفا استراتيجيّا خبيثا مع الإسرائيلي، وهي الحكومة التي تسعى إلى تركيع بعض الأنظمة\"المشاكسة\"للإسرائيلي، وهي التي وراء سوريا للاستسلام، ورئيس تلك الحكومة رفض في السّنة الفارطة أن يقابل خالد مشعل في تركيا حتّى لا يحسب متطرّفا أو إرهابيّا؟ عذرا أيّها المشائخ أحسب أنّكم أخطأتم الطّريق! أحسب ـ ولست متشائما ـ أنّ تحرّككم هذا الذي لا يعرف ما وراءه، جاء متأخّرا وخاطئا.

ففي الوقت الذي لم تتحرّك فيه شعوبنا العربيّة والإسلاميّة في حادث صنم بودا المعبود من دون الله في أفغانستان، تحرّك بعضكم بسرعة مذهلة وأقلعوا إلى كابول للإبقاء على ذلك الصّنم كما سخر عالم جليل في إحدى القنوات من حكومة طالبان وعدم فهمها للسّياسة.

 وفي الوقت الذي رفض فيه كلّ المسلمين الحرب الظّالمة على أفغانستان، يفتي بعض هيئتكم بإباحة أن يقاتل الجندي الأمريكيّ المسلم أخاه المسلم الأفغاني، وهذا شذوذ فادح عظيم لا أعلم أنّ عالما عاملا متحرّرا من الأهواء أفتى به.

لقد كان علماء الأمّة في مقدّمة شعوبهم ينتصرون لقضاياهم اليوميّة فضلا عن الاعتداء ات العسكريّة التي تذهب بالأنفس والأعراض والممتلكات... عذرا إن قلت لكم سادتي العلماء ـ بألم وحسرة ـ أنّ تحرّككم كان متأخّرا جدّا، فأنتم ـ مع الأسف الشّديد ـ آخر من تحرّك؟ لقد تأخّرتم عن كلّ العالم: عن عوام النّاس الذين عبّروا عن غضبهم منذ اللّحظات الأولى للمحرقة الصّهيونيّة لشعب غزّة المرابط. تأخّرتم عن نشطاء غربيّين من حركات السّلام ومن برلمانيّن سبقوكم عبر الزّوارق. لقد قرّرتم أنّكم ستقابلون حكّاما ظلمة، هم أصدقاء للإسرائيلي وأمناء على مصالح الأمريكيّ، ستقابلون حكّاما قد فعلوا بشباب الصّحوة الإسلاميّة كما تفعل الآلة الصّهيونيّة بشعب غزّة تماما، مع فارق أنّ مذابح أولئك الحكّام لشعوبهم كانت ولا تزال صامتة وممنهجة حتّى خرّبوا عقائد شعوبهم ووعيهم، بقدر لم تقدر عليه خطط الصّهاينة في فلسطين المحتلّة.

 عفوا إن قلت لكم أيّها السّادة، أنّ هؤلاء الحكّام ـ المشاركون والمتورّطون في المحرقة ـ سيستفيدون بخطواتكم هذه كما سيفتحون قصورهم لكم و سيحرصون على احتضانكم بكلّ حرارة، وإمطاركم بالقبلات الطّويلة مع حرصهم الشّديد على حضور كاميرات القنوات...

 انزلوا إلى شعوبكم ولا تتركوا السّاحة للشّيعة والعلمانيّين لا بدّ أن تفكّروا في قواعد جديدة جادّة وحاسمة، لا بدّ أن تفرضوا واقعا جديدا لصالح الإسلام وأنتم أمناؤه، ولصالح المسلمين وأنتم أملهم.

 لقد انطلق القطار مرّة أخرى في غيابكم، وكلّ ما أرجوه لكم في المستقبل: أن تقودوا شعوب المسلمين ولا تتخلّفوا عنهم، وأن يرتمي هؤلاء الحكّام المتواطئون، راكعين بين أيديكم، لا أن تأتوهم تناشدونهم وترجونهم والله المستعان!!!

 لقد تبيّن من جديد أنّ شعوبنا أشدّ حضورا في قضايا الأمّة السّاخنة وأسرع تحرّكا من غيرهم، والخلل الأساس هو في النّخبة العاجزة، وإنّني والله لا أحشركم في تلك النّخبة إلاّ أن تبقوا في زاوية البيانات والشّجب والتّنديد أو زيارة الطّواغيت. إنّ ما يُرتكب في شعب غزّة ما هو إلاّ جريمة حرب همجيّة و شرسة، وعمليّة إبادة عنصريّة متوحّشة بكلّ المقاييس. من أجل ذلك، فكلّنا أمل أن تكونوا ـ يا حضرة العلماء ـ في المقدّمة كما كان علماء السّلف والخلف.

إنّنا ننتظر يوما تنفضون فيه أيديكم من هؤلاء الذين باعوا قضايا الأمّة وأن تلتحموا بشعوبكم، واسمحوا لي أن أطرح بين أيديكم هذه المقترحات البسيطة، أحسب أنّها تجعلكم في الموقع الذي تنتظره الأمّة منكم، ذلك أنّ الأيّام القادمة قد تكون أسوأ. ـ ليكن لكم قناة تلفزيّة توجّهون من خلالها الأمّة وتتواصلون معها تواصلا مباشرا: نصحا وتوجيها وإصلاحا وتحريكا... ـ أن تتحرّروا من الأجندات الحزبيّة والخاصّة وأن تتحرّكوا لكلّ قضايا الأمّة: أفغانستان، العراق، الصّومال، أثيوبيا وغيرها، لا لفلسطين فحسب.. ـ أن تتصدّوا عمليّا لكلّ محاولات سلخ المسلمين من دينهم، وتخريب وعيهم وحقّهم في التّديّن.

 ما كنت لأخطّ لكم أيّها المشائخ هذه الشّجون إلاّ تقديرا لكم، ولحسن ظنّي فيكم أنّكم لا توالون الطّغاة والظّالمين. ما هذه المراسلة إلاّ غيرة لديني وللأرض الحبس المباركة، ولشعبنا المرابط في غزّة وللمسلمين المضطهدين في كلّ بلاد العالم... مع احترامي لكم وعدم إغفال ما تقدّمونه من جهد مشكور، ما هذه\"النّصيحة\" إلاّ حبّا لكم حتّى يكون صوتكم دائما هو الأعلى والأغلى، وما هذه الهمسات إلاّ تبرئة للذّمّة وإعذارا إلى الله عزّ وجلّ ألقى به وجه ربّي، هو حسبي وأفوّض إليه أمري وحسبي الله ونعم الوكيل. إنّنا إن نشهد إحباطا في النّصرة، إلاّ أنّنا على يقين أنّ نصر الله آت، فتوكّلوا ـ يا معشر القرّاء ـ على ربّكم وحده، ثمّ راهنوا على شعوبكم فهي تنتظركم أن تتبنّوا قضاياهم اليوميّة عسى أن تحتلّوا موقعكم الشّرعي والقدري الرّئيس\"وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ 17 الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ 18\" الزّمر.

وصلّى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخوكم الفقير إلى رحمة ربّه خَمِيس بن علي الماجري. أستاذ مجاز في الشّريعة من الزّيتونة التّونسيّة، والمشرف العام على موقع تونس المسلمة. باريس السّبت 7 من محرم1430هـ 3-1-2009م


الكاتب: خَمِيس بن علي الماجري
التاريخ: 04/01/2009