الرد على من إجاز إزالة المساجد

 

بسم الله الرحمن الرحيم
  إن مما اختلط على الناس هذه الأيام وضلل عليهم في أمر دينهم ما تفوه به بعض الأشخاص الذين أتوا بما لم يأت به أحد من العالمين ولم يسبقه إليهم علم عالم أو رأي فقيه في أمر إزالة المساجد في الكويت وأنه يجب إزالتها وأنها مساجد ضرار وتفريق بين المؤمنين.
وإني لما سمعت هذا الرأي الشاذ من بعض الأساتذة في إحدى كليات الجامعة وهو رئيس قسم العقيدة صعقت واندهشت وأصابتني الحيرة مما أسمع.
فقلت في نفسي لعله وهم ولعلي لم أسمع الكلام جيداً ، فانتظرت أياماً حتى تحدث الناس في ذلك ،، فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون.
لكن ما أثارني واستشطت به غضباً ما افترى به بعض الكتاب في جريدة الرؤية وهو الكاتب : ... حيث حكم على المساجد الموجودة حالياً بأنها ضرار وتجب إزالتها.
فقلت لابد من بيان أبرأ فيه إلى الله مما قاله هؤلاء ، فأقول مستعينا بالله
:
أن هؤلاء القوم حكموا على مساجد الأمة بالضرار وأنه تجب إزالتها بالنقاط التالية :
1.     أنها وضعت للتفريق بين جماعة المسلمين
2.     أنها غير مرخصة من الدولة
3.     أنها مبنية من الكيربي وتخرب منظر البلد العام
يكون نقض هذا الكلام بالنقاط التالية :
·       اذا كانت مساجد الضرار لماذا السكوت كلّ هذه المدة :
الغريب فب الأمر أن هذه المساجد أغلبها مضى عليها عقود من الزمن ، وصل بعضها إلى 30 سنة ، فلماذا لم ينكر هؤلاء منذ هذه السنوات الماضية على الحكومة  ويأمرونها بإزالة مساجد الضرار تلك لأنها من الكيربي ، لأنها تضر المسلمين.
أم أنها أصبحت مساجد الضرار لما تحركت آليات لجنة الإزالة ، ولو فرضنا توقف هذه الآليات عن الإزالة ورأت الحكومة ترخيص هذه المصليات ، لما أصبحت مساجد ضرار !!!!!
فهل تبقى على ضرارها وتجب إزالتها ؟؟؟؟!!!!!
أم أن الضرار فقط مرهون بقرار لجنة الإزالة ؟؟؟؟؟!!!!!
أو الضرار بالمسلمين مرتبط بترخيص الدولة لها ؟؟!!! فلو فرضنا أن مسجداً مرخصاً من قبل الدولة ثم فقدت هذه الوثيقة مع الوثائق المفقودة من الغزو فهل يصبح مسجد ضرار حتى وجود الرخصة المفقودة ؟؟؟!!! ( وهذه حالات موجودة و مساجد مرخصة قبل الغزو وفقدت الرخصة وأدرجت هذه المساجد مع الإزالات) .
·       تزيين المساجد وتشييدها من علامات الساعة :
ومما حكم به هؤلاء على المساجد بالإزالة هو التحقير والاستهانة بالمساجد المزالة بأنها مبنية من الكيربي وألواح معدنية تخرب منظر البلد.
فأقول أن تزيين المساجد وتشييدها قد ورد النهي عنه ، فعن أنس أن رسول صلى الله عليه وسلم  قال : "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد"([1])
وروى المروذي في كتاب الورع بإسناد عن أبي الدر داء ، قال : إذا حليتم مصاحفكم وزخرفتم مساجدكم ؛ فعليكم الدمار .
وقال المروذي : ذكرت لأبي عبد الله مسجدا قد بُني وانفق عليه مالٌٌ كثير ، فاسترجع وأنكر ما قلت .
قال حرب : قلت لإسحاق - يعني : ابن راهويه - : فتجصيص المساجد ؟ قال : أشد وأشد . المساجد لا ينبغي أن تزين ، إلا بالصلاة والبر .([2])
فهذه الزينة منهي عنها وأن عمارتها تكون بالإيمان والصلاة فيها وإقامة ذكر الله فيها.
·       قال تعالى : (لمسجد أسس على التقوى) ولم يذكر المولى عز وجل أسس على الاسمنت والخرسانة:
فليست المسألة أن المساجد الكيربي غير لائقة المنظر وأنها لا بد من بنائها البناء العمراني الحديث وفق الأسس الهندسية ، فمسجد النبي e مبني من الطين وسقفه من جريد النخل ، ويدخل فيه المطر إذا نزل فهو e سجد على ماء وطين في العشر الأواخر من رمضان.
بل بالعكس قد ورد النهي بتزيين المساجد وزخرفتها ، كما ذكرنا آنفا.
والعمارة الشرعية التي ذكرها الله تعالى في وصف أهل هذه العمارة بقوله : (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر) ( التوبة الآية 18)
ولم يذكر أن عمارتها بتشييدها وتزيينها ، بل ذم هذه العمارة إذا ميزت على الإيمان بالله والجهاد في سبيله بقوله :
(أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [التوبة : 19].
   ونحن مع الحكومة في تحسين منظر البلد العام وتزيينه وهدم المناظر غير اللائقة ، حتى يصح للكويت أن تتحول إلى مركز مالي وتجاري في المنطقة ، لكن :
بعد إزالة كل المناظر غير اللائقة في البلد وهدمها واستبدالها ببنيان حديث وهندسة معمارية ، ومن هذه المرافق في البلد :
مرور العاصمة ، هجرة العاصمة ، سكن العزاب والعمالة الوافدة في الجليب وإعادة هيكلة شوارعها وغيرها كثير ، فما أظن أن منظر البلد متوقف على المساجد والمصليات المؤقتة.
·        الحكم الشرعي لا يخصص بدولة دون أخرى :
إذا أطلق الحكم الشرعي على مسألة في الشرع فإن هذا الحكم يقاس على كل مسألة مشابهة لها في الصورة ، ولا يخص هذا الحكم دولة دون أخرى ، فإن الأحكام الشرعية للمسلمين جميعاً وليس لدولة دون أخرى.
    فلو حكمنا بوجوب إزالة المساجد الكيربي والقريبة من المساجد الكبرى وأنها غير مرخصة من الدولة ، فلو فرض أن إنساناً أدركته الصلاة في طريق السفر ووجد مصلى من الكيربي غير مرخص من الدولة ولكن به جماعة يصلون الفريضة.
فبناءً على حكم جماعة الفهم الضرار  فإنه لا تصح الصلاة به ويجب عليه أن يصلي في الفلاة منفرداً ولا يصلي مع الجماعة.
وهناك صورة أخرى :
فإن المساجد المبنية من الخوص والخشب في الدول الفقيرة وغير مرخصة من الحكومة فإنه تجب إزالتها ، وعلى من رآها أن يهدمها ويحرقها ، لأنها ضرار.
وهناك صورة أخرى:
إذا كان المراد بالضرار المساجد القريبة من البعض وأنها تفرق بين المسلمين
فإن المساجد القريبة من الحرم المكي والمدني تجب إزالتها لأنها من الضرار.
·       معرفة الضرار وإزالته :
قال القرطبي : " قال بعض العلماء: الضرر: الذي لك به منفعة وعلى جارك فيه مضرة.
والضرار: الذي ليس لك فيه منفعة وعلى جارك فيه المضرة.([3])
والمساجد الموجودة الآن بلا شك أنها مقامة للصلاة والذكر وعبادة الله وهي أعظم منفعة.
وأوصاف الذين اتخذوا مسجد الضرار هي كما قال ابن الجوزي :
(قال أبو علي : من قرأ بالواو ، فهو معطوف على ما قبله نحو قوله : { ومنهم من عاهد الله } [ التوبة : 75 ] { ومنهم من يلمزك } [ التوبة : 58 ] { ومنهم الذين يؤذون النبي } [ التوبة : 61 ] والمعنى : ومنهم الذين اتخذوا مسجداً ).([4])
وهذه الأوصاف لا تنطبق على رواد هذه المساجد المتآمر عليها ، فإنهم بلا شك لم يؤذوا النبي e ولم يلمزوا المطوعين في الصدقات .
·       والسؤال المهم :
هل هدمت مساجد في التاريخ الإسلامي من قبل ولي أمر المسلمين على أنها مبينة على ضر المسلمين وإرصاداً لهم ؟؟؟؟!!!! غير هذه الحادثة الغريبة ...؟؟؟!!!!
أترك الإجابة للإخوة مخترعي هذه المسألة الذين حكموا على مساجدنا بالضرار.
فإذا كانت الإجابة بالنفي ، وأنه لا توجد حادثة هدمت مساجد المسلمين بهذه الكيفية على مر تاريخ الأمة الإسلامية ،،، فلا بد أن يمنح هؤلاء البغاة وسام الشرف العالمي وشهادة براءة الإختراع وتسجل أسمائهم في لائحة المبدعين في العالم .!!!!
·       وسعى في خرابها :
أخشى أن يعم غضب الله وسخطه وتنزل على من تآمر على بيوت الله بالهدم والخراب.
فيقول سبحانه : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا) قال ابن الجوزي في زاد المسير :
"وفي المراد بخرابها قولان . أحدهما : أنه نقْضُها ، والثاني : منع ذكر الله فيها" . ([5])
فهم كما حكموا على مساجد المسلمين بالضرار فأخشى عليهم أنهم اندرجوا تحت هذه الآية وأصبحوا ممن سعى في خرابها.
 
فالله المستعان
اللهم اجعلنا ممن استعملته في طاعتك ، ونصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمين
 
أخوكم / فيصل عباس الرشيدي
30 إبريل 2009 م 
F.alrashidy@gmail.com


([1])  رواه الإمام أحمد في مسنده .برقم ( 12402) قال  شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم , رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة فمن رجال مسلم
([2]) فتح الباري لابن رجب - (3 / 231)
 
([3]) تفسير القرطبي - (8 / 254)
([4]) زاد المسير - (3 / 231)
([5])زاد المسير - (1 / 114)

الكاتب: الشيخ فيصل عباس الرشيدي
التاريخ: 01/05/2009