إنهم يسرقون نصرك يا غزة فاحذري

 

إنهم يسرقون نصرك يا غزة فاحذري

 كتب طالب شافع الحسيني

18/1/1430

بعد نحو عشرين يوما من العدوان الصهيوني الغاشم على غزة هاشم، بات مشهورا ومستقرا لجميع الدنيا، الصديق والعدو، بات مستقرا عندهم أن غزة قد انتصرت ولاح صباحها، الكل أصبح يعي هذه الحقيقة ويوقن بها.

 الكل بات يؤمن بهذا، والصهاينة الآن يلهثون هنا وهناك بحثا عن مخرج لهم، ويركض أعوانهم وأذيالهم يحاولون التغطية على الهزيمة الصهيونية، كما يركض الرافضة الذين أظهرت مواقفهم من العدوان ما هم عليه من نفاق سياسي مقيت، لكنهم الآن صاروا يركضون مع الراكضين يحاولون البحث لهم عن قدم في الكعكة، ربما يفلحوا في نسبة النصر إليهم، ويتكلمون عن غزة وكأنهم يديرونها من طهران، مع أنهم كغيرهم من المخادعين قد كشفت الأيام الأخيرة زيف دعاويهم، وتهاوي مشاريعهم، وإجرامهم في حق غزة، ربما بنفس درجة إجرام الصهاينة أو يزيد، فهناك من ساهم بالتضليل، وهناك من ساهم بالتثبيط والتعطيل، وهناك من ساهم بالحصار، وهناك من تجسس وأعطى للصهاينة عناوين المسلمين بدقة، كما يفسر ذلك استهداف الصهاينة لمساكن وعناوين معينة في أوائل عدوانهم، ثم تخبطهم بعد ذلك في عدوانهم، وإيغالهم في القصف العشوائي، وهذا يعني أن الجهة التي سلمتهم العناوين لم تعطهم سوى القليل من العناوين، ولم تستطع جمع كافة العناوين المطلوبة.

كل هذا وغيره كشفته الأيام بوضوح، ولم يعد خافيا على أحد. وقد أذهلت غزة هاشم ومجاهدوها العالم كله، بصبرهم وثباتهم، وما أبلوه من تدبير للأمور، وبلاء حسن في كل المسارات، فانتصرت غزة، وانتصر مشروعها الإسلامي، وانتصر الإيمان،

 وتأكد العدو وأذنابه أن هزيمة غزة ضربا من المستحيل لا يمكن تحقيقه، وأنها لن تمحى، حتى وإن هدمها بأكملها، فسينقلب ترابها نارا عليه وعلى حلفائه، يحرقهم انتقاما لإيمانه بقضيته الإيمانية، وينتقم لرجاله وشرفائه الذين رووه بدمائهم، وغذوه بأرواحهم. فما أن أيقن العدو وذيوله أنهم قد هُزموا حتى ركضوا في كل اتجاه يحاولون سرقة النصر، ويسوّقون أنفسهم في الإعلام على أن المطالب التي تفرضها دماء غزة هي ما يطلبون، وأنهم يفرضونها على غزة، فتوافق عليها، وليس لها سوى أن توافق،

 يحاول الأوغاد أن يسرقوا من غزة نصرها، يحاولون أن يجردوها حتى من فرحتها بدمائها التي سالت في شوارعها، وارتوت بها ديارها، يستكثرون عليها بسمة فرح بانتصار غذته بأرواح أطفالها ونسائها ورجالها وشبابها، يستكثرون عليها لحظة فرح بأكثر من ألف شهيد فيما نحسبهم والله حسيبهم، يستكثرون عليها وقد قدمت أكثر من أربعة آلاف ونصف جريح غزاوي مسلم.

بل يستكثرون ذلك كله على الأمة التي تقف خلف غزة، تغذيها بدمائها، وتزرف سيولا من دموعها لأجل غزة، يستكثرون على الأمة ذلك كله. ومن جهة أخرى يحرمون العالم العربي والإسلامي بل وسائر أحرار العالم الذين تعاطفوا مع غزة من لذة الشعور بالنصر، بما يفرزه ذلك من استهانة بالقوة الصهونية التي تحمي عدوهم وتحميهم معه، والتي يحاولون الحفاظ عليها ردعا للعرب وللمسلمين وللعالم كله من محاولة الاستهانة بهم أو محاسبتهم على ما ينهبونه من ثروات، وما يقترفونه من جرائم في حق المسلمين بل وبحق الدنيا كلها.

 من أيام وقف عباس الذي لا صفة له ولا وزن ولا لون ولا رائحة، خاصة وقد انتهت فترة خيانته أو ولايته الرئاسية في رام الله، وقف بكل وقاحة ليطالب بقوات دولية في غزة بل وفي فلسطين كلها تحمي الشعب من الاحتلال فيما يدعي، وقف عباس بوقاحة ليتكلم عن ضرورة وقف المقاومة لأنها تضر بالشعب حسب ادعائه وأكاذيبه التي لا يجد فيها هذا البهائي الوقح أي غضاضة، ما دام يكذب لصالح أسياده الصهاينة،

ويستمر عباس في محاربة فلسطين والفلسطينين والعرب والمسلمين وأحرار العالم ويتكلم عن شروط حماس التي وضعتها لقبول المبادرة المصرية، ويخالفهم مخالفة جذرية، ثم هو هو عباس نفسه وليس غيره يعلن الآن أنه قد سمع أصواتا عقلانية تؤيد وجهة نظره التي يطالب بها في ضرورة وقف العدوان أولا ثم بعد ذلك يكون الكلام عن باقي التفاصيل. عباس الذي يعانق الصهاينة صباح مساء، ويرفض رفضا باتا أن يتعاون في إقامة دعوى لملاحقة قادة العدوان قضائيا في أوروبا، ولا يرد على المحامين الذين أرسلوا له طلبات بهذا الخصوص،

مما اضطر بعض المحامين أن يناشده عبر قناة الجزيرة ويقول له: شعبك يذبح، لكن هل جاء عباس ليفعل شيئا سوى ذبح شعب لا يمت له بجذور، لأنه ليس فلسطينيا في الأصل، وإنما هو محمود عباس رضا ميرزا من عائلة إيرانية بهائية، انتقل للأردن ثم انتقل بعد ذلك إلى فلسطين، والذين تعرضوا لحياة عباس يعرفون جيدا أن الرجل لا يملك جذورا فلسطينية، وإنما هو من عائلة إيرانية، بل وبهائية، ولهذا لا يهتم كثيرا بمن يموت في فلسطين، خاصة وهذا يصب في صالح حساباته البنكية، ويحقق له لذة الحرص على الكرسي ويزيده اطمئنانا على منصبه، فهو آمن ما دام يؤدي الدور المطلوب منه.

وهذا يفسر لنا كيف أن هذا العباس لا يهتم كثيرا لتلك الدماء السائلة في غزة، ويشغل نفسه بالمصالحة الوطنية التي تحتفظ له بالكرسي كما هو، ويتكلم بوقاحة عن واقع هو أول الكاذبين فيه، فهو يتكلم عن غزة وحماس كما لو كان هو الأصل وهم الخارجون عليه، مع أن الدنيا كلها تعلم أن الحكومة الشرعية هي الحكومة التي انتخبها واختارها الشعب، وهي حكومة حماس ذات التوجه الإسلامي، وكان الواجب على هذا العباس أن يرحل غير مأسوف عليه، خاصة وهو يملك من الأرصدة ما يضمن له حياة فوق الرفاهية، فلا أحد يحاسبه ماذا حجز لنفسه من تبرعات الدول للشعب المسكين، فالكل يدفع وهو يقبض، ودعك من مسألة الشعب المسكين، فلا أحد يفكر في المساكين في هذه الدنيا،

 وغزة هاشم وفيضان الدم في شوارعها شاهد على هذا، في الوقت الذي ينشغل فيه البيت الأسود الحاكم لأمريكا بقطة بوش التي ماتت، كما ينشغل عباس ميرزا الإيراني بالكرسي الذي يحارب لأجله.

 واليوم عباس ميرزا الإيراني بعد أن أيقن بانتصار غزة وحماس رجع وتراجع وتنازل سماحته ليردد بعض مطالب حماس التي لم يكن يؤمن بها، بل ويرفض الرجل الشريف والمناضل الذي لبس بدلة الحرب منذ بدأت إسرائيل في عدوانها على غزة يرفض هذا الهمام أن يدخل غزة على دبابة صهيونية، بل ويقول صبيه محمد دحلان بأنهم لن يدخلوا غزة إلا إذا اختارهم الشعب،

فيا قتلة أئمة المساجد ألم تطردكم غزة؟ فلماذا تصرون على دخولها وتريدون حكمها تحت الضغط والقصف الصهيوني وشلالات الدماء السائلة فيها لآن؟ قد اختارت غزة حكامها فلم قتلتموهم إن كنتم تصدقون؟ لقد عرف الناس من يكون عباس، كما عرف الناس من يكون حسن نصر اللات والعزى، الذي تبرأ من صاروخ يضرب من جنوب لبنان، ولم يحرك ساكنا، مع كثرة حديثه السخيف مثله عن معاونته لحماس، وأنه لن يتركهم، فلماذا تركهم الآن هو وسادة طهران الذين يهددون بإلقاء إسرائيل في البحر، فلماذا دفنوا رأسهم جميعا في الرمال؟ والجواب نحن نعرفه، فهم في الحقيقة لم يكن لهم أن يساعدوا قوة سنية في المنطقة تنازعهم السيادة، أو تحول دون تحقيقهم لمشروعهم التوسعي المسمى بالهلال الشيعي، فهم يريدون سحق حماس ومن وراء حماس، ولو قدروا على التصريح بذلك كما فعل بعضهم لقالوها صراحة، ولكنهم يملكون قراءة أخرى للمشهد، تقوم على الاستفادة من الوضع القائم والذي لا يقدرون على تغييره الآن،

 فيحاولون ترويج باطلهم عبر تقديم أنفسهم وأحزابهم وصبيانهم أمثال مقتدى الصدر وحسن نصر اللات والعزى، على أنهم حماة الديار، وأنهم الأقوى في المنطقة، والأجدر بقيادة الأمة، ليسربوا مذهبهم القبيح في تحريف القرآن وإنكار السنة وشتم الصحابة رضي الله عنهم، ولينشروا عقائدهم الإباحية تحت مسمى المتعة. الآن تكالب الإيرانيون وعباس واليهود وبعض الأطراف العربية والدولية، الكل يحاول ويجري، البعض يريد النصر منسوبا إليه، والبعض يحاول تفويته على غزة وحماس لصالح الصهيونية تارة، ولمصالحة التي يسعى إليها تارة.

 فيا غزة هاشم احذري فإنهم يحاولون ويحاولون، ويا فلسطين احذري فإنهم يخدعونك ويخونونك، ويا شعوب العرب وشعوب المسلمين احذري فإنهم يستكثرون عليك لحظة فرح ونصر، ويا أحرار العالم احذروا فإنهم يسرقون منكم الشعور بلذة النصر لصالح غزة هاشم التي تشكركم على وقفتكم معها،

وتعرف لكم إحساسكم وشعوركم بها، غزة هاشم التي في قلوبكم اليوم يسرقونها، غزة هاشم التي في قلوبكم اليوم يخدعونها ويتآمرون عليها، ليسرقوا منها ثمن دمائها التي سالت، وليسرقوا منها ثمن أرواح أطفالها ونسائها ورجالها، فهل ستقبلون؟! ويا غزة هاشم إنهم يسرقون نصرك فاحذري.


الكاتب: طالب شافع الحسيني
التاريخ: 16/01/2009