الهزات المالية تعصف بالاقتصاد الامريكي

 

البداية عام 1929م والنهاية 2008

الهزات المالية تعصف بالاقتصاد الامريكي

بقلم : محمد فلاح الزعبي


*الحقيقة إن الاقتصاد الأمريكي يعيش بإمكانات اكبر من الإمكانات الذاتية للمجتمع وذلك من اجل الحفاظ على الهيمنة العسكرية والسياسية على العالم


*مجلة فورشن : هناك عفن مرعب في الاقتصاد الأمريكي ... بدأت رائحته تفوح



محمد فلاح الزعبي


في ظل الهيمنة والتفرد في زعامة العالم والذي تحقق للولايات المتحدة يصعب على أي إنسان ان يفكر في ان انهيار الولايات المتحدة اصبح قريبا , أو أنها تعيش ازمه اقتصادية خانقه .
ولكن المعطيات تشير الى ذلك فعلا , فالعجز الكبير في الموازنة الامريكيه بلغ 500مليار دولار . وإفلاس الكثير من الشركات العملاقة وخسائرها بلغت عشرات المليارات التي نسمع بها تباعا , كلها دلائل على تفكك منظومة الاقتصاد الأمريكي والتي تتجه فيما نعتقد نحو الانهيار ..

بدأت الهزات المالية والضربات لأمريكا من داخلها , ومن شركاتها العملاقة تحديدا . وبوش الابن انما يراهن على هذه الشركات الكبيرة لانها هي التي دعمته في جولاته الانتخابية , وهي تعيش بالمتنفذين فيها حول البيت الأبيض , فكلهم من المقربين وهذا يضفي الحمايه والحصانة هذه الشركات فتتملص من القوانين او انها تهرب خارج الحدود .
وبعض الشركات تتمادى في تجاوزها – كما حصل مع شركه انزون للطاقه – الى ان تخرج للعراء فتتكشف سوءاتها وتفضح سرقاتها ويظهر التلاعب فيها على حقيقته , فاذا بالمليارات من الارباح تتحول الى خساره , واذا بالبورصات التي تتحرك باسهمها تنهار , وتهبط اسهم هذه الشركات من عشرات ومئات الدولارات للسهم الواحد , الى بضعه سنتات وتقع الكارثه , وينتشر الذعر ويهرع مالكو الاسهم الى التخلص منها , وهذه خسائر بعض هذه الشركات كما رصدتها اكثر من مجلة عالميه .:


الرقم اسم الشركة عملها خسائرها
1 وورد كوم اتصالات 41 مليار دولار
2 انزون طاقه 25 مليار دولار
3 هاركن طاقه 2.4 مليار دولار
4 مريل ان بكر ادويه 12 مليار دولار
5 ربلبانت طاقه 7 مليار دولار
6 زولويكس أدوات مكتبيه 7 مليار دولار
7 الفياكميوشنتير تلفزة 3مليار دولار

المستثمرون في امريكا – وهم كثر – بدا يسري بينهم عامل ضعف الثقه بالاقتصاد الامريكي , فقد فتحت احداث 11/ ايلول امامهم بابا من الخوف على استثماراتهم التي يقتطعونها من نفقاتهم اليوميه .
فالمستثمرون ذوي الاستثمارات المتوسطة والعاديه يحرصون ان يضعوا اموالهم في مكان آمن ومربح , والكثير منهم يلجا الى شركات المحاسبة لاستشارتها واخذ المعلومات منها عن واقع الشركات الضخمة التي تستوعب ملايين الاسهم ", ليتحققوامن ارباحها , ومدى استقرارهاوالثقه الماليه بها .؟ فيهرعون عندئذ الى ما يرونه ملاذا امنا لاستثماراتهم البسيطه وهكذا معظم الامريكيين , وجميع الشركات لها محاسبون يتتبعون مدخولاتها ونفقاتها وارباحها . ولكن تزعزع الثقه في شركات الاستشاره وشركات تدقيق الحسابات امر ادخل الرعب في قلوب هؤلاء المستثمرين, لاسيما وهم يرون الشركات العملاقه تتهاوى تباعا وتتكشف عن ارباح وهميه ليست الا خسائر وديون متراكمةيستحيل سدادها , وكثير منها يلجا الى اعلان افلاسها وتعليق اجراءات محدوديتها في المحاكم لحمايتها م ملاحقه الدائنين.
وقد اصبح هذا الامر لايقتصر على الشركات المتوسطه بل امتد الى كبريات لشركات , فان شركه يونايت ايرلينز الامريكيه والتي هي ثاني اكبر شركه طيران قد اعلنت افلاسها في 9/2/2002م لحمياتها من دائنيها ,
ومن المعروف عادة في مثل هذه الهزات الاقتصاديه والانهيارات الماليه ان تتخل الدولة لفرض اجراءات من شانها حمايه الاقتصاد ودعم ميزان الحسابات العام , ليدخل الاطئمنان انلى قلوب المستثمرين وليسترد السوق عافيته .
ولكن كيف يهم والذين بيدهم اعلان الاجراءات وتنفيذها هم الذين تطالهم هذه الفضائح وهم ابطالها !!
فالاسواق الوهميه ( البورصات ) اسواق الاسهم والسندات التي يلجا اليها صغار المستثمرين – ونصف الأمريكيين من ذلك الصنف – يقتطعون مدخراتهم من مصاريفهم اليوميه ومن معاشات تقاعدهم ويطرحون بها في هذه الأسواق طلبا للربح وطمعافي الاستزادة دون أن يبذلوا أي جهد او يقوموا بتحريك هذه الاستثمارات في السوق الحقيقي سوق السلع والخدمات , ولا يعرفون أن القائمين على هذه الأسواق ( البورصات ) هم مقامرون يتقنون فن المقامرة إلى حد الجنون ,, او هم يعرفون , ولكنهم طامعون في زياده مدخراتهم ولو عن طريق المقامرة .
وتقع الكارثة بان يختلس المتنفذون ذوو المهاره والشطارة , الأموال والموجودات كلها فتكتشف هذه الأسواق وتنهار البورصات ويبدا الإعلان عن افلاس هذه الشركات بلجوئها الى محاكم تحميها من المطالبه بالمليارات التي يتوهم بانها ارباح واذا بها ديون باهظه يستحيل سدادها , فيغنى من يغنى ويفقر من يفقر , وهكذا دواليك , هذه هي طبيعه النظام الراسمالي !!.
ومن المعروف ان الاداره الحاليه في البيت الابيض وصلت الى السلطه بواسطه اموال الشركات الكبرى واجهزتها ,
وعدد غير قليل من اعضائهامتهم بالفساد كما ان ممثلي كبريات الشركات مندسون في اماكن حساسه في اماكن حساسه في هذه الاداره , والاداره في البيت الابيض شديده الولاء لهذه الاحتكارات الكبرى , مثل السلاح والنفط وغيرها .
ان ما اصاب ويصيب البورصات من انتكاسات وانهيارات جراء تلاعب ذويي النفوذ سينتقل من سوق البورصات الوهميه الي السوق الحقيقي , سينتقل ذلك الى البنوك وشركات الانتاج الغذائيه والدوائيه والاستهلاكيه . هذه البنوك والشركات قد قدمت قروضا كبيره لا يمكن استردادها . فانعكس ذلك على واقع السوق الحقيقي بتسريح الالا ف من موظفي هذه الشركات . ووضعهم في ساحات البطاله , وهذا ينذر بتراجع الاستثمار العام , وتراجع الانفاق الاستهلاكي , فتاخذ المصانع الاستهلاكيه بالترنح والذوبان . ويقفز على السطح نوعان من الشركات هي الشركات النفطيه وشركات مصانع السلاح لان اهتمام الاداره ينحصر في السوق الخارجي لهذين النوعين من الاحتكارات فتقوم بتهيئه ميادين خارج الولايات المتحده تشعلها الحرائق لترويج مصانع السلاح , وتقامر وتغامر على اماكن منابع النفط , وتسخر مجهودات الولايات المتحده باكملها الى هذا الغرض , فيتخم المتنفذون ومن حولهم وتحل الكارثه بمن عداهم .
(ان ما نراه من هزات وازمات اقتصاديه وماليه) خارج الولايات المتحده مثل : ازمات المكسيك والبرازيل والارجنتين وروسيا وتركيا , فاننا اذا امعنا النظر في اسبابها نرى ان مثل هذه الازمات الاقتصاديه نجمت عن هزات سياسيه – وبغض النظر عن الخوض في اسباب حدوثها , فان امريكا تهرع بواسطه صندوق النقد الدولي لعلاجها , ولكن هذا العلاج غالبا ينصب على العمل لسداد الدين الخارجي لتلك الدول وهذه الديون في معظمها لشركات ومستثمرين امريكيين فتكون امريكا بذلك قد قدمت الدعم للمستثمر والدائن الامريكي . فالعمليه ليست من اجل انقاذ الاقتصاد المنهار في تلك الدول وانما هو من اجل تصحيح انحراف سياسي في ولاء الدوله وموقفها ثم من اجل ضمان ديون المستثمر الامريكي سواء كانت نبنوكا او شركات او غير ذلك .
مسلسل انهيار الشركات لم يتوقف . وتتوالى الانباء عن الاحوال الماليه السيئه لمزيد من الشركات الكبرى في قطاعات التكنولوجيا والادويه , وقد شملت الخسائر ما لايقل عن 80 مليون مواطن امريكي من حملة الاسهم . ذلك ان 50%من الامريكيين يملكون اسهما في البورصه بالاضافه الى المستثمرين الدوليين , وانتقال الهزات لباقي الاسواق العالميه والاروبيه والاسيويه . ذلك ان قيمه الاسهم تشكل قرابه 34% من القيمه الاجماليه للاسهم المتداوله في اسواق المال العالميه والتي كانت 35تريليون دولار بنهايه عام 2001م , وبدا ترحيل الاستثمارات الدوليه الى منطقه اليورو .
نشرت جريده الاسواق الاردنيه في 24/8/2002 تحت عنوان ( الراسماليه تعود الى منطقه اليورو) :
"تشهد منطقه اليورو عوده متناميه لرؤوس الاموال التي كان المستثمرون يفضلون توظيفها في الولايات المتحده , مما يتوقع ان يسهم المدى البعيد في دعم صمود العملة الموحده ( اليورو) في اسواق الصرف " .
وتقول المجلة الاقتصاديه فورشن:" هناك عفن مرعب في النظام الاقتصادي الامريكي بدات رائحته تفوح "
اما مجلة بيزنس ويك فتتحدث عن اكبر ازمه ماليه للراسماليه الامريكيه منذ بدايه القرن القشرين : التلاعب المحاسبي في الشركات لتقدم ارباحا مزيفه ,, ثم تعرضها الفاجئ للخسائر الكبيره او الانهيار الكلي الذي شمل 64شركه كبرى حتى الان , والتلاعب تم بمساعده مراقبين حسابات ومؤسسات استثمار مثل ( ميريل لنش ) والتقارير شملت اسماء لامعه في سماء الراسماليه الامريكيه مثل : زيروكس –جنرال الكتريك – امريكا اكسربس التي تناقصت ارباحها بمقدار 53%.
وبعد ركود اقتصادي محقق منذ مارس 2001م حصل احد عشر حفضا للفائده في 12شهرا من 5.6% الى 5.1% وهو اكبر خفض , وقد انتتقد صندوق النقد الدولي الولايات المتحده وطلب منها الغاء الاجراءات الجمركيه التي تقوض حريه التجاره , كما انه بتاريخ 30/8/2002م اعلن ان : محكمه منظمه التجاره العالميه تسمح للاتحاد الاوروبي يفرض عقوبات على الولايات المتحده بمبلغ 4مليار دولار وتمنح مصدريها تسهيلات ,
ويصف ( باتريك سيل ) الازمه على انها مقدمه لازمه افلاس كالتي شهدتها الولايات المتحده عام 1929م .
الاولى : في عام 2001م وهو بدايه الانهيار المالي لشركات التكنولوجيا الفائقه التي عرفت باسم شركات ( وادي السيليكون) وهي شركه صناعه الكبيوترات والانترنت وقياده ما يسمى ثوره الاتصالات والمعلومات . وبعد ان اصيبت بخسائر فادحه تم تسريح 25الفا من العاملين فيها .وهذا اكبر عدد من الوظائف يتم فقده في هذا القطاع خلال 9 سنوات , واغلقت 500شركه ابوابها وهو ضعف العدد الذي افلس عام 2000م .
الثانيه:كانت في 11/ايلول 2001م وما كان خافيا عن العيان الآثار المدمره التي خلفتها هذه الهزه واهم هذه الاثار فقد عنصر مهم من عناصر المجتمع الامريكي وه الامن والاستقرار.
الثالثه : هي التي نشير اليها الان وهي سلسه فضائح وانهيارات الشركات الكبرى والتي لا تزال مستمره حتى الان . وهذا انهيار لم يقف عند حد بل شمل حتى صناديق الاستثمار والامريكيه مما جعل ثقه المستثمرين تهتز بهذه الصناديق ويسحبون اموالهم منها .

نشرت صحيفه الدستور الاردنيه في 27/8/2002: " ذكرت شركه البير العامله في مجال بيانات وابحاث صناديق الاستثمار ان المستثمرين سحبوا 49مليار دولار من صناديق الاستثمار في الاسهم الامريكيه خلال شهر تموز الماضي 2002"
ويتوازى مع انهيار الاسهم في البورصه تدهور ي سعر الدولار فقد كانت تقديرات الخبراء ان اليورو سيبعقى متفوقا على الدولار . بل وستزداد مخاسر الدولار امام اليورو بشكل كبير لان تعاملات اوروبا مع العالم ستنحصر في اليورو . ومن المعروف ان الاتحاد الاوروبي اكبر مصدر في العالم بمبيعات تمثل 4.15% أي بانخفاض 7% عام 2000م بينما زادت صادرات الصين بنفس النسبه . واحصاءات منظمه التجاره الدوليه تؤكد ان ترتيب اكبر القوى التجاريه في مجال السلع والخدمات :
1- الاتحاد الاوروبي 2- امريكا 3- اليابان 4- الصين . ونسبه 4.18% العائده للاتحاد الاوروبي لا يدخل ضمنها نسبه التجاره الثنائيه بين الدول الاعضاء في الاتحاد الاوربي ؟.
والسوق الاوروبي كما نعرف يصل سكانه اكثر من 380مليون نسمه وهو اكبر سوق من ناحيه القدره الماليه والشرائيه . وهذا ما يجعل اليورو متفوقا على الدولار وبذلك تتحقق ثنائيه العمله على المستوى العالمي . وسيسقط الدولار عن عرشه الذي تسلمه منذ 50 عاما من السياده المنفرده .
يقول خبراء الاقتصاد : لقد انفصلت دائره التداول المالي عن دائره التداول في سلع عينيه في اول بادره من نوعها في التاريخ الاقتصادي . كانت نسبه المتاجره في الاسواق الماليه العالميه : المضاربه في الاسهم والسندات والعملات التي كانت نسبتها الى التجاره العالميه في السلع 1:1 حتى مطلع السبعينات فاصبحت 10:1 عام 1980م ثم 50:1عام 1995م واقتربت من 100:1 الان . وهذا يعني انحرافا خطيرا وجسيما عن المعنى الاقتصادي للسوق الذي يقوم على تبادل الانتاج السلعي والخدمي .
الحقيقه ان الاقتصاد الامريكي يعيش بامكانات اكبر من الامكانات الذاتيه للمجتمع وذلك من اجل الحفاظ على الهيمنه العسكريه والسياسيه على العالم . وفي تصريح للرئيس الامريكي السابق بل كلينتون يقول : ان
1% من المواطنين الامريكيين يملكون 70% من الثروه القوميه في حيث يعيش 50 مليون امريكي تحت خط الفقر ,.
ان امريكا تعيش في عجز تجاري مزمن وهذا العجز يحتاج الى تمويل , ويستحيل ان يظل معتمدا على الاستدانه بفائده مركبه وبخاصه وان العجز في الميزان الامريكي يوميا يساوي 5.1-2 مليار دولار .
الاوضاع الاقتصاديه الامريكيه تنطوي على مفارقات اشبه بالقنابل الموقوته الزمنيه , تبدا بواحد يلتهم النا نصف الميزانيه الفيدراليه وهو بند الاعانات الاجتماعيه , وفي عام 2003م استهلك هذا البند 75% من الميزانيه الفيدراليه , وفي عام 2013م سياتي على الميزانيه برمتها .
ان الاقتصاد الامريكي يعيش الان على اعلى من دخله اعتمادا على الاستدانه , وسيقع عبئ سداد هذه الديون على الاجيال القادمه ,.
فالاحداث السياسيه والهزات الاقتصاديه المتعاقبه تشير الى ان الطاغوت الامريكي في تراجع وهو في طريقه الى الانهيار , كما حصل من انهيار طاغوت الاشتراكيه .
ان ما تكشف من حالات الاحتيال والتدليس والفساد يكاد يفوق الحصر , فالامر ليس مقصورا على حفنه من المفسدين والمتلاعبين وانما يتعلق الامر بالنظام برمته , فالنظام الراسمالي وبخاصه الاقتصاد وشؤون المال وهو الذي يعاني من الخلل . خلل في الاسس والقواعد التي ينبني عليها والركائز التي تقوم عليها المعاملات الماليه من مؤسسات : الشركات العملاقه المساهمه والبنوك التي تتغذى وتنمو بالفائده الربويه الفاحشه والانظمه والقوانين والاجراءات التي يستظل بها الجشعون المرابون ويحتمي بها الفرطون في اللهاث وراء المال والمنافع الشخصيه والمكاسب الذاتيه , حتى لو انها كانت على حساب الدول والشعوب الاخرى ,؟؟؟!!!


الكاتب: بقلم : محمد فلاح الزعبي
التاريخ: 14/10/2008