حول مصطلح الخوارج

 

بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول ، أما بعد : 
فإن فِرقة الخوارج امتازت عن الجماعة العامة بأصلين - أحدهما فرع عن الآخر -  وهما كما يلي :
الأصل الأول : التكفير بما " ليس بمكفر "  ، وإخراج المسلم من دائرة الإسلام بغير حق استنادا إلى شبهات باطلة لا تنهض أمام صراحة النصوص وقطعيتها على حرمة التكفير " بغير موجب " .. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الظاهرة أعظم التحذير فقال " أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما " متفق عليه أي فقد استحق هذا الوصف أحدهما فإن لم يستحقه المرمي به عاد على من رماه بالكفر ، وهذا من الوعيد الشديد .  
 والثاني : استباحة دماء وأعراض أهل "الإيمان" .. والتدين ببغضهم ومعاداتهم بعد اعتبارهم كفارا .. وقد طال عدوانهم الأثيم خيار الأمة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن دونهم من علماء وزهاد وعباد وأتقياء بررة .. وهذا عين المعاندة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من حمل علينا السلاح فليس منا " متفق عليه .  
وكان مقاد هذين الأصلين رفض ولاية الحاكم الفاسق نظرا لكفره عندهم مما يعني وجوب الخروج عليه واعتبار هذا الخروج من جنس الجهاد ونوعا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. وكان من مفاسد الخروج البدعي سفك الدماء المعصومة وتفريق الجماعة العامة مما يؤدي إلى إضعاف قوة المسلمين وسقوط دولتهم وذهاب ريحهم وتمكين الكفار من التسلط عليهم .. وهذا منتهى الفساد في الأرض ..
ومن هذه حاله لا يُستغرب أن تأتي النصوص الشرعية بذمه وتجريمه وتبشيع مسلكه والتحذير من شبهاته بل والأمر بالتصدي له ومقاتلته إن لزِم الأمر ..بل قد قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم " هم شر الخلق والخليقة " رواه مسلم   
هذا هو فكر الخوارج وهذه منظومة اعتقادهم .. وأنت ترى أن الخروج على الحاكم المسلم الذي تدين الأمة بولايته فرع عن هذه المنظومة .. وليس هو المناط الوحيد في اعتبارهم مارقين فجرة .. 
في مقابل هذه المنظومة المتلاحمة الأصول كان ثمة رأي فقهي قال به بعض المجتهدين من متقدمي الأمة في القرون الفاضلة مفاده أن الحاكم الفاسق لا يستحق الولاية على المسلمين .. وأن توليه عليهم غصبٌ لحق الأمة في رعاية أمرها وسياسة شأنها .. واستند هذا الاجتهاد لعدد من النصوص العامة والمطلقة وبعض النظر والتعليل .. فكان اجتهادا قائما آنذاك وله أتباعه من خيار الأمة .. وجوهر هذا الاجتهاد يحوم حول عدم استحقاق الفاسق لأن يتولى على المسلمين ولاية عامة وذلك بسبب فسقه واتهامه في نظره  في مصالح المسلمين  - أعني عدم استحقاقه الطاعة إجمالا بعد توليه فعلا أما استحقاقه المبايعة على الولاية ابتداءً مع فسقه فلا جدال في منعه -  .. وهذا الاجتهاد أبعد ما يكون عن الفكر الخارجي الآنف الذكر .. ومأخذه في الاستدلال وفي التطبيق مباين لمذهب الخوارج .. فهو يرتكز على علاقة التنافي بين  الفسق والولاية لا على علاقة التلازم بين الذنب وبين الكفر الذي يُفتقد فيه شرط الولاية وتحق به المنابذة بالسيف .. ثم بعد حدوث الفتن  بين المسلمين وحكامهم الفسقة وما نتج من فساد في الدين والدنيا  اعتبرت الأمة  من تاريخها وحوادثها وأسقطت هذا القول من حسابها واعتبرته قولا مهجورا وكان هذا التصرف إزاء هذا القول ملتفت إلى ضعف القول من حيث الاستدلال من جهة وإلى ما ينتج عن ترويجه من مفاسد من جهة أخرى .. قال ابن حجر في ترجمة الحسن بن صالح من التهذيب " كان يرى الخروج بالسيف على أئمة الجور وهذا مذهب للسلف قديم لكن استقر الأمر على ترك ذلك لمّا رأوه قد أفضى إلى أشد منه .. " .. ومع هذا لم يخلط العلماء بين هذا الاجتهاد المرجوح المهجور وبين مقالة الخوارج لا قولا ولا تعاملا .. لا وصفا ولا تجريما .. 
واليوم نحن أمام نازلة جديدة تتعلق بالحكام وطريقة التعاطي مع ولاياتهم المفروضة قهرا على المسلمين .. وهذه النازلة ليست مرتبطة بالتكفير بالذنب - كما عند الخوارج -  ولا هي مرتكزة على عدم استحقاق الفاسق للطاعة جملة إذا تولى على المسلمين بغير وجه حق - كما هو في رأي بعض المتقدمين - .. وإنما ترتكز على النظر في ولاية الحكام المارقين الذين تولوا شؤون المسلمين قهرا وفرضوا الأنطمة الأجنبية عن الدين اتباعا للكافرين وإرضاءً للمستعمرين .. إذن لسنا بحاجة إلى استدعاء تراث الخوارج كما لسنا بحاجة إلى إحياء الأقوال المهجورة ..  
فنحن أمام معطيات جديدة أولها : الاستيلاء القهري على الحكم  بغير مبايعة ولا حتى صورة مبايعة ..  ثانيها : كون الأنظمة التي تدار بها البلاد وتحكم بها العباد غير إسلامية لا من حيث المبدأ ولا من حيث التطبيق... ثالثها : كون هذه الأنظمة تابعة بشكل واضح وصريح لمنظومة دولية منبتة الصلة عن الإسلام وتخدم طوعا وكرها أعداء الملة من يهود ونصارى وغيرهم .. رابعها : محاربة هذه الأنظمة للدين والتدين شكلا ومضمونا وجعلهم  قبول بعض فروع الدين ومظاهره الاجتماعية مرهونا بمواكبة مبادئ الدولة العلمانية ومواد دستورها الأرضي المخترع .. إلى غير ذلك من معطيات تجعلنا في مواجهة نظم حديثة تستدعي فقها جديدا وتكييفا صحيحا لهذه الدول ولطرق التعامل معها .. 
واليوم توجد طائفة لا تستوعب هذه المعطيات ولا نية عندها لتجديد فقهها السلطاني رغم المتغيرات الهائلة الطارئة على الدول الحديثة .. ونراها تستدعي المصطلحات الفقهية القديمة من غير مراعاة لفروق التوقيت بين الخلافة الإسلامية والاستعمار الوسيط .. ونراها تنزّل المفاهيم الشرعية في غير منزلتها .. وقد جمعوا إلى هذا العته الفقهي جريمة أخرى وهي ربط كل تصرف مضاد للنظام - أيا كان هذا النظام وأيا كانت درجة المضادة وصورتها ودافعها - بفكرة الخروج وبفرقة الخوارج .. فجمعوا الجهل بالحال مع الجهل بمراتب الأقوال فصار جهلهم في غاية التركيب والتعقيد والضلال  .. هذا مع شيء من البغي والظلم رقق له ما عُرفوا به من سوء الأخلاق وقبح الخصال .. 
وعند التحقيق أرى أن هؤلاء قد أخذوا من سمات الخوارج بحظ وافر فهم أشبه الخلق بالخوارج حماقة وطيشا وتهورا وجهلا .. ولا يخامرني أدنى شك أنهم قوم رضوا لأنفسهم أن يكونوا أحذية ينتعلها الحاكم للمرور فوق جثث قتلاه ..وبغير ثمن !!


الكاتب: حسين الخالدي
التاريخ: 04/01/2011