تفريغ خطبة جمعة : رزايـــــــا الجاهليـــّة المعاصــــرة

 

خطبة جمعة : رزايـــــــا الجاهليـــّة المعاصــــرة

حامد بن عبدالله العلي

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ، أشهد أن إله إلا هو وحده لاشريك له ، أنار الحــق أبلجـــا ، وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله المبعوث بخير الأديان منهجا ، ليدمغ الجاهليّة ، مجاهــدا مدججـا ، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه مدخـــــلا ومخرجـــــــــا .

أما بعـــــــــد :

فامتثالا لقوله تعالى (ولتستبين سبيل المجرمين ) واقتداء بقول الفاروق رضي الله عنه : ( إنما نهلك إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية ) ، نذكر رزايا الجاهلية المعاصرة ، مستشهدين على ذلك بالكتاب العزيز ، إذ للجاهلية كلها في تاريخ البشرية ، أصول واحدة ، وإن كان الشيطان الداعي الأكبر لكل جاهلية ، يلبسها في كل عصر لبوسا .

وقد ألبسها في هذا العصر ، لباس هذه الحضارة الغربية ، الماديّة الهوى، الصليبية العنصر ، اليهودية الروح ، وعندما نذكر الجاهليّة المعاصرة في هذه الخطبة ، فإنما نقصد هذه الجاهليّة التي استبدت على العالم ، وطغت ، واستكبرت في الأرض بغير الحق .

وأول رزاياهــأ :
ـــــــــــــــــ

أنها دين الشيطان ، فأتباع هذه الجاهليّة ، وكل جاهليّة ، مهما عبدوا من شيء ، أو اتبعوا من شيء ، فإنهم في الحقيقة لا يعبدون إلاّ الشيطان ، فنهجهم الذي يسيرون عليه ، هو نهج الشيطان ودينه ، وأمرهم كلُّه ، وشأنهم كلُّه ، إنما هو استجابة لدعوة الشيطان ، وانقياد لتزيين جنوده من الشياطين .

فالطاغوت الأكبر هو الشيطان ، وكل ما في الأرض من جاهليّة إنما هي دينه هو ، ودعوته هو ، وله في كل عصر جنود يجندهم للإشراك بالله تعالى ، ولإطفاء نور الله تعالى ، وللصد عن دعوة الحق .

وفي هذا العصر اتخذ الشيطان دين مشركي أهل الكتاب من الصليبيين ، واليهود الصهاينة ، وملحدي الغربيين الماديين ، اتخذهم جندا له ورمــزا ، ومطيّة لمحاربة دين الإسلام ، فأزّهم على الإسلام أزّا .

وقد فصّل الله تعالى هذا الأمر في القرآن ـ أعني بيان أن الجاهلية إنما هي دين الشيطان ودعوته ـ وأعاده وكرره كثيرا ، ليستقر في قلب كلّ مؤمن ، أنه عندما يجاهد الجاهليّة وأهلهــا ، فإنما يجاهد الشيطان ، ذلك أنه أول وأخطر عدوّ للإنسان ، وهو أول من أعلن الحرب على بني آدم ، منذ خلق آدم .

ولهذا قال تعالى (الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ) .

وقال تعالى( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ* وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) .

ذلك أن كل عبادة لغير الله ، فإنما هي عبادة للشيطان ، وكل طاعة في معصية الله ، فإنما هي طاعة للشيطان .

ولهذا قال تعالى (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤلاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ) ، قال المفسرون : أي تقول الملائكة : كانوا يعبدون الشياطين في طاعتهم بعبادتهم إيانا .

وقد غدت هذه الحقيقة واضحة ، حتى للهدهد الذي قال : (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ ) .

ولهذا قال تعالى أن الشيطان أعاذنا الله منه، يخطب في أهل النار آخر خطبة له عندما يحقق هدفه في إدخال أكثر بني آدم إلى النار ، يقول : ( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .

ذلك أن كل عبادة لغير الله تعالى في التاريخ ، إنما كانت إشراكا للشيطان مع الله تعالى ، وكل عبادة تقع لغير الله تعالى إلى يوم القيامة ، إنما هي إشراك للشيطان مع الله تعالى علوا كبيرا .


والواجب على كل مسلم أن يرى أحداث الصراع ضد الإسلام والمسلمين ، من هذه الهداية القرآنية ، مع أن كثيرا من الناس ينساقون وراء التفسير المادي للمشاهد السياسية ، ولا يتذكرون هذه الناحية الغيبية التي بينها الله تعالى في القرآن ، أعني أن حقيقة الصراع ترجع إلى تحريض الشيطان أولياءه على أولياء الله تعالى .

ولهذا ذكر الله تعالى في القرآن هذه الحقيقة في معركة بدر أول مشاهد الصراع العسكري بعد البعثة المحمديّة ، قال تعالى (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) .

وفي ذكر معركة أحد أيضا قال (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) .

وذلك كما قال تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ) .

فكذا ما نراه اليوم من تكالب الأعداء على الإسلام ، هذا هو تفسيره ، وبهذا فقط يمكن تأويله ، فإنها معركة الشيطان ، يجند فيها أتباعه وجنوده من جيوش الكفر والشرك والإلحاد ، ليطفئ بهم نور الإسلام ، ويظهر عليه دينه ، دين الجاهلية ، ولكن هيهات أن ينتصر ، فاللــه تعالى قــــد كتــــب ليغلبـن ـ سبحانه ـ ورسله.

الرزيــّة الثانية :
ـــــــــــــــــــ

هي أن هذه الجاهليّة إنما هي إهلاك وتدمير للإنسان ، في الدنيا قبل الآخرة ، ولعل هذه هي أوضح السمات المشاهدة الملموسة للجاهليـّة ، وفي هذا العصر قد تجلت هذه السمة ، حتى بدت جليّة لكل ذي عينين ، وذلك تصديقا لقوله تعالى (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) .

ولهذا سمى الله تعالــى الجاهلية سفـها ، قال تعالى (وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) ، وقال تعالى ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ ) .

وأنت إذا تأملت في واقعنا المعاصر ، وجدت الجاهلية المعاصرة ، أكثر تدميرا للإنسان في مختلف النواحي من كل جاهلية مضت ، تصديقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ما يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم ) رواه البخاري من حديث أنس رضي الله عنه ، ولهذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم تدمير الإنسان للإنسان في آخر الزمان بقولـــه ( ويكثر الهرج ، قالوا وما الهرج يا رسول الله ، قال القتل ) رواه البخاري .

ويقول الدارسون للتاريخ ، إنه لم يحصل في التاريخ من هلاك الناس ، وكثرة الخوف ، وعدم استقرار الأحوال ، وكثرة الموت ، وانتشار الأوبئة ، والأمراض الفتاكة التي أعجزت الأطباء وأصابتهم بالحيرة ، وفساد البيئة ، وتدهور الاقتصاد ، وتفكك المجتمعات ، والاستيلاء على ثروات الأمم والشعوب .

حتى صار السطو يقع على الأمــة بأسرها ، فتستحوذ الدول القوية على ما تحت الأرض من الخيرات ، وما فوقها من البشر ، وتسرق مستقبل الأجيال ، لم يحصل قط مثل هذا كله ، فيما مضى من التاريخ ، كما حصل منذ قيام الحربين الاوربيتين ثم التوقيع على الميثاق العالمي لحقوق الإنسان ( 1945) إلى يومنا هذا ، فهذا هو حصاد الجاهلية الغربية المعاصرة ، التي ادعت أنها وصلت قمة التحضر ، وهذا هو حالها ينطق بوضوح بحقيقتها .

وإنما كانت هذه الجاهلية المعاصرة المتمثلة في استعلاء الماديّة الغربيّة ، أشد تدميرا للإنسان من كل جاهلية ، لأنها تجعل الإنسان يعبد المادة واللذة والمنفعة، فيتحول إلى حيوان مدمِّر، يهلك كل شيء في سبيل الوصول إلى ملذاته ، لأنه لا يؤمن بالآخرة ، ولايبتغي غير هذه الحياة الدنيا ، فكان أصدق مثال له ، كما وصف الله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعام وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ) .

ولهذا سمّى الله تعالى رسالة الإسلام ، رحمةً للعالمين ، فقال : (إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ * قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ) .

ولهذا صار الجهاد لانقاذ البشرية من الهلاك ، لتكون كلمة الله ( الإسلام ) هي العليا ، وكلمة الذين كفروا ( الجاهلية ) هي السفلى ، صار فرضا على المسلمين ، فلمّا فرّطوا فيه ، أعلنت الجاهليّة أن لها الحق فيما أطلقوا عليه ، (الحرب الوقائيّة ) ، لابقاء استعلاءها بالقوّة ، في سعيها لإهلاك البشر ، انقيادا لدعوة الشيطان .

والواجب على المسلمين أن يعودوا إلى إحياء فريضة الجهاد ، لأنها وحدها هي التي تعيد الرحمة المهداة إلى بني آدم ، بقيادة الإسلام للعالم .



الثالثة:
ـــــــ

أما السمة الثالثة ، فهي فشوّ الكذب والنفاق ، النفاق في الأقوال والأعمال ، حتى لقد صارت السياسة في زمن هذه الجاهلية المعاصرة ، إنما هي فن الكذب ، والسياسي البارع هو أعرف الناس بالنفاق وأساليب الكذب ، ولا جرم فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الكذب لايزال يفشو بعد القرون المفضلة .

قال صلى الله عليه وسلم ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب ) وفي الحديث : (ثم يليكم عمال من بعدهم يقولون مالا يعلمون، و يعملون مالا يعرفون، فمن ناصحهم وآزرهم و شد على أعضادهم، فأولئك قد هلكوا و أهلكوا ) رواه الطبراني والبيهقي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .

وقد بات معلوما أن الدول تظهر في وسائل إعلامها ، خلاف ما تطمع أن تحققه ، وتقول للعامة نقيض ما تعزم على فعله ، حتى صار عند الناس أن نفي الدولة ، دليل على الإثبات ، وأن ما تخفيه سياساتها ، أكثر بكثير مما تعلنه ، وذلك لان الكذب والنفاق أصبحا هما الأصل في السياسة فيا للعجب .

الرابعة :
ــــــــ
التناقضات في الأفكار ، والتصورات ، واختلال المعايير.

ذلك أن الله تعالى قد أوضح كل منهج غير منهج الوحي ، فلا بد أن يتناقض كما قال تعالى (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ) ، وكما عاب الله تعالى على الجاهلية الأولى تناقضاتها في الأحكام والتشريعات ، واختلال معاييرها ، قائلا (وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَـذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ) .

كذلك هذه الجاهلية المعاصرة ، قد ظهرت تناقضاتها ، وازدواج معاييرها ، واختلال أحكامها ، لكل العقلاء .

ولنضرب على ذلك ثلاثة أمثلة :

المثال الأول :
ـــــــ
هذه التي تسمى الديمقراطية الغربية ، فهي تزعم أنها تمنح الشعوب حق الاختيار لمن وما يحكمهم ، غير أن الشعوب إن اختارت الإسلام ، سُحقت سحقا ، كما حصل في الجزائر ، والعجب أيضا أنها تبيح لنفسها ، أن تحتل البلاد ثم تحدد للناس ما يختارون ، ثم تزعم أنها تحقق لهم (الديمقراطية) ، كما يحصل في العراق ، وأعجب من هذا أنها ترعى التسلط والاستبداد مادام يمدهم بما يشتهون ، ومابقي يصل منه إليهم ما بــه يستمتعون ، فإن انقطع نفعه إليهم ، أزاحوه زاعمين نشر ديمقراطيتهم المزعومة .

المثال الثاني :
ـــــــ
هذه الدعوة إلى الحرية الغربية الزائفة ، فبينما هي تزعم تقديس حرية الإنسان ، هاهي تمنع عن المسلمين حريتهم ، وتسلب شعوبهم حقها في ثرواتها ، وذلك بالتسلط عليها تحت شعارات زائفة كاذبة باسم العولمة ، والتجارة الحرة .. إلخ.

المثال الثالث :
ـــــــ
الدعوة إلى حقوق الإنسان : فهذه الجاهلية المعاصرة ، تزعم حماية حقوق الإنسان في العالم ، بينما تتغاضى عن مصاب المسلمين في كل أنحاء المعمورة ، بل تسعى في إهدار حقوقهم ، وهاهم أسرى ( غوانتنامو ) قــد فضح حالهم كذب وزيف وتناقض هذه الجاهليّة الكافرة الظالمة .

ولا يخفى ما يفعله الصهاينة كل يوم في فلسطين من دمار لا يوصف ، وإهدار لكل حقوق هذا الشعب المسلم ، بأموال ودعم وإعانة قادة هذه الجاهليّة المعاصرة .

وصدق النبي صلى الله عليه وسلم ، عندما وصف اختلال المعايير في الجاهلية الأخرى : (سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، و يكذب فيها الصادق، و يؤتمن فيها الخائن، و يخون الأمين، و ينطق فيها الرويبضة . قيل: و ما الرويبضة ؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة ) رواه أحمد والبيهقي والحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .


الخامسة :
ـــــــــ

الظلم ، وقد وصف الله تعالى الجاهلية واتباعها بأنهم الظالمون ، في آيات كثيرة في القرآن كقوله تعالى (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وقال(وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إَلاَّ كُفُورًا ) وقال : (وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ ) .

وقد بين الله تعالى في القرآن بيانا لا اشتباه فيه ، أن الجاهلية لايمكن أن تكون إلا ظالمة جاهلة ، وكذلك كل من يحكم بغير شريعة الله لا يكون إلا كذلك ، كما قال تعالى ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ، وقد وصف الله تعالى الإنسان قائلا ( إنه كان ظلوما جهولا ) ، وهذا الوصف لا يزول عنه ، إلا بقدر هداية الله تعالى له ، ولهذا جاء في الحديث ( كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ) .

فهذه صفة الجاهلية التي لاتنفك عنها ، وعندما نقول الجاهلية فإنما نعني بأحكامها الجائرة ، ومناهجها الباطلة ، وتصوراتها الضالة ، وسلطانها القائم على الجهل والظلمات .

أما حصول العدل من زعيم كافر في حقوق رعيته خاصة أو غيرهم ، فهذا قد يقع ، ولكن هذا عدل جزئي في حال مخصوص ، ولا يخرج الكافر عن وصف الظلم ، فأي ظلم أعظم من الكفر والشرك .

ولكن العدل على أية حال خصلة محمودة محبوبة عند الله تعالى مطلقا ، والله تعالى قد يجازي الكافر على عمل الخير في الدنيا ، وماله في الآخرة من خلاق .

كما أن ووقوع هذه العدل الجزئي ، لا يُخرج الجاهليّة بمجموع حالها عن أنها عين الظلم، وينبوع الظلمات ، والواقع يشهد أن الجاهلية المعاصرة بقيادة الغرب المادي الصليبي اليهودي ، هي أظلم ما مر على البشريّة كلِّهــــا .

فقد احتلت البلاد المستضعفة ، ونهبت خيراتها ، وأهلكت شعوبها ، ثم عادت بعد حقبة الاحتلال في القرن الماضي ، عادت إلى ديارها بعدما ربطت مصير الضعفاء بها ، مبقية على الاستعباد في صورة أخرى ، استعبـاد الاستلحاق السياسي والاقتصادي و العسكري والثقافي .

وأما مصاب المسلمين خاصــة من هذه الجاهلية ، فأعظم من كل مصاب ، فقد تسلطت على الإسلام وأهله ، بالظلم المبين ، وقبضت على صولجان الاستبداد ، واستقرت علـــــى عرش الطغيان ، فكأنها فرعون القائل (قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) .

هذه هي أهم سمات الجاهلية المعاصرة ، فاعرفوها ، وهذه هي ملامحها فاحذروها ، واعلموا أن أصل دين المسلم لا يصح إلا بالكفر بالجاهلية ، والبراءة منها ، وجهاد ظلماتها بنور الإسلام ، جعلني الله وإياكم من أنصار دينه ، واستعلمنا في مرضاته ، وأعاننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 06/12/2006