اللحى المستـعارة !!

 

اللِّحى المستعـارة !!
 
حامد بن عبدالله العلي
 
 
كان عيبـاً كبيراً _ بل سُبـَّة في تاريخ الدعوة الإسلامية _ أن يُحشر منبر الجمعة في صراع سياسي بين المعارضة والحكومة ، فتستعير الأخيرة ( لحى المشايخ ) لكسب جولة سياسية ضد المعارضة ، في عملية تحويـل للدين إلى أداة سياسية في التجاذب السياسي  !
 
وإنه لجناية على الدين ، ولمنبر سيِّد المرسلين ، أن يُحشر المنسوبون إلى الإرشـاد الدينـي في هذا المعترك !
 
والمفارقـة المضحكـة هنـا ، أنَّ الوزير نفسه قد يرشِّح نفسه ليكون نائبا ، في دورة برلمانية قادمة ، ثم يختار صفوف المعارضة ، فيندِّد وهـو في صفوف المعارضة بإستخدام الحكومة للدِّين في قضية سياسية تقف الحكومة والمعارضة فيها على طرفـي نقيـض ، وقـد يبادله الموقع أحد المعارضين السياسيين اليوم فيصبح وزيراً فيلعب لعبة ( تأجير اللحى ) من جديـد ، وهكذا تدَّنس اللَّحى بهذه الأدوار المتناقضـة ، وفي حالة سياسية لا تلجأ إلى الشريعة إلاَّ لتوظيفهـا ! حتى أصبح كثيـرٌ من شيوخها سُخرية الساخرين ، وتهكـّم المستهزئيـن ، فيا للأسـى !!
 
وسبحان الله .. حتَّى لو كان مبدأ الحسبة على السلطة مخالفا للشريعة الإسلامية _ وحاشا أن يكون كذلك _  فما أقبـح أن يرضى من يمثـِّل الدَّين لنفسـه أن يُستعمل في صراع سياسي على صفقـة : ( الفتوى مقابل الراتب ) أو على حدّ المثل المصـري : ( إدِّيلو فرخة يدّيلك فتوى ) !
 
فكيـف والشريعة الإسلامية يقوم نظامُها السياسي أصلا على مبدأ أنَّ الحكم عقدٌ بين السلطة والأمّـَة ، تكون فيه الأمّـة هي الأصل الأصيل ، والسلطة فرعٌ نائب.
 
 وأنَّ هذا العقد له شروط ، إذا لم يلتزمها أحدُ طرفـي العقد فهـو الذي أبطل حقَّه ، بالإخلال بشرطه ، وفرضٌ على الأمـَّة _ بواسطة أهل الحـلّ والعقد _ أن تراقب إستدامـة صحة العقد بإستمرار وجـود شروطـه ، وإلاّ فللأمـَّة حينئذٍ أن تنيـب من يلتزم بشروط هذا العقد الأخطـر في كيان الأمـَّة .
 
هذا هو النظام السياسي الإسلامي كما في كتب الفقه الإسلامي ، وهـو نظام راقٍ مستنيـرٌ سبق كـلَّ النظم السياسية المعاصرة في رقيـَّه ، وكماله ، ومنه أخذت النظم المعاصرة مبدأ العقـد في نظام الحكـم .
 
 وهـو نظـام شرعه الله ليكفل العدالة ، ويمنع الظلم ، ويمنح الشعوب حقوقها ، ويحفظ كرامتها ، ويجعلها شريكة كاملة في إدارة الدولة ، وفي الرقابة على أدائها ، ومحاسبتها ، كما بيَّنا ذلك في مواضع كثيرة في المقالات ، والفتـاوى .
 
هذا .. وأمـّا فتاوى الطاعة المطلقة للسلطة ، والإنقياد الأعمى لها ، وإضفاء الشرعية على الإستبداد ، وإهدار حقوق الشعوب ، وإلغاء دورهـا ، فمـا هو إلاَّ دين الشيطان ،
 
 وهـو دين (اللّحى المستعارة) التي يوظِّفهـا إبليس لتشويه صورة الشريعة الإسلامية ، وإظهارها بمظهـر قساوسة الكنيسة في ( عصور ما قبل النهضة ) ليصدّ الناس عن دين المرسلين ، وشريعة ربِّ العالمـين !!
 
والعجب والله كثرة هذه اللحى المستأجرة هذه الأيـَّام ، حتى تكاد تتشابك من كثرتـها فتسدَّ علينا الطرقـات ، وتحجب عنـَّا ضوء الشمس  !
 
حتى لم يبق شيء من الخبال على أمـّة الإسلام إلاّ وأفتروه على دين الله تعالى ، فأجازوا إحتلال الصليبية للبلاد الإسلامية ، وأحلُّوا لها دماء المسلمين ، وحرَّموا الجهاد لتحرير بلاد الإسلام ، وزيَّنـوا للظلمة طغيانهم ،
 
 ثـمَّ وضعوا توقيعاتهم الملعـونة على كلِّ دمٍ سُفك ظلما ، وعلى كلِّ حكمٍ صدر بغيـا ، وعلى كـلِّ حقّ أُهـدر ، وعلى كلِّ قـولٍ حـُـرِّ صُودر .
 
فهم والله من أعظـم المصائب على أمّتنا لاسيما في هذا العصر ، قطع الله دابرهـم ، وأراح المسلمين من شرِّهـم .
 
والعجب والله كلَّ العجب ، أنهم باتـوا يشتركون في هذا ( التطبيل ) ، مع طائفة النفاق التي تتظاهر بالتباكي على الحسين رضي الله عنه ، لتخفي وراء دموع التماسيح هذه ، أخبث مخطط يكيد لأمـَّة الإسلام .
 
تبكي على دم الحسين _ رضي الله عنه _ الذي قتل ظلما ولعن الله من قتـله ، مـع أنهــا هي أعظم طائفة تقترف الظلم ، والعدوان ، والغـدر ، والطغيـان ، والفساد في الإرض ، وها هو الشعب الإيراني النجيـب يرزح تحت ظلمها ، وطغيانهـا ، متمنيـاً خلاصه!
 
هذا .. وإنـَّه لمن المفارقات التي هـي من ألغـز الألغاز ، أن تتظاهـر طائفة لديها أخطـر مشروع سياسي ،  يعلن كلَّ عام مكتـوبا بصـورة الدم ، والتنادي بالثـأر _ يالثارات الحسين _  تتظاهـر على فكرة إستلهام ثورة الحسين الدمويـّة على السلطة ، تحريضـا على إزاحة الأنظمة السياسية ، والحكومات القائمـة !
 
بناءً على أنَّ كلّ إمام ليس من ذريـّة الحسين _ رضي الله عنه _ فإمامـته باطلة ، وكلّ نظام لايقوده المعصوم من ذرّيته ، فهو نظام كافـرٌ لأنه جاحـدٌ بالولاية ! وهـو مغتصبٌ ، طاغـيةٌ ، يستحق الثورة عليه كما ثار الحسين على الظلم ! معـتدٍ على أعظم ما في الدين ، وهو إمامـة أهـل البيت ، ولا يُستثنى من هذا إلاَّ ولاية الفقيه في إيـران لأنـّها نيابة عن المعصوم هناك !
 
إنهـم بإختصار يحتفلون كـلَّ عام : بـ(ثورة دموية سياسية على السلطة القائمة) !
 
ثـم لاتشكِّل هذه التجمُّعات ، ولا تعـدُّ تلك الفكرة الإنقلابية ، ولا يوصف كلّ ذلك الشحن العاطفي والسياسي السنوي لإعادة ما يزعمـون أنه حكم آل البيت _ رضوان الله على عترة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم الطاهـرة _ على أنقاض الأنظمة السياسية ، أنـّه خطـرٌ سياسيُّ ، بل تجري هذه المؤامـرة السنويّة برعاية الأنظمة نفسها ، ومباركتـها ؟!
 
بينما تُعـدُّ الدعوات الإسلامية السلمـيَّة لإصلاح الحكومات لنفسها بنفسها ، وإحداث التغيرات السياسية من نفس أدواتها ، دعوات ذات خطورة أمنـيّة بالغة !!
 
حقا إنـَّه لغـزٌ عجيب ؟!!
 
ومن نوادر المضحكـات المبكيـات أنّ أحمد معمَّمي هذه الطائفة ، بشـّر الناس أنّ (مهديهـم) سيظهر في بلده ، وذلك بناء على  ما شاهـده من إزدياد واسع لأماكن الإحتفال بـ ( فكرة الثورة السياسية الدموية على السلطة ) !  
 
وهذا لايعني سوى شيء واحـد ، دلالة قطعية لا تحتمل التأويل ، أنَّ النظـام سيسقط على يد المهدي ! لأنـَّه إذا ظهـر لن يعترف بأيّ حكومة أو نظام سياسي ، فهذه هي الفكرة الأساسية لخروجه !
 
وليس هذا فحسـب ، بل سيُعمل السيف في أقرب الناس إليه في هذا الإنقـلاب السياسي الدموي ، وهم بنو عمـِّه قريش ، كمـا روى المجلسـي في بحـار الأنوار عن أبي جعفر : ( لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحبّ أكثرهم أن لايروه مما يقتل من الناس ! أمـّا إنه لا يبدأ إلاّ بقريش ، فلا يأخذ منها إلاّ السيف ، ولايعطيها إلاّ السيف ! حتى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد ، لو كان من آل محمدلرحــم ) 52/354
 
وفي نفس المصدر 52/ 383 عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( إذا قام القائم من آل محمدعليه السلام ، أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم ! ثم أقام خمسمائة فضرب أعناقهم ! ثمأقام خمسمائة أخرى حتى يفعل ذلك ست مرات )
 
وإذا كان هذا ما يفعله في بني عمـّه ، فكيف بغيرهم من الناس ؟!
 
 ولهذا ورد أيضا في نفس المصدر _ فيما يكذبـون _ سُئل الباقر ،  عن المهدي هل سيسير بسنة محمــّد ، فقال: ( هيهات ، إنّ رسول الله صلى الله عليه واله ، سار في أمته باللين ، وكانيتألّف الناس ، والقائم أُمـر أن يسيـر بالقتـل ، وأن لا يستتيب أحـداً ) .
 
عجبا .. كلّ هذا الفكر السياسي القائم على الثورة الدمويّة التي تحكم بالكفر ، والبطـلان على كلِّ النظم السياسية القائمة ، وتتوعـَّدها بالذبح ، يتمدَّد تحت رعاية وحراسة أنظمـة ستكون هي أوّل ضحايـاه إذا ظهـر مشروعـه السياسـي إلى العـلن لا قـدَّر الله !!
 
بينما يُحشـد على الذين لايبتغون إلاَّ العدل ، والحقوق ، والكرامة ، ولايخفون غير ما يعلنون ، ولايبتغون غير ما يظهرون ، وهم بنو الجلـدة ، وأبناء اللحـمة ، وأخـوة الدين ، يُحشـد عليهـم كلُّ مصطلحات الإجرام ، والتخوين ؟!!
 
إنـَّه ليس ثمة تفسير لهذا التناقـض العجيـب ، والفـتنة المريبة ،  إلاَّ ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذ قال : ( فلينظر كلّ عاقل فيما يحدث في زمانه ، وما يقرب من زمانه ، من الفتن ، والشرور ، والفساد في الإسلام ، فإنـَّه يجد معظم ذلك من قبل الرافضة ، وتجدهم من أعظم الناس فتنـاً ، وشـراً ، وأنهم لايقعدون عمَّا يمكنهم من الفتن ، والشرور ، وإيقاع الفساد بين الأمـّة ) شيـخ الإسلام ، منهاج السنة النبوية 3/243
 !!!!
 
والله المستعان ، وهو حسبنا عليه ، توكّلـنا وعليه فلتوكّـل المتوكّـلون .

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 20/12/2010