الديـــــــنُ ، والدولــــــــــةُ ، والجهـــــــاد

 

 

الديـــــــنُ ، والدولــــــــــةُ ، والجهـــــــاد


 

 حامد بن عبدالله العلي

من حقائق الإسلام الكليّة المتعلّقة بالعقيدة الإسلاميّة تعلقاً أساسيّاً ، أن الدين والدولة فيه حقيقتان ملتحمتان لا انفكاك بينهما .

حتى لقد قرأت لبعض الكتّاب المستشرقين الذين أسلموا ـ ولا يحضرني الآن اسمه ـ أنه وبعد أن قرأ مافي القرآن والسنّة عن هذه الحقيقة ، قال : لا أقول الإسلام دين ودولة ، بل هو الدين وهو الدولة 0

ومرجع هذا في الشريعة الإسلاميّة ، إلى أن الله تعالى ربط نجاة الإنسان في هذا الدين ، بالقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما في سورة العصر ( والعَصرِ إنَّ الإنسانَ لَفي خُسرٍ إلاّ الذِينَ آمنُوا وَعَمِلُوا الصالحات وتواصَوا بالحقِّ وتواصَوا بالصَّبر ) .

فلا نجاة من الخسران في الآخرة بالاكتفاء بالإيمان والعمل الصالح ، بل لابد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكـــــر مادام في الوسع ( وتواصوا بالحــق ) ، ولا بد من الصبر على ذلك ( وتواصوا بالصبر ) 0

ولم يؤمر المسلمون أمرا شرعيّا دينيّا أن يقيموا لهم الدولة ، إلاّ لهذا الغرض ، وقد صار هذا من أعظم واجبات الدين ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيميـّــة رحمه الله ( يجب أن يُعرف أن ولاية أمر الناس ، من أعظم واجبات الدين بل لاقيام للدين ولا للدنيا إلاّ بها ) 28/390

والغرض من إقامة الدولة أصلا إقامة الدين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال شيخ الإسلام ( وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، سواء في ذلك ولاية الحرب الكبرى ، مثل نيابة السلطنة والصغرى مثل ولاية الشرطة ، وولاية الحكم ، أو ولاية المال وهي ولاية الدواوين المالية ، وولاية الحسبة ) 28/66


والمقصود أن عمل الدولة في الإسلام ، ووظيفة كل ولاياتها ـ في الأصـــل ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لهـذا فحسب قامت ، وهـــذا ـ فقط ـ هو وجه مشروعية الدولة في الإسلام .

وولي الأمر يستمد مشروعيته من هذه الجهة فحسب ، و(الأمر) الذي أضيف (الولي) إليه في الشريعة هو هذا الأمر فحسب ، أمر إقامة الدين بواسطة جهاز الدولة وتسخيرها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 0

فإن لم يتولّ الحاكم هذا الأمر ، فليس هو وليَّ أمرٍ شرعيّ ، بل وهو وليُّ الأمرِ الذي تولاّه ، إن كان مستعبَداً للكفّار ينفّـذ مخططّاتهم ، أو مقيما لمنهج كافر يتولاّه ، أو غير ذلك ، فهو وليُّ ما تولّى ، وقد قال تعالى ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ، ويتبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى ونصلِهِ جهنّم وساءت مصيراً ) .

غير أنّه ينبغي أن يُعلم ، أنّ المعروف يدخل فيه كل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال ، ممّا يتحقق به مصالح العباد وإصلاح أحوالهم .

والمنكر يدخل فيه كلّ ما لا يحبه الله ، ولايرضاه ، من الأقوال والأعمال ، وكلّ ما يكون أقرب إلى فساد البلاد والعباد ، واضطراب أحوالهم ، حتى الغشّ في الأسواق وتولية من لا يستحق في إدارات الدولة ، وان كانت الولاية صغيرة ونحو ذلك .

والمقصود أن هذه الكلمـــة العظيمة ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) في الشرع عامة يدخل فيها ما شرعه الله في الدين كله 0

وهذه الحقيقة الثابتة التي دلّ عليها القرآن كما قال تعالى : ( لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهــم الكتاب والميزان ليقوم النّاس بالقسط وأنزلنا الحديد في بأس شديد ومنافع للنّاس ، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قويّ عزيز ) ، ودلّت عليها السنّة المطهّرة ، هي السبيل الحقّ ، والصراط المستقيم ، في فهم علاقة الدين بالدولة في الإسلام 0

ويقابلها سبيلان فاسدتان ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيميــــة رحمـه الله ( وهاتان السبيلان الفاسدتان ــ سبيل من انتسب إلى الدين ولم يكمله بما يحتاج إليه من السلطان والجهاد والمال ، وسبيل من أقبل على السلطان والمال والحرب ، ولم يقصد بذلك إقامة الدين ــ هما سبيل المغضوب عليهم والضالين ، الأولى للضالين النصارى ، والثانية للمغضوب عليهم اليهود ) 28/395

وقد وقع في هذه الأمّة ـ كما ورد في الحديث لتتبعن سنن من كان قبلكــم ـ نظير ما في الأمتين الضالّتين اليهود والنصارى .

فحكّامنا يريدون السلطان والمال والحرب لإقامة دنياهم ، غير ملتفتين إلى الدين ، ولا ينصرونه إلاّ ما أُشرب من هواهم ، وخيرهم من لا يكون له غرض ذاتي في محاربة الدين مالـم يخش ذهاب شهواته ، وشهوات حاشيته ، فحينئذ فالدين عندهم أهون مقتول ، فهؤلاء كاليهود كلّما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم استكبروا ، ففريقا كذبوا وفريقا يقتلون 0

ومن المنتسبين إلى العلم والدين ، من يريد الدين بلا سلطان ولاجهاد ولا مال يقيمه ، كالنصارى الذين يقولون ( دع ما لله لله ، وما لقيصر لقيصر ) ، حتى آل الأمر ببعض هؤلاء أن زعــم كلّ من يتولى أمر المسلمين ، وليّ أمر شرعيّ ، لاتجوز منازعته في شيء ، ولا مخالفته في أمـرٍ ، حتى لو كان أكفر وأفجر ، وأظلم الناس ، وأعظمهم صداً عن سبيل الله تعالى !!

حتى عـدّ بعضهم رئيس الجمهورية التركية وليّ أمر شرعيّ ، واستنكر سعي بعض الأحزاب الإسلاميّة للحصول على المال والسلطان والقوة للسيطرة على الدولة التركيــــــة ، لأنّه ــ كما زعم ــ خروج على وليّ الأمر!!!0

ولهذا تجد هؤلاء تشمئز قلوبهم إذا ذُكِر الجهاد ، أو الحكم بما أنزل الله ، أو الدعوة إلى تغيير الواقع ، كما تضيق صدروهم بمن يعتني بفضح مكائد أعداء الأمّة وعملائها للسيطرة على مقدرات القوّة عند المسلمين ، وربّما استعانوا بقوّة السلطان لإسكاته ، فيصيرون عوناً للسلطان الكافر ، أو الجائر على عزل الدين عن الدولة ، لموافقة ذلك لما في نفوسهم من مشابهة النصارى من هذه الجهة 0

وصارت الأمّة بسبب خيانةَِ حكّامها ، وانعزال كثير من علماءها ، أو انحراف كثير منهم ، في هذه الحال من الضعف والمهانة ، ذلك أن الله تعالى حبس عنها النصر ، حتى تتخلّص من مشابهة تلك السبيلين .
سبيل المغضوب عليهم ، وسبيل الضالّين ، ولهذا قال الله تعالى لموسى وهارون نبييّ الإسلام عليهما السلام ، بعد دعائهما بالنصر على الأعداء ( قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعانّ سبيل الذي لا يعلمون ) .

فشرط النصر الاستقامة على سبيل الهدى ، فإن الله تعالى لا ينصر إلاّ من ينصر دينه وينصر كتابه المتضمّن لهداه ( إن تنصروا الله ينصركم ) .

قال شيخ الإسلام ( والكتاب هو الحاكم بين الناس شرعاً وديناً ، وينصر القائم نصراً وقدراً 000 فإنّ الله نصر الكتاب بأمر من عنده ، وانتقم ممــن خرج عن حكم الكتاب كما قــال ( إلا تنصروه فقد نصره الله ) 28/37

نسأل الله تعالى إن يجعلنا من جنوده القائمين بنصر دينه ، ويرزقنا الشهادة في سبيله ، ويلحقنا بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا آمين .

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 06/12/2006