حامد بن عبدالله العلــــــي
رسالــــة باكية من أخــت تونسية شاكيــة :
بسم الله الرحمن الرحيم
"إننا في تونس نعاني من اضطهاد السلطة لنا كمتحجبات..إلى متى صمتكم أيها العلماء ألا من معتصم..
ألا من مطالبة بمحاسبة المجرمين المنتهكين لحرماتكم أمام أسماعكم..اللهم فاشهـــد .
اخوتنا الأحبة ألا أن نصرة اليهود لبعضهم معلومة فهل يرضيكم أن تكشف عوراتنا وانتم تعلمون..إننا نسام الخسف لأننا ننتمي إلى سورة النور..
وهذه الأيادي الآثمة في تونس بلد الزيتونة تمتد لنزع الكرامة ، فماذا انتم قائلون لربكم حين يسألكم عنا ، وأيدي أبنائنا في تونس مغلولة بين سجين وشريد....اللهم من كان معك فكن معه وانت خير الناصرين
والسلام عليكم وبارك الله لكم "
هذا نموذج من الرسائل الكثيرة التي تأتينا من تونس مؤخرا ، وقــد بلغ السيل الزبى ، وطالت يد البغي الطاغية كل الحرمات ، وانتهكت الأعراض ، وامتلأت السجون من القائمين بالقسط من الناس ، وسالت دماء الشرفاء أنهارا ، ودكت جنود البغي صروح الفضيلة جهارا .
وفي وسط هذا الإجرام الذي يسام به المسلمون في كل مكان ، من أفغانستان إلى الدولة المارقة أمريكا ، مرورا بفرنسا التي حظرت الحجاب ، وزعماء البلاد العربية الذين ساموا الدعاة والمجاهدين سوء العذاب ، وسط هذا كله يجتمع المنسوبون إلى زمرة فقهاء الشريعة ، ليتكلموا عن "التطرف والإرهاب الإسلامي" ، ودماء المسلمين تهراق ، ومحصناتهـــــــم إلى العــار تساق ،
عار علـى الأحرار في الشرق كله *** إذا استبيحت في الخدور الكرائـم
أما فيهم أحفـــاد خالــد فـارس*** عزيـز بكفيـه تشدو الصـوارم
يطهر أرض الله من كل ساقـط *** بغــيّ وقـوّاد ذللــته الأعاجــم
أيا أمة الإسلام هُبـّـوا لتنقذوا *** عفيفـة تونـس أرهقتهـا الجرائم
وقد زار شيراك زعيم فرنسا زاعمة الدعوة إلى الحرية ، زار تونس ، وشكر تلميذه هناك على ما يصنعه ثـــمّ من رعاية أهداف التخريب الغربي للفضيلة وقيم الأمة الإسلامية .
وعاد إلى وكــر عصابة الإجرام العالمية ومازالت منذ قــرن ، ليعلن حظر الحجاب على المسلمات في المدارس ، وفــر المسلمون إلى البلاد الأوربية المجاورة ، فروا من بلاد "الحرية" العريقة التي طالما تبجحت بها ، ينشدون الحرية خارجـهــا !!
ولاتحسبوا أن هذا المكر الغربي الخبيث لتونس الحبيبة ، لا تحسبوه جديدا بل هو قديم جدا ، وأيضا لاتعجبوا من هذه العودة الباهرة لهذا الشعب التونسي العريق إلى دينه ، والمرأة التونسية إلى حجابها .
فأنت تونس من أهل تونس عظمة الإسلام على جباههم العزيزة ، وتحس أمجاده تجري في عروقهم ، وتفيض من وجوههم ، وتنضح من دماءهم ، فلم يغادروا دينهم حتى يعودوا إليه ، غير أن الطغاة أرادوا أن يغطوا حجاب شمس الإسلام في تونس ، فلم ولن يفلحوا ، فهاهي تطلع من جديد ، أشد ماكانت ضياء ، وأعظمه تألقا ، وأسطعه نورا .
قال الدكتــور محمد محمد حسين في كتاب الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر : في عام 1900 م ، نشر مقال لـ " هانوتو " ـ وكان وزير المستعمرات في فرنسا آنذاك ـ يقارن بين الإسلام والنصرانية ورد عليه محمد عبده ردا طويلا في ثلاث مقالات كانت حديث الناس وشغلهم في ذلك الوقت …. وطالب ـ أي هانوتو ـ بأن تقوم السياسة الاستعمارية على الدراسة العميقة الدقيقة للشعوب الإسلامية وللإسلام ، ثم قال : إن الإسلام دين وسياسة ، فالوطن عندهم في الإسلام ، وهم يقولون السلطة مستمدة من الألوهية ـ أي الوحي هو الحاكم بين الناس وبه تتقيد السلطة ـ فلا يجوز أن يتولاها إلا المسلمون .
ثم أشار هانوتو إلى نجاح فرنسا في فصل السلطة الدينية عن السلطة السياسية في تونس ، وقال : إنها استطاعت أن تحقق هذا الانقلاب العظيم بلباقة وحذق ، ودون أن تثير ضجيجا أو تذمرا ، فتوطدت دعائم السلطة المدنية ، وتسربت الأفكار الأوربية بين السكان بدون أن يتألم منها إيمان المحمدي !!
وبذلك انفصل الحبل بين هذا البلد والبلاد الإسلامية الأخرى ، الشديدة الاتصال ببعضها ببعض .
ودعا ـ أي هانوتو ـ في آخر مقاله أن تتخذ تونس مثالا يقاس عليه ، ونموذجا ينسج على منواله أ.هـ من الاتجاهات الوطنية 349
غير أنه وبعد أكثر من قرن على دعوة "هانوتو" ها هو الإسلام يعود ، يعود في تونس ، وفي المغرب العربي كله ، هذا الإقليم الإسلامي الذي سعت فرنسا بكل مكرها وحيلها ، وأجلبت بكل خيلها ورجلها ، أن تجتث الإسلام منه ، حتى فرضت لغتها الفرنسية على الشعوب الإسلامية هناك ، ها هــو الإسلام يعود فيشتعل اشتعال النار في الهشيم ، ويتحامل على نفسه ، وتعلــو هامته ، ليقف شامخا من جديد ، ويلقى عنه أغلال العبيد .
كما يعود في الشرق ، وفي شمال الأرض وجنوبها ، بل في وسط أوربا نفسها ، ينبت الإسلام من تحت كل صخرة ، ومن كل ركن ، وفي كل زاوية ، ويخرج من كل بيت وأسرة .
ويجمعه الله تعالى ليواجه معركته التي كتبها الله تعالى له ، معركته مع عدوه الأساسي ، الصليب المتصهين الحامي لأوليائه من طواغيت الزعماء المحليين سماسرته ووكلاءه ، الذين باعوا دينهم وأمتهم من أجل حطام الدنيا ، فغاية أمانيهم إرضاء الاجنبي المحتل لبلادنا ولن يرضى حتى تتبع أمتنا ملتهم ، ودون ذلك خرط القتاد ، فقد قام اليوم سيف الجهاد، ولن يعود إلى غمده حتى يمضي بالأمة إلى مثل سالف الأمجــــــاد .
غير أنه من المهم هنا أن نركز النظر على قول هذا المنظر الاستراتيجي الخطير الذي هو من أول من نظــر للفكر الاحتلالي الغربي ـ إذ الامبريالية نزعة غربية أساسية ـ " هانوتو " .. عندما طالب :
"بأن تقوم السياسة الاستعمارية على الدراسة العميقة الدقيقة للشعوب الإسلامية وللإسلام " .
وهذا هو الفرق يبن الحروب الصليبية السابقة ، والحروب الصليبية الامبريالية التي انطلقت منذ قرن ومازالت ، فهذه الأخيرة جاءت مع الجيوش ، بدراسات معمقة عن الشعوب الإسلامية والإسلام ، وعلمت أن نجاحها هذه المرة مرهون ، بإحداث تغيير في المناهج الثقافية ، بحيث ـ كما قال ـ " تتسرب الأفكار الأوربية في السكان من غير أن يتألم منها إيمان المحمّدي " .
وهذه هي نفسها الدعوة إلى تعديل المناهج ، التي استعرت اليوم في جزيرة العرب والخليج ، هــي بعينها لايعدوها الأمــر طرفـة عين .
غير أن الأفضل أن يطلق على هذا المشروع ، اسمــه الذي هو لـــه أهــــل .. تعديل " المناهق " .
لان الحقيقة هي أن الذين ينهقون هنا لإرضاء أمريكا التي امتطت ظهورهم لتوصلهم إلى اجتثات الإسلام في بلادنا ، لم يعد نهيقهم يرضيها بما فيه الكفاية ، فقررت أن تعــدّل من نهيقهم ، فزادت عليهم ضربــا بالعصا ، ليمضوا بها إلى تحقيق كل أهدافها الخبيثة ، فأصبح نهيقهم ألــذّ في أسماع سادتهم ، وركضهم أسرع خطا ، وأكثر حماسا مما مضى .
وحول تعديل "المناهق" سيكون المقال القادم بإذن الله تعالى .