حرب القيــــــــــم

 


حرب القيــــــــــم


حامد بن عبد الله العلي

ليس ثمة مجال للريب أن القسمة الثنائيّة الصارمة ، تتنزّل اليوم على كلّ المتعاطين مع المشروع الإمبريالي الأمريكي ـ الصهيوصليبي ـ الجديد في عالمنا الإسلامي ،ولن يسلم أحد من التعاطي معه ، إنّه مفروض علينا فرضا ، أمرٌ غشي النّاس كُرهـا ، وهو أعظم خطر مـرّ على أمتنا ، وهو فتنة شاء الله أن يفتن بها عبـاده ، وهو الحكيم العليم ،،

( إِنْ هِيَ إِلاَّفِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَامَن تَشَاء وَتَهْدِي مَنتَ شَاءأَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْلَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ) ،،

نسأل الله أن يحفطنــا والمسلمين من شرّهـا ، ويرزقنا فيها العزيمة على الرشد ، والسداد في الأمر ، وحسن العاقبة آمين ،،

فهما قسمان ، لاثالث لهما:

أحدهما :

قومٌ يرون أن أمل هذه الأمـّة بأن تقوم بذاتها إلى عزّها ، قد انتهى إلى غير رجعة ، وانقضى فلم يعد فيه نبض لحياة ، أوشعاع من نور ،

ولا سبيل لنا إلا أن نقبل ابتلاع المشروع الأمريكي لنا ، ونبحث عن زاوية مـا في سوقه ، ونعترف أننا لسنا أمّة لها مقومات الأمـّة القادرة على النهوض حضاريا ،وإنما غنمٌ ضائعة في ليلة شاتية ، وجدت راعيها في المشروع الغربي الأمريكي ، فهي فرصتها الوحيـدة !!

وجلّ هؤلاء ،، إنما هم أذناب الهزيمة النفسية ، وحثالة السقط الفكري ، وأتباع كل ناعق من شياطين الغرب .

ومن هؤلاء ( إسلاميون ) احتالوا على أنفسهم بإقناع أنفسهم أن انطواءهم تحت هذا القسم هو عين الحكمة والمصلحة الشرعية ، وأن الإسلام يمكن أن لايتعارض مع المشروع الأمريكي ، وهرعوا إلى تزيين هذا الهوى المُردي ، بزينة زائفة ، من تحريف النصوص ، وإنزال قواعد الشرع في غير منازلها .

قال الحق سبحانه : ( أَفَمَنزُيِّنَلَهُسُوءُعَمَلِهِفَرَآهُحَسَنًا فَإِنَّاللَّهَيُضِلُّمَنيَشَاءوَيَهْدِيمَنيَشَاءفَلاتَذْهَبْنَفْسُكَ عَلَيْهِمْحَسَرَاتٍإِنَّاللَّهَعَلِيمٌبِمَايَصْنَعُونَ* وَاللَّهُالَّذِيأَرْسَلَ الرِّيَاحَفَتُثِيرُسَحَابًافَسُقْنَاهُإِلَىبَلَدٍمَّيِّتٍفَأَحْيَيْنَابِهِالأَرْضَبَعْدَ مَوْتِهَاكَذَلِكَالنُّشُورُ* مَنكَانَيُرِيدُالْعِزَّةَفَلِلَّهِالْعِزَّةُجَمِيعًا إِلَيْهِيَصْعَدُالْكَلِمُالطَّيِّبُوَالْعَمَلُالصَّالِحُيَرْفَعُهُوَالَّذِينَ يَمْكُرُونَالسَّيِّئَاتِلَهُمْعَذَابٌشَدِيدٌوَمَكْرُأُوْلَئِكَهُوَيَبُورُ) ..

نعم ،، الله تعالى الذي بيده الأمر كلّه ، وإليه يرجع الأمر كلّه ، علانيته وسره ، الذي يرسل الرياح فيحيي الأرض الميتة بغيثه ، هو الذي يرسل الهدى على القلوب ، فتغدو عزيزة بالله تعالى ، مرفوعة بالكلم الطيب والعمل الصالح ، ويخزي الذين يمكرون السيئات لهذا الدين ، ويبوءُ مكرهم بالخسران المبين.

وهذا القسم ، المشروع الأمريكي فرحٌ بهم أيّما فرح ، فهم جنوده ، وأعوانه ، وجسره الذي يمر عليه إلى أهدافه ، كما فعل المشروع الإمبريالي الإستعماري السابق على أمتنا ، تماما حذو القذة بالقذة .

والقسم الثاني :

الذين ألقي الله في روعهم ، العزيمة الصادقة ، المقرونة بالتضحية بكلّ شيء ، على مناهضة هذا المشروع الغربي الأمريكي ،

فمنهم من نفخت فيه عروبيّته نفخة الأنفة من الإنقياد للأجنبي ، فأخذته عزة العروق القحطانية أو العدنانية الممتلئة بإباء الأحرار ، ولنعم العروق هي :

عروق الحرّ تنزعه لموت ** يعيش به حياة الخالدين


غير أن هؤلاء محبوسٌ عنهم النصر ، مردودٌ أمرهم إلى الهزيمة ، إنْ لم يأخذوا راية محمد صلى الله عليه وسلم باليمين ، أخذ القويّ المستبين ، ذلك أن قدر العروبة أن يُضرب عليها الذل إنْ لم تحمل رسالة قائد العرب والعجم إلى الهدى ، سيد العرب والعجم والأولين والآخريــن ، محمد صلى الله عليه وسلم .

لكنهم والله خيرٌ من الذين لم يعد فيهم من عزة الإسلام، ولا شيم العروبة مثقال ذرّة .

وهذه رسالة للذين اختاروا في شام الإسلام ، وفسطاط عزته ، دمشق المجد ، الأبيّة على كل غازٍ مستكبـر ، اختاروا طريق المواجهة مع المشروع الأمريكي ولنعم ما اختاروا ، رسالة ناصح : أن يرجعوا إلى دينهم ، ويتمسكوا بشريعة ربهم ، ويكفُّوا عن الظلم والإسبتداد فهما المصرع ، وهما في الحقيقة العدوّ الذي يصرع .

وليلتفّوا حول راية الجهاد الإسلامي المنقاد لله ولرسوله ، وليتوبوا من مبادئ حزب البعث الضالة ، ولينزعوا عنها إلى رشد الشريعة المحمدية الهادية المهديّة ، فإنّ كلّ مبدأ يناقضها هو والله حلقة الضعف التي سترديهم ، وبؤرة الهزيمة التي سيدخل منها الأعداء إليهــم ،، ولينظروا إلى ما ضرب الله في العراق من مثل ، فقد سقط شعار الجاهلية سريعا وتهاوى ، وبقي شعار الإسلام براية العزة الخفاقة كل يوم يتعالى ..

ومنهم الهداة ، الذين هبُّوا حاملين لراية الإسلام المظفّرة ، وشدّوا على خناصرهم بيعة الجهاد المحمّدي ، باللسان والسنان ، واستقرت في قلوبهم السكينة التي بها اطمأنوا إلى موعود الله ، والبصيرة التي بها رأوا نصر الله ، حتى رأوا بنور قلوبهم، هزيمة أعداء هذا الدين على أسوار الإسلام العظيم ، كأنهم يرونها رأي العين .

وهؤلاء هم الذين جمعوا بين :

صحة التوحيد ، ونور العلم بالوحي .

وسلامة القلب من الإغترار بالدنيا والركون إليها .

ومعرفة حقيقة الخطر الذي يهدد هذا الدين ، وهذه الثالثة ،

تتمثل في أمرين :

أحدهما : معرفة نفسية الغرب الإمبريالي الإستعماري، وأنها نفسية جبلت على الظلم والاغتصاب والعدوان ،

ولا أخالني بحاجة إلى أن استشهد بالحروب الأوربية الأولى والثانية ، التي ترجمت عقلية ونفسية الغرب الإمبريالي ، ولن أستشهد بالإستعمار وما صنع في عالمنا من الجزائر إلى أندونيسيا ، ولن أستشهد بما تفعله أمريكا وكلبها المدلل الكيان الصهيوني فينا من الأهوال ، اليوم ومن قرن من الزمان،

ولا بمخازي غوانتنامو والسجون الأمريكية المنتشرة في العالم ، ولا ببؤس المهاجرين العرب والأفارقة بأوربا ، الذي فضح زهو باريس بتحضّرها المصطنع ، فأسقط عنها ورقة التوت ، وبدت سوؤتها للعالم ، وانكشف كـم فيها من ظلم ، واضطهاد ، ورقّ ، وعنصرية دينية ، وعرقية .

بل سأستشهد بشاهد من أهلها ، وللشهادة قيمة أخــرى ، لأنها تلقي الضوء على الأصل والمنبت الذي انطلق منه الاستعمار الغربي الإمبريالي ، سابقا على كل محاولات التزيف الإعلامي الهائل الذي ينتشر في العالم اليوم ، محاولا تجميل وجه الغرب القبيح :

نعم ،، ما أروع والله كلمة ذلك المفكر الإنجليزي الشريف المستر جود في كتابه القيم GUIDE TO WICKEDNESS P.I91( إن حربا تشهر تحت إشراف عصبة الأمم ليست للعدل بين الأمم ، يقوم بها شرطة العالم للأخذ على يد الظالم وعقاب المعتدي ، ليست هذه الحرب إلاكفاحا بين الطوائف المتنافسة في القوة، الواحدة منها حريصة على المحافظة على القسط الأكبر من ثروة العالم ومواردها ، والأخرى متهالكة على تحصيلها ، إن مثل هذه الحروب لاتختلف عن حروب نشبت بين الطوائف المتنافسة في الماضي ، ولا عن حروب النمسا وبروسيا ، وعن حروب السنوات السبع ،وعن حروب نابليون ، وعن حرب 1914ـ 1918 ، لاتختلف هذه الحرب عن هذه الحروب إلا بالاسم ، أما التذرّع بأن هذه الحروب ،إنما نصبت للدفاع عن الديمقراطية وعن عصبة الأمم، وضد الفاشية والاعتداء ، فلا يغيرمن الموقف شيئا )

عجبا والله ، إنهــا إذاً الخدعة القديمة ذاتها ، لازالت سارية المفعول ، ولازالت تضحك على العقــول !!

غير أنهم جاؤوا هذه المرة فاحتلوا العراق بعد أن ضربوا عرض الحائط بهيئة الأمم ،

ثم بعدما استولى اللصوص وقطاع الطرق ، على الغنيمة بإهراق الدماء ،وقتل الأبرياء ، تنادوا إلى السلام ، وبحثوا عمّن يحمّلونه جريمتهم ( الإرهاب ) :

هل أقول : لله درك يا مستر جود إذ قلت واصفا الإنجليز بنفس النفسية والعقلية التي تنطبق على السياسة الأمريكية والغربية بصورة عامة : ( الانجليز لاشك أمة سلمية ، ولكن مسالمتهم مسالمة لص ، اعتزل حرفته القديمة ، وقد أحرز شرفا وجاها ، بفضل غنائمه السابقة ، وهو يبغض الذين يدخلون جديدا في حرفته القديمة ، عنده فضول أموال وغنائم لايستهلكها ، ولكنه يلقب الذين يريدون أن يساهموا في ذلك بهواة الحرب ) ص 180

أم أقول : لله درك يا مستر جود إذ قلت بنفس الوصف الشامل : (إن الكبر ـ أكثر من الطمع ـ هو الذي يحمل الطبقة الحاكمة في بريطانيا ، على إتباع خطط لاتتفق مع ما يتظاهرون به من حب الصلح والوئام ، دع رجلا يقترح على ولاة الأمر في بريطانيا ، أن يهجروا قيراطا من رمل من ممتلكاتها التي لاتغرب فيها الشمس ، ومن أشدها قحولة وجدبا، تر المحافظين الأبطال في بريطانيا يقيمون العالم ويقعدونه سخطا وحنقا ، وترى الصحافة الإنجليزية المعتدلة تتميـّز غيظا ، إذا تعلم أن هؤلاء المحافظين ليسوا طماعين فقط، بل هم مستكبرون معاندون ) ص 180

وكلامه هذا ينطبق على الأنظمة الظالمة المستبدة التي يريد الغرب اليوم أن يزيلها لينهب ما تحتها من الكنوز ، غير أنه بعيد كل البعد عمّن التفوا تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يبتغون ما عند الله ، محتقرين حطام الدنيا الفانية ، التي يتقاتل عليها عبّادها ، يتساقطون فيها كما تتساقط الفراش في النار .

وصــدق ،، الكبر والطمع بلا حدود ، ولاشفقة ، هما سمة السياسة الإمبريالية الغربية ـ وليس هذا حكم على كل شعوب الغرب ـ هذا هو تركيبهم النفسي ، خصيصة إبليس نفسه ،خصيصة الإنسان الكافر ،

(فَاسْتَكْبَرُوافِي الأَرْضِبِغَيْرِالْحَقِّوَقَالُوامَنْأَشَـدُّمِنَّاقُوَّةًأَوَلَمْيَرَوْاأَنَّاللَّهَ الَّذِيخَلَقَهُمْهُوَأَشَدُّمِنْهُمْقُوَّةًوَكَانُوابِآيَاتِنَايَجْحَدُونَ) .

الثاني :

معرفة حقيقة نواياه التفصيلية ، وأنها في جملتها ، ليست سوى نسخة جديدة ، لحملة إمبريالية استعمارية جديدة ، وضعت في صميم أهدافها ، تحطيم منظومة القيم الإسلامية ، لكن عبــر وضع قيم مزيفة بديلة ، ظاهرها شعار الإسلام ، وباطنها إطفاء نوره ،

كما قال الحق سبحانه : (يُرِيدُونَلِيُطْفِؤُوانُورَاللَّهِبِأَفْوَاهِهِمْوَاللَّهُمُتِمُّنُورِهِوَلَوْكَرِهَ الْكَافِرُونَ* هُوَالَّذِيأَرْسَلَرَسُولَهُبِالْهُدَىوَدِينِالْحَقِّلِيُظْهِرَهُ عَلَىالدِّينِكُلِّهِوَلَوْكَرِهَالْمُشْرِكُونَ* يَاأَيُّهَاالَّذِينَآَمَنُواهَلْأَدُلُّكُمْ عَلَىتِجَارَةٍتُنجِيكُممِّنْعَذَابٍأَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَبِاللَّهِوَرَسُولِهِوَتُجَاهِدُونَ فِيسَبِيلِاللَّهِبِأَمْوَالِكُمْوَأَنفُسِكُمْذَلِكُمْخَيْرٌلَّكُمْإِنكُنتُمْتَعْلَمُونَ * يَغْفِرْلَكُمْذُنُوبَكُمْوَيُدْخِلْكُمْجَنَّاتٍتَجْرِيمِنتَحْتِهَاالأَنْهَارُوَمَسَاكِنَ طَيِّبَةًفِيجَنَّاتِعَدْنٍذَلِكَالْفَوْزُالْعَظِيمُ* وَأُخْرَىتُحِبُّونَهَانَصْرٌ مِّنَاللَّهِوَفَتْحٌقَرِيبٌوَبَشِّرِالْمُؤْمِنِينَ* يَاأَيُّهَاالَّذِينَآَمَنُواكُونوا أَنصَارَاللَّهِكَمَاقَالَعِيسَىابْنُمَرْيَمَلِلْحَوَارِيِّينَمَنْأَنصَارِيإِلَىاللَّهِ قَالَالْحَوَارِيُّونَنَحْنُأَنصَارُاللَّهِفَآَمَنَتطَّائِفَةٌمِّنبَنِيإِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتطَّائِفَةٌفَأَيَّدْنَاالَّذِينَآَمَنُواعَلَىعَدُوِّهِمْفَأَصْبَحُواظَاهِرِينَ) .

إنها حرب القيم ، فكونوا أنصار الله يا مسلمون ، واحذروا :

( وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْالرَّسُولَوَاحْذَرُواْفَإِنتَوَلَّيْتُمْفَاعْلَمُواْأَنَّمَاعَلَى رَسُولِنَاالْبَلاَغُالْمُبِينُ )

اللهم هذا البيان وعليك البلاغ ، اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد .. حسبي الله ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصيــر ،،


الكاتب: حامد بن عبد الله العلي
التاريخ: 07/12/2006