لبنان والإنفجار الوشـيك

 

لبنان والإنفجار الوشـيك
.
حامد بن عبدالله العلي
،
لبنان على موعد يبدو وشيكـا مـع إنفجار هائل فـي المشهد ، سيلقي بظلاله على المنطقة برمّتها ، والحديث السائـركالنـار في الهشـيم في الشارع اللبناني الخاص ، والعام ، عن الإتهامات المتبادلة بين الموالاة ، والمعارضة ، بشراء الأسلحة ، والتدريب ، داخل ، وخارج لبنان ، حتى قال ( المعلق الرياضي للفتن اللبنانية ) جنبلاط : ( إنّ قوى المعارضة ، والموالاة ، تتحضّر عسكريا على الأرض ، وأنّ القوى الحليفة لكلّ خندق استعدّت بالسلاح ، والتدريبات من مصادر مختلفة .. إنَّ أحد الأحزاب في الأكثرية جهز 1000 عنصر تدربوا في مصر ، وباتوا على استعداد للمشاركة عندما تنطلق شرارة المواجهة ..الطريق الساحلي الممتد بين صيدا ، وبيروت سيسيطر عليه فصيل من المعارضة السنية ، وتحديداً في الناعمة حيث مركزالثقل لتيار المستقبـل ) .$$$
،
ولا جدال أنَّ ما تسرَّب من توجـُّه المحكمة الدولية لإتهام حزب الله _ وبالتالي سوريا وطهران _ في إغتيال الحريري ، هو الذي أشعـل المشهد _ المرشـَّح دائما للإشتعال _ كما وصفه جنبلاط ، فبدت المنطقة على أبواب زلزال هائل ، سيمتد عبر الهلال من لبنان إلى طهران.
.
ولهذا سيهرع الرئيس الإيراني احمدي نجاد إلى لبنان بعد أسبوع ، حيث ستقام للرئيس الإيراني استقبالات رسمية ، ترادفهـا استقبالات شعبية حاشدة ينظمها حزب الله ، لاسيما تلك التي سترافق زيارته إلـى الجنوب ،حيث سيزور معلم مليتا ، ويضع إكليلا من الزهر على أضرحة شهداء قانـا،
.
وسيفتتح حديقة (فاطمة) على الخط الأزرق المواجه لفلسطين المحتلـة ، كما سيزور ضريح الشهيد عماد مغنية .
.
كما إنتشـرت معلومات عن تحضيرات لإقامة مهرجان شعبي حاشد في ملعب الراية في الضاحية الجنوبية ، سيتحدث فيه الرئيس نجاد ، وحسن نصرالله .
.
وقالت صحيفة هآرتس ، التي أوردت النبأ : ( إن الرسالة الإسرائيلية نقلت إلى لبنان عبر الولايات المتحدة ، وفرنسا، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ، وقالت إسرائيل فيها إنّ هذه الزيارة استفزازية ، وإنّ هناك معلومات تشير إلى أن نجاد ينوي الوصول إلى بلدتي بنت جبيل ، ومارون الرأس المحاذيتين لخط الحدود مع إسرائيل، وإنه ينوي إلقاء حجر على إسرائيل ، وعقب مسؤول أمني إسرائيلي على ذلك بالقول : هناك مثل عربي لا أريد ذكره يتحدث عن إلقاء حجر في بئر ( مجنون يلقي حجرا في بئر وألف عاقل لا يستطيعون تخليصه ) ، فنحن لن نمر مرور الكرام على أي استفزاز لنا ) .
.
وتأتي زيارة نجاد لتؤدي رسالة سياسية في أقوى درجاتها ، في أجواء الضجيج الذي يطلقه حزب الله في ملف ما يُسمّى شهود الزور الذي يُراد له أن يتحـوّل إلى فتيل يحرق قرار المحكمة الدولية .
.
ومن الواضح من سيـر الأحداث أنّ المفاوضات السريّة الأمريكيّة الإيرانيّة التي تتراوح بين المـدّ ، والجـزر ، ويستعمل فيه كلُّ طرف جميع المناورات ، والأوراق ، والألاعيب السياسية ، تتجه إلى ( شـد الشعرة ) بقوة يعرضها لخطر الإنقطاع ،
ومع أنَّ الإيرانيين _ البارعين بتأجيج تمثيلي (للمشاعر)  _ المشهورين بوفرة (الشعور) ، يحسنون جداً سياسـة (شدّ الشعور) ، ولكن دون قطعها _ كما يجيدون سياسة (تشبيك شعور الخصوم ببعضها ) _ غير أنَّ من المتوقع هذه المرة أن ينفجـر الوضع في لبنان ، إلاّ إذا تراجع الأمريكيون عن قرار ( محكمتهم ) الدولية .
.
وإذا انفجر في لبنان ، فستطير شظاياه على المنطقة برمتها ، فهي كلُّها مرتبطة ببعضها بفتيل السلك الإيراني المتصل بعدة صواعـق على طول منطقة دول الحلفاء مع أمريكـا ،
.
إذ هـو يلتف من لبنان إلى اليمن ، مروراً بسوريا ، والعراق ، وعلى طول ساحل الخليج ، وقـد استطاع بذكاء ، أن يمتـدّ عبـر هذا الخط الذي هو أخطـر عمق في العالم ، مستغلاّ ثلاثة أمور :
.
أحدها : استثمار حماقات إدارة بوش في حروبه الغبيّة ، لاسيما في العراق إذ قدمت إيران كلَّ التسهيلات عبر عملائها في العراق لإسقاط أكبر سدّ يقف في وجه مشروعها التوسعيّ أعني النظام العراقي السابق ، ثم قامت إيران بالتغلغل عبر مخابراتها ، وميليشياتها في قلب المؤسسات العسكرية في العراق ، ومفاصلها الحيوية ، ثم إلى المعادلة السياسية حتى تحولت إيران ، إلى أخطر رقم في المعادلة السياسية العراقية ، يستحيل حتى على الإحتلال الأمريكي أن يتجاوزه في أيّ تسويه .
.
وكان تغلغل إيـران سهلا للغاية ، لأنَّ الدول التي تشكل بطبيعة الحال العمق الإستراتيجي لـ(الـعراق العربي ) ، والمستفيدة من بقائه في وجه التوسع الإيراني ، خانتـه مجانـا ، بل دفعت هي ثمن خيانتها من حسابـها ، وجنت على كلِّ الأمـة أعظـم جناية ، ثـمّ تركت العراق بعد الإحتلال تعبث فيه المؤامرات الإيرانية .
.
الثاني : إنكشاف المنطقة أمام المشروع الإيراني ، وخلوّها من أيّ قوة إقليمية تواجهه.
.
الثالث : إنسياق الجوّ العام في المنطقة وراء خدعـة ( الحرب على الإرهاب ) ، حتى أغفـل تماما الخطر الإيراني ، مما سمح له بالتمدُّد تحت جنح الظلام ، وبسرعة قياسية.
.
والمقصود أنَّ هذا السلك الإيراني المليء بالصواعق ، هـو خطـر غير مسبوق في تاريخ المنطقة ، و قـد كانت رسالة طهران إلى البحرين ومنها إلى أمريكا ، أشد درجات الرسائل السياسية حـدَّة ، والتي أطلق عليه ( المحاولة الإنقلابية ) وتبعتها رسالة العبوات المخبأة في المواقع الحيوية ، وهي رسالة تقول : (فاوضونا ، إنَّ المنطقة برمتها تحت رحمتنا).
.
هذا ..ولم تعد المفاوضات السرية بين أمريكا وإيران سـرَّا ، والتي يتـمّ فيها _ كشأن جميع المتنافسين على المصالح الإستراتيجية في عالم السياسـة _ إلقاء الأوراق الضاغطة ، والإستفزازية ، بين الطرفين فوق الطاولة ، ليرفع بها كلُّ طرف سقف مطالبه ، ويجـبر الآخـر على إنزال سقفه ،
.
بينما يجري تحتها تبادل العروض ، حتى تمـرَّ الصفقة ، أو تُقلب الطاولة ويشهر كلُّ طرف مسدسه ويطلق النار !
.
 وأنَّ إيران لازالت  تلحّ على أمريكا إعـادة النظر في وثيقتها السرية ، التي تحدث عنها غارث بورتر _ وهو من القلائل الذين اطلعوا على الوثيقة _ المؤرخ والصحفي الأمريكي ، وتطلب فيها إيران إعتراف أمريكي بإيران شريكا في تقاسم السلطة ، والنفوذ ، والمصالح في الشرق الأوسط ، مقابل تنازلات في السياسة تجاه (إسرائيل) ، ومساعدة أمريكا في ملفّ ما يُسمَّى ( الإرهـاب ) حتَّى السماح لها بإستجواب قادة القاعدة المحتجزين في إيران ، الذين تـمّ إطلاق سراحهم قبل شهر فيما قيل إنها صفقـة تبـادل .
.
يقول غاثر : ( المشكلة تكمن في المطلب الإيراني ، بمنحها الوصاية على الخليج العربي ، والإعتراف بها قوّة شرعيّة ، إذ إن الإستجابة لمثل هذا الطلب ، يعني تحويل إيران إلى قوة عالمية تسيطر على نفط العالم عبر الخليج ).
.
ولما كان لبنان المنفتح إعلاميا ، والمكشوف سياسيا ، أوضح نافذة يُرى منها آخر تطورات ملف التجاذب الأمريكي الإيراني على المصالح في منطقتنا ، فالأنظـار كلُّهـا متجهـة اليوم إلى لبنـان ، والسلاح يتدفق إليه ، وأصابع الفرقاء المتخاصمين على الزنـاد ، والنار تحيط ( ببراميل البارود ) ، والمشهد يتصبب عرقـا ، بإنتظار ما تحمله الأيام الحبلى بكلِّ المفاجآت .
.
وختاما فمشهد صراع القوى على مخازن الطاقة العالمية ، ومفاتيـح السيطرة في العالم ، وكيف استطاعت إيران أن تتحوَّل إلى رقـم يفاوض على مستوى عال ، مشهـدٌ مليء بالدروس ذات العبـر ، منها ما ذكرنا مراراً أنَّ الجهـاد الذي يُنهض الأمـة ، ليس أعمالا قتالية متروكة نتائجها كيفما اتفـق ، أو مبنيـّة على فهم سطحي للمشهد السياسي العالمي ، والإقليمـي ، والمحـليّ في منطقة الصراع.
.
 بل مشروع متكامـل لـن يتحول إلى رقم كبيـر مؤثـر ، إلاَّ إذا دخل الساحة بكفاءة عالية في إدارة الصراع ، وذلك يشمل الكفاءة السياسية _ بما فيها من إحاطـة بوسائلها العصرية ، وعبقرية المناورة ، والإستفادة من الفرص بدهاء _   والكفاءه الإعلامية ، إلى جانب القتالية المزودة بالتكنلوجيا التي أصبحـت عنصـر بقاء في هذا الزمن.
.
وهذا لايعني أنَّ ما يجري اليوم من جهـاد إسلامي يقدم تضحيات هائلة ، أنـَّه فاشـل ، إلاَّ إذا رضي بمستـواه ، وظـنَّ أنّ ما وصل إليه نهايـة الإنجـاز ، مستكبراً عن سماع النقـد ، فأمامه ممـّا يتعلمه الكثـير جـداً من التطوير في كفاءاته الثلاث ، حتى يصل إلى التأثيـر الذي يحدث تغييرا مهّمـا في معادلـة الصراع  الذي يخوضـه _ إذا أراده صراعا عالميا _ في طريـق الوصول إلى صناعة المعادلات ، وإدارتهـا ، ولازال أمامه مشوار طويل حتى يصل إلى هذه المرحلة .
.
غيـرَ أنَّ العزيمـة الصادقة ، والتضحيات العظيمة ، والرغبة المستمرة في الإعتراف بالأخطاء ، وفي تصحيح المسيرة ، والسموُّ على الجراح ، والتطوير المتواصل ، يعني الوصول إلى نهاية المهمـّة مهما طال الزمن .
.
ومنها أنّ الأمـّة مهما بذلت من جهود لن تحقق أهدافها الإستراتيجية _ في مجال الصراع الأممي _ في غير نظام سياسي يمثّلها تمثيـلاً صادقا ، ويتحمـّل مسؤولية تحقيق أهدافها بأمانـة ، ويعبـر عن شخصيتها الحضارية بإخلاص.
.
ولم تصـر الأمـَّة بهذه الحال التي نراها من تحوّلهـا إلى متأثـّرة غير مؤثـّرة ، ومنفعلة غير فاعلـة ، و( محوسَلة ) _ أي متحولة إلى وسيلة بيد الغيـر _ غير صانعة للأحـداث ، إلاّ بسبب وجود الأنظمة السياسية الحالية التي تسير بعكس سير الأمـّة تماما.
.
هذا ..ونسأل الله تعالى أن يجعل آثار صارع أعداء أمّتنا في صالح نهضتها ، وذلك ما نستبشر به دائما ، وما ذلك على الله بعزيـز.
.
والله المستـعان ، وهو حسبنا عليه توكلنا وعليه فليتوكل المتوكلـون .
 

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 07/10/2010