حامد بن عبدالله العلي
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، حسبنا الله ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعـــــــــم النصيـــــــر :
الكذبة الأولى :
ــــــــــــــ
هي كذبة "الدول العربية"
وإنما نحن أمة واحدة ، تجمعنـــا ملّة الإسلام ، وأرضنا هي الأرض التي شريعة الله فيها ظاهره ، فهي دار الإسلام ، وسواها دار كفــر ، إن أعلن الجهاد وجب غزوها ، وعلى هذا الأساس يقوم نظامنا السياسي ، على أساس ملّي قائم على العقيدة التي تفرق بين الناس إلى مؤمن وكافر ، كما نزل القرآن ، قال الحق سبحانه ( إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ) وقال ( يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ) .
وقال ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهو عن المنكر ) .
أما هذه الحدود السياسية القائمة على فكرة الوطنية فإنما هي أوثان في قلوب عابديها ، وحظائر وضعها المستعمر لكي يمزّق أمتنا ، ويضعف قوّتها ، وليسهل عليه إضعافهــا أكثر بأولياءه ، كلما امتد أمـــــده .
وكلها كـــــذبٌ وزيـــــــف ، وما ينبى عليها ، ويقوم عليها مثلها هراءُ ، وهي كيانات الضرار التي وظيفتها تحقيق أهداف أعداء الله في روح الأمة وجسدها .
ولهذا أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن لا يكون لنا سوى إمام واحد ، وأمرنا قائلا ( إذا بويع خليفـــتان فاقتلوا الآخـــــــر منهما ) رواه مسلم وغيره .
ومن لم يع بعد أن تعبيد الناس لهذه الحدود السياسية التي نَصبت أوطانا أوثانا ، تُحـَـبُّ كحب الله ، والذين آمنوا أشد حبا لله ، ويُوالي ويُعادي عليها ، ويُقاتل لها وبها وإليهــا ، أنه نقض لأصل الشهادتين ، فهو مــن أشد الناس عمى وضلالــة .
الكذبة الثانية :
ــــــــــــــــــــــ
هي كذبة "الأمم المتحدة " أو "المجتمع الدولي " :
وإنما هي الطاغوت العصري الأكبر ، نصبها الغرب الصهيوصليبي ، لتؤي إليه الطواغيت الصغيرة ، ما يسمى بالدولة العصرية القائمة على دين الوطنيــة ـ دين ما يسمى الدولة العصرية ـ فتلك هي شريعتهم الإبليسية ، ذلك هــو وثنهـــــم الذي إليه يوفضُون ، وصنمهم الذي إليه يزفّون .
وكل هذه جاهلية واحدة ، وهــــو نظام جاهلي واحد مستعبد لإبليس .
وكل مؤسسات " الأمم المتحدة " المؤسسات المالية الربوية ، والثقافية ، وغيرها ، كله فروع هذه الجاهلية العالمية التي أطبقت على الأرض ، لم ينج من العبودية لها إلا خُلـّـص الموحدين ، وقليـــــــل ماهـــــــــــم .
وليس لهذه الأمة قيام إلا بالكفر بهذا الطاغوت ، والتميز عنه ، وكسره ، أما إن بقيت تدين له ، وتحكم به ، وتحتكم إليه ، فهي في حضن الشيطان ملقاة ، وفي ربقة الرق لأعدائها باقية .
الكذبة الثالثة :
ــــــــــــــــــــــ
هي كذبة الأمن العالمي والسلم العالمي وصنم هذه الفرية مجلس الأمن المزعوم:
وإنما هو مجلس الخبث والخبائث ، والخداع والكذب ، شَرَك نصبته الدول الغربية لتعطي لأطماعها ولصوصيتها العالمية ، ونهبها لخيرات الشعوب ، لاسيما الإسلامية ، غطاء من الشرعية الزائفة .
وهذا لا يمنع أن يصدر منه أحيانا ما يلبس الحق بالباطل ، من القرارات التي لاتسمن ولاتغني من جوع ، ولا تثمر إلا ثمرة واحدة ، استمرار بقاء هذا الزيف ، واستدامة تغريره .
وقد أخبر الله تعالى أن هذه الأمة لاتزال مبتلاة بأعدائها يقاتلونها :
( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ) .
وقال : (اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إلا بأهله فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلا سُنَّتَ الأوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا * أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ) ،
وقد قال سبحانه قبلها بثلاث آيات : (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إلا مقتا وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلا خَسَارًا ) .
والله تعالى لا يقيم وزنا لكافر ، ويمقت أهل الأرض إن استعلى عليها الكفـــــار ، كما في الحديث ( وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب ) رواه مسلم وغيره ، أي قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان أولئك البقايا على دين التوحيد ميراث الأنبياء .
والله تعالى بعث هذه الأمة لتكون رسالتها منع هذا الاستعلاء ، قائلا لها ( وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) .
وقائـــــــــلا (لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) .
هذه هي سنة الله الكونية ، استمرار الصراع بين الحق والباطل ، وهذه هي فريضته الشرعية على هذه الأمة ، أن تجاهد بحقها باطل أهل الباطل.
فمن آمن بمجلس الأمن فقد كفر بالقرآن ، ومن آمن بالقرآن فقد كفر بمجلس الأمن ، وهذه القضية في صلب الإيمان ، ومن أساس التوحيد ، لاتقبل المساومة ولا مجال فيها لذلك أصلا.
الكذبة الرابعة :
ـــــــــــــــــــــــ
كذبة أن احتلال القرن الماضي لأمتنا ، قد مضى ، وخلف من بعـــده استبداد ، والحق أنه لم يرحل قط ليخلفه شيء ، بل لم يزل موجودا ، لكنه كان يهيمن مباشرة على أمتنا ، ثم لما ثارت عليه الشعوب ، وضع عليها وكلاءه ، ليقوموا بدوره .
وهذا وحده هو الذي يفسر ، أن جميع أهداف أعداء الأمة ، تتحقق فيها ، لا يردها شيء ، في فلسطين ، وأفغانستان ، والعراق ، وفي كل موضع ، لا تصنع هذه الكيانات السياسية ، سوى تحقيق أهــــداف المحتل عدوّ الأمـــّــة نفسه ، سواء بسواء .
فالاحتلال باق لم يزل ، وإن كانت بعض الكيانات السياسية استفادت من الصراع الدولي بين المعسكر الشرقي والغربي ، غير أنها لم تخرج عن كونها مسخرة للدول المستكبرة تدور في فلكها ، لم تخرج عن ذلك قط ، فكل هذه الكيانات كانت ولم تزل امتداد للمكر الذي أسقط الخلافة الإسلامية ، ولن تعود الأمة إلى قوتها ، إلا بسقوط هذا المكر كله برمته .
الكذبة الخامسة :
ـــــــــــــــــــــــــ
كذبة أن كل من تسلط على طائفة من هذه الأمــــة ، فهو ولي لأمــرهــا ! لايشترط سوى أن يتسلط على أمتنا ، وقـد وجب تسليم مقاليد أمورنا إليه ، ثم الإنكفاف وراء ذلك عن معارضته ـ بلـه تقييد سلطـته ـ في كل ما يصنع ، فهو لايسئل عما يفعل !
وهذا الدين الخبيث ، دين القاديانية ، آخـــــذ في الإنتشار ، تلوكه ألسنة شيوخ السوء الشياطين الناطقة بالكذب على الله تعالى ، هذه الألسن التي تحولت مع لحاها المسبلة على قلوب عمياء ، إلى ممسحة للصليب ونجمة داود ، كلما أرادوا مكر السيء بهذه الأمة ، جاؤوا بتلك الألســنة تفتري الكذب على الله وشريعته ، تشتري بآيات الله ثمنا قليـــلا فبئس ما يشتــــــرون .
وقد قال الحق سبحانه ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخــر ذلك خير واحسن تأويلا ) .
فتأمل كيف جعل سبحانه طاعة أولي الأمر بين الأمر بطاعة الله ورسوله ، والأمر برد التنازع إلى الله ورسوله ، وجعل ذلك كله مبنيا على الإيمان بالله واليوم الآخر ، ليعلم كل قارئ للقرآن ، أنه لا ولاية لأحد على أمة التوحيد إلا إن أقام الدين ، وحكـــّــم الكتاب المبين .
ثم إن الألف واللام في ( الامر ) لبيان أنه أمر دينها ، لان هذه الامة ، لاتتشخص أمــة أصلا إلا بدينها ، فلايكون ولي لأمرها ، إلا من تولى أمــر دينها ، ولهذا استحق أن يعطف اسمه على اسم الله ، واسم رسوله ، ولعمري إن هذا لتشريف عظيم ، لاتقبل معه فطــرة من فقه روح هذه الشريعة العليّة العظيمة أن يطلق هذا اللفظ ( ولي الأمر ) على هؤلاء الخونـــة الذي تسلطوا على أمتنا ، وإنه ليمـجّ ذلك كما يمـجّ الملح الأجاج بل العلقــــم .
ولهذا ففي الحديث (ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله ) رواه مسلم ، فلا تلقى الطاعة في الإسلام لنظام سياسي لا يقود الأمة بكتاب الله ، كلا ولا كرامة له ، لانه لم يشرع النظام السياسي في الإسلام أصلا إلا ليقود الأمة بكتاب الله ، يحكمه فيها ، ولتحمله رايات الجهاد في الأرض كلها .
وفي الحديث ( إن هذا الأمر في قريش ، لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ، ما أقاموا الدين ) رواه البخاري من حديث معاوية رضي الله عنه ، وهذا في قريش ، قد قيدت طاعتهم في إقامة الدين ، فكيف ـ ليت شعري ـ بغيرهــــم ؟!
والقرشية شرط الإمامة عند عامة أهل السنة ، لم يخالف في ذلك إلا أهل البدع ، وإنما جعلت سلطة غيرهم ، مجزئة لا جائزة ، جعلت مجزئة في حال العمل بقاعــدة تحمل أدنى المفسدتين ، لدفع أعلاهما ، وهي ـ أعني أعلاهما ـ هي شق وحدة الأمة وتعطل أحكام الشريعة .
إما إن كانت السلطة هي نفسها قائمة على مبدأ الوطنية وفق المعنى العلماني العصري لكيان الدولة ، والتي تشق وحدة الأمة ، وهي سلطة معطلة للشريعة أصلا ، فليس لهذه السلطة في دين الله ولاية على أمّة التوحيد ، هذا هو دين الله المنزل ، وسواه ليس من الإسلام في شيء .
فالعجب ممن يجعل الأحوال الاستثنائية هي الأصل المستقــــر ، ثــــم يجعل أشد المفاسد ، وهي شق صف المسلمين بتعدد كياناتهم السياسية ، الذي هو سبب ضعفهم وهوانهم ، هو نفسه مصدر الشرعية ، نعوذ بالله من العمايــة بعد البصيرة ، والجهالة بعد الهدى .
هذا ومن الجهل المبين المنتشر بين كثيرين من حملة العلــــم ، حمل النصوص النبوية التي جاءت في سياق الأمـــر بالصبر على جور الولاة ، الذي يطول آحاد الرعية ، والكــــــفّ عــن دفعه السلاح ، لأن تحمل الظلم الجزئي ، أولى من دفعه بإهراق الدماء في فتنة عمياء .
حملها على ردة تسخير إقتصاد الأمة ومالها الذي به قوتها ، لاقيام لها إلا به ، تسخيره لعـــدوّ الإســلام ، يستعمله في حرب الإسلام ، فهذا الأخير كفر وردة باتفاق العلماء .
بل إن إعانة الكفار بتسخير إقتصاد المسلمين لبقاء قوة الكفـــار ، وهيمنتهم على الأمـــّـة ، أشد بكثير من إعانتهم بالنفس ، ولامقارنة بينهما ، لاسيما في هذا العصر ، الذي يعد فيه الاقتصاد عصب قوة الأمة ، فإما أن يعلو بها ، أو يحولها إلى أذل الأمـــــــم .
هذا ولانعني هنا التبادل التجاري والاقتصادي مع الكفار ، في إطار المنافسة ، والمغالبة ، كما تفعل الأمم الكافرة القوية مع بعضها ، بل نعني التسخير الذي حول إقتصاد الأمة إلى ملحق لإقتصاد أعداءها ، فهذا هو الردة المعلنة التي لاتخفى منها خافية !!
الكذبة السادسة :
ـــــــــــــــــــــــــــ
أن الجهاد لا يشرع إلا إذا تبنّته سلطة سياسية ، وقد فنّدنا هذه الفرية على دين الله تعالى في فتوى سابقة ، وبينا أن الجهاد في الإسلام فريضة فرضها الله تعالى على الأمة ، إن عطلها الإمام ، فقد شرعيته أصلا .
ذلك أن الإمامة في الإسلام ، لم تشرع إلا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، هذا هو مقصود الولايات الشرعية كلها ، إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، داخل بلاد الإسلام بإقامة الحدود ، وخارجها بالجهاد ، فكيف تتوقف هذه الفريضة العظيمة التي بها يظهر الحق وينصر ، ويرفع لواؤه المظفر ، على إذن سلطة سياسية ؟!
غير أنه إذا كانت السلطة في الإسلام قائمة بهذه الفريضة ، لم يجز الافتئات عليها ، كما لا يجوز في سائر اختصاصاتها ، ليس ذلك خاصا بالجهاد ، مع أن العلماء قد نصوا على استثناءات يجوز فيها المبادرة بالجهاد بغير إذن السلطة القائمة به أصلا .
ثم إن هؤلاء الجهال الذين يقولون هذا القول الباطل ، أنه لاجهاد إلا بسلطة سياسية تتبناه ، يتغافلون عن أن الكيانات السياسية الجاثمة على شعوب الأمة ، أقرت كافرة بكتاب الله ، مؤمنة بميثاق الأمم المتحدة ، أن الجهاد الذي أمر الله به وفرضه على أمتنا وجعل خيّريتها منوطة بإقامته ، موضوع تحت قدمي سدنة الصهيوصليبة المهيمنة على طاغوت الأمم المتحدة ، ليرضوا عنهم ، باتباعهم ملتهم ، وقد فعلـــوا .
فليس بعد هذا معنى لإشتراط إذن من لا يؤمن بما أنزل الله في الكتاب العزيز ، بإقامة فريضة الجهاد بالسيف العزيز .
كما أنهم يتغافلون عن أن المسلمين اليوم في جهاد الدفع ، والحديث عن إذن الكيانات السياسية التي هي سبب مصاب المسلمين ، وتسلط أعداءهم عليهم ، إذنها في دفع الأعداء عن بلاد الإسلام ، وإفشال مخططاتهم ، ضرب من العمــه عافانــا الله .
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بالجهاد المســلّح على السلطة السياسيّة إن هي كفرت كفرا بواحا ، فكيف يطلب إذنها إذا أحلت بديار المسلمين كل الكفر البواح ، والشــرك الصراح !!
الكذبة السابعة :
ــــــــــــــــــــــ
أن النظر السياسي فيما يصلح الأمة في بلاد الإسلام ، ويعلي شأنها في الأرض ، منوط بالسلطة السياسية القائمة ، ليس لأحد من الأمة أن ينظر فيه غيــــــرهم ، ولعمري ، لو كانت أي سلطة سياسية منذ سقوط الخلافة ، تنظر في مصلحة الأمة وفق شريعتها ، لما آلت أوضاعهــا إلى ما آلت إليه .
وحتى لو كانت تفعل ، لما سقطت ـ أيضا ـ عن العلماء فريضة القيام عليها بالقسط ، وأن يأخذوا على يدها إن جارت ، بل إنها إن أسرت دون علمهم بتصرف عــــــام في الأمة ، تخفيه عن أهل الحــل والعقد ، فلم يأخذوا على يدها ، كافين لها عن الإستقلال بالتصرف في الأمــة ، فقــد خانوا رسالتهم في أمتهــم ، وجــروا إليهـــا ما هــو من أعظــــم البوائـــق .
ومعلوم أن القيام على السلطة السياسة بالنصح والتقويم ، في كل تصرفاتها في الأمة ، حق عام للأمة يشمله حديث ( الدين النصيحة ، قيل لمن يا رسول الله ، قال لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم ) وحديث ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده .. الحديث ) .
وينبغي أن يعلم أن انحراف السلطة في سياسات الأمة العامة ؛ في حمـايتها من أعداءها ، وفي إبراز تمييزها بدينها وأحكام شريعتها بين الأمم ، وفي جعلها أساس قراراتها السياسة كلها ، وتوفير القوة العسكرية ، والاقتصادية ، المستقلة لها ، أن انحراف السلطة التي تسوس المسلمين في هذا الأمور ، أعظم بكثير من انحرافها في المحاباة في إقامة الحدود الشرعية ، ونحوها كالظلم الجزئي ، والاستئثار ببعض المال بغير حق ، في داخل بلاد الإسلام .
ذلك أن هذه الأمة العظيمة ، إنما تتشخص رسالتها ، وتظهر شخصيها الحضارية ، بنظامها السياسي القائم على الكتاب المنزل وكلام الرسول المرسل ، فمن يمسك بمقاليد هذا النظام ، فإما إن يرفع الأمة بالوحي ، أو يسوقها سوق الرقيق فيسلمها لأعداءها ، بالإعراض عن الوحي ، فهي لارفعة لها إلا بــه ، ذلك حكم الله تعالى عليها.
والانحراف في هذا الباب ، اعني فيما يميز الأمــة بنظام سياسي متحاكم إلى شريعتها في كل شيء ، الإنحراف فيه عظيم الضرر ، عام الخطر ، ولهذا كان تركه بيد سلطة منحرفة ، إيرادا للامة في مهلكة محققة شاملــة ماحقة لاتقارن معها مفسدة أخرى ، لاسيما في هذا الزمان الذي امتزجت فيه المفاهيم السياسية بالعقدية التي هي أصول الدين امتزاجا كاملا .
ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإشهار السلاح في وجه السلطة إن ظهر منها الكفر ، وقـدر على ذلـــك ، مع ما قد يقع بسبب ذلك من إهراق الدماء ، وإتلاف الأموال ، بسبب أن هذا الفساد الدنيوي ، لا يقارن بالفساد الذي ستؤول إليه أحوال الأمة ، إن وضعت في نظام سياسي ، ينظمها في نظام الكفر ، ويسخّرها ، ويسخّر إمكاناتها لحضارة سواها ، ويعطّل رسالتها الدينية التي هي سبب بعثها ، كما يحدث لأمتنـــــا في هذا العصــر .
ولهذا فإن العلماء المنسوبين إلى علم الشريعة ، مسؤولون عما تعانيه الأمة اليوم من استلاب حضارتها ، وغياب رسالتها ، فضلا عن احتلال بلادها ، ونهب خيراتها ، بل تسخيرها وقودا لجيش العدو في معركته ضدها .
مسؤولون حتى عن سكوتهم عما تفعل السلطات السياسية من خيانة للأمة ، ذلك أنهم هم أهل الحل والعقد المكلفون بنزع الشرعية عن السلطة إن خانت ، بعد الوقوف في وجهها ، ولاتبرء ذمتهم أن يفوضوا السلطة السياسية بسياسة الأمة ، أن لو كانت مختارة منهم ، فكيف إن كانت متغلبة ؟!
الكذبة الثامنة :
ــــــــــــــــــــــ
أن المصلحة الدعويّة المرحلية تقتضي مسايرة المشروع الصهيوصليبي ، ومد الجسور معه ، وتهدئة الخطاب الدعوي ، وتأجيل المشروع الجهادي ، وإعادة صياغة خطاب الحركة الإسلامية ليكون متساوقا مع حالة الضعف التي تعيشها الأمة ، بالتركيز على مفاهيم التسامح ، والتعايش ، والسمو الأخلاقي والبعد العبادي الشخصي ، في الإسلام ، والانفتاح ، وتقريب الإسلام من مفاهيم ما يسمى بالحضارة الغربية .. إلــــخ !
ولا يخفى أن هؤلاء كمثل من يأمر أهل بيت عدا عليهم اللصوص ، يبغونهم خبالا ، ويريدون به كل شر ، يأمرهم أن يقيموا مع اللصوص حوارا راقيا ! وأن يحاولوا فهم أهدافهم وثقافتهم ! ليلتقوا معهم في الطريق ، أو يكونون جزءا منهم ، لكي يتوصلوا بذلك إلى منافستهم ، فهل شيء أشبه بخَبـَـــل خابــــــل من هذا ؟!!
ولعمري ما أشبه هؤلاء بالأشعرية تلك الفرقة التي أرادت أن تجمع بين ضلالة المعتزلة ، وهدى الوحي الذي حمله أهل الحديث أهل السنة ، ثم حاولوا استلاب اسم أهل السنة ، وقصره عليهم ، ظانين أن أهل الحديث مسيئون للإسلام بقصور فهمهم ، وإصرارهم على تميز الوحي المنزل عن أهواء أهل البدع .
فتحول منهجهم ، أعني الأشعرية ، إلى مادة خصبة بيد المعتزلة ، يحتجون بها على تناقض مذهب أهل السنة المُدّعى ، ولهذا قال عنهم شيخ الإسلام لا الإسلام نصروا ، ولا الفلاسفة كسروا .
وهؤلاء الذين يتفلسفون علينا ، منتفخين منتفشين ، معجبين بتقعرهــم ، وتشدقهم ، وإظهارهم أنفسهم ، أنهم وحدهم يفهمون صياغة خطاب المرحلة للإسلام ، قد عَمُوا ، عن أنهم أصلا لا يصنعون شيئا في مشروعهم المنهزم سوى أن ينتظروا ما يقوله أو يفعله ، أعداء الإسلام ، ثم تجدهم إثر ذلك ، في سعي حثيث ، ودأب لا ينقطع ، في البحث عن كيفية تركيب الإسلام على مشروع الأعداء .
ومن الأمثلة على ما يقترفونه من إفك على هذا الدين ، إفتاؤهم بأن هذا الاحتلال الصهيوصليبي الجديد لأمتنا ، الذي تسخر له أرض الإسلام ومقدراة المسلمين ، لإعلاء دين الشيطان الرجيم ، وإطفاء نور الدين القويم ، لاحرج من مشاركته في مشروعه ، والبحث عن مصلحة المسلمين تحت مظلته ، وبالسير في ركابه ، فليس أمام المسلمين إلا هذا الخيار ، كما أفتى الذين أجازوا الكفر بدخول مجلس الحاكم الصليبي في العراق ، ومشاركته في كل أنواع الكفر برب العالمين .
وزعموا أنهم بهذا التنظير الحكيم ! ينقذون الأمة من الفهم السقيم ، ويحققون لها أعلى المصلحتين ، ويدفعون شر المفسدتين ، وليت شعري ، أي شر أعظم من إعانة الكفار على كفرهــم ، وأي مصلحة أعظم من البراءة منهــم ، ومــن جهاده ، ثم هاهــم هؤلاء الذين خانوا أمتهم ، قــد سقط في أيديهم ، كمــا سقط في يـــد كل من حاول إن يلبس الحق بالباطــل على وجـــه الدهــــــر .
أما الذين يفتون بأن حكومة علاوي ، أعني حكومة "نغربونتي " ، ولي الأمر الشرعي الذي يجب تجب الطاعة ، فهذا لون آخر من الحمق لم يبلغه ـ فيما أحســـب ـ أحد في هذه الأمة من قبل ، وما أخال أمة أخرى بلغ فيها أحد هذا المبلغ من الجهالة ، ولا أحسب التاريخ ، لو كان يرقُم ما يجري ، إلا أنه يستنكف أن يكتب هذا الهراء .
ولقد كثر هذا الحمق بأخرة ، في طائفة جمعت بين قلة العلم ، وقلة العقل ، وقلة الأدب ، وقلة الورع والمبالاة بحال الأمة ، وهم على أهبة الاستعداد أن يبيحوا بلاد الإسلام وأهله لكل واطئ ، لا يردعهم دين ، ولا يحجزهم عقل ، والإعراض عن ذكرهم أولى.
الكذبة التاسعة :
ــــــــــــــــــــــ
أن الجهاد لا يصح إلا براية !! فوالذي نفسي بيده ، إن هذه الراية المزعومة ، لكما قيل في مثلها ، فعلى الراية العفــا ، وصفع القفـــا ، وعلى كل شريعة شرعت بالراية .
وليت شعـــــري بأيّ كتاب ، أم بأيّة سنة ، تُوقـَـف شريعة شرعها الله في كتابه الذي نزل به الروح الأمين ، على سيد المرسلين ، وهي الشريعة التي بها عز الدين وأهله ، وعلو الشرع وظهور حكمه ، الجهاد في سبيل الله ، تُوقـف على لفظة ، لم ترد في الكتاب ولا في السنة ، ولا يعرف لها معنى منضبط !
فإن قيل إنما نعني : هدف الجهاد ومقصوده ، فقولوا هذا إذاً لا أبــا لكــم ، لكن لتعلمـــــوا بعـــدُ ـ ويحكم ـ أنه لا هدف يشرع له الجهاد ، أحب إلى الله من طرد أخبث عدو للإسلام من بلاد الإسلام ، ولا مقصد أكثر مشروعية من إبطال مشروعه ، الذي أعلن أنه لن ينهي حتى يخضع جميع بلاد الإسلام إلى أحكام الجاهلية ، ولهذا كان جهــاده فرض عين .
فالحمد لله الذي شرح صدر أهل الجهاد في العراق بحقهم ، وأبلج لهم أمرهم ، واعانهم على قصدهم الخيـّـر ، فأغنوا عن المسلمين غناء ، لا يعلم قدره ومدى نفعه على الأمة إلاّ ربهم ، فلله درهم ، وعليهم شكرهم ، من طائفة اصطفاها الله ، فعجن منها نصر دينه ، وأظهر بها آياته .
الكذبة العاشرة :
ـــــــــــــــــــــــــ
أن هذه الأمة ستعود إلى مجدها ، وستسترد حقها المسلوب ، بغير طريـــــق الجهاد ، جهاد هذا الاحتلال وأولياءه ، ومن يعينه ، ويشرّع لمشروعه ، أو يزينه ، كيف وقد جعل الله تعالى ترك الإنفاق للجهاد رميـاً للأمة في التهلكة ؟!
قال تعالى ( وأنفقوا في سبيل الله ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) وذلك يشمل إنفاق المال والنفس ، والجود بالنفس أقصى غاية الجود .
وكما قال أحد الشعراء :
لقد زال هذا الأمر من مستقـــــــره ** وألّف فيــــــه بيـــن حــــق وباطل
ودارت رحا الإسلام في غير قطبها ** وطالت يد الباغــي بهــــا المتطاول
فلا لوم في حث الكتائب نحـــــــوه ** كرجل جراد في الضحــــى متواصل
تطيف بميمون النقيبـــــة رابـــــط ** على الهول جأشا فائض الخير عادل
تضيء سيوف العدل فيها وتنتحي ** علـــــى كل رواغ عــــن الحق مائل
فهذه يا أهل الإسلام الكذبات العشر ، التي نبرأ إلى الله وندعوكم إلى البراءة منها ، إبراء للذمة ، ونصحا للأمة ، في زمن قل فيه الناصح ونزر ، وعظم عليها الضرر ، وصدق النبي من مضر صلى الله عليه وسلم ( سيأتي على الناس سنوات خداعات ، يصدق فيها الكاذب ، ويكذب فيهـا الصادق ، ويؤتمن فيها الخائن ، ويخون فيها الأمين ، وينطق فيها الرويبضة ، قيل ومـأ الرويبضة؟ ، قال الرجل التافه يتكلــم في أمر العامة ) رواه أحمد وغيره .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصـــــــــير .