ماوراء الهجوم الأمريكي على جمعية إحياء التراث الإسلامي

 

ماوراء الهجوم الأمريكي على جمعية إحياء التراث الإسلامي
 
حامد بن عبدالله العلي
 
يقال إنَّ هتلر كان له نظرية في الكذب تُسمَّى الكذبة الصلعاء ، وتتخلص في أنَّ الكذبة إذا كانت كذبة صلعاء وتتردَّد بدرجة كافية ، فإن الجماهير تصدقها ولو جزئيـا.
 
تعالوا نتعرَّف على قصة الحرب الأمريكية على الجمعيات الخيرية الإسلامية ، في ضوء نظرية الكذبة الصلعـاء ، التي تطبقها السياسة الأمريكية بإمتياز.
 
كانت الإدارة الأمريكية متردّدة بين سياستين : الإستفادة من السلطات القانونية الصارمة التي يمنحها القرار التنفيذي الشهير 13224، المعني بإدراج الأشخاص والمنظَّمات على لائحة الإرهاب ، والاستغناء بذلك عـن التنسيق مع الدول التي تنتمي إليها تلك المنظمات أو الأشخاص ، لما في ذلك من إظهار الحزم ضد المنظمات الإرهابية كما يقولون.
 
 أو اللجوء إلى التنسيق مع الدول قبل الإدراج.
 
ويبدو أنَّ الإدارة الأمريكية اختارت الخيار الأول بالنسبة لجمعية إحياء التراث الكويتية ، إلاّ إنْ كان ثمـة شيء وراء الأكمــة !$$$
 
وحتَّى تنجلي القضية بصورة أوضح ، نذكَّـر بمثال سابق ، وهو أوَّل مثال تنكشـف  فيه أهداف السياسة الأمريكية تجاه العمل الخيري الإسلامي.
 
وهـو ما جرى لمؤسسة الحرمين السعودية ، فهذه المؤسسة قـد كانـت أكبر مؤسسة خيرية عالمية ، توجـد في 50 بلد ، ويعمل معها 3000 داعية ، وميزانيتها بمئات الملايين .
 
أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية عام 2004م البيان التالي  :
 
 ( إن مؤسسة الحرمين قد استخدمت في جميع أرجاء العالم لكي تكفل التمويل المالي للعمليات الإرهابية .. وتقع تلك الفروع في أفغانستان ، وألبانيا ، وبنغلاديش والبوسنة ،وإثيوبيا،  وإندونيسيا ، وكينيا ، وهولندا ، وباكستان ، والصومال ، تنزانيا
 
وقد تـمَّ وضعهـا في قائمة لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة رقم 1267 ، التي تضم الإرهابيين الذين لهم علاقة بابن لادن ، وشبكة القاعدة ، وحركة طالبان ، الذين يجب أن تطبق عليهم عقوبات دولية.

والأطراف والجهات التي تـمَّ الإعلان عنها اليوم طبقا للفقرات ( دي آي -- ودي آي آي) الواردة في الأمر التنفيذي الرئاسي رقم 13224 بعد أن تقرر أنها - أي تلك الأطراف -- تشارك في دعم ورعاية وتقديم العون المالي ، والمادي ،  أو التكنولوجي، أو تقديم خدمات مالية، أو تدعم، أو لها علاقة بالأشخاص الذين ينطبق عليهم الأمر التنفيذي رقم 13224.
 
وهذه الأطراف تنطبق عليها أيضا المواصفات لكي تدرج في قائمة لجنة العقوبات رقم 1267 التابعة للأمم المتحدة ، بسبب الدعم الذي قدمته لأسامة بن لادن ، والقاعدة وطالبان.

ومعروف أنَّ ضم تلك الأسماء إلى قائمة الأمم المتحدة ، يوجب على الدول الأعضاء في المنظمة الدولية ،  فرض عقوبات عليها ، ويطالبها بتجميد أصول ، وممتلكات تلك المكاتب ) انتهى البيان ملخصا بتصرف
 
بعد هذا القرار الذي عطَّـل نشاط المؤسسة خارج السعودية تماما ، بعـده بمـدَّة ، اتخذت السلطات السعودية قرارا بحلَّ المؤسسة في الداخل ، فأنهى هذا القرار 14 سنة من العمل التطوعي الخيري .
 
ويعلم الجميع في الوسط الإسلامي ـ وعلمهم في ذات أنفسهـم بهذا ، يكفيهم لفهم ما يجري ـ أنَّ مؤسسة الحرمين  ، لم يكـن لها علاقة بالتيارات الجهادية التي تلاحقها أمريكا أصـلا.
 
واليوم يأتينا مثال آخر ، وهو إدراج وزارة الخزانة الأمريكية لجمعية إحياء التراث الإسلامي في الكويت ، على قائمة المنظَّمات الداعمة للإرهاب ، وإعلانها المضيِّ قدما لإصدار قرار أممي بشأنها .
 
ويبدو أنَّ هذا القرار الخطير ، قـد تـمَّ ـ إلاَّ إنْ كان وراء الأكمة ما وراءهـا كما ذكرنا ـ بعيداً عن التنسيق مع الحكومة الكويتية ،  مع أنها الحليف الإستراتيجي لأمريكا !
 
بدليل أنَّ الجهود الدبلوماسية الكويتية ، كما أُعلن ، تتحـدَّث عن محاولات مستميتة ، قـد بُذِلـت لإقناع ـ ليس الإدارة الأمريكيـة ـ ولكن بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن ، لتأجيل البتّ في القرار الأممي فقط ، وليس لرفضه !
 
وكان المتحدِّث عن القضية في الإدارة الأمريكية ، يرفض التعليق على سؤال عـن الإتصال مع الحكومة الكويتية بشأن القرار !!
 
والآن لنصـل إلى الخلاصـة :
 
ذكر بعض المتابعين لملاحقة الإدارة الأمريكية للجمعيات الخيرية الإسلامية ، ذكـر ملاحظة عجيبة ، وهي أن الإستخبارات الأمريكية تستفيد جداً من عدم تجميد أموال من تشكَّ في أنهم جمعيات إرهابية !!
 
نعم .. والسبـب أنَّ مرور تلك الأموال ، هو أفضـل مصيدة ، فهو أسرع طريقة لإكتشاف (الإرهابيين )  والوصول إليهم ، أو كما عبـَّر خبير استخباراتي امريكي : كما أنَّ مال (الإرهابي) دم الحياة بالنسبة إليه ، هو أيضا سمـّه الزعاف!
 
فإذن لماذا تلاحق أمريكا ، وتجمِّد أموال الجمعيات الخيرية ؟!!
 
بلا ريب .. ليس لأنَّ أمريكا تخشى من إنتشـار عقيدة الخروج على الحكَّام !!
 
فأمريكا نفسها جاءت لتخرج على الحكَّام أصـلا ، فقـد جاءت بمشروع الشرق الأوسط الكبير ، الذي يطرح تداول السلطة بديلا ديمقراطيا شاملا ، لإعتقادها أنَّ هذا سيغيـّر ثقافة المنطقة كلَّها إلى تطبيع شامل مع الصهاينة ، وتحقيق سائر أهدافها ، التي ذكرناها في عشرات المقالات السابقة.
 
وقـد بدأت بذلك فعـلا ، بقلب نظام الحكم في العراق ، بأسلوب دمـــوي ، لايحلـم ( الخوارج ) أنفسهـم بعشر معشـاره !حتى نتج عن ذلك مليون قتيل ! وكوارث إنسانية لا حصر لها ، وهي مستمرة إلى اليوم ، وغدا ، فكلُّ هذا العنف ، والدماء ، مرحَّـب به أمريكيا مادام يحقق أهداف السياسة الأمريكية .
 
فأمريكا هي رأس (خوارج) العصر بجدارة ، وهي تبحث اليوم عمن يصلح أن يكون (خارجيا) بإمتيـاز ليخرج على أيِّ نظـام  ، لايحمل مشروعها كامـلا ، فهي تريد بديلا عـن أنظم الحكم التي لازالت تتشبَّث بكراسيها ولا تتغيـَّر بما يكفي ، أو بالسرعة التي تكفي.
 
كما أنها لا تلاحق الجمعيات الخيرية الإسلامية ، لأنها تخشى أن تكون (إرهابية) ، أو (متطرِّفة) ، أو لأنَّهـا لم تقم بما يكفي ويرضيها لمحاربة (التطرف) ، و(الإرهاب) !
 
 فـ(التطرُّف) ،  و(الإرهاب) ،  في نظر السياسة الإمريكية هي هذه الكتيِّبات نفسها التي توزعها الجمعيات الخيرية من منشورات التوحيد ، والشرك ، مروراً بالأخوة الإسلامية ،إلى عداوة الصهاينة ، والدعوة إلى تحرير الأقصى ..إلخ.
 
هو نفس تجميع اليتامى ، وغيرهم ، في مراكز ليحفظوا القرآن ، ويدرسوا السنة ، ويتعلموا أن الدفاع عن الإسلام أعظم الفرائض عليهم .
 
إذن لماذا تلاحق وتجمـد أموال الجمعيات الخيرية الإسلامية ؟
 
إنها تفعل ذلك لأنَّها إسلامية وكفي ، هذه هي الحقيـقة فحسـب ،  فلا تتعبوا أنفسـكم ، في تبرئة أنفسـكم.
 
إذا محاسني اللاَّتـي أدلُّ بهــا** عُدَّت ذنوبا فقل لي كيف أعتذر!
 
 
 ولأنَّ الله تعالى قال ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتَّبع ملتهم ) .
 
ولأنَّ أمريكا  ،  لم تأت لتنقذ العراقيين من نظام مستبد كما يقول البلهـاء ،  بل جاءت تحمل مشروعـاً كبيراً ، يأمل أن ينهي الحالة الإسلامية كلَّها ، ويقطع جميع جذورها ، ويملأ بلادنـا بالأحزاب العلمانية ، التي تجعل حتـى منع الشاذين من ممارسة الجنس بكامل حريتهـم ، جريمـة ،
 
 وحتى مقاومة العدو الصهيوني إرهابا ،
 
وحتـَّى تقسيم الناس إلى مسلمين وكفار تطرُّفـا !
،
ولأنها ترى هذه الجمعيات الإسلامية تنافس المؤسسات التنصيرية في العالم ، فتتفـوَّق عليها .
 
هذا بالنسبـة للجمعيات الخيرية عامَّـة ، أمَّا السلفيون وجمعياتهم الخيرية.
 
فمن المعلوم أنـه في عام 2003م ،  حشدت الإدارة الأمريكية عدداً من كبار موظفيها ، ومن الخبراء من خارج الإدارة ، للشهادة أمام لجان الكونجرس لإقناعها بخطر ( الوهابية ) على مصالح الولايات المتحدة ، بزعم أنها تهيئ بيئة صالحة لنمو ثقافة الإرهاب ، إذ تتميـَّز ( الوهابية) ـ كما يقولون  ـ عن الاتجاهات الإسلامية الأخرى ، بعداوة غير المسلمين ، وكراهتهم  .
 
لقد قرأت أمريكا نتائج الإنتخابات الأخيرة في الكويت ، وقرأها من يعمل لمصلحة المشروع الأمريكي هنـا ، فاتخذت القرار بناء على أهداف المشروع الأمريكي الشامل للمنطقة كلَّها ، فهو كما يُطبق في العراق بالإحتلال المباشر ، يطبق في غير العراق ، ولو بالمؤسسات الدولية التي باتت مجرد أدوات بيد أمريكا .
 
هي سياسة واحدة ، قـد ابتلي المسلمون بها ، كما ابتلي العالم أيضا .
 
وليس من الحق في شيء ، مواجهـة هذه الهجمة الصهيوأمريكية على أمِّتنا ، بأن يفرح المتنافسون الإسلاميـون بمصاب بعضهم ، أو بسقوطه أمام هذه الهجمـة .
 
إذ كان العـدوُّ الذي يفعل ذلك بنـا، لافرق عنده بيننا ، ولأنَّنا جميعا في معركة واحـدة ،
 
فقل للشامتين بنا أفيـقوا ** سيلقى الشامتون كما لقيـنا
 
 ونحـن جميعـا ، سنواجـه مصيراً واحداً ، مصير هذه الأمـة التي تُنتهك حقوقها ، ويُعبث بثقافتها ، وتُنهب ثروتها ، وتُفـرَّق وحدتها ، ويُلاحق رموزهـا ، وتُستلب حضارتها .
 
وبعـد :
 
فإنَّ الواجب اليوم أن تتحد جميع الحركات الإسلامية ، ومؤسساتها الخيرية ، فتشكِّـل صفاً واحداً ، فتتناسى كلَّ خلافاتها ، وتسمو على جميع جراحها ، وتترفع عن الماضي بما فيه ، وتبدأ صفحة جديدة تواجه فيها أعداء الأمة ، ومخططاتهم الخبيثة ، بالتوكُّل على الله تعالى ، وبثبـات العقيدة ، ويقين الوعد الإلهي ، وسلامة النهـج، وحكمة الشريعـة .
 
ثم بالسعي لإسقاط تلك القائمة الجائرة التي تسمى القائمة السوداء في مجلس الأمن ، تلك القائمة التي نالت بظلمها مئات الهيئات الخيرية الإسلامية ، والأشخاص من الدعاة ، والعلماء ، وأهل الخيـر.
 
وحينئذ فيجـب أن يتداعى كلِّ محبي العدل في العالم من المسلمين وغيرهم ، لنزع هذه الأداة الظالمة من يد الإدارة الأمريكية قبل أن تحرق الأخضر واليابس.
 
وإني لأقتـرح أن تتولى اللجنة المشتركة للإغاثـة هنا في الكويت ،  هذه المهمة بحشد الطاقات ، وجمع الأموال اللاَّزمة ، والضغط بكل الوسائل لتقويض هذه القائمة ، التي يضاف عليها كلَّ دورة جمعية خيرية جديدة في العالم الإسلامي ، أو شخصيات إسلامية معروفة .
 
فإنَّهـا إنْ لم تفعـل ذلك اليوم ، فسـوف تجد نفسها يوما من الأيام على تلك القائمة .
 
هذا ونسأل الله تعالى أن يرد كيد أعداء الأمَّة في نحورها ، وأن يدفع عن أمِّتنا مكائدهم الخبيثة .
 
 وأن يحفـظ صدقات المسلمين ، وأموال اليتامى ، ولقمة الفقراء والمساكين ، من أعداء العدل ، والإحسان ، والدين آمين
 

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 18/06/2008