الفرق بين هولاكــــــو وبوش
حامد بن عبدالله العلي
كم هم أغبياء ، أولئك الذين يقولون إن الشريعة الإسلامية لا تصلح لتحكم حياة البشر ، في القرن الواحد والعشرين ، لان الإنسانية تغيرت كثيرا ، فلا يصلح أن يحكمها قانون ثابت ، فوالذي خلق هذا الإنسان من نطفة ، وهو أعلم بمن خلق ، لم يتغير في هذا المخلوق شيء ، هو ذا نفسه ، بأطماعه ، وشهواته ، وظلمه ، وعدوانه ، وحقده ، وحسده ، يقتل ، ويسرق ، ويكذب ، ويغش ، ويفعل أي شيء من أجل المال والسلطة النفوذ ، سواء على مستوى الأفراد وسياسات الدول ـ إلا من رحم الله وقليل ماهم ـ لم يتغير فيه إلا شيئان ، آلات ، ووسائل جرائمه فقط لاغير ، وكل ما كان فيه منذ أن قتل قابيل هابيل ، هو فيه اليوم بل أشد ، لم تزده هذه الاختراعات المعاصرة إلا طغيانا كبيرا .
خذ مثلا ما يقوله موردن دافيد في نيويورك تايمز مؤخرا : ( إذا نشرت الولايات المتحدة 200 ألف جندي في المنطقة وسحبتهم، فان مصداقية قوتها سوف تضعف على نحو خطير وربما بشكل يصعب إصلاحه ، فالجانب المؤلم من تاريخ واشنطن ظل دائما وجود قادة يحرصون على إنقاذ ماء الوجه اكثر من حرصهم على إنقاذ حياة البشر، والآن فإننا ماضون في خيار الحرب بمساعدة الفرنسيين أو بدونها، فبالنسبة لادارة بوش، يعتبر سحب القوات التي يفترض أن تخوض الحرب، أمرا ينطوي على جبن) أ.هـ.
وهذا الخلاف الذي استعر بين الأوربيين والأمريكيين ، ليس سوى الحسد في أجلى صوره ، فما كان لأوربا القديمة ( فرنسا وألمانيا وبلجيكا ) ومعها روسيا، أن تقبل باستيلاء الأمريكيين على كل هذا النفط بلا امتعاض ، فوق ما هي مستوية عليه الآن ، وأن تحيي لوحدها أمجاد مشروع ترومان القديـم ، مشروع قيادة الشرق الأوسط ، الذي نص في بضع بنوده الطلب من دول المنطقة ( تزويد أمريكا بتسهيلات دفاعية استراتيجية وغيرها من التسهيلات فوق أراضيها ، مما لاغنى عنه لتنظيم الدفاع عن الشرق الأوسط في وقت السلم .. والتعهد بمنح قوات القيادة المتحالفة للشرق الأوسط بجميع التسهيلات والمساعدات اللازمة في حالة نشوب الحرب ، أو التهديد الوشيك بنشوب الحرب ، أو قيام حالة طوارئ دولية ، بما في ذلك استخدام القواعد والمطارات ووسائل المواصلات) DOCUMENT ON THE MIDDLE (WASHINTON: AMERICAN ENTERPRISE ISTITUTE, 1969).P67
ما كان لها أن تقبل بذلك دون تلكؤ قد يحقق بعض المكاسب ، قبل أن يتفقوا جميعا في النهاية على حصة كل فريق ، ذلك أن هذه الدول الأوربية ، تعلم أن طنطنة أمريكا عن أمنها خوفا من قوة صدام حسين المضخمة بتلفيق واضح ، هو عينه ، ما يتم تدريسه في مبادئ السياسة الدولية : أن ( الأمن في السياسية الخارجية الأمريكية يعنـــي ( التوسع السياسي والاقتصادي في مناطق جديدة ) ، فهو غطاء للإبقاء على الهيمنة السياسية لدولة عظمى ، ولنظامها الاقتصادي ذو معدلات النمو المرتفعة ،والقائم على استخدام كميات مطردة الزيادة من المواد الخام ، وموارد الطاقة والأسواق والسيطرة عليها ).
غير أن حسابات أمريكا اليوم خاطئة تماما ، ولا جرم فقد أخطأت أمريكا سابقا في تقدير مواقفها مرات ، كما فعلت ذلك مرتين :
الأولى : استبعادها قدرة وإصرار العرب على خوض حرب ضد إسرائيل قبل حرب رمضان .
الثانية : بعد مسارعتها بالجسر الجوي الضخم لإنقاذ الصهاينة من الورطة في حرب رمضان ، فقد اجتمعت منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول وردت على ذلك بتخفيض 5% من إنتاج النفط شهريا ، إلى أن تنسحب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة ، وبعد مرور يومين ، طلب نيكسون من الكونغرس اعتماد 2،2 مليار دولار مساعدات عسكرية لإسرائيل ، وبعد ذلك بمدة يسيرة أعلن الملك فيصل حظرا نفطيا على أمريكا ، وتلقى كيسنجر نبأ ذلك خلال رحلته إلى موسكو ، فصعق ، لانه كان ينصر أحد الافتراضات الرئيسة للسياسة الأمريكية ، وهو القائل أن العرب لن يستخدموا سلاح النفط.
كان الفريد ماهان ـ استراتيجي بارز في البحرية الأمريكية آنذاك قد قال عام 1902م ـ ( إن الشرق الأوسط ـ ما يقع على الحدود الجنوبية للمتوسط وآسيا ـ مسرح مواجهة استراتيجية بالضرورة بين القوى المتصارعة ) .
وبعد قرن كامل ، مرت فيه صراعات متعددة بين القوى العالمية ، ظهر خلالها أيضا ما زاد من الأهمية الاستراتيجية ، للشرق الأوسط والخليج خاصة ، وهو النفط ، مرت صراعات بين روسيا القيصرية وبريطانيا ، ثم بين أمريكا والاتحاد السوفيتي .
ثم جاء اليوم الذي ظنت فيه أمريكا أن فرصتها التاريخية قد سنحت لتستفرد بالهيمنة ، هي مع الكيان الصهيوني ، ولتكون الأخيرة هي القوة الوحيدة في المنطقة كلها .
مع أنها الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي ترفض توقيع اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، وقد هدد بعض مسئوليها صراحة باستخدام السلاح النووي لضرب السد العالي جنوب مصر، كما صرحوا بأن إسرائيل لن تتخلى عن خيارها النووي ولن تقبل بالتفتيش الدولي لمنشآتها النووية، وحولت إسرائيل 3 غواصات ألمانية لديها إلى منصات لإطلاق صواريخ كروز الحاملة لرؤوس نووية، تتمركز اثنتان منهما في المتوسط والأحمر، ويتراوح مداها بين 900، 1300 كيلو متر، ومن ثم فهي تطول مصر وباكستان .
أما (كيلي ميلهورن) رئيس البرنامج الدولي الخاص بوقف التسلح النووي، فأكد أن إسرائيل تمتلك معظم مخزونات ومنشآت أسلحة التدمير الشامل في منطقة الشرق الأوسط، وتوجد معظم مقرات قدرات إسرائيل التسليحية النووية والكيماوية والبيولوجية في ديمونة بصحراء النقب، وناحال سوريك جنوب تل أبيب وكفر زكريا، ويوديفات وعيلا بون شرق الجليل، وتنوي إسرائيل بناء مفاعل نووي آخر بالنقب، ويقول تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية في لندن: إن إسرائيل تمتلك قدرات بحثية وتصنيعية، لإنتاج غاز الخردل والأعصاب في (نيستونا) على بعد 12 ميلاً جنوب تل أبيب ) .
ما الفرق بين بوش وهولاكو ، وما الفرق بين العصابة القابعة في البيت الأبيض ، وتلك التي تعشش في تل أبيب ، اللتين تقتاتان على دماء الأبرياء في العالم ، مالفرق بينهم ، و قوّاد هولاكـو وجنـده ؟
لنقرأ معا وصف ابن كثير لما فعله التتار في بغداد :
يقول ابن كثير: «وصل بغداد بجنوده الكثيرة الكافرة الفاجرة الظالمة الغاشمة، ممن لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، أحاطوا ببغداد من ناحيتيها الغربية والشرقية، وجيوش بغداد في غاية القلة، ونهاية الذلة، لا يبلغون عشرة آلاف فارس، وهم في غاية الضعف .
وبقية الجيش كلهم قد صرفوا من اقطاعاتهم حتى استعطى كثير منهم بالأسواق وأبواب المساجد وأنشد الشعراء فيهم قصائد يرثون لهم، ويحزنون على الاسلام وأهله .
ومالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان، ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحشوش وكملوا كذلك أياما لا يظهرون .
وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات ويغلقون عليهم الأبواب، فيفتحها التتار إما بالكسر أو بالنار، ثم يدخلون عليهم، فيهربون منهم إلى عالي الأمكنة، فيقتلونهم بالأسطح حتى تجري الميازيب من الدماء في الأزقة، انا لله وانا إليه راجعون .
وكذلك في المساجد والجوامع والرباع، ولم ينج منهم سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى، ومن التجأ إليهم والى دار الوزير ابن العلقمي الرافضي، وطائفة من التجار أخذوا عليهم أمانا بذلوا عليهم أموالا جزيلة حتى سلموا وسلمت أموالهم ، وعادت بغداد بعدما كانت أنس المدن كلها كأنها خراب، ليس فيها إلا القليل من الناس وهم في خوف وجوع وذلة».
هذا الذي يرويه ابن كثير حدث عام 1258م ، والآن بعد 745 يتوجه الصليبيون متحالفين مع أحفاد ابن العلقمي من جديد ، لمحاصرة بغداد ، وسيهرقون الدماء أنهارا ، لا كما أهرقها هولاكو بالسيوف ، بل بما أشد من السيوف ، بالقنابل التي تزن آلاف الأطنان ، والصواريخ الموجهة بالأقمار الصناعية .
يحكى أن جنكيز خان ، وكان هولاكو الذي غزا بلاد المسلمين أشبه الناس بجده جنكيز خان ، سأل ذات يوم صديقه ورفيق عمره نويــان :
ماذا يعود على الإنسان بالسعادة القصوى ؟
فأجابــــــــه :
جواد سريع يجوب به السهول الخضراء في فصل الربيع ممسكا بيده باز يطير به ليعود إلى بصيد .
فقال جنكيز خان :
كلا ، بل السعادة أقصى السعادة أن تسحق العدو سحقا حتى يجثو خاشعا عند قدميك ، وأن تستحوذ على كل ما يملك ، وأن ترى من حوله نساءه باكيات يذرفن الدموع !!
إذاً لافرق بين جيش هولاكو وجيش بوش ، كلاهما تدفعه فظاعة الحيوان المتوحش ليسحق من في طريقه ، ويستحوذ على ما يملك ، ويدع الشعوب وراءه باكية على حريتها .
أستغفر الله العظيم … بل ثمة فرق واحد .. فهولاكو كان يقود جيوشه بنفسه ، ويقاتل بين يديها ، ولايختبىء في السراديب !!