وأيضــــا لماذا لـم تكـــن كريمــة كريمــة!

 

وأيضــــا لماذا لـم تكـــن كريمــة كريمــة!

حامد بن عبد الله العلي

*** لم يمض إلا أقل من أربعة شهور على الجريمة البشعة التي راحت ضحيتها الطفلة آمنة ، وكتبنا في ذلك مقالا في حينه ، لماذا لم تكن آمنة آمنة ، مطالبين بحد الحرابة ، لم يمض إلا هذا الزمن اليسير ، حتى ارتكبت جريمة مماثلة ، في حق طفلة باكستانية مسلمة ، خطفت من بيت ذويها ، واغتصبت ، ثم ذبحت وألقيت في العراء في شمس الصحراء ، حتى أكلت جثمانها الصغير كلاب البرية ، فكتبت هذا المقال الذي ننشره اليوم في الصفحة الرئيسة من الموقع ، ونشر أيضا في الصحافة تاريخ يوم السبت 26/اكتوبر /2003م ، ثم طالعتنا الأخبار هذا اليوم الاثنين 28/اكتوبر ، بأن الشرطة ألقت القبض على الجاني ، وهو أحد الأشقياء الذين قست قلوبهم فهي كالحجارة بل أشد قسوة ، وزاد شقاءهم تعطيل حدود الله تعالى ، ذلك انه كان قد اغتصب طفلة من قبل فلم يقم عليه حد الله ولكن أودع السجن وبعد عشر سنوات أطلق سراحه ليقترف جريمته في حق هذه الطفلة المسكينة (كريمة) ***

سمعت مناديا ينادي ابنته الواقفة عند باب بيتها تنظر إلى حركة الناس بعينيها البريئتين ، ادخلي يا ابنتي : ألم تعلمي ما حدث لكريمة ، ومن قبلها آمنة .

كنت قد وجهت نداء للآباء والأمهات من هذه الزاوية في صحيفة الوطن ، بعد الجريمة المروعة التي وقعت على آمنة التي لم تكن آمنة ، أن احفظوا أولادكم ، وكفوهم في بيوتكم ، إن لم يقم حد الحرابة على قتلة آمنة ، فلن يمضي وقت طويل حتى تخطف بريئة ثانية ، فيفعل بها مثل ما فعل بآمنة ، والله أعلم إلى أين سيستقر بنا هذا الطوفان من الجرائم البشعة ، مع الإصرار على تعطيل الحدود الشرعية .

تخيلوا كريمة والجاني أو الجناة يجرونها ، وهي مذعورة ذعرا شديدا ، ثم يلقونها في سيارتهم ويوثقونها ، ويكتمون صوتها الناعم الرقيق ، وهي تحاول الصراخ .. أبي .. أمي ..أخوتي .. فيرتد الصوت إلى داخلها كخنجر يمزق أحشاءها ، فيبعث فيها كوامن الفزع أكثر.. ويتفجر ، ثم يتحول الفزع بعد ذلك إلى حزن عميق يضرب في أعماق النفس وجذورها ، ثم يعلوا إلى مقلتيها فتتفجر الدموع حتى لاتبقى قطرة دمع فيهما ، وتختلط في صدرها الصغير هذه الاعصاير من العواطف المتلاطمة ، ويتساءل عقلها الصغير البريء : لماذا كل هذا ؟ ماذا فعلت بكم ؟

ثم يجرونها كذبيحة تساق إلى منحرها ، إلى وكر الجريمة ، وهم يتضاحكون ويتمايلون في استخفاف بأي عقوبة قد تحل بهم ، وهي تتوسل إليهم ، وتصرخ مستغيثة بأمها الوالهة المسكينة لا تدري ما حل بابنتها من الأمر الجلل .. فيقابلون توسلاتها بالضحك والضرب ، ثم يبعثرون ثيابها .. فعفتها ، وقد خارت قواها أخيرا .. فأصبحت جثة بلا حراك ، ليس فيها سوى عينين زائغتين سلبت منهما براءة الأطفال , وقلب ينبض خاتما حياته القصيرة بلعن هذه الذئاب بل الذئاب والله أرحم منهم .

ومرت بخاطرها في تلك اللحظات .. وهي تحاول أن تفر من واقعها الذي عجز جنانها الصغير أن يصدقه .. مرت سويعات السعادة التي كانت في أحضان أسرتها ، وهي تلعب بين حضن أمها وذراعي أبيها ، وتلهو عند باب بيتها لهو الأطفال الجميل ، ثم آخر اليوم تضع لعبتها الصغيرة في فراشها في أمان ، ثم تنام نومة من يرى أنه ليس في هذه الدنيا إلا مثل هذه البراءة ، ليس فيها شيء من الشرور .. وبينما هي تعيش هذه الأحلام في غيبوبتها .. إذا بهم يمزقون رقبتها الضعيفة الرقيقة بالسكين ، ثم يجر هؤلاء الكلاب ، هذا الجسد الصغير النحيل ، فيلقونه إلى الكلاب لتأكل ما تبقى منه ، ويمضون إلى سائر عبثهم ومجونهم .. كأن شيئا لم يكن ، آمنين من سيف الشريعة البتار ، بحكم الله الواحد القهّار ، مالك الملك الحكم العدل الجبّار .

أتدرون لماذا لا يطبق الإنسان أحكام ملك الملوك رب السموات والأرض ، لانه لم يستيقن أن الله تعالى بنى نظام شريعته الظاهرة ، على نظام آخر غيبي ، وهذا الارتباط بين القوانين الإلهية المنزلة الظاهرة ، وبين ما يحوطها ويحركها في خفاء من القوانين الكونية الغيبية ، ارتباط لايراه إلا المؤمنون ، ولهذا يقول الله تعالى بعد الأمر بتطبيق أحكامه ( إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) كما في آية عقوبة الزاني في سورة النور .

ولما جاءت العلمانية المادية برفض الغيب ، جحدت هذا الارتباط ، وغرت الإنسان بأنه قادر على يحقق لنفسه الهدى والامان ، مستقلا عن ربه ، ولهذا قال الحق سبحانه ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ، الذي خلقك فسواك فعدلك ، في أي صورة ما شاء ركبك ، كلا بل تكذبون بالدين ) .

والله تعالى أخبر وأخباره الصدق ، وأحكامه العدل ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) ، أخبر أن الأمن لا يتحقق إلا بالإيمان وانتفاء الظلم ، ومن الظلم وضع القوانين البشرية ، بدل القوانين الإلهية الربانية ، فالأمن نزل مع الشريعة الإلهية ، ويرتفع إن ارتفعت ، فهذا الارتباط الغيبي ، حق لامجال لإنكاره ، والواقع يشهد به ، فالدول الغربية التي ابتدعت استغناء الإنسانية عن شريعة ربها الهادي ، انتشرت فيها الجريمة جدا واستبشعت بما لم يحدث مثله في التاريخ كما وكيفا ونوعا ، حتى ربما صارت الجريمة عندهم بلا هدف سوى الجريمة ، بل صارت فنّا يتفنّون به ويتنافسون.

وتأملوا ما يحدث هذه الأيام في عاصمة الدولة التي تزعم إحلال الأمن في العالم كيف امتلأت ذعرا بسبب قاتل يقتل الناس عشوائيا ، ثم تأملوا كيف كاد خصم الرئيس الفرنسي في الانتخابات الفرنسية السابقة أن ينافسه لانه وعد الفرنسيين بتحقيق الأمن في عاصمتهم ، وفرنسا تفخر بأنها أم القوانين ، فما بالها عجزت عن تحقيق الأمن .

كلا لن يتحقق الأمن إلا بالإيمان ، ولن يرتفع لباس الخوف ، إلا بأن يتدثر الناس برداء الشريعة الإلهية .

ولهذا قال رسول منزل الشريعة الكاملة صلى الله عليه وسلم : ( حد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا ) ذلك أن حدود الله تلبس المجتمع لباس الأمن فيأتيه الرزق من كل مكان ، وإن عطلت حدود الله ، اختل الأمن فقل الرزق ونزعت من البركة ، فإقامة حدود الله أعظم بركة لهم من غيث السماء ، ولهذا يربط الله تعالى بين الخوف والجوع ، وبين الرزق والأمن قال تعالى ( فأذاقها الله لباس الجوع والخوف ) ، ( أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء ) وقال ( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) وأصل عبادة الله تحكيم شريعته في النفس والناس ، فاعبدوه بإقامة حدوده على المجرمين ، يطعمكم من جوع ويجللكم بلباس الأمن.

ومرة أخرى نطالب بحد الحرابة الذي طالبنا به في قتلة آمنة ، على قتلة كريمة ، وحد الحرابة ، حد لاشفاعة فيه ، ولا دية ، وكذلك هذا حكمهم ، فهذه مثل الجريمة السابقة ليست جريمة قتل عادية ، إنها حرابة ، خطف واغتصاب وقتل وترويع المجتمع ، فإن لم يطبق فيا أيها الناس أوصدوا الأبواب على بناتكم ، أو فاقرنوهن معكم بسلاسل الحديد ، فقد اتسق الخرق على الراقع .


الكاتب: حامد بن عبد الله العلي
التاريخ: 06/12/2006