الإنفجار الكبيــر

 

الانفجـــــار الكبيـــــر


حامد بن عبدالله العلي

رُبَمــا لا يمكن المرء أن يدافع ما يهجم عليه من طيف الخيال ، لأنه يكون أحيانا أشبه بمقتحم على عقلك بلا استئذان ، فيستعيــره لبرهــة وأنت مشـدوه ، ثــم يحلّق بــه .. أمام ناظريــك .. يطوف ويطوف .. جيئة وذهوبــا ، كأنه ينساب في خفــة الطيــر ، بين سماء صافية بديعة ، وبساط من عشب ممتـد في بطحاء فسيحة ، يجري فيها جدول متدفق ، فهو تحت أشعة الأصيل ، كمرآة تتلألأ بأضواء مبهجة ، ثم يعود كما العصفور إلى عشه ، ويعيــد إليك عقلك ، وقد أودع فيه ما أودع ، وختم عليــه ، فليس لك أن تختار بين قبول أو رد.

هذا ما حدث معي تماما .. تخيّلت هذه القصة القصيرة .. وأحسب أنّه مـا على المرء من بأس ، أن يبوح للنّاس بســرّ خيالـه ..

ذات مرة ، بعد سماع نشرة الأخبار ، آوى إلى فراشه ، فرأى فيما يرى النائم ، أنه يبصــر الكرة الأرضيّة ، بجبالها ، وسهولها ، وأشجارها ، وبحارهــا ، وقارّاتها ، في صورة امرأة حامل في الشهر التاسع ، قد انتفخت بطنها ، وأما شعرها فأشعث أغبـــر ، مبعثر في كل اتجاه .. الإعياء ، والحزن ، والخوف ، والهموم ، باديـة على محياهـا ، وهي تتلوّى ، وتصرخ من ألم الطلق .. يريد أن يصنع لها شيئا .. ولكنه عاجز عن أي حركة .. ثم بينما هو كذلك ، إذا بــه يسمع هاتفا بصوت صارم ، يقــول :

كل المؤشرات تتوجه إلى أن المنطقة متوجهة إلى انفجــار كبيـر ، وإليكم الأدلــــّة :

1ـ أن من أمسى يتولى دفّة قيادة العالم ، هي الإدارة الأمريكية.. وهي إدارة وليّة الشيطان ، يقودها إبليس نفسه .. فهي فاقدة لكل متطلبات القيادة السليمة للأزمات بشكل عام .. فكيف بأزمات المنطقة العربية .. ثم هي تنطلق من تعصب (المحافظون الجدد) المتحالفين مع الصهاينة ، لتسخّر كل شيء لصالح السياسة الصهيونية ، كما تنطلق من أطماع مادية ، وفهم سطحـي ، وسياسة حمقاء ، وتصرف أهـوج .

2ـ هذه القيادة فاقدة للأمن أصلا في عقر دارها فكيف توفره للعالم ؟!

3ـ مشروع القيادة الأمريكية للشرق الأوسط ، يحمل تناقضات موضوعية وتاريخية ، وثقافية ، واجتماعية مع موروث المنطقة ، فأنّى يُكتب له النجاح ، ومواصلة الضغط ستولد الانفجار حتمــا .

4ـ الوضع في العراق يتجه نحو الانفجــار ، فالعمليّات ضد القوات الأمريكية ، في تصاعد مستمر ، وتضطرد بشكل أكثر قوة وتدميرا ، ولهذا لجأت العدو إلى التكتم على خسائره الحقيقية ، وفي الغالب يُمنع الصحفيون من الوصول إلى الأماكن التي تحدث فيها العمليات ، مما يدل على كثرة الضحايا ، ولم تستطع القوات الأمريكية حتى الآن ان تضبط البلـد ، ولا أن تقيم نظاما سياسيا متماسكا، ولن تستطيع ، فقد دخلت في المستنقــع وهي تغرق فيــه .

وسيضطرها ذلك إلى أن تختار بين أمرين : إما أن تقيم نظاما سياسيا جديدا مستبدا تدعمه كما تدعم سائر الأنظمة المستبدة ، ليضمن مصالحها بالقوة ، ويقمع الشعب ، وهذا سيوقعها في مازق كبيــر ، لأنّها هذه المرة ، أقامت مشروعها على كذبة : تحرير الشعب من الاستبداد ! فكيف تستبدله بآخــر ، بخلاف أماكن أخرى في العالم ، حيث ترعى الاستبداد بالخفاء .

أو أن تغادر العراق هاربة ، مخلِّفة وراءها الدماء والدمار الذي صنعه الشيطان على يدها في العراق ، فيتحول مشروعها في العراق إلى أكبر فشل في تاريخ أمريكا .

5ـ خارطة الطريق ولدت ميّتة ، والهدنة يوشك أن تتهاوى ، وعلى كل الأصعدة ، يُتوقع أن يحدث انفجار كبير جدا في فلسطين ، يثور معه بركان انتفاضة جديدة ، لاتعد الانتفاضتان السابقتان شيئا بالنسبة إليه .

6ـ الأزمة الكوريّة تنــذر بمحرقــة نوويـــة عالمــيّة ، أو تغير في موازين القوى إلى ضد الأطماع الأمريكية ، إذ وجدت دولة نووية مستعصية على شياطين واشنطن ، وسيصبـح السلاح النووي سهل المنال لمن يحارب أمريكا .

7ـ أمريكا مصرة على التغيير في النظام الإيراني ، مع أنّه لن يكون بغير ثمن كبير ، وكبيــر جداً ، فإيران ليست مثل العراق ، وستموج الفتن موج البحار.

8ـ وضع حكومة كرزاي في أفغانستان ، أصبح مثل وضع أمريكا في العالم .. فهـي في ارتفاع مستمر في الكراهية بين الشعب الأفغاني ، بينما لازال المجاهدون من قواد طالبان الكبار ، والقاعدة يجتمعون ، ويقومون بعملياتهم المباركة ، وقِـدر أفغانستان قد اجتمعت غليــانا .

9ـ دماء المسلمين في كل مكان تُهراق كالأنهـــار ، و سجون أعداء الأمـّـة مليئة بالأسرى ، وأســود الجهاد مطاردون في كل مكان .

10ـ العالم الإسلامي مشحون جدا ، والعواطف الغاضبــة مكبوتة ، والمعاناة الصامتة تلوح على الوجوه ، ليس بسبب محاولات فرض هذا النظام العالمي الشرير الجديد بالقوة فحسب ، بل بسبب الأزمات الداخلية أيضا ، من عدم الرضا عن أنظمة الحكم الخائنــة لدينها وأمتهــا، إلى البؤس ، والفقر ، والحرمان ، والظلم ، وانتهاك الحقوق ، وإسلام كل مقومات الأمــة إلى أعداءها .

ثم فجأة ، وبينما هو مستغرق في سماع هذا الهاتف ، يفاجـأ بصرخة مدويّة من ألــــم الطلق من المرأة التي أُوحي إليه في منامه أنها الكرة الأرضية .. وإذا بها تلـد .. يا للـ .. لقد ولـدت : أهـو بنت أم ولــد !!

يا للفاجعـــة التي أصابت هذه الأم المسكينة : إنّه مســخ .. منظره كريه مرعب .. إنه الشــرّ بعينــه لاشيء سـواه .. كلاّ مهلا .. إنهما توأم .. خرج من بعد المسخ ولـدٌ جميل باهر الجمال .. على وجهـه نورٌ يتلألأ تلألؤ القمــر في ليلــة تمــه .. أخذ الولد بناصية المسخ فأضجعه ، وبيده سكيـن فذبحه .. نظر الولد بوجهه الوضّاء ، تلقــاء صاحبنا الحالــم ، وتبسّـــم .. فأشرق كلّ شـيء .. استيقظ النائم على ضوء الشمس يملأ الغرفــة .

عجيبة هذه الرؤيا .. تمتــم لنفسه مندهشـا .. حكاها على مفسر الأحلام.. فقال : كلُّ شيء واضح .. سينتصر الخــير على الشر الذي سيتولد من هذا النظام العالمي الجديد .. وسيأتي الخير من هنـا أيضـا .. من أمّنـا الأرض ، من خير أمة أخرجت للناس ، فلاتنتظروا المعجزات ، بل توكلوا على الله أيها المسلمـون .. فنادوا رجالكـم.. ثــم اجعلوا أمــرهم إلى خيارهم.. أولي البصر الحديد .. والبأس الشديد .. والضرب بالحديد .. وأنقذوا البشــريّة ..واصنعـوا مجدكــم .. قال : سيجمعهم الله .. وخيارهــم سيختارهم الله .. وسيصنع الله بهم أمّتـــــه من جديد .


الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 07/12/2006