إلى المطبّلين وراء الانتصارات الأمريكيّة فرحين بانطلاق (سايكس بيكو) جديدة !

 

 

إلى المطبّلين وراء الانتصارات الأمريكيّة فرحين بانطلاق (سايكس بيكو) جديدة !

حامد بن عبدالله العلي

قبل نحو خمسين عاما ، كانت أمريكا تدق ناقوس الحرب الكوريّة ، في ظروف تشبه إلى حد كبير ما يجري الآن :

وكان المفكر والأديب والكاتب الإسلامي سيد قطب رحمه الله ، قد كتب في هذا فصلا في كتاب ( السلام العالمي للإسلام ) وكان ممّـــا قاله فيــه : ـ

( ناقوس الحرب يدق، هاهو ذا يقرع سمع البشرية المنكودة، ولقد سمعته من قبل في أمريكا ؛ حتى قبل قيام الحرب الكورية، وكل من عاش في أمريكا في خلال الأعوام الأخيرة يدرك بوضوح أن أمريكا ستحارب، كل شيء ينطق بهذه الحقيقة أو يوحي، التعبئة العامة، وما يغطي هذه التعبئة إلا ستار رقيق من الدبلوماسية، والصحافة وأجهزة الإعلام والدعاية، بل وفي الجامعات والمعاهد.

إن أمريكا تريد أن تحارب ولو طاوعتها أوروبا لما صبرت على الحرب حتى حادث كورية، فقد كانت تريدها حربا كاملة منذ (أزمة برلين) المعروفة.

فرؤوس الأموال الأمريكية في حاجة ملحة إلى حرب جديدة، هذه هي المسألة، والإنتاج الأمريكي مهدد بالكساد ، والخسارة الكبيرة لرؤوس الأموال الأمريكية، ولم يكن مشروع مارشال إلا لغايات ثلاث: تصريف الإنتاج الأمريكي الفائض، واتقاء حالة التبطل بين عمال أمريكا، وتحريك الاقتصاد العالمي.

وقد استعادت أوروبا قدراتها الإنتاجية والاقتصادية ، وبدأت تنافس الولايات المتحدة ، وما كان تخفيض الجنية البريطاني إلا لمنافسة الصادرات الأمريكية، وقد تنبهت أمريكا لهذه الخدعة وأخذت ترد على بريطانيا باستنزاف الخامات من الأسواق العالمية ، مستعينة بقدرتها الفائقة على الشراء وبقوة نقدها في الأسواق العالمية ، كي ترفع سعر هذه الخامات ، وتجعل بريطانيا وأوروبا أقل قدرة على المنافسة، فمثلا قد ارتفع سعر خامات الصوف - التي تقوم عليها الصناعات البريطانية- خمسمائة بالمائة.

وقد فقدت أمريكا الأسواق الصينية بعد اجتياح الشيوعية لها، وأحست رؤوس الأموال الأمريكية بالاختناق، كما أحست الدوائر الاجتماعية بالخطر، فبلغت الأيدي المتعطلة قبل الحرب الكورية خمسة ملايين نقصت إلى ثلاثة ملايين بعد ابتداء الحرب، ومن هنا لا بد لأمريكا أن تحارب، ولا بد من حرب شاملة تجتذب جميع الأيدي العاملة، وتضمن لرؤوس الأموال أرباحا كبيرة، فالحرب بالقياس لأمريكا هي ضرورة حياة قومية، وإذا كانت أوروبا تتلكأ ؛ فتؤجل بذلك الحرب المطلوبة، وتهدئ الأعصاب الأمريكية الثائرة، ولكن ذلك ليس إلا عوامل وقتية للسلام، وليست ضمانات حقيقية لهذه البشرية المنكودة الطالع.

إن أمريكا تستخدم الضغوط الاقتصادية والسياسية ، والضغط المسلح وإغراء الدولار، والمساعدات الاقتصادية، وتخاطب الطبقات الحاكمة والمتنفذة اقتصاديا، ولا تعتمد كثيرا على الجماهير، ولا تُلقي بالاً إلى مطالب الشعوب لفرط ثقتها بالطبقات الحاكمة والرأسمالية، ولن تنصت إلى الشعوب إلا حين تتوقف عن الاستماع لشعوذات الزعماء والكبراء المتعاونين مع الاستعمار.

وتريد أمريكا أن تجند العرب في حربها ؛ لتتخذ من بترولنا ومواردنا الغذائية ومواقعنا الاستراتيجية عدة للنصر في المذبحة العالمية المنتظرة، وبخاصة بعد تلك الصفعة القاسية التي أصابتها في الهند الصينية.

ثم قال :
وإذا كان فينا من يحسن الظن بأمريكا فلينظر كيف تقف في صف الاستعمار، وكيف تمده بالحديد والنار عند الاقتضاء، على أني أعيذ البشرية أن يستبد بها الصلف الأمريكي السخيف ، الذي قد لا يقاس إليه الصلف البريطاني، فصلف الرجل الأبيض الأمريكي يفوق كل ما كانت تتصوره النازية الهتلرية، وويل للبشرية يوم يوقعها سوء الطالع في ربقة هذا الصلف الأمريكاني بلا قوة في الأرض تخشى ويعمل لها حساب .

إن طبيعة الحياة تأبى الانتصار الكامل الحاسم لقوة واحدة، وإن الهزيمة لتنبت في زحمة النصر، كما أن النصر ينبت في ركام الهزيمة، وها نحن أولاء نرى أن الحلفاء الذين بذلوا ما بذلوا لقهر ألمانيا واليابان ينحنون اليوم على الحطام والأشلاء، ليستنقذوا منها المارد الذي صرعوه بالأمس ، كي يستعينوا به على المارد الجديد، ولئن انتصروا غدا على الجبهة الشرقية فليواجهن ألمانيا من جديد.

ثم قال :

إن هذه الشعوب - التي تعد بمئات الملايين ( اكثر من مليار الآن ) والتي تتحكم مواقعها الاستراتيجية ، ومواردها الطبيعة في نتائج أية حرب ، وفي النصر والهزيمة - لا تعجز عن شيء حين تريد، وما من جيش يواجه عداء الشعوب وهو آمن في قديم الحروب وحديثها، وما يؤمن بذلك إلا المستغلون الأذلاء، وكل قول غير هذا هراء.

والإسلام بفكرته العامة ومبادئة الكلية يلعن هذه الحروب، ويحرم علينا أن ننضم إلى قوى الطاغوت في الأرض، وأن نعاون على الإثم والعدوان، ويحرم علينا أن نمد أيدينا إلى الذين يؤذون المسلمين، ويخرجونهم من ديارهم ، ويظاهرون على إخراجهم، ويحتم علينا أن ندفع عن البشرية الظلم، وأن نبدأ بأنفسنا في دفع هذا الظلم عنا، وليس على وجه الأرض ظلم أشنع من الاستعمار.

وما ينطبق على الدول والحكومات ينطبق على الجماعات والأفراد، فكل شركة أو مؤسسة مالية أو تجارية وكل فرد يتعاون مع هذه الدول الاستعمارية هو مخالف لأمر الله خارج على الأمة المسلمة، مؤذ للمسلمين في كل مكان، وهؤلاء المقاولون الذين يوردون الأطعمة للجيوش والعمال الذين يعملون مع مؤسسات الاستعمار إنما يخونون الله ورسوله ، ويخونون المسلمين ويخونون أنفسهم.

إن الكتلة الإسلامية - المتصلة الحدود من شواطئ الأطلسي إلى شواطئ الباسفيكي ، وتملك أغنى منابع البترول والمواد الخام والمواقع الاستراتيجية - تملك أن يكون لها وزن حتى لو كانت مجردة من السلاح، وأنا أكتب هذا للشعوب لا للحكومات، وللجماهير لا للمستغلين، وأيا كانت عوامل الضعف والفرقة والضغط والكبت فإن واجب الدعاة ألا يفقدوا إيمانهم بالشعوب، فالشعوب تملك حين تريد أن تسبب المتاعب للأقوياء ولحلفائهم من أهل البلاد، وأن تكلفهم عنتا دائما لا يأمنون معه الاندفاع ، ولا يحمون ظهورهم من الاضطراب والانتفاض ) انتهى .

وعجيب والله ما قاله هذا المفكر الألمعي الذي كان خبيرا بأحوال عصره ، وعجيب أيضا إعادة التاريخ نفسه ، وأن يتكرر على نفس الأمة ، نفس المشاهد ، ويتوزع أبناؤها نفس الأدوار .

يأتي المحتل فاغرا فاه ، كلما جاع ، ليجني نفس الأطماع ، فيرفع نفس شعار التحرير الكاذب ، ويخدع المغفلين بنفس الزيف السياسي :

ولم أر كالسياسة في أذاها *** وفي أعذارها تُزجى مئِينا
تغير على الأسود فتحتويها*** وتزعم أنها تحمي العرينا
تريد فتخلق الأصباغ شتى *** وتبتدع الطرائق والفنـونا
وتتخذ الدم المسفوك وردا *** تظن زعافه الماء المعينـا

وينقسم الناس عندنا إلى نفس الطوائف :

طائفة الخونة : الذين يخونون أمتهم ، فيمهدون للمحتل الطريق .

وطائفة المبشرين !: الذين يبشرون الناس بالخير والبركات ، وأحلام السعادة التي يحملها معه المحتل .

وطائفة المتمصلحين : الذين يبحثون عن فتات من مصالحهم الجزئية وراء ذلك كله .

وطائفة المطبّليــن : الذين يطبلون وراء الخونـــة، كما يطبلون وراء كل ناعق.

وطائفة شهود الزور : الذين قــد ساءهم وأشفقوا على المحتل أن يُعدم صكا شرعيا لجرائمــه ، فتبرعوا أن يشهدوا قبل أن يُستشهدوا ، بأن ما يفعله المحتل هو حكم الله من فوق سابع سماء ! تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا .

وطائفة مخلصة تنطلق مجاهدة فتفاجأ بأن حجم المأساة ، وتراكماتها أكبر من قدراتها على التغيير ، فتنكفئ مذهولة .

وطائفة تصرخ محذرة : ( ويل للعرب من شر قد اقترب ) ، وتهدي الناس : ويحكم خذوا من هذا الطريق ، فذاك فيـــــه الهلاك … غيـــــــــــــــر أن الناس فــــــــــــي سكرتهم يعمهــون :

فتتمثــّل :

بذلت لهم نصحي بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا في ضحى الغد

وأحرى بهــا أن تتمثـّل اليوم :

بذلت لهم نصحي بمنعرج اللِّوى ولن يستبينوا قــــط ولا في ضحى الغــد

وبعــــــــــد :

فإن الحرب العالمية الأولى والثانية كانتا حربا أوربية واحدة .

والحرب العالمية الباردة الثالثة كانت داخل الحضارة الغربية النصرانية غربها مع شرقها .

أما هذه الحرب العالمية الرابعة ، فهي ضد الإسلام ، وقد باتت تشمل بالإضافة إلى العالم العربي ، وللمرة الأولى منذ مائتي عام ، هضبة القوقاز ، وجمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية ، وبعض مناطق جنوب آسيا .

وقد انطلقت من كابل ، ومرت ببغداد ، وتجاوزتها اليوم ، ترنو إلى الشام ، تهدد وتتوعــد ، مزهوة بغرور المنتصر ، ماضية في بطرها واستكبارها ، سادرة في غيها ، واليهود الذين لم يخف دورهم في الاستعمار السابق ، حتى أعلنوا دولتهم في حضنه ، لا يخفى دورهم اليوم في هذا الاستعمار ، طامعين أن يعلنوا في حضن هذا الاستعمار قيام معبدهم الثالث ، وعاصمته الأبدية هي القدس !

ولكن هيهــــــات :

قسما بمن يحيي العظـــا ***م ولا أزيدك من يميــــن
لو كان من سفر إيــــا *** بك أمس أو فتح مبيــــن
أو كان بعثك من دبيـــ ***ب الروح أو نبض الوتـــين
وطلعت من وادي الملــو ***ك عليك غار الفاتحـــــين
لرأيت جيــلا غـــير جيــ ***لك بالجبابـــر لا يديـن
ورأيت محكومين قـــــد *** نصبــوا وردوا الحاكميـن
هم في الأواخـــــر مولدا *** وعقولهــــــم في الأوّلين

 


الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 06/12/2006