بيان عــــــــــام لأمــــــة الإســـــــــــلام

 

بيان عــــــــــام لأمــــــة الإســـــــــــلام

حامد بن عبدالله العلي

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ

فلم يعد خافيا أن أمتنا الإسلامية تستقبل مرحلة حرجة للغاية من مراحلها التاريخية ، تحيط بها أخطار ماحقة ، وتحدق بها مؤامرات كبيرة ، وتعاني من شتات في الأمر ، وخيانة أوعجز من أولي الأمر ، وكيد من الأبناء ، وحرب من الأعداء ، ووهن يسري في الأعضاء .

وقد رفع أعداؤها شعار : انتهزوا الفرصة ، ظانين أن التاريخ قد توقف بعد سقوط المعسكر الشرقي ، ليسجل الغرب اعظم انتصاراته ، زاعمين أنه لم يعد ثمة حركة جديدة للتاريخ سوى هيمنة الحضارة الغربية على العالم ، فلا بديل له سوى أن يدور بفلك هذه الحضارة ، ولم يبق إلا انتهاز الفرصة لإسقاط الحضارة الوحيدة التي باتوا يخشونها ، وهي الحضارة الإسلامية ، التي بدت فيها بوادر نهضة إسلامية تبحث عن شخصيتها التاريخية ، وظن أعداؤها أن الإجهاز عليها يكون بالتحرك السريع على هذه المحاور :

*** الأول : ضرب الإسلام على المستوى الإعلامي ، بتشويه سمعته والتحريض عليه وتصويره على أنه العدو الجديد والأخطر على البشريــة ، فهو ـ كما يفترون ـ دين لشعوب غير متحضرة دموية لاتحمل أي مبادئ سامية ولا قيم حقيقية ولا تعرف شيئا عن حضارة الإنسان الغربي الراقي ، ولولا أنهم يسيطرون بالمصادفة على ثلثي البترول الموجود في العالم لما استحقوا الاهتمام بهم .

ويعينهم على تحقيق هذا الهدف الخبيث ، ما تفعله الأنظمة العربية العلمانية الدكتاتورية المعادية للإسلام من الظلم والطغيان وإرهاب الدولة والاستخفاف بكرامة الإنسان وحقوقه ، وما تفعله من تمكين أعداء الإسلام من ترويج هذه الدعاية الخبيثة في مؤسسات الدولة .

***الثاني : ضرب ما تبقى من عوامل الوحدة الإسلامية ( الولاء الإسلامي ) كإحياء الثقافة الإسلامية ، وتعزيز مكان الشريعة الإسلامية في الحكم والحياة ، خشية أن تلتقي هذه العوامل يوما ما وتعيد للامة مكانتها ، ويكفيهم مؤونة هذا الهدف الأحزاب العلمانية في وطننا العربي التي تجسد منهج العلمانية في عقر دار الإسلام وتبث مبادئها التي تنخر عوامل تقارب الأمة الإسلامية وتشكك في ثوابت ثقافتها .

*** الثالث : ربط الأمة بسلسلة من التحالفات العسكرية ، والاقتصادية والسياسية ، لشل قدرة الأمة على النهوض ، وإجبارها على البقاء في الفلك الغربي .

***الرابع : اشغال المنطقة العربية بحروب داخلية واستغلال الطوائف المارقة المنتسبة للإسلام لهذا الهدف أيضا ، واستثمار هذه الحروب سياسيا واقتصاديا وعسكريا لإعاقة البناء الداخلي ، وإضعاف تكوين عوامل القوة الذاتية ، للتحكم في مقدرات الأمة ومواردها الطبيعية بما يضمن رجوعها إلى المصلحة الغربية.

*** الخامس : دعم استمرار وجود الدولة اليهودية الحليف الاستراتيجي للغرب وضمان تفوقها وتفكيك جميع جبهات المقاومة تمهيدا للقضاء عليها إلى آخر فصيل من فصائل الجهاد ، وإزالة جميع أنواع التحريض أو العداء لليهود في العالم الإسلامي ( نقض عقيدة الولاء والبراء ) تمهيدا لتمكين الدولة اليهودية من تحقيق جميع أطماعها حتى هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم مكانه .

*** السادس : ضمان توزيع نموذج الحياة الغربية العلمانية بالقسمة المتساوية الحصص على شعوب المنطقة ـ مع التركيز على دول الخليج العربي والجزيرة العربية مهد الإسلام ـ ثقافيا وإعلاميا ، ليكون البديل العقائدي والأخلاقي الحياتي الشامل عن الأنموذج الذي يقدمه الإسلام ، وذلك عن طريق شعارات خداعة كاذبة زائفة ، كالعولمة ، والحرية ، وحقوق الإنسان ، ووحدة الأديان والانفتاح الثقافي ، والتقاء الحضارات .. إلخ .

*** السابع : محاصرة وضرب العودة والتحول الإسلاميين في المجتمعات الإسلامية لتحجيم قدرتها على إحداث الوعي بتحريك عوامل النهضة الإسلامية :

وذلك يتم بهذه الوسائل :

1ـ مطاردة الدعاة إعلاميا تحت شعار مكافحة التطرف والإرهاب .

2ـ وسياسيا بمنع تكوين الجماعات الإسلامية ، أو منع مشاركتها في العمل السياسي ، أو تحجيمها بتجفيف منابع الصحوة وإعاقة نشاط الدعاة ومنعهم من وسائل التأثير على الجمهور .

3ـ وبوليسيا بالتعذيب النفسي ، والجسدي ، والتصفية الجسدية ، أو السجن والإقامة الجبرية ، كما تفعله الأنظمة البوليسية لإرهاب الشعوب العربية والإسلامية ، من تبني الإسلام منهجا شاملا للحياة .

4ـ إنشاء جبهات محلية تعمل لصالح أنظمة موالية للغرب وتلبس لباس الإسلام لتشوه صورة رموز الدعوة الإسلامية ، وتنشط ضد الدعوات الإسلامية التي تحارب خطط الهيمنة الغربية ومؤامراتها في البلاد الإسلامية .

وتقدم هذه الجبهات بديلا مشوها عن الدعوة الإسلامية يحصرها في أنشطة خيرية هامشية ، ويضيق مفهوم الجهاد الإسلامي ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويعطل منهج التغيير الشمولي ، ويهون من أمر الحكم بالشريعة الإسلامية ، ويوفر المسوغات الشرعية زورا على الوضع السياسي القائم لتخدير الشعوب والمجتمعات الإسلامية .

وقد أخذت ثمار هذه المحاور تينع ، ويحين قطافها ، وبدا ما كان خافيا ، وتجلى مكر أعداء الإسلام خبثا صافيا ، فليست هذه المحاور إذن حديثا يحكى ، أو حدثا يتلى ، بل واقع مرير نعيشه ، ونراه ونحن وجوم صامتون ، نرتشف مرارته كل يوم ، وتئن مجتمعاتنا تحت وطأته أنينا ، وتحن إلى أيام مجد الإسلام حنينا ، وتنتظر فجر العودة الإسلامية لينفلق عن الظلمات ظاهرا مستبينا .

حتى ساءت ظنون الأغرار ، فظنوا أن الأمة قد صارت نبأ الأمس ، وطواها الرمس ، وأنه لابد من الاستسلام لهذه الأقدار ، فبكوا عليها بكاء النادم المتفجع ، الذي لايجد له عن مصابه عزاء ولا سلوى ، ولا يرى في دفع بلائه نفعا ولا جدوى .

غير أن سنة الله قد مضت في هذه الأمة ، أن يجدد لها دينها ، كلما اندرست معالمه ، واندثرت آثاره ، وظن أعداؤه ما يخيل إليهم يقينا لا يخالجه شك أنه قد أحيط به ، ولم يبق منه إلا مضاجع أبطاله في رمال الصحراء ، وأطلال أمجادهم بَوالِيَ في الفضاء .

فيبعث الله تعالى روح هذا الدين من جديد ، غضة طريّة تشع بنوره الهادي ، تطارد فلول جيوش الجاهلية تبددها بين يديها تبديدا ، فتعيد الحق إلى نصابه ، وتفند الباطل تفنيدا .

وعادة الله تعالى أن يجدد الدين برجال يعدهم ، وأبطال يجندهم ، وعليهم اليوم مهمة جسيمة وتكاليف عظيمة .

فهم أمام أمة مشتت أمرها ، فشعوبها مسلوبة الوعي ، وحكامها قد أسلموا أمر المسلمين إلى أعداءهم ، يبثون فيهم مناهج الكفر والإلحاد ، وحكموا فيهم غير شريعة الله تعالى ، فهبطوا بهم من علياء مجدهم حتى ألصقوا أنوفهم بالرغام ، وأعداؤها رابضون من ورءاهم متربصون بالأمة الدوائر ، وعلماؤها عاجزون ، ودعاتها خائفون مطاردون ، وأبناؤها جاهلون بدينهم ، مرتابون بوعد الله تعالى لمن ينصره ، وسنته فيمن يخذله .

غير أن الله قد جعل النصر مع الصبر ، والفرج مع الكرب ، وأخبر أنه كلما اشتدت على هذه الأمة الشدائد ، دنا أمرها من الانفراج ، وكلما حلكت الظلمات اقترب صبحها من الانبلاج .

والعزائم القوية لا يعرف الوهن إليها سبيلا ، فهذه بوادر الأمل تلوح في الأفق ، وذلك نور الإسلام يتلألأ مقبلا ، يبشر المؤمنين بقرب الظهور والتمكين ، وأن للإسلام ليوثاً رابضة ، تُهَمْهِم ، متربصةً ، تنتظر ساعة الإذن لساحة النزال ، فماهي إلا أن تنطلق ساعة ، حتى تجعل ذلك المعترك المائج من كيد الشياطين مِزَقاً متطايرة ، وحتى تلقف ما يؤفكون ، فيقع الحق ويبطل ما كانوا يمكرون .

وعلى المجاهدين والدعاة أن يهيئوا أنفسهم لمعترك أشد مما عهوده ، وعدو أخبث مما وجدوه ، وليعلموا أن الله قد خبأ لهم رصيدهم من الخير الكامن في هذه الأمة ، وبوادر الصحوة المنتشرة في كل مكان ، وما جعل الله في نفوس الشعوب الإسلامية من حنين إلى مجد لا تنساه ، فسيبعثه الله تعالى متى شاء ويجعله إعصارا على الأعداء .

كما جعل الله تعالى الأمل بنصر الله حاديهم الذي لايكل ولا يمل ، يسوقهم إلى وعد الله تعالى حتى يتحقق .

أما عدتهم فهي :

التوكل على الله ( وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون ) .

والثقة بوعده ( حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) .

وبوعد الآخرة ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ).

والدعاء وإقام الصلاة ( واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين ).

وطاعة الله في السر والعلن ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) .

والقيام لله ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ) .

والأخذ بالعهد ( لتبيننه للناس ولاتكتمونه ) .

والتعاون على البر والتقوى ( وتعاونوا على البر والتقوى ) .

ورص الصفوف ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) .

والجهاد ( وجاهدوا في الله حق جهاده ).

والصبر حتى يفتح الله بيننا وبينهم بالحق وهو خير الفاتحين .

اللهم آمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 06/12/2006