الرويبضة الأم .. وأفراخهــا الرابضون بين يديها !

 

 

الرويبضة الأم .. وأفراخهــا الرابضون بين يديها !


حامد بن عبد الله العلي

بات مؤكدا وواضحا للعيان ، أن ما يطلق عليه (الحضارة الغربية) ، ليست سوى آلة دمار كبيرة ، ومخيفة ، بدأت بفكرة ظاهرها تحرير الإنسان عندما دعا ( نيتشه ) مهندس هذه الآلة الأوّل ، في أول من دعا إلى تأليه الإنسان لنفسه ، وإلى الكفر بكل ما وراء العالم المحسوس ، وأما باطنها فتدميره ، وانتهت بصناعة آلات الإهلاك الجماعي للبشر، وتحويل العالم إلى ساحة للحروب ، والدمار ، والبؤس ، والفقر ، الجوع .

ومع ذلك فلازالت أمريكا تصر على أن تصاحب أساطيلها العسكرية في استعراضها العالمي اليومي لإرهاب بني آدم ، عبارة بوش التي أطلقها في كلية ويست بوينت العسكرية مؤخرا (نموذج متفرد للتقدم الإنساني يقوم على مطالب غير قابلة للتفاوض بشأن الكرامة الإنسانية وحكم القانون واحترام المرأة والملكية الخاصة وحرية الرأي والعدالة والمساواة والتسامح الديني) !

رغم أن أحدا بالتأكيد ـ غير قلة من السُذّج المخدوعين ـ لم يعد مقتنعا بهذا كله ، ولا أدل على ذلك من ضرب أمريكا صفحا عن مشروعها الفاشل لتحسين صورتها في العالمين العربي والإسلامي ، وتراجعها عنه بعدما أتى بنتائج عكسية ، وقد كانت الحملة مدعومة مباشرة من قبل إدارة الرئيس بوش ، وخصص لها 15 مليون دولار، وعلق بعض خبراء الإعلان : أن الصورة التي حاول الإعلان تقديمها رديئة المستوى، وتشبه إعلانا من عام 1930، يقدم مواطنا أسود يعيش بسعادة بينما كان السود يعانون أسوأ موجات التمييز العنصري ، وقال يوسف إبراهيم وهو أحد الأعضاء البارزين في مجلس العلاقات الأجنبية في نيويورك «أن المشكلة تكمن في السياسة الأميركية نفسها». الخبر كما نشرته الشرق الأوسط 19/1/2003م .

ولعل ما قاله روبرت فيسك الكاتب البريطاني الناقد الشهير :
" بعد شهور من قيام صحيفة الانتديبندنت بلفت أنظار قرأها للزيارات التي قام بها وزير الدفاع الأميركي الحالي دونالد رامسفيلد لصدام في بغداد في ذروة استخدام العراق للغاز السام في حربة ضد إيران في العام 1983قررت صحيفة واشنطن بوست أخيرا أن تخبر قراءها عن جزء يسير مما كان يجري في ذلك الوقت ،وان تقر بأنهم أي الأميركيين هم من صنعوا هذا الوحش (صدام) وان رامسفيلد لعب دوراً في ذلك". أ.هـ كما نقلته صحيفة الرياض بتاريــــــخ 7/1/2003م

لعل ما قاله كاتب الاندبندنت هذا الساخر ـ معبرا بمثال واحد عن حقيقة السياسة الأمريكية ـ من جملة آلاف الشواهد على السبب الذي من اجله فشلت حملة أمريكا في تحسين صورتها ، وهو : إن الناس يشعرون أنه لاشيء حقيقي وراء تلك الشعارات ، أي أنها حضارة مفلسة ، لاتملك قيما حقيقية ، وبالتالي فكأن لسان حال الشعوب هنا يقول : حسناً نحن وكل الذين هنا ، يعلمون أنكم لستم سوى كذبة كبيرة جداً ، ولكننا لا نملك خيارا آخـر !

وهذا مثال آخر : يقول مايكل هيرش : (بعض سياسات الإدارة الأميركية تبدو بالفعل وكأنها ترحب بعالم أكثر بمستوى اكبر من انتشار الأسلحة النووية ، إن مراجعة للمواقف النووية تسربت في مارس 2002 حددت سبعة أسباب وراء قرار كلينتون الرئاسي عام 97 والذي طرح بداية استعمال الأسلحة النووية ضد الدول المارقة.. إن القليلين يتذكرون أنه في أوائل سنة 2001 خففت إدارة بوش من اعتراضاتها على تعزيز بناء الصين لصواريخها النووية على أمل إضعاف معارضة بكين نظام الدفاع الصاروخي الأميركي .

وبعد عام راح البنتاغون يدق أجراس الخطر من أن الصين تعزز قوتها الصاروخية وبدا بوش في خطابه في ويست بوينت رافضا أي عودة إلى الحد من التسلح قائلا: نحن لا نستطيع أن نضع ثقتنا في كلمة من الطغاة، الذين يوقعون معاهدة عدم الانتشار بعدم جديّة وبعد ذلك ينتهكونها بانتظام.

ولمواجهة هذا التهديد واصل الرئيس الأميركي: نحن سوف نعارضه بكل ما أوتينا من قوة. وحتى الآن فإن القوة الخام لا تعمل لوقف الأمم من نقل المعرفة بشأن أسلحة الدمار الشامل كما لا تعمل أيضا على منع أمم أخرى من البحث عن الحصول على هذه الأسلحة خاصة إذا ما عرفوا أن الولايات المتحدة تعمل على توسيع وتحسين ترسانتها النووية وأنها تتنكر للقانون والمنظمات الدولية) من مقال مهم بعنوان كيف ترى أمريكا العالم بعد 11/9 ترجمة البيان الإماراتية السبت 7/12/2003

يقول المرء أحيانا لنفسه : سبحان الله ، هل يعقل أن يفشو الكذب ، والنفاق ، والزيف في العالم إلى هذه الدرجة ، فكل شئ يعلن تقريبا في السياسة العالمية غير حقيقي ، وكأن الحقيقة شيء واحد فقط ، هي : أن شياطينها جميعا افتضحوا فاصطلحوا ! ولكن صدق الله العظيم ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ، ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ) .
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن بين يدي الساعة سنين خدّاعة ، يصدق فيها الكاذب ، و يكذب فيها الصادق ، و يؤتمن فيها الخائن ، و يخون فيها الأمين ، و ينطق فيها الرويبضة قيل : و ما الرويـبضة قيل : المرء التافه يتكلم في أمر العامـة ) .

وسبحان القائل عن نبيه صلى الله عليه وسلــم : ( والذي جاء بالصدق وصدق به ) ، أليس بوش هو المثال الكامل للمرء التافه ، الذي بات يتكلم في أمر العالم كله ، أليست حضارتهم المادية المفلسة التائهة ، التي ملأت الأرض كفرا وظلما وفحشا ، هي التفاهة بعينها ، والتي باتت تنطق باسم العالم كله !

أليست أمريكا هي الرويبضة الأم ، وأفراخها الرابضون بين يديها حولنا هنا ، هم اليوم ، الذين يصدّقون الكاذب ، ويكذّبون الصادق ، ويخوّنون الأمين ، ويأتمنون الخائن !

 


الكاتب: حامد بن عبد الله العلي
التاريخ: 06/12/2006