الموقف الشرعي مما يجري |
|
( أدركت إيران أنها على موعد مع فرصتها التاريخية التي كانت تتحيّنها ، منذ سنوات طويلة ، لبسط سيطرتها ونفوذها على الخليج ،ولم يكن يحول دون تحقيق هذا الطموح غير الوجود البريطاني في الإقليم ، فالإيرانيون وعلى رأسهم الشاه ، يدركون أنّه في حالة غياب القوى الخارجيّة عن الإقليم ، تكون إيران هي البلد الأقدر على فرض نفوذها وسيطرتها ، أما الشاه بكلّ ما كان يسيطر عليه من هواجس الشعور بالعظمة ، و القوة ، فقد كان يرى نفسه الشخص الذي عليه أن يستعيد قوة إيران في الخليج ،الأهم من ذلك أن مساعي الهيمنة الإيرانية لم يكن الشاه يراها كذلك ، بل كان يرى أن ما يفعله تقليد إيراني قديم ، بإستعادة النفوذ الإيراني بعد فترة طويلة من الإنحسار فرضها الوجود الأجنبي على إيران وفي الخليج) .
Shirint T.hunter "GULF SECURITY .AN IRAINIAN PRESPECTIVE " in:M.E.Ahrari,ed.,The gulf and international secutity: the 1980.s and beyond , new york : st.martin,s press 1989 p 39
من الخطــأ بمكان أن تُقـرأ السياسة الإيرانية ، بمعزل عن روحها الساسانية الصفوية التوسعيّة، فهذه الروح التي كانت في جسد إيران البهلوية ، كما أنها كانت امتدادا تاريخيـا ، هـي لم تزل في إيران الخمينية ، وستبقـى ـ مالم تصبح بلاد فارس جـزءاً من حضارة إسلامية واحدة كما كانت في عصور سالفة ـ إذْ هي تكوين أساس فــي الشخصية الفارسية ، كما كانت تقليدا إيرانيا قديما.
غير أنها اليوم قـد غدت قادرة أن توظـّف التشيّع ، وهي روح دينيـّة في طيّاتها طاقة عنف ثورية بالغة التأثير سياسيا ، ولن تستطيع العقلية الساسانية أن تقاوم الرغبة الجامعة في ركوب هذه الموجة ، لتحقيق أطماعها التوسعيّة .
والنصّان السابقان ، من تقارير قديمة ، غير أنّهما يعطيان جزءا عن خلفية الصراع بين المشروعين الصفوي والصهيوصليبي ، اللذين يتحالفان ويتناقضان ، ويتفقان ويختلفان ، ويتآمران على غيرهما ، وعلى بعضهما ،
فيريد المشروع الصفوي الساساني أن يغتنم الفرصة التاريخية بتحقيق الحلم الإمبراطوري التاريخي بالهيمنة على العراق والخليج ثم العالم الإسلامي ، حتى لو كانت هذه الفرصة جزء من توظيف المشروع الصهيوصليبي له في مشروعه الإمبراطوري العالمي أيضا !
ويريد المشروع الصيهوصليبي أنّ يجعل المشروع الصفوي وقود إحتراق في أحد مراحل توسّعه الكوني ، ثم يلقي الوقود المحترق وراءه ، كما يفعل دائما ،
وأما الأبالسة فقد باضت ، وفرّخت ، وأقامت أعشاشها ، في رؤوس هؤلاء الصهيوصليبين، وأولئك الصفويين ، وموضع اتفاقهمـا المفضّل دائما ، هو القضاء على دين الإسلام .
غير أنهما ، وفي النهاية ـ وبإذن الله ـ سيحترقان بالنار نفسها التي أشعلوها لحرق المسلمين .
يمنـّي المشروع الصفوي نفسه ، وهو يسير نحو حلمه ، أنّـه يملك عدة أوراق تحقّق له حلمه ، ساعدت على تجمعها فرصة تارخيـّة قلّما تتكرر ، والمشاريع الإمبراطورية ـ كما يقال ـ كذلك فرصها قلّما تتكـرر في التاريــخ ، فإمّا أن يهتبلها العظماء ، وإما تفوت إلى الأبــد :
أولا : التحالف مع النظام السوري ، ومـع الذراع الصفوية المتمثّلة في حزب حسن نصر في لبنان ، والذي قد تـمّ تعبئته جيـّدا ، ليكون ورقة ضغط قويّة التأثير ، ومستعدة لتقديم تضحيات باهضة التكاليف لخدمة الحلم التوسعي الصفوي، دعائيا ، أو لخلط الأوراق على الجبهة الصهيونية .
ثانيا : الأحزاب الموالية لإيران من الجماعات الشيعية المُعدّة عسكريا ،وسياسيا ، وتجنيديّا ، داخل العراق ، ودول الجزيرة العربية ، للقيام بدورها عند الحاجة لتلبية نداء القيادة في طهران ، إذا شعر المشروع الصفوي بما يهدد وجوده .
أما داخل العراق ، فقد غدت هي التي تحكمه ، وتعمل فيه على إبادة أهل السنة ، وتهجيرهم ، وأتمت استعدادتها ، لخوض حرب صفوية ـ صيهوصليية لإبقاء المعركة خارج حدود إيران ، إذا لزم الأمـر .
ثالثا : التعاطف الإسلامي الذي يكسبه من تقديم تضحيات على مستوى القضية الفلسطينية ، إذ هي القضية الإسلامية المركزية ، المؤهلة لتكون انجح "دعاية" لأيّ مشروع سياسي ،خطابه على مستوى الأمّة .
رابعا : التعثـّر الأمريكي في العراق ، وفشل مشروعه القِيَمي فيه ، حيث أغرق البلاد في فوضى عارمة ، وضرب أسوء مثلٍ تاريخي في بربريّة الغزوْ الهمجـي ، وقد غـدا هذا التعثـّـر ، والفشل ، ثقلا شديد الوطأة على كاهل الإدارة الأمريكية ، وكذا تعدد الجبهات المعادية ـ كوريا الشمالية ، فنزويلا..إلــخ ـ وتتابع المشكلات ، والفضائح الداخلية ، والخارجية ، فكلّ ذلك أصاب عزيمة المشروع الصهيوصلبي بالوهن والتشتت .
خامسا : إرتفاع أسعار النفط ، وخوف العالم من هجوم على إيران ، يتسبب في كارثة طاقة عالمية .
سادسا : قدرته على الوصول إلى التهديد النووي الرادع في أسرع وقت.
وما مماطلة المشروع الصفوي للملف النووي إلاّ من أجل ضمان اكتمال قوّة هذه الأوراق ، والزمن لاريب في صالح هذا المشروع في الظاهر ، والله تعالى هو علاّم الغيوب ، مدبـّر الأمور ، وما أوتينا من العلم إلاّ قليلا .
أما المشروع الصهيوصلبي فهو في موقع الإستعلاء بالقوة الغالبة بلا ريب على المشروع الصفوي ، فهو ذو القوة العسكرية الغالبة ، وهو المهيمن على الأجواء ، والمالك للأرض المحيطة بالمشروع الصفوي ، والقادر على تحريك الدول الغربيـّة ، ودول المنطقة ضدّه ، كما أنـّه يخوض معركة في غاية البعــد عن مؤسساته الحيويّة ، والدمار الذي يحدث في المنطقة ـ لاسيما إذا أحرق جيوشها في مشروع صدام فارســـــي عربي ـ لن يذرف عليه الصليبيون دمعة ، بل سيستفيد من إعادة الإعمار تجاريا ، مع الإستفادة الهائلة بتجارة السلاح أثناء الحــرب إن دخلت دول المنطقة في المواجهــة !
والخلاصة أنّ المواجهة قادمة، إن كان بدايتها قد انطلقت اليوم في لبنان ، وإلاّ فهي في طريقها إلى الصدام ، وقد ذكرت هذا فيما مضى غيـرَ مرّة ، وأن المنطقة بين يديْ حرب عظيمة ، وفوضى هائلة ، وأنّ ذلك كلّه سيكون في صالح الإسلام في النهاية ـ وإن مرّت به وبأهله أهوالٌ عظيمة ـ حيث تُستهلك هاتان القوّتان الغاشمتان الطاغيتان في حرب ، تأتــي بالفرج لهذا الدين من حيـث لايحتسبون .
والموقف الشرعي مما يجري، وما سيجري ، أنها ليست سوى حربِ الأبالسة المعتدين ، نسأل الله أن يسلطّهما على بعضهما ، ويخرجنا سالمين ، وهم عدوّان مستهدفان جهاديّـا شرعـاً ، فالمشروع الصفوي قـد فعـل في مسلمي العراق في إطار المؤامرة على تقسيمه ، مالم يفعله الصليبيون ، وقد أظهر من دفين أحقاده ، وسواد طويتّه ، على الإسلام ، ماأيقظ السادرين في غفلتهم ، ونبّههم إلى أنّ هذا العدوّ المتربّص الذي يظهر الدفاع عن الإسلام ، هو أشـدّ خطراً من العدوّ الصهيوصليبي نفسه ، مع أنّ هذا الأخير جاء يحمل من الأهداف الخبيثة ، والكيد العظيم ، والعزيمة على إطفاء نور هذا الدين ، أضعاف ما حملـه أجداده من كفرة أهــل الكتاب الحاقدين ، وسيردهم الله تعالى خائبين بحوله وقوته .
أمّا فلسطين ، فهي قضية الإسلام بـه اكتسبت قيمتها ، ومن أجله روت الدماء رايتها ، وليست مجرد قضيّـة أرض تعود لشعب ، ولا يجوز لمسلم أن يتخلّى عنها ، ما بقيت فيه عين تطرف ، حتى لو تخلّى عنها شعبها ، ولن يفعلوا , وهم الأماجد ، الأخيار ، الأبطال ، الذين رسمت أرواحُهم ، بمداد دمائهم ،طريق النصر .
ولن يخدعنا تحويلها إلى دعاية لمشروع صفوي يعادي هذا الدين وأهلـه ، ويريد أن يبدّل بدين ابن سبأ اليهودي ، دين الإسلام الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلّم.
وهي قضية تفقد كلّ قيمة إسلاميـّة لها ، إن صارت أرض جاهلية جديدة ، وانتقلت من دار كفر ، إلى دار كفر ، سواء تحت شعار وطني علماني وغيره !
فإما إن يُقاتل من أجل إنقاذ أرض الإسلام فلسطين ، من حكم الكفار اليهود ، لإعلاء كلمة الله تعالى عليها ،
وإلاّ فإن كلّ راية غير هذه ، فهـي راية الجاهلية بعينها ، فلا وفّقها الله ، ولاوفّق حامليها ، ولابلّغهــم ما يريدون ، وسيخرج الله تعالى من شعبها الماجــد ، من يرفع راية الجهاد الإسلامي الحقّ في فلسطين ، كلما مضي جيل ، بعث الله جيلا بإذن الله تعالى.
ونسأل الله تعالى أن يلقي في روع المجاهدين في فلسطين ، العزيمة على الرُّشد في مقاصد الجهاد الشرعيّة ، والثبات على أمـر الإيمان الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، والذي هو ـ لاغيره ـ موعودٌ بالنصر ،
وأن يلهمهم ما فيه صلاح جهادهم ، ويريهم الحق حقا ، ويرزقهم إتباعه ، ويريهم الباطل باطلا ، ويرزقهم اجتنابه ، وأن يرزقهم الإنابة بعد الخطأ ، والتوبة بعد الخطيئة ، والرجوع إلى جادّة الصواب بعد الزلّة.
وندعو إلى إغاثتهم بكلّ سبيل ، ومدّ العون إليهم بكلّ ما أمكن ، وبذل كلّ السبل لفك الحصار عنهم ، فهذا واجب شرعي لايسع أحــدٌ تركه بحال .
كما ندعو حملة الفكر ، والدعاة ، والعلماء ، إلى تفهـّـم ـ مع واجـب النصح برفق ـ ما قد يبدر منهــم من زلل ، وليس من الحكمة أن يقصر من ينـظر في حالهم ، نظــره على نقـدهم فحسب ، متناسيا معاناتهم ، بسب ضيق الحال ، وصعوبة الأحوال ، وتكالب الأعداء ، وقلّة المعين ، وتخاذل الأمـّة ، وخيانة الزعماء ، وقد لبس لإخواننا في فلسطين الأعداء جلد النمر ، وأذاقوهم سوء العذاب ، يقتلون أبناءهم ، ولا يستحيون نساءهم بل يقتلونهم أيضا مع أطفالهم ، وقد أحاط بهم الموت ، والدمار ، واصبحوا في مثل حال الحريق في النار ،
غير أن الأمل بالله تعالى عظيم ، وإن النصر مع الصبر ، والفرج مع الكرب ، والعسر مع اليسر .
والله المستعان ،وحسبنا الله ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصير