ألـم ـ ظاهر ـ آت هـل ستثور مـصر؟!

 

ألـم ـ ظاهر ـ آت
هـل ستثور مـصر؟!
 
حامد بن عبدالله العلي
 
طيلة الأسبوع المنصرم ، لم تكفّ وسائل الإعلام الحـرَّة عن ترديد هذه العبارة : لقد أثبـت الشعب التونسي أنَّ الشعوب قادرة على إزاحة الطغاة ، ونيل حقوقهـا بالثورة على الطغـيان !
 
 وعلـى الضدّ تماما ممـا تروِّج لـه ( الملاحق الدينية للإستخبارات ) من شيوخ السلطة ! أنَّ الثورة على الظـلم حرامٌ ، لأنها ليست على ( نهج السلف ) ! ثم لايعطـون لهذه الشعوب المسحوقة ، شمعـة أمـل بوسيلة أخرى لوقف إستنزاف الطغاة لكلِّ الحقوق الإنسانية ، والكرامة البشرية ، وسوقها الأمّة الإسلامية إلى الدمـار الشامـل ، وهي تنظـر إلى مصيرها نظر الخراف إلى جازرهـا !
 
على الضـدّ تماما من هذه (الهرطقة) ، فإنَّ سل السيوف لإزاحة الظلم ، كان _ أصلا _ معلمـا بارزاً في منهج السلف ، وإلاَّ لمـا قامـت تلك الثورات التي لم تهدأ في ذلك العصر المفضَّـل ، منذ ثورة الحسين رضي الله عنه السبط المطهـَّر ، والسيّد المبجــَّل ، على السلطة المنحرفة .$$$
 
ولهذا قال الإمام ابن حزم رحمه الله واصفا مذهب السلف في حكـم الثورة لإزاحة الظلـم : ( وهذا قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكل من معه من الصحابة ، وقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وطلحة ، والزبير، وكل من كان معهم من الصحابة ،  وقول معاويـه ،  وعمرو، والنعمان بن بشير، وغيرهم ممن معهم من الصحابة ، رضي الله عنهم أجمعين ، وهو قول عبد الله بن الزبير، ومحمد والحسن بن علي ، وبقية الصحابة من المهاجرين ، والأنصار القائمين يوم الحرة ، رضي الله عن جميعهم أجمعين ، وقول كلِّ من قـام على الفاسق الحجاج ، ومن والاه ، من الصحابة رضي الله عن جميعهم  ، كأنس بن مالك ، وكل من كان ممن ذكرنا من أفاضل التابعين ، كعبد الرحمن ابن أبي ليلى، وسعيد بن جبير، وابن البحتري الطائي، وعطاء السلمي الأزدي ، والحسن البصري ، ومالك بن دينار ، ومسلم بن بشار، وأبي الحوراء ، والشعبي ،  وعبد الله بن غالب ، وعقبة بن عبد الغافر بن صهبان ،  وماهان ، والمطرف بن المغيرة ، ابن شعبة ، وأبي المعد ، وحنظلة بن عبد الله ، وأبي سح الهنائي ، وطلق بن حبيب ، والمطرف بن عبد الله ابن الشخير، والنصر بن أنس ، وعطاء بن السائب ، وإبراهيم بن يزيدالتيمي ، وأبي الحوسا ، وجبلة بن زحر وغيرهم ، ثم من بعد هؤلاء من تابعي التابعين ، ومن بعدهم كعبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر، وكعبيد الله بن عمر، ومحمد بن عجلان، ومن خرج مع محمد بن عبد الله بن الحسن ،  وهاشم بن بشر ، ومطر الوراق ، ومن خرج مع إبراهيم بن عبد الله ، وهو الذي تدل عليه أقوال الفقهاء كأبي حنيفة ، والحسن بن حي، وشريك ، ومالك ، والشافعي ، وداود ، وأصحابهم ، فإنَّ كل من ذكرنا من قديم وحديث ، إمـّا ناطق بذلك في فتواه ،  وإما فاعل لذلك بسل سيفه في إنكار ما رأوه منكرا ) .
 
وكما قال الإمام الجصاص في أحكام القرآن : ( وقد كان الحسن ، وسعيد بن جبير ، والشعبي ، وسائر التَابعين ،  يأْخذون أَرزاقهم من أَيدي هؤلاء الظلمة ، لا على أَنهم كانوا يتولونهم ، ولا يرون إمامتهم ، وإِنما كانوا يأْخذونها على أَنها حقوق لهم في أَيدي قوم فجرة ،  وكيف يكون ذلك على وجه موالاتهم ، وقد ضربوا وجهَ الحجاج بالسيف ، وخرج عليه من القرَاء أربعة آلاف رجل ، هم خيار التابعين ، وفقهاؤهم فَقَاتلوه ) ص 62
 
وكما قال إمام المحدثين الحافظ ابن حجر رحمه الله ( وقولهم : كان يرى السيف ، يعني كان يرى الخروج بالسيف على أئمة الجور، وهذا مذهب للسلف قديم ) .
 
ولهذا قال إمام الحرمين أبو المعالي الجويني رحمه الله عن السلطة إذا تمادت في الفسوق : ( فأما إذا تواصل منه العصيان ، وفشا منه العدوان ، وظهر الفساد ، وزال السداد ،وتعطلت الحقوق ، وارتفعت الصيانةُ ، ووضحَت الخيانةُ ، فلا بدَّ من استدراك هذاالأمر المتفاقم ، فإن أمكن كف يده ، وتولية غيره بالصفات المعتبرة ، فالبدار البدار، وإن لم يمكن ذلك لاستظهاره بالشوكة إلا بإراقة الدماء ، ومصادمة الأهوال ، فالوجه أن يقاس ما الناس مندفعون إليه ، مبتلونَ به بما يعرض وقوعه ، فإن كانَ الواقع الناجز أكثر مما يتَوقَّع ، فيجب احتمال المتوقَّع ، وإلاَّ فلا يسوغ التشاغل بالدفع ) .
 
ولهذا السبب فإنَّ فقهاء الإسلام من جميع المذاهـب ، لايصفون الثائريـن على السلطة بالبغاة إلاَّ بعد تثبيـت تعريف ( الحكم العادل ) ، ثم يقولون : إن كان الإمام عادلا ، فمن ثار عليه صار باغيـا ، وله حكم قتال البغاة ، إذ البغي ضد العـدل ،  أما إن كان جائـرا ، فالبحث عندهـم ينتقل تلقائيـا إلى القاعدة التي ذكرها الإمام الجويني ، ومن خلالها يفهمون الأحاديث الواردة بالصبر على جور الولاة.
 
وهذا على ذكره جميع من حرَّم بعد ذلك من العلماء سلَّ السيوف في وجه الظـلم ، فجميعهم قد قيَّدوا ذلك بالخوف على وحـدة الأمّة ، فيطمع الكفار فيها ، وقيدوه بما إذا كانت الثورة لاتغيـَّر شيئا سوى بقاء الظلم مع زيادة الدماء ، فإن زال القيد تغيـَّر الحكـم إلى الضد ، فوجب سلّ السيوف لإزالة الظـلم .
 
والقاعدة الفقهية تقول: الحكم يدور مع المعلول ، وجودا وعدما ، وقد بنـى عليها الفقهاء مئات الإحكام الشرعية ، فكذلك يجب أن تُجـرى هذه المسألة الجليلة عليهـا ، فيصير الحكم عند الجميع إجماعـا أنه يجب إزالة الظلم بالقوة ، إذا كان البقاء على السلطة الظالمـة أشدَّ فسادا على الأمـَّة مما يحدث في سبيل إزالتها من إراقة الدمـاء .
 
ولهذا شكر جميع العقلاء شهداء الثورة التونسية _ رحمهم الله _ لأنَّ ما جرى بقيامهم من درء المفاسد ، وجلب المصالح ، أعظم بكثير من مفسدة إزهاق أرواحهم ، وما تلف بسبب الثورة .  
 
إذ الظـلم هو أعظم أسباب سخط الله ، وعاجل عقابـه ، فإذا أمكن إزالته بما هو أدنى مفسدة منه ، وجب ذلك إجماعا لاخلاف فيه ، ولا نكيـر ، ولايمنعه من فقه من دين الله تعالى أدنى من قطميـر .
 
هذا وقـد كانت الأمّة الإسلاميّـة تقف من الحكم الجائر هذا الموقف الصارم ، وتعـدُّ ظلم السلطة أشـدّ الإجرام ، وأعـظم الآثام ، وتوجب الثورة لإزالته بالقـوّة ، طيلة القـرون التي كانت أنظمتها السياسية لاتعترف بالإحتكـام إلى غير الشريعـة ، وكانت تحمـل راية الجهاد لحماية الإسـلام ، ورسالتها العالمية ، وكانت تقوم فكرة نظامها السياسي على وحدتها الدينية ، ورابطتها المليّة الإسلامية ،
 
أما بعد سايكس ـ بيكو ، وبعـدما ظهـر الكفر البواح الذي عليه من الله ألف برهان ، ومُزّقـت الأمـِّة ، وقُسـِّمت تقسيمـا ، وجُعـل تمزيقها دينـا يدان به ، ويحُتكـم إليه _  حتى جُعلت الدعوة إلى إعادة الخلافة جريمة عظمى _  وأُقصيت الشريعة ، وحُوربـت هويـّة الأمـّة الإسلاميّـة ، وصُيـِّرت مستباحة للأجنبيِّ يعيث فيها فسادا ، وسُلمت مقدراتها لأعدائها ، وانتشـر ظلم الشعوب حتى بلغ مدى لايطاق .
 
حتى صار الناس يحرِّقون أنفسهـم من شدة اليأس ، وغايـة البؤس ، وعـلوّ الجائرين ، وتسلط الظالمـين ، وإنسـداد آفـاق العدل ، وبعدما غدوا ينظرون إلى أنفسهم أنهم مجـرد جماجم ، وهياكل ، تسير مسكونة بمشاعر الدونية ، وشعور اللاجدوى من الوجـود !
 
بعد هذا التحوُّل الجذري في حال الأمَّـة ، وهي تسير منحدرة إلى الهاويـة ، فلم يعـد التهديد الذي يهدّد الأمّة هو الظـلم فحسـب ، بل هـو تهديد يمسَّ وجود الأمـَّة ذاته.
 
فالأمـَّة الإسلاميَّة اليـوم هـي تحـت نيـر حكم الطغـاة ، وقد بلغوا في الطغيان منتهاه الأبعـد ، وإنحدروا إلى قاعه الأفسـد .
 
 ولهذا كان من أولى ما ينبغي تنوير الناس بـه في هذا العصـر ، ونشر الثقافة العامـة فيه ، هو معنى الطغيان ، وصفات الطغاة ، وكيف ينشأ الطاغية ؟ وكيف يحكـُم ؟ وكيف يحافظ على عرشه ؟ وكيف نحمي أنفسنا من الطغاة ؟ وماهي السبل الكفيلة التي تقطع الجذور التـي تكوّن الطغاة ؟ والتي تسمح بنشوئهم من أصولها ؟
 
أمـَّا الطاغية هو من يصل إلى الحكم بطريق غير مشروع ، أي هـو مَـنْ لو سارت الأمور بطريقة صحيحة لـم يكن ليصل إلى الحكم !
 
ثـمَّ لأنـَّه غاصب لما لايحل له ، فهو لايمكنه أن يحكم الناس إلاَّ بالغصب أيضـا ، فيصادر إرادتهم ، ويحكمهم بهواه لا بما يصلحهم ، ولهذا فهـو لايحكم بقانون في الحقيقة _ وإن أظهر خلاف ذلك _ بل بأمـره ، ونهيـه ، المنطلقيـْن من هواه ، ولهذا لايخضع هـو ، وأسرته ، ومن يسخِّرهم في شهواته ، للقانـون المزعـوم ، وهذا هو الذي ربط به النبيُّ صلى الله عليه وسلم الهلاك العام فقال : ( إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإن سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ) .
 
 ومن علاماتـه أنه يسخـِّر موارد البلاد لشهواته ، وشهوات توابعه ، ولا يخضع للمسائلة ، ولا المحاسبة ، ولا الرقابة من أي نوع كانت .
 
ثم هـو يتشبَّه بالإله _ تعالى الله عما يقول الكافرون علوا كبيرا _  ولهذا هـو يصنـع له مثـل هيبة الإله في نفوس عابديـه ، بالتعالي على الناس ، والتعاظم على الخـلق ، ويضفي على نفسه ألقاب الجلالة ، والعظمة ، وعلى كلامه مثل ذلك .
 
كمـا يتشبَّه بالإله بأن يملأ قلوب الناس رعبا منـه ، ورهبـة ، وأنـّه مطلِّع عل كلّ شؤونهم ، وعارف بعلنهم ، وبسرّهم !!
 
وحتى يتمَّ له هذه التشبـُّه ، فهـو ينصب له أصناما في كلِّ مكان ، تذكـَّر الناس على الدوام بإلوهيته ! ويأمرهـم أن يبدؤوا كـلَّ شيء بالتسبيح بإسمه ، والهتـاف بحياتـه !
 
وأما كيف يحتفظ الطاغية بعرشه ، فذلك بتدمير روح المواطنين ، وبإحساسهم بالإنسانية ، ولهذا يدأب الطاغيـة على تعويد الناس الخسَّـة ، والدناءة ، والعيش بلا كرامه ،
 
وهذا يفسـر إستخـدام وسائل هتك العرض ، وإدخال العصي في الأدبار ، ونحو هذه الأساليب الدنيئة ، في أجهزة الإستخبارات ، حتى يستحكم الشعور بالذلـَّة ، والمهانة في نفوس الناس ، فلايفكرون بالكرامة قـطّ ،
 
 ومن ذلك نشر الفواحش ، والأخلاق البهيميّة في الناس ، وذلك حتّى يسهـل عليهم أن يعتادوا الذل ، والهوان !
 
وكذا يزرع الطاغيـة الشكّ ، وإنعدام الثقة فيما بين الناس ، وذلك ليجعلهم عاجزين عن تدبيـر أيّ شيء يخلصهم من حكم الطاغية .
 
وذلك بإغرائهم بأن يشـي بعضهـم ببعض ، ليدبَّ العداء بين العوام ، والخواص ، وبين الفقراء ، والأغنياء ، وبين الرؤساء ، والمرؤوسين ، فيبقون غير قادرين على الإجتماع ضـدَّه ، وأحيـانا يضاف على ذلك إفقار الرعية حتى ينشغلوا بلقمة العيش عن التفكير بدورهم السياسي .
 
ثـم هو يختار الفاسدين ، والمنافقين ، والمتملّقيـن ، ليكونوا هـم حوله ، لأنـَّه ينتشي من النفاق ، ويفْـرحُهُ التملـُّق ، ويكره من ينتقده ، ويبغض أشدَّ البغض من يدلـُّه على عيـبه .
 
ثـم هـو يحرص على القضاء على النبـلاء ، والمتميّزيـن ، والنوابـغ ، الذين لا يقبلون النفـاق ، ولايطيقون التزلـُّف ، فإمـَّا أن يسجنهـم ، أو يفـرون من بلاده !
 
 وتراه يخاف أشـدّ الخوف منَ التجمُّعات العامَّـة ، فيحارب كـلّ وسائل التعبير الحــرّ عن الإرادة الجماعية ، وكلّ ما من شأنه تنوير النفوس ، والرقي بها ، كحرية الرأي ، والفكـر ، ووسائلهما .
 
كما تجـده مولعـا أشدّ الولع بالحصول على معلومات منظمة عن كلِّ ما يعمله ، أو يقوله المواطنون ، وينشـر الجواسيس حتَّى من النساء ، بل من الأطـفال أحيـانا، ليوضع ذلك في سجلات أمنية ، ثم ينشر جواسيسه بين الناس قصصا وحكايات عن إطلاع سلطاته عن كلِّ شيء في حياتـهم ، ليستحكم شعورهم بالعبودية ، كما أنَّ هذا أيضا تابع لتشبههه بالإله العليم بكلِّ شيء ، حتى ما توسوس به النفوس !
 
ومن أبرز صفاته إنـَّه يريد أن يجعل كلَّ شيءٍ تابع له ، وخاضع لسلطته :  الدولة ، والشعب ، والقوانين ، والأفكار ، والمثقَّفيــن ، والحياة العامة ، تماما كما كان يقول الطاغية موسوليني : ( الكلُّ في الدولة ، ولاقيمة لشيء إنساني ، أو روحي خارج الدولة ، فالفاشية شمولية ، والدولة الفاشية ، تشمل جميع القيم وتوحدهـا ، وهي التي تؤول هذه القيم ، وتفسرها ، إنها تعيد صياغة حياة الشعب كلَّها ) الموسوعة الفلسفية العربية 2/400
 
وهو دائما يصـوّر للناس أنَّ بدونه ، وبدون سلطته ، ستعمُّ الخـلقَ الفوضى ، وينتشر الدمار بين الناس ، فلا يبقى لهم أمـل في القـيام بشؤونهـم دونه !
 
ويذكرني هذا بما ذكره هوبـز عن ملوك فارس القدماء الذين كانوا يزعمون أنهم يحكمون كالآلهـة _ وكأنَّ هذا المثل أُريـد لـه أن يطبَّق في تونس بعد سقوط الطاغية شين الفاجرين لما انتشرت فرق موت أجنبية تنشر القتل بين التونسيين !! _ قال هوبـز : ( جرت العادة عندما يموت الملك في بلاد فارس في العصور القديمة ، أن يترك الناس خمسة أيام بغير ملك ، وبغير قانون ، بحيث تعم الفوضى ، والأضطراب جميع أنحاء البلاد ، وكان الهدف من وراء ذلك هو أنه بنهاية هذه الأيام الخمسة ، وبعد أن يصل النهب ، والسلب ، والإغتصاب ، إلى أقصى مدى ، فإنه من يبقى منهم على قيد الحياة بعد هذه الفوضى الطاحنة ، سوف يكون لديهم ولاء حقيقي وصادق للملك الجديد ، إذ تكون التجربة قد علَّمتهم مدى رعب الحالة التي يكون عليها المجتمع إذا غابت السلطة السياسية !! ) توماس هوبز ص 334
 
وأخيراً فإنَّ من صفات الطاغية أنـَّه يوظـِّف له الكهنوت من رجال الدين المزيَّفيـن ، يخلعون عليه خلعة التنزيه ، ويلبوسه لباس التقديس ، ويربطون مصير الناس في الآخرة ، بطاعته ، ويجعـلون طاعته من طاعة الله ، ومعصيته من معصية الله ، ومهما طغـا ، وتجبـَّر ، فأنهم يأمرون الناس بالرضا بالطغيان ، والقبـول بظلـم السلطان ، لأنـَّه ذلك من دين الله ، ونهج السـلف !!
 
هذا هو تعريف موجز بالطاغية ، وبصفاتـه ، ووسائله ، وكما هو مطابق لعالمنا العربي تماماً منـذ عقود مضـت ، شبَّ عليها الصغير ، وهـرم الكبير ، ولهذا يخيـَّل إليك أنه لـم يزل في العقل الباطـن للشعوب العربية ، ذلك المفهوم الأسطوري عن الحاكم الذي تختلف طبيعته عن طبيعة البشر ، كأنه إله ، أو يحكم بتفويض من الإلـه !
 
كما يخيِّم عليها تصـوُّر أنَّ السلطة هي الحاكم _ وليس الدولة _ لاغيره ، وهو يملكها بشخصه _ لابتفويض من الدولة _ لإمتيازات شخصية يتمتع به دون سواه _ بعكس الدول الحديثة التي فيها السلطة ملك للدولة ، والحاكم ممثل للسلطة فقط ، وذلك حتى لاتزول الدولة بزوال الشخص _  ولهذا لايزال في عقولهم الباطنة أنَّ الحاكم إذا زال ، فربما يزول معه كلِّ شيء ، فيبقون خائفين من موتـه ، وأنهم بعده سيهلكون ، ولانجاة لهـم إلاَّ بالتوريث !
 
 فيحكمهم ابنه ، ليستمر عيشهم ، ويدوم سعدهم ، فإن مات وخلفه إبنه ، ذهبوا في طوابير طويلة ييايعون نطفـته ( إبن الإلـه ) مستبشرين ببقاء أمرهـم ، واستمرار حياتـهم ، وأنهم لولا التوريث لذهب أمرهم ، وهلكـوا !!
 
يخيـَّل إليـك أنـَّه لم يزل في عقولهم الباطنة هذا التصوُّر المسـخ عن العلاقة بين ( السلطة والحاكم ) ، حتى جاءت ثورة تونس المباركة فأجتثـَّت هذا المفهـوم من قاع التصوُّر العربي لتعريف الدولة والسلطـة ، ووضعت مكانـه ، جذوةَ التنوير السياسي .
 
وأحسب أنَّ مصر هي المحطة القادمة _ إن لم تسبقها الجزائر _ التي ستتلقف هذه الجذوة ، فهي على موعد مع ( ألم ـ ظاهـر ـ ات ) الحاشدة التي تطالب بالتغيير ، والتي ستتحـول _ بإذن الله _ إلى تسونامي يجـرف معه كلِّ ما مضى من عهـود الطغيـان ،
 
لتنقل الآلام التي تعاني منها الشعوب العربية إلى الطغاة ، وتنقل السلطة إلى الشعوب ، كما فعـلت تونس .
 
فهل نحن مع ( ألَـَمٍ ظاهـرٍ آتٍ ) للطغيـان في أرض الكنانـة ، ينتهي فيـه عصـر الطوارىء ، ويزول معه عهـد إلقاء جثث المعذبين أمام مراكز الشرطة ، وينقضي بـه عهد الدكتاتوريات المتوارثة ؟!  
 
ويسدل الستار على الفقر ، والبطالة ، وعذابات طالمـا آلمـت أجـدع ، وأروع شعـب عربي ؟!!
 
هذا ما نرجوه ، وما ذلك على الله بعزيز ، والله هو حسبنا ، عليه توكلنا ، وعليه فليتوكـَّل المتوكـِّلون.
 

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 21/01/2011