عسى أن لاتقرأ هدى هذا المقال إذا كبــرت |
|
عسى أن لاتقرأ هدى هذا المقال إذا كبــرت
حامد بن عبدالله العلي
لم تكن الطفلة الفلسطينية هـُدى تنوح على أبيها المنجدل بين يديها فحسب ، بل كانت و الله تنوح على هدى ضاع من أمّة ، وكرامة ضيّعتها ، فلم تقدر أنْ تمنع عنها عبث صهاينة بكرامتها ، بلغَ إلى مدى ، فاق كلّ حدود القدرة على وصف شناعته ،
تُرى ماذا يجول في نفس هُدى اليوم ، وهي تُلقي ببصرها حولها عبر المساحات الشاسعة للأصقاع العربيـة ، فتجـد نفسها بين أمـّة المليار ، ثم تبصـر هذه الأمواج البشـريّة بلا عـدّ ولا حـدّ ، من الملايين من المسلمين ، لاتملك سوى أن تنظر إلى هدى شفقةً ، ثم ترجع إليها أبصارهــا في حســرةً ، كأنما القيود الثقال على أيديهم ، وفي أرجلهم إلى أعناقهم ، كأنهم ينظرون وهم لايبصرون ، وينصتون ولكن لايسمعون !
عجبا ! كيف يذبح اليهود المسلمين من عقود ، متبجحين بالتعطش للظهور بصورة الذباح القاتل ، كما في رواية دزرائيلي ـ الذي أصبح رئيس وزراء بريطانيا بعــــدُ ـ أن اليهودي يقول: ( أخيرا أنا رجل ، هذه ، هذه فعلا هي الحياة ، فلأعش ذابحــا ..) ،،
كيف ؟! من دخولهم أرض فلسطين ردف الحملة الصليبية البريطانية ، ومنذ أن أطلق بن غوريون (حكمته الصهيونية ) المشهورة : ( إن خير مفسر ومعلق على التوراة هو الجيش ) ، من مجازرهم في دير ياسين وكفر قاسم ..إلخ على يد الهاجاناه والبالماخ ، ومن قانا إلى المسجد الإبراهيمي ، ومن مذابحهم في مدن لبنان ، إلى مدن فلسطين في جنين، وغزة ،وغيرها ، وخارج ، وداخل كيانهم المغتصب ،
وما يقترفونه كلّ يوم ، بل كلّ ساعة وهم في أمن تام من أيّ أذى ، حتّى لهجة الشجب العربي ، تهذّبت كثيرا عمّا مضى ، فأصبح خاطر زعماء الصهاينة أعز من أن يُكدّر ، وأغلى من أن يُمسّ بما يحزنه ، من دماء أطفال المسلمين في فلسطين !
كيف يحدث هذا ؟!
تعالوا نستأذن التاريخ ، لنفتح كوّتين منه ، لنرى مشهدين :
قبل نصف قرن كان الكيان الصهيوني محاصر عسكريا ، وسياسيا ، وثقافيا ، وكان يكفي لنسف أيّ شخصية عربية أن يثبت عليها صلة ما مع أحد الصهاينة فحسب ، كانت المنابر تضج بالدعوة إلى الجهاد ، وتفضح مخططات الصهاينة وأولياءِهم ، وكانت الأمة ترى عدوها الحقيقي عدوا ، ومن يواليه وينصره علينا ، عدوا أخطر منه .
واليوم في المشهد الحالي : الصورة منقلبة إلى الضد ، المحاصرون هم أهل الجهاد داخل فلسطين ، الذين يدفعون عن دينهم ، ودماءهم ، وأرواح أطفالهم ، يقاومون مجازر اليهود .
حُوصروا من كلّ جهة ، وأصبح من يمدّهم بالمال إرهابيا يستحق العقوبة بالنكال ، وأمّا من يفكر أن يمدهم بالسلاح أو الرجال فتلك الطامّة الكبرى ، والجريمة العُظمى ، ومن يفكر أن يعبر إلى الكيان الصهيوني لينصرهم ، فحقه رصاصة في ظهره ، ينال بها قاتله نوط الشجاعة والبسالة !!
ولاريب أن بين المشهدين في هذا النصف قرن من الزمان ، استعمل اليهود كل ما أوتوه من مكايد إبليسية لتمزيق هذه الأمّـة ، وإشغالها بما يلهيها عن حقوقها وكرامتها ، وتكبيلها بحبائل المكر السياسي ، الذي يعطل كل طاقتها ومكامن قوتها ،
حتّى إذا لم يبق لها إلاّ عقيدتها ، شنّوا حملتهم الشعواء على العقيدة نفسها ، وجاءوا يحومون حول مناهج التعليم ، ومؤسسات الثقافة في بلادنا،
لينزعوا منها ثلاثة مفاهيم كفيلة بإعادة الأمة إلى عزها :
مفهوم الولاء بين المسلمين ، والبراءة من الكافرين.
مفهوم الجهاد .
مفهوم دور العداء اليهودي الذي يمثل الخطر الأكبر على الأمة ، وليس على فلسطين فحسب.
ويضعوا بدلها ثلاثة مفاهيم يهودية خبيثة :
مفهوم الشرق أوسطية بديلا عن الرابطة الإسلامية ، أو حتى العربية
مفهوم مكافحة الإرهاب ، وتفريغ جهود المفكرين والعلماء فيه ، بدل تفريغها في الجهاد .
مفهوم التطبيع مع اليهود ، وأن كيانهم كيان طبيعي له الحق في الوجود والعلاقات الطبيعية مع العالم الإسلامي .
ثم تعالوا لنضع مشهد الطفلة هدى اليوم في هذا السياق !
وتعالوا نسألها بمرارة تقطع قلوبنا ، هل عرفت الآن لماذا كنت تصرخين ولامجيب !
وهل عرفت الآن أكابر مجرميها ، الذين يمنعون أمّتك من أن تجيبك ؟!
إنهم كلّ ساع في تحقيق أهداف المكر اليهود في أمّتنا ، حتى أولئك الظلمة الصغار الذين يلاحقون المصلحين ، يتجسسون، ويتلقفون من أفواههم كلمات العزة التي أصبح التلفظ بها أكبر جريمة أمنية في بلادنا !
غير أننا نسأل الله تعالى أن تكبـر هدى فلا تقرأ هذا المقال فتزداد حسرة ، بل تقرأ واقعا آخر تخلّصت فيه أمتنا العظيمة من الخونة من داخلها ، لتنتصر على عدوها من خارجها آمين .