أسقـطُوا الحكومـة !

 

أسقـطُوا الحكومـة !
 
حامد بن عبدالله العلي
 
الحراك السياسي في كـلّ مجتمع ينشد التغيير ، وهو يعيش في ظل نظام إستبدادي فاسد ، يتدرّج وفق هذه المراحـل :
 
يبدأ بالفضفضة ، ثم الحلْحلة ، ثم اللعْلعة ، ثم الخلْخلة ، ثم الزلْزلة ، وهي الثورة ، ثـمّ يأتي التغييـر الشامل ، وهو الربيع الذي يزهـر بجميـع حقوق الشعـوب ، ويعيد كلّ كرامـتها .
 
وقد وضعَ كلُّ نظام عربي ، بإزاء كلِّ مرحلة من هذه المراحل السياسية _ خشية أن تصل لمرحلة الزلزلة _ وسائـل عـدّة لإجهاضها ، وهل كلُّها تدور علـى القمع ، وشراء الذمم : ذمم الذين يزوِّرون الحقائق من خونـة المفكـّرين ، وعلماء السوء ، وذمم الذين يتحكَّمـون في مفاصل هرم المجتمع ، ليخضعوا من تحتهم ، سواء كان هرما سياسيا كالأحزاب المزيفة ، أو قبليا ، أو عشائريا . إلخ .
 
وبعض الأنظمة ابتكـرت نهجا عجيبا مخادعا ، لتفريـغ التسلسل من بلوغـه نهايـته ، ليحدث التغيير الشامل !$$$
 
وذلك بالسمـاح له  حتـى يصـل إلى مرحلة ( اللعلعة ) ، ثـم ليصطدم بمتاهة سياسيـة مرسومة مداخلها ، ومخارجها بدقّـة ، ومستندة إلى الدستور نفسه ، أو بأعراف سياسية يُتوهـَّم إستنادها إلى الدستور ، لتنتهي بالحراك السياسي إلى نقطة الصفـر ، ثم تعاد الكرة من جديد ، وهكذا دواليـك .
 
ومن وراء هذا التكرار المضحك المبكـي ، تمارس السلطة القائمة ، الإستبداد بقناع برلماني زائـف ، وفي أثنائه تنهـب ما شاءت أن تنهـب من الثروة ، من خلف ستـار مشاركة سياسية شعبية شكليـّة إلى حـدّ كبير .
 
 ومن أوضح ما ينطـبق هذا الخداع السياسي ، على الحالتـين الأردنية ، والكويتية ، حيث رأت المؤسسة السياسية الرسميـّة أنَّ قمع الحراك السياسي الشعبي المطالـب بتداول حقيقي للسلطة ، قمعه من أول مرحلة الفضفضة ! ليس قراراً سياسيا حصيفا ، ولايتناسب مع البيئة الإجتماعية ، وقـد يؤدي إلى نتيجة عكسية تماما ،
 
 ولهذا فلا بأس أن يُتركوا ليفضْفِضوُا ، وليُحلْحلوا فيما بينهم ماشاؤوا أن يحلْحِلوا ! بمعنى وضع الحلول السياسية النظرية للحالة البائسة المزريـة ، ثم لابأس أن يعلوا صوتهم ، فيلعلعوا أيضا بهذه الحلحلة ، ماشاؤوا أن يلعلعوا !
 
وهذه الحالـة ،  تُسمـّى في اللهجة الكويتية : ( الحلْطمة ) أو ( الحرْطمة ) !
 
 لكـن إن أوشكت مرحلة اللعلعة ، أن تصل إلى مرحلة الخلخلة ، أي أن تخلخل في قواعد اللعبة السياسية التي وضعها النظـام الغربي ، للنظام العربي ليبقى شعوبنا في حالة ( قطيع البعارين ) _ كما يحلو لوجـدي الغزاوي أن يطلق على الحالة السياسية الخليجية الراهنة ! _ فحينئذٍ يتدخل النظام لإعادة العملية إلى المربع الأول ، فيحـل البرلمان ، وتعيـد الحكومة تشكيل الحكـومة ، وتبدأ اللعبة من جديد  !
 
وفي المثال الكويتي _ في المثال الأردني حاول الملك أن يستبق الثورات بتصحيح شكلي تم إستهجانه _  قـد بقيـت المؤسسة السياسية الرسمية ، تمارس هذه اللعبة لثلث قرن من الزمان ، وكان عامَّة الشعب يعيش في حالة من السكر بخداع النفس أنـّه شريك حقيقي ، وأنَّ بيده السلطات حقـَّا ، وأنـه يتمتـَّع بنظام فعـّال متقدم على المنطقة بأسرها في تمكين الشعب من حكم نفسه بنفسه !
 
والعجب العجاب أنهم يرون بأعينهم كيف أنَّ الدستور الكويتي المتخلِّف _ الذي جاء بكذبـة الوسطية بين النظامين الرئاسي والبرلماني ! _  يمنح الحكومة كلَّ أدوات الإستبداد ، فمثـلا : يعطي الحكومة الحـقّ المطلق في التوزير ، ويعطيها حلَّ البرلمان متى ما شاءت !  ويمنع البرلمان من إسقاط الوزارة كلَّها ، ويسمح بالتوزير من خارج البرلمان ، ويجعل الوزراء أعضاء في البرلمان ! وهذه طامة الطامات ! ثـم يطلق يد الحكومة في تصرفات كثيرة لايرجع فيها إلى البرلمان ، ثم يحرم تحريما قطعيا تغيير شيء من الدستور إلاّ بموافقة الحكومة !
 
فليت شعري ماذا بقي للشعب في هذه المنظومة الغريبة من أكذوبة منحه السلطـات ، غير إنتخاب نواب ، غاية ما يستطيعونه ، إستجوابات لوزراء ! والتي غالبا ما تنتهي بمثل قصـة حمار أمّ عمرو !
 
ورغـم هذا كلّه ، فلم يزل التبـرُّم هو سيد الموقف الحكومي من كلِّ ما يمتُّ إلى منح الشعب هذا الحـقّ الوحيد ،
 
وبقيت هذه ( البدع ) السياسيـة يمارس بها الشعب ( الخدع ) على نفسه طيلة ما مضى من العقود منذ كتابة الدسـتور .
 
لكـن يبـدو أنّ أزهار الربيع العربي قـد أطلت علينا في الكويت ، فبدأت بوادر مرحلة ( الخلخلة ) تلوح بالأفـق ، وبدأ الشعب يعـي حـقّ الوعي ، أنه قـد آن الآوان لوقف هذه المهزلة التي استمرت منذ كتابة الدستـور المليء بالتناقضات والتخلـُّف السياسي ،
 
ولبدأ الإصلاح السياسي الحقيقي ، بمنح الشعب الذي هو مصدر السلطات ، منحه ما هـو لـه حقـَّا ، فهو الذي يختار حكومته ، وهو الذي يعزلها ، وهو الذي يضع دستوره ، وهو الذي ينقحه ، أي هو الذي يملك ( الحلّ والعقـد ) كامـلاً غير منقوص ، كما في شريعتـنا الإسلامية .
 
 وقـد ساعد على اشتداد هذا الوعي ، حتى استغلـظ ، فاستوى على سوقه ، شعور متنامي في الشعب الكويتي أنّ النفوذ الإيراني هو المستفيد الأكبر من إستمرار الوضع الراهن ، وأنّ بلادهـم يعيث فيها قلـّة من أذناب إيران فسـاداً ، والشعب يكتفي بتناقل الأخبـار ، ونشر الأسرار ، من غيـر أن يملـك آلة التغييـر ، أو أدوات التطهيـر ! حيث الغالبية الساحقـة من الشعب الكويتي تعيش هاجس الخطـر الإيراني ، وتتابع بقـلق بالـغ أحزابه السرية المتسـترة بشعارات وطنية مزيـفة ، تتخذها ستاراً للإنقضاض على الوطن .
 
 فإلتقت إرادة السياسيين الشرفـاء ، بإرادة المتنوّرين بالخطر الإيراني ، بإرادة شبابية كويتية مبدعة ، ورائعة ، تأبى إلاّ القيام بدور إصلاحي حقيقي ، تُبنى فيه العقيدة السياسية الكويتية : على الحقـوق الشعبيـّة ، لا ( المكرمـات السلطانيـة )  ، وعلى الدور السياسي الشعبي الكامـل لا ( الأتباع ، والفداوية ) ! وعلى أنَّ الشعب مصدر السلطات ، حقـَّا ، من غير منـّة لأحد عليه ، وعلى أنـَّه هـو ذو القول الفصل ، في عقْد الحكـم .
 
ويريد هذا الحراك أن يحمي حقوق الشعـب ، وعلى رأسها حقـَّه في أن يعيش حراً كريمـاً ، وأن يحمي وطنه بحمايـة إنتمائه ، إنتمائه الإسلامي ، والعربـي الذي يفتخـر به .
 
ولينظف وطنه من أذنـاب النظام الإيراني الذين أخذوا ينتشـرون فيه إنتشار الحيـّات ، تنتظـر ساعة الوثوب على فرائسها ، حتى أصبحت الكويت كأنها (سوريا الثانية ) فـي رثـوع أزلام قـم فيهـا ، يستولون على تجارتها ، ويسيطرون على مفاصـل دولتها ، ويبنون بكلِّ ريـع لهم حُزينيـّه ، ومعبـداً !
 
فيا أيها الشباب الكويتي المبدع ، ويا أيها الكويتيون الشرفاء لتنطـلق حمـلة التغييـر ، ليقول الشعب الكويتي المسلم العربي الأصيل كلمته ، وليضـع بصمته المعهـود لمعانهـُا الألـِقْ في مسيرة الربيع العـربي المشـرق .

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 20/09/2011