حامد بن عبدالله العلي
لشد ما هو مؤلم أن يستغفل الأعلام الغربي عقولنا في عرض ا لتمثيليات الإرهابية السخيفة التي راج سوقها مؤخرا ، وأوضح مثال شريط ابن لادن الأخير ، فهل يعقل أن ينفي ابن لادن تورطه ، ثم يسمح بتسجيل هذا الشريط ، أو يسجل من غير علمه ، ويجدونه ملقى في بيت ، في الوقت الذي تعمل منظمته بأعلى درجا ت السرية إلى حد أن حتى أعضاء خلية الاختطاف، لا يعلمون إلى ركوب الطائرة ماهي أوامرهم كما زعم في الشريط !! ثم يخترقون المخابرات المركزية الأمريكية كما تمضي السكين في الكعكة وينجحون في إيقاع أكبر هزيمة لأمريكا في تاريخها !! تناقضات عجيبة !! أما (السيلاني) الذي أراد تفجير الطائرة بحذائه ، فاكتشفوه بعود الكبريت، فهذه آخر نكتة ، ولعل الفكرة مأخوذة من أفلام الكرتون ، ليت شعري ـ من يصدق هذا إلا المخابيل !! لماذا لم يذهب إلى الحمام فيشعل القنبلة ، إلا يوجد طريقة أخرى لتفجير الصاعق غير عود كبريت أبو (ثلاث نجوم )!!
غير أن الأشد إيلاما ذلك الاستعراض الذي قدمه الإعلام الهندي ، فصور لنا (فلما هنديا) عن هجوم على برلمانهم ، والعجيب أنه ليس مع المهاجمين أي متفجرات ، وبسرعة تتم السيطرة على الموقف ، قبل أن تصاب أي شخصية مهمة بأذى ، أما حراس البرلمان فهم فداء للمصلحة العامة ، ليصبح لدى الهند أقوى ذريعة لتطبيق مخطط شارون في كشمير ، إما أن تقضي بنفسك يا مشرف على المقاومة الكشميرية للاحتلال الهندي ، وإما أن نقوم نحن بذلك بدلا عنك !!
ويجري في هذا السياق ، محاولة إيهام العالم أن أفغانستان التي تخلصت من الارهابيبن الأشرار ، تتمتع الآن بحكم مستقر نموذجي بفضل أمريكا حارسة الأمن والسلام العالميين !! أنا شخصيــــا لا أصدق شيئا من هذا الهراء .
لكنني مع ذلك لفي عجب مما فعل حامد قرضاي في نفسه ، عندما رضي أن يضرب التاريخ به مثلا آخر ، ليجري عليه مثل ما جرى على نجيب الله الروسي الذي سحلوه ثم شنقوه في كابول على عمود إنارة ، حتى إنهم لم يمهلوه ليشنق على مشنقة تليق بمكانته كرئيس لدولــــــــــة !!
لم يعتبر قرضاي بأن الشعوب ـ إلا التي لاحياة فيها ـ لا ترضى أن تحكم بزعامة مفروضة عليها من الخارج ، وإن أكرهت فإن ذلك لا يطول بل وشيكا سيزول ، لاسيما في ظل وضع مضطرب غاية الاضطراب كالوضع الأفغاني ، حيث الزعامات المتناحرة تترقب لحظة الوثوب ، والثارات لازالت رطبة لم تجف ، والعصابات المسلحة لازالت مختبئة بين الكهوف والجبال ، تراقب من بعيد ، وتتربص بالحكومة الأمريكية ! حتى إذا أخذت السلطة الجديدة ، زخرفها ، وازينت ، وظن أهلها أنهم قادرون عليها ، انقضوا عليها فجعلوها حصيدا كأن لم تغن بالأمس .
ولا أحسبه يخفى أن أمريكا تخوض تجربة جديدة في دخولها نفق الحالة السياسية الأفغانية ، إلا أن تكون تجربتها في لبنان ، إبان الحرب الأهلية ، تعد أقرب مثال ، حيث صدمت السياسة الأمريكية هناك ـ حالما استقرت في بيروت ـ صدمة بالغة العنف في حادثة تفجير مقر المارينز ففقدت توازنها تماما فانسحبت.
كما لا أحسب أنه يخفى على الأمريكان أيضا أن كسح الألغام المنتشرة في دهاليز الساحة السياسية الأفغانية ، وبين الأحزاب المسلحة هناك ، مهمة أخطر وأعسر بكثير من إلقاء القنابل المحرمة دوليا على جبال وكهوف وقرى وخطوط حركة طالبان ، بل هي مهمة مستحيلة ، ذلك أن الفرق بين الجهد المبذول لصنع الدمار بالقاذفات من بعيد ، وبين جمع قلوب شعب مثل الشعب الأفغاني على زعامة تؤمن بها ، كالفرق بين ما بذل لتدمير قلب الاقتصاد الأمريكي في سويعة من صباح يوم 11/9 بعمل تخريبي ، والجهود التي أدت إلى بناء هاتيك المئات من الشركات الاقتصادية التي تغذي الاقتصاد الأمريكي، كما تغذي مياه الأمطار الأنهار الجارية ، فأصبحت في لمح البصر هباء منثورا ، وتحولت أوراق عقود شركات تجارية عالمية ، إلى قصاصات متطايرة في الهواء بين ذلك الحطام ، ليس لها أي قيمة ، إذ صارت شركاتها تاريخا يحكى .
لا أحسب أن أمريكا تجهل ذلك ، ولكنها الآن كمن توسط أرضا مجهلة ، فإن رجع القهقري أو مضى قدما ، فالأمر سيان ، كما قيل : هما أمران أحلاهما مـــر .
والمتوقع ـ والله أعلم ـ أن الجماعات المتناحرة في أفغانستان ، سيقرضون قرضاي قرضا قرضا ، كما قرضوا من قبله ، وسيقاتل هو مع أمريكا شعبه بشعبه ، و السيناريو الذي كان في زمن نجيب الروسي ، سيعيد الكرة من جديد ، وستضطرم نار حرب أهليه ، لن تضع أوزارها حتى تنقرض كل هذه الدمى التي تسجد لمن يمنحها الزعامة الفارغة والمال على حساب مصلحة شعوبها ، ويعود بعدها الشعب الأفغاني إلى رشده ، فيأتلف على زعامة يرتضيها بنفسه ، لا يرتضيها غيره له ، هذه سنة التاريخ قد مضت بذلك ، وستكون كذلك ما بقيت الدنيا ، الأقوياء يتصارعون في الخفاء ، والشعوب ضحية ، ولكن أكثر العبيد لمن غلب لا يعملون.