خطير وسري للغاية .. كيف تكتشف " تكفيريا " ؟!!
حامد بن عبدالله العلي
استلم المسؤول ملفا قد وضع عليها العنوان التالي : كيف تكتشف " تكفيريا " ..
كان يوما حافلا بالعمل ، والجو صحوا جميلا ، مفعما بالحياة ، فلاعجب ألقى بظلاله على نفس المسؤول ، فهو متحمس جدا لقبول ما كلـّف به ، ولهذا فقد أخذ يقرأ بنهم ، فكأنه يلتهم الصفحات بعينيه التهاما .
وبدأ القراءة :
*** ثلاث علامات فكرية .
*** وثلاث أخرى هي علامات عاطفية .
*** وأخيرا : ثلاث علامات سلوكية .
*** وخاتمة : قاصمة نفسية .
تجعلك تكتشف "التكفيري" ..!!
ياله من تقرير مفصّـل ، أعده خبير محنّك ، سيريحنا من عناء التفريق بين المسلم الملتزم بدينه ، و" التكفيري" .. فما بعد اليوم سوى المكافآت والترقيات إن شاء الله ..
هكذا قالت له نفسه ، وهو ينظــر إلى غلاف التقرير المسطور عليه .. خطير وسري للغاية .. !!
أما الفكرية فهي :
ــــــــــــــــــــــــــ
1ـ أنك تجده لا يفرق بين آيات القرآن والأحاديث وأحداث السيرة النبوية التي تتحدث عن الجهاد والولاء والبراء وبين غيرها من الآيات بل يجعلها في منهج شمولي واحد ، اتباعا للقرآن " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون "
2ـ تجد نمط تفكيره يميل إلى تبني قضايا الأمة العامة وربطها بعقيدتها ، ويركز على توحيد الأمة في مواجهة أعداءها ، وإلى نبذ الحدود السياسية التي فرقتها ، فهي في تصوره ليست سوى تركة للمحتل التي تحقق أهدافه ، هذا هو نمط تفكير العام ، اتباعــا للقرآن " إنما المؤمنون إخوة " ، " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم من بعض " .
3ـ تجده يركز على ترتيب قضاياه إلى ثلاثة أقسام :
** القسم الأول : القضية الجوهرية ولها الاهتمام الأكبر.
** القسم الثاني : القضايا الأساسيّة الكليّة ولها الاهتمام الأساسي .
** القسم الثالث : القضايا الأساسية الجزئية ولها الاهتمام الكبير ، لانه لا يوجد عنده في الإسلام قضية غير مهمّة ، ولا يوجد قشور ولباب ، فكلّه مهم ، ولا يجوز احتقار شيء منه ، وفي الحديث " لا تحقرن من المعروف شيئا " ، غير أن فيه المحكمات المباني الكليات الأهم ، وفيه المهمات ، ولهذا جاء في القرآن " منه آيات محكمات هن أم الكتاب " ، وفي الحديث " بني الإسلام على خمس " ، فهذه المحكمات والمباني ، وسواها المهمّات.
أما القضية الجوهرية فإنها عنده :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
التصدي للهجوم الصليبي الصهيوني الذي تتعرض له الأمّة ، وما يتفرع عنه من خطط وسياسات من شأنها أن تدمّر الأمة لو تركت بلا مواجهه ، فهو الصراع الأهم اليوم ، من وجهة نظره .
*** وهنا تجده يركـّز على مفصل مهم :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
أن في هذا الصراع ، يلِّـح المعسكر الصليبي ـ في محاولة مخادعة لقلب حقيقة الصراع ـ على أن يرفع العالم الإسلامي ثلاثـة شعارات انهزامية .
أحدها : شعار حوار الحضارات .
الثاني : تحسين صورة الإسلام في الغرب .
الثالث : تغيير الخطاب الإسلامي بحيث يكون مقبولا على المستوى الدولي عامة والغربي خاصة.
وذلك لكي يحقق بإشغال العام الإسلامي بهذه الشعارات هدفين :
أحدهما : إلحاق الهزيمة النفسية لدى المسلمين ، بجعلهم يشعرون أنهم هم الظالمون ، الإرهابيون ، المجرمون ، وأنهم ليسوا أصحاب قضية عادلة ،وعليهم أن يسعوا دائما في تغيير أنفسهم إلى الأنموذج الغربي ، فيعميهم ذلك عن رؤية الصورة الحقيقية للصراع ، ويشغلهم عن مقاومة المخطط الغربي الصليبي .
الثاني : خلط الأوراق الفكرية في هذا الصراع ، وحقا لقد اختلط بسبب هذه الخدعة ، الثابت مع المتغير في هذه القضية , بل اختلط فيها تحديد من أين نشأت المشكلة بين الغرب والإسلام , فمن المعتدى ومن المعتدى عليه ، وكأن جيوشنا هي التي تجوب أمريكا وواشنطن ولندن ، وتحتل بلادهم ، وليس العكس .
حتى بلغ الأمــر ـ بعد أن انطلت هذه الخدعة على الكثيرين ـ أنـــه قد غلب حتى على النخبة الإسلامية الرسمية وغير الرسمية الطابع الاعتذاري عن جرائم الغرب الصليبي نفسه .
ثم تجد " التكفيري" يقول :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يجب أن نعيد تصحيح الوضع ، ونرفع ثلاثة شعارات :
أحدهما : أن الغرب الصليبي المتحالف مع الصهيونية هو المعتدي الصائل علينا ، ونحن أمة مظلومة معتدى عليها ، لن نعتذر عن شيء ، بل أنتم أيها الغرب المحتل لبلادنا ، الذين لا نقول ستعتذرون بل ستدفعون ثمن جرائمكم في بلادنا التي استمرت أكثر من قرن مضى ، وسندافع عن أنفسنا وحرماتنامهما كلّف الأمــر وهذا من حقنا .
الثاني : أننا أمة قادرة على خوض هذا التحدّي ، فنحن أمّة تقف على أرض صلبة ، أرض الحق الذي نحمله بحق ، ويحدونا أجمــل أمل ، أن قضيتنا عادلة وسننتصر .
الثالث : أن إسلامنا يحمل كل قيم الحق والعدل والفضيلة ، وجهادنا في سبيل تحقيق هذه المفاهيم في العالم ، رسالة سامية نعتز بها ، وموتنا في سبيل ذلك شرف نعتز به ، وليس إرهابا، إلا أن يكون إرهابا في الحق لعدو الله وعدونا ، ولن نسمح لأحد أن يملي علينا فهم إسلامنا ، بل الغرب الصليبي هو الذي يحتاج إلى تصحيح أوضاعه كلها ، على ضوء مفاهيم رسالتنا نحن .
** أما القضايا الأساسية الكلية فهي تصحيح منظومة المفاهيم التي يراد اجتثاثها من ضمير الأمة وهي :
1ـ مفهوم التوحيد ، توحيد المرسلين ، الذي لا يصح إلا بالكفر بالطاغوت والبراءة من أولياءه.
2ـ مفهوم أن القرآن منهج حياة يشمل الدين والدولة ، وكل مناحيها، وأن عزله عن أي منحى منها ينقض الإسلام .
3 ـ ومفهوم الانتماء للأمة الإسلامية الواحدة ، ذات الرسالة الواحدة ، والأهداف المشتركة الواحدة ، وضرورة تمييــز الأمة عن سائر الأمــم.
4ـ ومفهوم أن الجهاد فرض دائم ، وهو على حتمية الصراع بين الحق والباطل قائم ، وأن انتصار الحق المحصور في الإسلام حتمي .
5ـ ومفهوم أن السعي لنهضة الأمة فرض ، والأمة كلها آثمة إن رضيت بغير أن تكون كلمتها هل العليا في الأرض كلها ، ولاتصح نهضتها إن لم تنطلق من مصادرها الإلهية الأولى الكتاب والسنة .
أما القضايا الأساسية الجزئية المهمة فهي كل ما سوى ذلك مما جاء به الإسلام .
وأما العلامات العاطفية فهي ثلاث أيضا :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
واحدة في الحب والبغض .
وأخرى في الإعجاب والاستهانة .
وثالثة في في الفرح والحزن .
أما الاولى : فتجده يحب أمة الإسلام كلهم، ويبغض الكافرين لاسيما اليهود والصليبين ، ويحب المؤمنين المخلصين ، ويبغض الزنادقة والملحدين ، ويحب الجهاد المجاهدين ، ويبغض المرجفين أولياء الكفار من المنافقين ،
وأما الثانية : فتجده شديد الإعجاب بأهل التضحية والجهاد ، وخطاب القوة والعزة ، وكلمات ومواقف الصدق في مواطن البأس ، وأما الانبطاحيون وأهل الهوان ، فيستهين بهم ، ولايرفع بهم رأسا ، ويراهم معوقين للأمة ، وعالة عليها .
وأما الثالثة فتجده يفرح بنصر المجاهدين ، ويحزن لمصابهم ، يفرح لهلاك الأعداء ويحزن إن أصابوا المجاهدين ، يفرح كلما سمع براية جهاد قامت في وجه الحملة الصليبية الصهيونية على أمتنا ، ويحزن كلما سمع بإخوانه وقعوا أسرى بيد الأعداء ، يفرح كلما سمع باستشهاد شهيد لأنه يعلم أن قطرة دم من شهيد تدني الأمة من النصر ، ويحزن كلما سمع فتاوى المخذلين الذين يريدون اجتثاث ثقافة الجهاد من الأمة.
أما العلامات السلوكية فهي ثلاث أيضا :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
أحدها : أنك تجده جادا في الطاعة ، ملتزما بدينه ، يأخذ الأمور بجد وقوة .
والثاني : أنك تجده يميل إلى الإعداد المعنوي والبدني والمادي ، يبحث عن دور له في الأمة ، ويؤديه على قدر طاقته ومن موضعه ، لاتهمه الصدارة ، ولكنه مع ذلك مقدام لا يحجم في المواضع التي تتطلب الإقدام .
والثالث : أنك تجده منضبطا ، كتوما ، لا يطلق لسانه بكل شيء في كل موضع ، بل يعمل على ضوء الحكمة : وضع ما يناسب فيما يناسب ، وتراه كأنه جندي في مهمة ، فهو مشغول بها ، يسعى حثيثا لأدائها .
أما القاصمة النفسية :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
فهي أنه دائم التفاؤل ، متيقنا بالنصر ، لايهمه أن يرى نتيجة عمله ، ولا عاقبه جهاده ، وتراه يقول دائما نحن بين أحدى الحسنيين ، إما النصر أو الشهادة ، فليس في معركتنا هذه خاسر أصلا ، فلهذا يصعب إلحاق الهزيمة النفسية به ، بل هذا يكاد يكون مستحيلا .
انتهى التقرير .. خطير وسري للغاية .. تاريخ توقيع
نسخة لكل مصادرنا ، لحصر "التكفيريين" ، ووضع ملف لكل عنصر منهم ، ومتابعته ومراقبته ، ورفع التقارير التفصيلية عن جميع تحركاتهم ..
آمر وحدات ...
كان المسؤول يقرأ التقرير وهو مندهش من الأوصاف الجميلة التي وصف بها من طلب منه ملاحقتهم ، وأطلق عليهم "التكفيريون" وأخذت مشاعر متناقضة ، تعتلج و تتلاطم في جنبات صدره ، كتلاطم لحج البحر ، فتزعجه إزعاجا ، وتلج به لجاجا .
فتارة يهتف في نفسه هاتف قوي عليه نور لامع ، بصوت حكيم ساطع : ويحك إن صدقت هذه الأوصاف ، فهؤلاء القوم جنود الله ، ألا تراهم كأنهم قد اختيروا ، وكأنهم قد جندوا للحق تجنيدا ، ألا ترى أوصافهم أوصاف القديسين ، ألا ترى خصالهم خصال أمة الخير ، ألا تراهم كالربيين الذين يقاتلون مع النبيين ، ويلك أتريد أن تحارب الله ؟!
ثم إن ثمة أمر مريب يحيك في صدره ، فهناك شيء غريب في هذا التقرير ، إنه يبدو وكأن عنوانه يناقض مضمونه ، فمضمونه وصف للمسلم المعتز بدينه الذي يحمل رسالة الإسلام لكن بجد وقوة وحزم ، وتلك لعمري صفات حميدة ، هي أولى بتسمية سديدة ، وصفه بلقب منفر هــو "التكفيري " فلماذا اختير لقب " تكفيري" ، ثم أليس واجب المسلم أن يكفر من كفره الله ورسوله ، وأن يميز بين الكافر والمسلم في الأسماء والأحكام ، كما دل عليه القرآن ، وهو صميم الإسلام؟!
غير أنه لا يكاد يستحكم هذا الهاتف ، حتى يعارضه هاتف آخر بصوت مخنوق ، فيه بحـّـة منكرة فهو يقول : لا تتهاون في أداء واجبك ، ولاتنسى ما تعلمته أن إلباس العدو لقبا منفرا ، يقصد به حصره في عزلة فكرية ، وذلك يشكل منطلقا فكريا لاستئصاله ، فهذا اللقب موضوع بدهاء لهذا الغرض البعيد ، كما أنه يحقق غرضا آخر ، وهو أننا كلما أردنا أن نقضي على شخصية تزعجنا ، لم نحتج سوى إلى تسليط هذا اللقب المنفر عليه في وسائل الإعلام ، وبهذا لا نحتاج إلى جهد كبير ، ولا تفنيد لما يقول ، أو يعتقد ، ألا ترى ما يفعله لقب " الإرهاب " هـــــذه الأيام ؟!
ولم يزل في هذا الصراع نفسه تضطرب ، فما هو إلا أن توجه إلى الله تعالى بالدعاء ، أن يهديه سواء السبيل ، فبينما هو ينتظر الصلاة في المسجد ، وقعت عينه على صحيح مسلم قريب منه ، فقرأ فيه عن أبي هريرة رضي اله عنه قال صلى الله عليه وسلم : " بادروا بالإعمال فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل مؤمنا ، ويمسي كافرا ، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا ، يبيع أحدهم دينه بعرض من الدنيا قليل "
فقال سبحان الله : هذه والله الفتن ، نحارب أهل الإسلام والجهاد ، ليرضي عنا الغرب الصليبي الساعي لهيمنة الصليب على بلادنا ، كلا والله ، ثم شعر ببرد اليقين ، وفطرة الإسلام تخالطان شغاف قلبه ، فيتخذ قراره بأن يكون جنديا مخلصا لمبادىء الإسلام الخالدة ، فلئن يموت في سبيلها عزيزا ، خير له من أن يبيع دينه بعرض من الدنيا .
وأخذ التقرير ، فأزال عنوانه " كيف تكتشف تكفيريا " ، ووضع بدله " كيف تعيش مسلما معتزا بدينك " ، واتخذه منهجا له في حياته ، ثم إنه لم يزل بعد ذلك يشعر بحلاوة الإيمان ، عزة الإسلام ، ولذة النصر على النفس وشهوات الدنيا ، ولم تمر الأيام والسنون حتى صار في ساحات الجهاد .
ولم يكن هذا كله سوى الخاطر من ذكريات ماضيه ، خاطــــــر مــر به وهو يحرس في نوبته في إحد ثغور الجهــأد ، فلايقطع خاطره سوى صوت التكبير ، تكبير المجاهدين وهو يهمون بهجوم على العدو ، ثم يختاره الله تعالى ليكون أول شهداء تلك العملية ، فيموت مبتسما ضاحكا ، وينال أعظم شرف في الحياة ..