نعـــــــــــــم لتغييـــــــــــر المناهــــــــج !

 

نعـــــــــــــم لتغييـــــــــــر المناهــــــــج !

حامد بن عبدالله العلــي

كان طالب العلم خاليا بهمومه ، قد استحوذ عليه اليأس ، واستولى عليه الإحباط ، وطافت به كل خواطر القلق ، وهو يرى حال أمته قد أحاطت بها الأخطار ، وتداعي عليها الأشرار ، وانتهشها مكر الليل والنهار ، فما لبثت تلك الأطياف الحزينة حتى استحالت بين جنبيه نارا مشتعلة ، فأطلقت لعبراته سبيلها ، وذهبت بأحزانه كل مذهب ، فأسلم رأسه إلى ركبتيه ، يئن أنينا يقطّع نياط قلوب الجبابــرة المتحجّرين .

وبينما هو على هذا الحال إذ تغشى سمعه هاتف من الإيمان ، يهتف به ، يسري في نفسه سريانا عذبا عذوبة المال البارد في فــم الظمآن ، أبشـــــر .. يصيح به بأحلى وأجمل صـوت سمعه قط .. أبشــر .. فأخــذ كأنه يضم هذه البشرى إلى صدره ضما شديــدا ، ويقبلها فرحا مسرورا ، وكأنه يريد أن يندفع وراءها ، يطير في إثرها ، يسيل بين يديها سيلان النهر المتدفق بالآمال التي لامنتهى لهـــا.

عجبا ما هذا الذي تغشّاني ، فاستثارت البشرى من قلبه محفوظه من التنزيل الإلهي : " فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما "

فكفكف دموعه ، ومضى بعدما صلى الفجر ، إلى مسجد شيخه ، دخل فرمى ببصره إلى حيث يختلي شيخه العالم الذي قــد كاد حاجباه أن يسقطــا من كــر الجديدين ، وإذا هو في محرابه ، وللمصباح ضــوء هادئ مستقر إشعاعه على بعض بساط المسجــد في وقار كأنه يحاكي وقار الشيخ ، وقد ملأت السكينة فضاء المسجد ، حتى كأنها تخيم على الحياة كلها.

ولما دنى وأبصــر الشيخ عيني تلميذه ، علـم ما بــه ، إذ العين كانون تقص على الرائي ما في نفس صاحبها ، فأشار إليه برأسه أن هلــمّّ ، فدنـا منه مقبلا رأسه ، وقعد بين يديه ، وقال : سمعت من كنت أثق به من العلماء يقول : تغيير مناهج التعليم لإرضاء الأعداء مصلحة تدفع عنا شرهـــم ، فلا تعظموا الأمــر !

قال الشيخ : نعم لتغيير المناهج في بلادنـــا !

فنظر إليه طالب العلم ذاهــلا مندهشــا !!

قال : لكي يكون بناؤها على عقيدتنا وشريعتنا أكثر وضوحا ، وأوسع كما وكيفا، وأشــد قوة ، لتحول شعوبنا إلى شعوب حرة مجاهدة ، لا مستعبدة لهذه الطواغيت المذللة للصليبية الصهيونية العالمية .

فتهلل وجه طالب العلم ، واستنار كالبدر.

قال الشيخ : أرعني سمعك .

فأغمض الشاب عينيه إغماضة الذي أهلكه الظمــأ فهـو يستشرف الغيث ، ثم فتحهــا وألقى السمع وهـو شهيد .

قال الشيخ : هذه قصة رمزية تُحكى للعبرة .

يُحكى أن هولاكو لما دخل مدينة بغداد، قصد قصر الخلافة محتفلا مع أمرائه بذلك اليوم ، ثم أمــــر بإحضار الخليفة المستعصم وقال له: أنت المضيف ونحن الضيوف، فقم اليوم بواجب الضيافــة!

كان الخليفة يرتعد فرقاً وخوفاً، واستولت عليه الدهشة ، واعتراه الذهول ، ونسي أين مفاتيح خزائنه، فأمــر بكسر الأقفال ، وإخراج النفائس من الذهب والثياب والجواهــر ، ووضعها بين يدي هولاكو ، وكان ابن العلقمي ومن معه من المنافقين يشيرون على الخليفة أن يكنز الأموال ولا ينفقها على الجند بعد أن اتفقوا مع التتر ســرا على ذلك .

لم يرفع هولاكو بها رأسا ، بل أشار إلى أتباعه ليتقاسموها، ثم التفت إلى الخليفــة فقال : أين الأموال التي خبأتها تحت الأرض ـ وكان ابن العلقمي الرافضي عين هولاكو على تلك الخزائن ـ فأرشدهــم المستعصم إلى حوض مملوء بالذهب الإبريز تحت الأرض ، وكانت كلّ قطعة منه تزن مائة مثقال.

وأمر هولاكو بأن يذاق الخليفة لباس الجوع بعد الخوف ، فلما كاد أن يهلكه الجوع طلب طعاماً ، فأرسلوا له طبقاً من ذهب مملوءاً ذهبا ، فقال الخليفة ويحكم كيف يؤكل الذهب؟! فقال هولاكو : إن كنت تعلــم أن الذهب لا يؤكل فلم كنزته ولم تنفقه على جندك ، حتى يحولوا بيننا وبين غزو بلادك ، بأن تناجزونا قبل أن نعبــر نهر جيحون ، فتقاتلونا هناك حتى لا نعبــر إليكم ؟! فسقط في يد الخليفة وحـــار جوابا ؟!

ولما سقطت بغداد وحدث فيها ما حدث للخليفة ، أحس أحد أمراء الأقاليم بالخوف والرعب يدب في قلبه ، ويسري في عروقه ، فأراد أن ينجو بنفسه بأن يبلغ بها غاية الإذلال لهولاكو ، فرسم صورته على اسفل زوج من النعل الفاخر ، وقدمه هدية إلى «هولاكو» المتكبر المتجبر ، وقال له الأمير: عبدك يأمل أن يتفضل الملك فيشرف رأسه بوضع قدمه المباركة عليها !! فلم يجد ذلك شيئا عند هولاكو .

قال الشيخ : هل فهمت ؟

قال طالب العلم : نعم أحسن الله إليك .. أردت بالذهب أن تضرب مثـلا ، لعقيدتنا ومناهجنا المستمدة من ديننا ، والتي يبتغي المنافقون من الرافضة والعلمانيين ـ بأمر من أولياءهم قادة الصليبية المتصهينة العالمية ـ أن يعزلوها لئلا تحيي في قلوب أمتنا العزة التي بها نواجه هذه الحملة الصليبية الصهيونية التي تستهدف الإسلام ، وإنما وصلت جيوش الكفر إلى بلادنا لما أخرنا عقيدتنا عن أن تحكم حياتنا ، فتواجه الكفر في عقر داره قبل أن يصل إلينـــا ، والآن يريد المنافقون أن يسلموها إلى أعداءنا ليحرفوها كيفما يشاؤون تحت شعار تعديل مناهج التعليم !

فالعقيدة الإسلامية ، ومناهج التعليم التي ينبغي أن تبنى عليها ، لم يورثها لنا نبينا صلى الله عليه وسلم لنعزلها عن الحياة ، بل لنقاتل بها أعداءنا ، قال تعالى ( وجاهدهم به جهادا كبيرا ) ، ولايهزمنا أعداؤنا إلا إن أقصوا عقيدتنا من قلوبنا .

واليوم قــد غدت الأمة في مفترق طرق ، ومفصل حساس في مسيرتها ، ودور القادة فيها ، قد غدا دورا مهمّا وحسّاسا وخطيراً جدًا ، فإما إن يكونوا قادة لإخراج الأمّة من محنتها ، وإلاّ فإنهم سيصلون إذا استمرت المسيرة الانهزامية إلى مثل ما وصل إليه ذلك الأمير الذي ضربت قصته مثلا ، سيوطئون بالأقدام .

قال الشيخ : البصيرة يا بني أعظم نعمة .

قال طالب العلم : هل نمى إلى علمك أن من العلماء من يحدثنا عن الحوار ، والتعايش السلمي ، والتنازل عن الجزء ليبقى الأهم ، والرجوع خطوة اليوم لكسب خطوتين غدا ، وأن الانحناء للعاصفة لتمر بسلام ، خير من مواجهتها فلا تبقى لنا شيئا ، ومنهم من يذهب إلى مدى أبعد ، فيقول إنه يوجد الكثير مما نتفق عليه مع الغرب ، وكل الذي يريدونه أن ينشروا الحرية ، ويخلصوا الشعوب من الاستبداد ، وأن يتقاسموا معنا المصالح ، ويمنعوا ما يُصدّر إليهم الخراب والدمار من ثقافة العنف، وأن مهادنتهم ولو بتقديم بعض التنازلات ، أخف ضررا من مواجهة عدو لاقبل لنا به ، وأن مثلنا مثل النبي صلى الله عليه وسلم ، وصحابته ، في العهد المكي ، أمروا بكف الأيدي ، والصبر ، فلنعتبر بسيرته .

نظر إليه الشيخ نظرة تنم عن بصيرة صارمة ، ويقين لا يتزعزع وقال :

ألست تسمع في وسائل الإعلام اليوم أن أكثر الكلمات تداولا في نشرات الأخبار هي الحرية والسلام ـ الأمن ـ الحوار والمفاوضات ـ أسلحة الدمار الشامل ـ مكافحـة الإرهاب .

بينما أكثر شيء يقع في الواقع هو ضد هذه الأمــور الخمسة ؟

وأعظم المصائب إنما تقع على بلاد الإسلام ، ولا يزال هذا في ازدياد مضطرد .

فالسلام في العالم يزداد تدهورا ، والأمن يزداد سوءا ، والرعب والخوف ينتشر ، والمفاوضات لا تنتهي إلا إلى مزيد من الحروب ، وأسلحة الدمار الشامل ، تتكدس عند الصهاينة وعند العالم الغربي بصورة جنونية مخيفة ، وأن شعوبا بكاملها تحت الإحتلال الغربي تسلب حرياتها ، وتسرق ثرواتها .. إلخ .

ألا ترى أن الخاسر الأكبر كل يوم هم المسلمون ، في دينهم ودنياهم ، وانظر ماذا فعلوا في أفغانستان فبعدما حل الأمن في ربوعها ، وقضي على المخدرات ، وإجرام العصابات ، بقيام الإمارة الإسلامية بأمر الشريعة ، عادت تجارة المخدرات فأصبحت أرض أفغانستان تصدر النسبة الأكبر منها إلى العالم ، وعادت الجريمة وعصاباتها إلى الإنتشار ، وهاهي العراق قد ملئوها خمورا ، وفسادا ، ودعارة ، وكفرا ، وشركا ، وإجراما ، وهاهم يزيدون كل يوم إخواننا في فلسطين اضطهادا، ويعزلون القدس بالجدار الفاصل لكي يمضوا مخططهم في إبادة الشعب الفلسطيني ، ولا يمضي يوم إلا وتدك جيوشهم بلاد الإسلام دكــا ، وتسفك دماء المسلمين سفكا .

ولكنهم مع ذلك ، وفي أثناء ذلك ، يملئون وسائل الإعلام مـــــن الضجيج حول : الحرية والسلام ـ الأمن ـ الحوار والمفاوضات ـ أسلحة الدمار الشامل ـ مكافحـة الإرهاب .

أتعلم ما هو حل هذا اللغز ؟ أعني كون أكثر ما يلقى إلى أسماعنا عبر وسائل الإعلام ، أنه يراد تحقيقه ، هو أقل الأشياء حظا في الوجود في واقعنا في بلاد الإســـــلام خاصـــة .

إن هذا الإعلام أشبه بالساحر ، كمثل ألعاب خفة اليد ، التي يُلعب بها في السيرك ، أتدري كيف يفعل الساحر ذلك ، إنه يشغل أنظار الجمهور بشيء آخر ، بينما يؤدي الحركة بيده وهم لا يشعرون .

وكذلك يُفعل بالجماهير العربية السادرة وراء وسائل الإعلام ، فإنهم يُشغلون بتلك الشعارات الفارغة ، وتُملأ بها أسماعهم وأبصارهم ، بينما ما يجري على الأرض والوقع شيء آخر تماما .

فالذي يجري هو تشييد أركان مشروع القرن الأمريكي ، تنصب أساسته ، وتبنى هياكله ، وتؤخذ البيعة لوكلائه ، في عمل دؤوب يجري جزء منه علانية ، وأجزاء كثيره منه وراء الكواليس .

إن تشييد هذا المشروع الخطير ، يقصد به في النهاية ، أن تهيمن على العالم سياسة واحدة ، هي سياسة الصهاينة اللذين تحالفوا مع الصليبية العالمية.

وأن يخضع العالم الإسلامي خاصة لقطب واحد هو أمريكا الصهيونية ، وينساق لثقافة السوق الرِأسمالية بنموذجها الغربي ، ويسبح بحمد الفكر المادي بالروح والنكهة الأمريكية وحدها .

ويطمع الأعداء أنه بينما ينشغل الناس بتلك الشعارات ، في أثناء تشييد هذا المشروع الخبيث ، سيكتشفون ـ وهيهات ـ في النهاية أن الساحر ، قد أنهى اللعبة وأن الجميع أصبحوا في صندوقه ، وسيجدون جميعا أن ذلكم الصندوق مرسوم عليه نجمة اليهود ، وأن كل العالم خال من السلاح إلا بيد الساحر ، ولا ينال أحد من الأمن ، ولايأمن من "الإرهاب" إلا على قدر ما يخضع لإرهاب الساحــر ، وينقاد لسحــره !

قال طالب العلم : لقد علمتنا أن من وسائل الحرب الفكرية أن العدو يربك تفكير المسلمين بشعارات ومفاهيم زائفة ، لكي يخفي عنهم حقيقة الصراع ، فيلهيهم عن التصدي لعدوهم بقوة عقيدتهم ، وأن هذا جزء مهــم من خطة العدو نفسه في الصراع الفكري .

قال الشيخ : هل نسيت ؟!

قال طالب العلم : وأين سيبلغ منتهاهم ؟

قال الشيخ : قل لي أنت مما علمناك ؟

قال طالب العلم : إنما يريدون عقيدتنا فهي هدفهم ، لأنه هو هدف الشيطان الذي يأزّهــم ، قال تعالى ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر ) ، قال تعالى ( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ) ، وقال ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) ، وقال ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ) .

قال الشيخ : واستدل من السنة .

قال طالب العلم : قصة أصحاب الأخدود ، قصة الغلام والملك ، فقد كان هدف الملك أن يردهم عن دينهم ، وكان انتصار الغلام أن يموتوا على عقيدتهم ، فكان النصر للغلام ، ودارت الهزيمة على الملك ، رغم أن المؤمنين حرقوا في الأخاديد غير أنهم قد انتصروا .

قال الشيخ : هي المعركة هكذا ، بهذه البساطة ، وبهذه المباشرة ، معركة الحق والباطل ، والمواجهة في النهاية بين عقيدة الحق ، وزيف الباطل .

قال طالب العلم : ولهذا يطلبون تغيير المناهج ، لإزالة العقيدة من نفوس المسلمين إذ كان هذا هو منتهى هدفهم .

قال الشيخ : وواجبنا أن نتصدى لهم ، فذلك من الجهاد الذي أمرنا به .

قال طالب العلم : إنهم يقولون ستكون فتنة إن فعلنا ذلك ؟

قال الشيخ : لم تُخــش الفتنة ؟

قال طالب العلم : لأنها طريق إلى التهلكة ؟

قال الشيخ : فإن ترك جهاد العدو هو التهلكة نفسها ، قال تعالى ( ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) ، وقد نزلت في ترك الجهاد .

وأما الفتنة فالله تعالى لا يترك المؤمنين دون أن يفتنهم ، قال تعالى ( ألم ، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ، ولقد فتنا الذين من قبلهم ، فليعلمن الله الذي صدقوا وليعلمن الكاذبين ) .

قال طالب العلم : فإنهم يقولون : نحن في مثل العهد المكـي ، والمواجهة لن تصنع شيئا سوى أن تزيد خسائرنــــا ؟

قال الشيخ : لسنا كذلك ، ومع ذلك فليت الذي يزعم ذلك ، يصدق قوله فعله ، فإن العهد المكي كان عهد الصدع بالحق ، ومواجهة الباطل ، بشجاعة الإيمان ، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لصناديد الكفر " جئتم بالذبح " ، وفي العهد المكي نزل التوحيد والولاء والبراء ظاهرا ليس به خفــــــاء ، وهو عهد : " قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون " ، و " تبت يدا أبي لهب وتب " ، وفيه الأمر الأعظــم : " وإن الله أمرني أن أحرق قريشا " ، وفيه ابتلي المؤمنون بصدعهم بدينهم ، وصبرهم عليه ، حتى قال عنهم ربهم ( فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي .. الآية ) ، وفيه حذر الله تعالى نبيه أن يدهن فيدهون ، وأن يركن إليهم شيئا قليلا ، وأن يتبع شيئا من أهواءهم .

ومع ذلك فلسنا في مثل العهد المكي في كل موضع من بلاد الإسلام ، بل نحن فيما أمرنا الله تعالى به من مواجهة الكفــر ، كما في مسيرة التاريخ كلها ، بالسلاح إن قدر عليه ، وباللسان في كل مكان ، وإن كنا أضعف ، وأقل عددا ،لكننا أقوياء بالله تعالى، إذ به نصول ، وبه نجول ، وبه نقاتل ، لا بحولنا ، ولا بقوتنا ، فنحن أقوى بالله من كل قوي ، وأضعف من كل ضعيف بقوتنا .

وعلينا أن نواجه الباطل ، كما واجهه كل إخواننا من قبل ، من المؤمنين في عهد نوح ، وهود ، وصالح ، وشعب ، وابراهيم ، وموسى , وعيسى ، عليهم السلام ، إلى المؤمنين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، حتى نصرهم الله تعالى على عدوهم .

قال طالب العلم : وكان الكفر دوما أشد جبروتا ، وأعظم طغيانا ، وأكثر عددا ، وأقوى بأسا وعدة .

قال الشيخ : ولهذا كرر الله تعالى في القرآن قصة موسى مع فرعون ، وقولــــه عن المؤمنين : ( إن هؤلاء لشرذمة قليلون ) ، ثم نصر الله تعالى لموسى عليه السلام ، إنها عبرة للمؤمنين ، لئلا يخافوا من مواجهة الباطل مهما انتفش واستكبر وعلا وتجبر .

قال طالب العلم : فمتى يأتي نصر الله ؟

قال الشيخ : أقرب ما يكون النصر ، أدنى ما يكون المؤمنون إلى اليأس منه !

قال طالب العلم : " حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولايرد بأسنا عن القوم المجرمين "

قال طالب العلم : نصر الله آت لا محالة ؟

قال الشيخ : والله يجند في المعركة قبله من يشــاء .

قال طالب العلم : فالبنسبة لنا إذن ..النصر أن يستعملك الله في المعركة فحســـب ؟

قال الشيخ : هل نسيت ؟

"وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ * وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ * وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ "

قال طالب العلم : في كل عصر استعمل الله تعالى رجالا للإسلام ، يضربون وجوه جنود الشيطان ، يقاتلون بألسنتهم أو بأيديهم ، فلنكن رجال الإسلام في هذا العصر ، فستمضي معركة الحق مع الباطل ، إلى آخر الزمان ، غير أن السعيد من قيده الله تعالى في جنده ، وتلك الأيام يداولها الله تعالى بين الناس ، يقيــم في كل عصر معركته ، لكي يختار جنده في سائر الأزمـان ، ويتخذ الشهداء ، ويظهــر الصابرين ، ويميزهم عن المنافقين والذين في قلوبهم مرض .

قال الشيخ : البصيرة أعظم نعـم الرب على عبــــــده ؟ فلا تنس ما في كتاب الله من البصائر ، واجعله إمامك يقودك إلى الهدى.

قال طالب العلم : ما نسيت ولكنه رجس الشيطان ، وقد ألقيت عليّ ماء اليقين فطهرني منه ، فأنا الساعة في سكينة لا توصف ، وكأني أبصر النصر رأي العين ، وأحس برده على كبدي ، وقد تخلل شغاف قلبي .

قال الشيخ : فقـم الآن وصل ركعتي الضحى واسأل الله التثبيت ، و" اصبر إن وعد الله حق ولايستخفنك اللذين لايوقنون
" .

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 07/12/2006