كفى الجزيرة ما جرُّوا لها سفهاً

 

كفى الجزيرة ما جرُّوا لها سفهاً

حامد بن عبدالله العلي

التقرير الذي أعدته لجنة استشارية عليا لسياسة الدفاع الأمريكية ، والمكونة من مجموعه من المفكرين البارزين ، وكبار المسئولين السابقين ، والذين يقدمون النصائح والمشورة السياسية إلى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) .

ويتضمن أعضاء مجلس الإدارة أيضا كل من: دان كوايل، نائب الرئيس الأسبق، و جيمس شليزنجر ، وهارود براون، وزراء الدفاع السابقين ، ونيوت جينريتش ، وتوماس فولى، المتحدثين السابقين للبيت الأبيض، والعديد من الضباط الحربيين المتقاعدين ، منهم إثنان كانا يشغلان منصب نائب رئيس هيئة الأركان المشتركه، والعمداء المتقاعدون ديفيد جيرميه ، وويليام أونز.

وقد تضمن هذا التقرير عبارات خطيرة للغاية منها :

أن كل مرحله من مراحل سلسله الإرهاب غالبا ما تجد فيها نشاطا للسعوديين، بدءا من التخطيط حتى التمويل، ومن الكوادر حتى جنود المشاة، ومن العقول المفكرة حتى الزعماء ، أن السعوديه تقدم الدعم لأعدائنا وتهاجم حلفاؤنا .

وفى عبارة ذهبت إلى أبعد من ذلك، مذيله بتقرير التوصيات المكون من 24 شريحة عرض، وصفت السعوديه بأنها "لب الشر والمحرك الأساسي والمعارض الأكثر خطورة" فى الشرق الأوسط.

ولقد صرح مصدررسمى في الإدارة من الواضح أن الناس قد أدركت الحقيقة وأدركت أن السعوديه تشكل مشكله حقيقيه".

وحدد التقرير عدة مطالب أمريكية : على الولايات المتحدة أن تطلب من الرياض التوقف عن تقديم الدعم المادي لفلول الأصولية الإسلامية ، حول العالم وأن عليها أن تتوقف عن تصريحاتها المعادية لأمريكا وإسرائيل!! ـ لاحظ إقحام إسرائيل ـ في البلاد .

وأن عليها كذلك أن تقوم بمحاكمه وعزل كل من له علاقة بسلسلة الإرهاب والمذكورين في سجلات هيئة الخدمات الإستخباراتيه السعوديــه" – ومضى التقرير قائلا: "أنه إذا رفضت السعوديه الانصياع فإنه في هذه الحالة يجب "استهداف" حقول النفط ورؤوس الأموال السعوديه حول العالم" ولم يوضح التقرير شكل هذا "الاستهداف".

وأخطر ما يحمله هذا التيار المؤثر في الإدارة الأمريكية أنه يعبر عن الاتجاه السائد بين بعض مفكرى المحافظين الجدد، حيث يستحوذ عليهم التفكير بأنه في حاله غزو أمريكا للعراق والإطاحة بصدام حسين، واستبداله بحكومة أخرى صديقه،ـ ففي هذه الحالة سيعتمد الغرب على إمدادات العراق من النفط، مما سيقلص من اعتماد أمريكا على صادرات الطاقه السعوديه، وفى هذه الحالة سيتسنى لأمريكا الوقوف فى وجه السعودية بسبب كونها ـ في نظــــر الغرب ـ للإرهاب.

وقد صرح مسئول رسمي في الإدارة الأمريكية بلهجة متشددة ضد العراق قائلا "إن بغداد هي مدخلنا إلى الشرق الأوسط، وستكون لدينا العديد من الإمكانيات إذا تم وضع حكومة ديمقراطية في العراق، مماثلة للحكومات التي سبق وزرعناها في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانيه".

وسواء كان المقصود بتسريب هذا التقرير ، الضغط لتحقيق مآرب سياسية ، أم أنه يهيئ الأجواء لخطط ترمي إلى إحداث تغيير جذري في منطقة الخليج .

غير أن من المعلوم قطعا ، أن هذا التقرير لم يكن تسريبه إلى وسائل الإعلام مع قرب الهجمة الأمريكية على العراق اعتباطيا ، كما أنه ليس مجرد إشغالا لوقت الفراغ من مجموعة متقاعدين يتسلون بإعداد تقارير مثيرة للاهتمام والزخم الإعلامي .

إنه ـ شئنا أم أبينا ، أخفينا هذه الحقيقة أم أبدينا ـ يعبّر عن وجهة النظر المتزايدة في حكومة بوش – والتي يدعمها كل من طاقم العمل الخاص بتشينى نائب الرئيس الأمريكي، والقيادة المدنيه في وزارة الدفاع الأمريكية ، وكتّاب المحافظين الجدد ، والمفكرين المقربين لإدارة صانعي السياسة الأمريكية.

هذا وانطلاقا من الحقائق الصارمة التي تؤكد أن واشنطن وتل أبيب ، إنما هما وجهان لعملة واحدة ، أو على حد قول الشاعر العاشق :

أنا من أهوى ومن أهوى أنا === نحن روحــــان حلاّ بدنـا


فإن خطط الصهاينة وأطماعهم في الهيمنة على الخليج ونفطه ، تسبق إنشاء كيانهم في 1948م ، وقد عبر قادة هذا الكيان مرات عديدة عن طموحاتهم في نفط الخليج والسيطرة عليه ، وعن حرصهم على دعم أي جهد أمريكي لتأمين آبار النفط الخليجية .

ومن بين التصريحات الشهيرة لقادة إسرائيل بخصوص نفط الخليج قول غلودا مائير ، الرئيسة السابقة لحكومة إسرائيل للمستشار الألماني الأسبق برانت أثناء زيارته لإسرائيل عام 1973م : ( إن غفرنا لموســـــى( عليه السلام) كل شيء ، فلن نغفر له أنه شاء ـ حاشا أنبياء الله عليهم السلام ولعنة الله على هذه العجوز الشمطاء ـ أن يقودنا إلى هذه المنطقة الغزيرة بالنفط ليستقر بنا في البقعة الوحيدة من هذه المنطقة التي لانفط فيها ) شؤون فلسطينية عدد 32 ص 98 عن مقال سمير كعناني ( النفط شريان الحياة في إسرائيل ) .

ومن أشهر المشروعات والخطط الإسرائيلية لغزو الخليج مشروع ، أرييل شارون عندما كان وزيرا للدفاع في الكيان الصهيوني ، وقــــــــد عرضه تفصيلا المعلق العسكري لصحيفة ها آرتس زئيف شيف في سلسلة مقالات بعنوان ( الأيام المائة على شارون ) هاآرتس 24/11/1980، في مختارات من الصحافة الإسرائيلية نشر مؤسسة الدراسات الفلسطينية .

وكان ارييل شارون قد قدم للإدارة الأمريكية ، سيناريو للوصول إلى الكويت عبر الأردن ، والسيطرة على منابع النفط في ساحل الخليج ، وذلك عندما قام مناحيم بيغن بزيارة واشنطن في أيلول / سبتمبر 1981م فقد كان معه وزير دفاعه أرييل شارون .

وقد عبرت صحيفة معاريف بدقة عن هذا التطلع الصهيوني ، بأن ( حقول النفط في الخليج ، حيوية جدا بالنسبة لنا ولحلفائنا ، وهي مهددة بالخطر ، إن دول هذه المنطقـــة شريك لنا في مصالحنا على الأوسع ، وليس كمصدر للنفط وحسب ) نقلا عـــــن كتاب ( الخليج العربي في حسابات الصهيونية وإسرائيل ص 30 ) .

ويبدو أن شارون قد صحا على إثر تلقي ضربات العمليات الاستشهادية الموجعة ، فتذكر مشروعه القديم هذا الذي قدمه أيام بيغن لأمريكا للهيمنة على الخليج ، فاتفق الطرفان على أن الوقت قد حان .

وبعـد : فقد بان الصبح لذي عينين ، وصرحت الأمور بأن خطة ينفث في عقدتها اليهود ، ستضرم نار حرب تدميرية في منطقتنا لتخلصهم من مأزقهم في فلسطين .. وها هم قد لبسوا جلود النمور ، عازمين على أن يقضوا قضاء مبرما على قدرة الحضارة الإسلامية على إعاقة مخططهم في التوسع والهيمنة ، وقد جمعوا كيدهم وشركاءهم ، ثم جاءوا يحدوهم البطر والاستكبار .

ومن عجائب التاريخ ، أن أمير الشعراء أحمد شوقي ، في أوّل القرن الماضي ، قال قصيدة يصف فيها مطامع الدول الغربية في بترول العراق ، والخليج العربي ، وفي بعض أبياتها يقول :


كفى الجزيرةَ ما جرُّوا لها سفهاً == وما يُحاوِلُ في أطرافِها العَجَـــمُ
تلك الثغورُ عليها وهي زينتُهـا == مناهلٌ عَذُبَت للقومِ فازدَحَمُــــوُا
في كل بحر حواليها لهم سـفنٌ == وفوقَ كلِّ مكـــانٍ يابسٍ قــدمُ
والاهُمُ زعماءُ السوُءِ واتفَّقـوُا == معَ العداةِ عليهـا ، فالعِداةُ هـُــمُ
فجرِّد السيفَ في وقتٍ يفيدُ بِهِ == فإنَّ للسيفِ يوماً ، ثمَّ يَنصَـــرِمُ


وقال الأديب الكبير محمد محمد حسين تعليقا على هذه الأبيات : (يشير إلى مطامع الدول الأوربية في بترول العراق ، الذي أصبح موضع تنافسهم منذ أول القرن العشرين ، كما يشير إلى اتخاذهم المحميات في جنوب جزيرة العرب ، ولشواطئ الخليج العربي في شرقها ) .

فسبحان الذي يقلب الليل والنهار ، كيف عادوا من حيث بدءوا ، لاسيما بعد الانهيارات الاقتصادية الهائلة التي لحقت بهم مؤخرا ، فجاءوا لصوصا يبحثون عن المناهل التي عذبت لهم فازدحموا عليها في الخليج .

غير أننا على يقين أن مفاجأة لا يتوقعها الأعداء ، اعتادت أن تنتظر كل من جاء عازما على هدم صرح الحضارة الإسلامية ، ستكون أيضا بانتظار اليهود ، وأنهم إنما يخططون لإهلاك أنفسهم ولا يشعرون ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 06/12/2006