العقيدة الأمريكية ودمار البشرية

 

 

العقيدة الأمريكية ودمار البشرية

حامد بن عبدالله العلي

في مجلة ( ستريت تايمز) التي تصدر في سنغافورة ، تقرير عما يتعرض له المسلمون إثناء زيارتهم لأمريكا ولقاءات مع رؤساء تحرير صحف ورجال أعمال ، وقد عبر الجميع ـ كما هو الحال في كل العالم الإسلامي ـ عن سقوط السياسة الأمريكية من أعينهم ، وقال بعضهم : لن نعود إليها حتى تتعلم كيف تكف عن حربها على الإسلام .

وفي التقرير أعرب مهاتير عن استيائه لصدور أوامر لنائبه احمد عبد الله بدوى ولوزير الخارجية سيد حامد البر ، بخلع أحزمتهما وأحذيتهما قبل الصعود إلى طائرة الشهر الماضي فى الطريق من لوس انجليس إلى نيويورك ليلقى نائب رئيس وزراء ماليزيا كلمة بلاده أمام الأمم المتحدة انتهى موجز عن التقرير كما نشر على النت .

أما الآن قد تعدى الأمر خلع الملابس لمن يريد دخول أمريكا من المسلمين ، إلى التخطيط لخلع العقيدة الإسلامية في ديار المسلمين ، وإحلال العقيدة الأمريكية محلها ، هذه العقيدة الجديدة التي يقود حملتها بوش ، وتعتمد أمريكا فيها على ما يسمى الحرب الوقائية ، أي منحها نفسها حق شن حرب هجومية على أي دولة في العالم بناء على القناعة الذاتية بخطورة هذه الدولة على أمن أمريكا .

وقد أثارت هذه العقيدة حفيظة بعض حلفاء أمريكا أنفسهم ، كما عبر عنها وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دو فيلبان في مقال نشرته صحيفة لوموند مؤخرا عندما أثار مخاوف بلاده من أن يتحول العراق إلى أول حقل تجارب لهذه العقيدة الأميركية الجديدة التي توصي بضربات "وقائية" من طرف واحد ضد دولة عضو في الأمم المتحدة.

عبر عنها قائلا ( القرارات التي ستتخذ سترسم الوجه الجديد للعالم، وطريقة معالجة الأزمة العراقية ستؤثر في روحه وشكله ، ثم قال : "في أوضاع الخطورة والترابط التي تسود عصرنا, فإن الظلم يولد التمرد, والتمرد يولد الفوضى, والفوضى تولد العنف, في دوامة جهنمية تنتشر من دولة إلى دولة ومن منطقة إلى منطقة ومن قارة إلى قارة" ) .

هذه العقيدة الأمريكية التي لخصتها كوندليزا رايس بقولها ـ كما نقلناه في المقال الأسبوع الماضي ـ : إنها شعور أمريكا بمسئوليتها العالمية أن تستغل قوتها لتوفير إطار آمن لنشر قيمها في العالم ، وبينا أن هذا لايعني سوى المزيد من الفساد الأخلاقي ، والسياسي ، والاقتصادي ، وانعدام القيم الروحية ، واستمرار مشكلة الفقر، والتخلف في الجزء الفقير من العالم ، والجريمة وانعدام الأمن وعدم الاستقرار في كل العالم .

ذلك أن قيادة البشرية إلى الهدى ، لايمكن أن تتم من قبل ثقافة مادية لادينية تحول الإنسان إلى سلعة ، ليلهُو ، ويُلهى به ، وتسلخه عن الارتباط الروحي ، وترديه في انحطاط قِيَمي وأخلاقي مشين ، يهلك الفطرة الإنسانية ، ويسرع به إلى مستقبل من الصراع المادي المجهول .

فلاجرم قال الله تعالى في سورة ( الروم ) ـ وليس في غيرها ! ـ عائبا هذه العقيدة المادية مبينا خطورتها على البشرية ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون * أولم يتفكروا في أنفسهم ، ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون * أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) .

وتأمل هذه الآيات الكريمة ، وكيف أن الله تعالى جعل قصر الاهتمام بالحياة الدنيا ، والغفلة عن لقاء الله تعالى ، وكفر الإنسانية بيوم تلتقي فيه ببارئها ، فيحاسبها على قدر تمسكها بما جاءت به الرسل من البينات .

أن هذه العقيدة ستقودها إلى الدمار في الدنيا ، مهما بلغت من القوة والقدرة الفائقة على إعمار الأرض أكثر مما عمرها السابقون ، وإلى الشقاء في الآخرة ، وأن الله تعالى إن فعل ذلك بقوم اختاروا هذه العقيدة ، فما هو الذي ظلمهم ، بل هم الذين ظلموا أنفسهم .

وفي هذه السورة نفسها قال تعالى ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيد الناس ليذيقهم بعض الذين عملوا لعلهم يرجعون ، قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركون ) .

ولننظر ما في الأرض من الفساد على جميع المستويات ، حتى صرح أمين عام الأمم المتحدة كوفي عنان في الأسبوع الماضي معلنا هزيمة العالم أمام الفقر والإيدز ، قائلا : أعلن أن الفقر والايدز قد استطاعا أن يهزما العالم ! ، وللنظر ما في الأرض من انتشار الجريمة والفواحش ، وفساد البيئة ، حتى فساد طبقات الجو ، وانتشار أسلحة الدمار الشامل التي تهدد الإنسانية ، وصارت القوى الكبرى تتصارع فيما بينها وتشعل الحروب المدمرة لتحتكر هذه الأسلحة الشريرة لها وحدها ، وانعدمت الرحمة ، وأصبح الإنسان كائنا مدمرا لكل ما حوله ، وانتشر الظلم وكثر الطغاة .

والخلاصة أن هدف هذه العقيدة المادية العلمانية الجديدة ، ليس هو خلع لباس المسلمين لتفتيشهم في مراكز الدخول إلى بلاد الحرية ، بل خلع لباس التقوى عنهم في بلادهم ، وتغيير عقيدتهم ، هنا يكمن الداء العضال ، ولاريب أننا نستقبل حقبة بالغة الخطورة ، ولهذا فإن أوجب الواجبات الدينية في هذا العصر ، ردع هذه العقيدة بكل سبيل مشروع ، وإلحاق الهزيمة بها ، وتجييش كل الطاقات لهذا الغرض ، قبل أن يتسع الخرق على الراقع ، قال تعالى ( وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم ...الآية ) .

 


الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 06/12/2006