ماوراء عودة الجمهورييّن

 

 
ماوراء عودة الجمهورييّن
 
 
حامد بن عبدالله العلي
 
( نأمل أن يحترم الرئيس أوباما إرادة الشعب ، ويغيـِّر توجهاته ، ويتعهّد بتحقيق التغييرات التي يريدها الأميركيون ) .. الجمهوري جون بونـر رئيس مجلس النواب المفترضبعد فوز الجمهوريين بالغالبية في مجلس النـواب .
 
كان السبب الرئيس لهزيمة الديمقراطيين هو الإقتصـاد الذي لم ينتعش كما وعد أوباما ، ومعـدَّل البطالة الذي لم ينخفـض كما ادَّعى ، وسـط شعب لايبالي بشيء غيــر أعباء الحياة اليومية .
 
ومن الواضـح أنَّ الأزمـة الإقتصادية الزلزالية لازلت تنخـر في نخاع أمريكـا الشوكي ، وتأكـل خلاياه ، مفضيةً بالإقتصـاد إلى الشـلل ، وهو السبب في سقوط الديمقراطيين من مجلس النواب الأمريكي ، فقد نجحوا بوعود الإصلاحات الإقتصادية التي لم يتحقق منها شيء .
 
ومن المؤشـّرات الجديدة في الإقتـراع ظهـور ميل كبير للناخبين الأمريكيين إلى اليمين ، لاسيمـا داخل الحزب الجمهوري نفسه الذي فاز فيه اثنان من التيار المتشدّد  (حزب الشاي) ، بمقعدين في مجلس الشيوخ .
 
غير أنَّ ما يهمُّنا من الإنتخابات النصفية الأمريكية هو النتائج المتوقعة لفوز الجمهوريين على منطقـتنا ، وعلى المشهد العام فيهـا.$$$
 
وإليكم الصورة الكبرى في المنطـقة :
 
لقـد تحدث كثيراً نجاد ، يعيد صداه الأسد في دمشق ، عن تحالف صلب بين إيران ، والعراق ، وسوريا ،  ولبنان ، ويضيفان أحيانـا تركيـا أيضـا ، وكثيرا ما كانت تلك التصريحات تصدر إثر فشل محاولات سعودية لإبعاد سوريا عن إيران ،
 
وغير خاف أنَّ هذا التحالف يحـلو لـه دائما أن يستعرض عضلاته بين بغـداد ، وبيروت ، وبمناوراته عند مضيق هرمز ، ملوِّحـا أنَّ بيده مقاليد إستقرار المنطقة ، أو تحويلها إلى رمـاد ، من المحيط الأطلس قبالة بيروت ، إلى مضيق هرمـز .
 
 في رسالة واضحة للأمريكيين بأنَّ الأبواب مسدودة أمامهم سوى إلى طريـقٍ واحد :
 
الإعتراف بإستحقاق الإيرانيين لتقاسم النفوذ ، والإقرار بأنهم شركـاء حقيقيـون لكلِّ ما تحمله المنطقـة من كنـوز مـن أفغانسـتان إلى البحر المتوسـط .
 
وفي المقابـل رجع الصقور الجمهوريون إلى الكونغرس ، وسط أجواء تدعو إلى إنهاء إنفتـاح أوبامـا ، والعودة إلى المواجهـة ،
 
 فالانطباع السائد في واشنطن : ( الخصوم في الشرق الأوسط اساؤوا تقدير الانفتاح الأميركي،واعتبروه هزيمة ) .
 
ويكاد أن يُجمـعَ على أنّ الجمهوريين سيعمـلون على تسخين العناوين التالية :
 
الهدوء منـذ 2008 انتهـى ، ودعم مطلق لنتنياهـو وليذهب ما سوى ذلك إلى الجحيـم ، ولبنان ليس منزلاً من دون أبواب لإيران ، والمحكمة الدولية مستمرة للتوصل إلى حكم على قتلته ، سواء حزب الله ، أو سوريا ، والمحصلة النهائية واحدة ، وسنعمل على النزول بقوة في اليمن حتى نحكم قبضتنا ، وإعادة معتقل غوانتنامو ، وحسم ملف إيران ، و العراق ، وأفغانسـتان بأقصـى قوة ، وبأسرع وقت.
 
وفي أفغانسـتان يريدون حـلاّ دمويـّا أشـد إحمراراً ، على طريقة ( بلاك ووتر ) الصليبيّة ،  ولو بالإجتياح البـرّي لكلّ الجنوب الأفغاني .
 
غير أنّ هذا كلـَّه لايعدو أحلاما تدور في عقول الجمهوريين ، فالفشل الأمريكي في هذه الملفات كلَّها لايؤثـّـر عليه تقدم (الحمار) على (الفيل) ، ولا العكس ، بل وراءه ثلاثة أسباب :
 
أحدها : المقاومة الشرسة التي لقيها المشروع الصهيوصليبي ، والتي تفاجأ بها ، كما تفاجأ بقدرتها على الصمود ، والإستمــرار ، والتطـوُّر .
 
الثاني : الغباء الأمريكي نفسه الذي منع أمريكا من فهم أنّ عقلية الكاوبوي لم تعد تجدِ في عصر يتجه لنزع وسائل التأثير من السلطات ونقلهـا إلى الشعوب ، ولهذا غرقت أمريكا في فضائحها ، قبل أن تغرق في مستنقعها الحربي في أفغانسـتان ، ومستنقعها السياسي في العـراق .
 
ولهذا كان فشل المشروع الثقافي الأمريكي المزيـّف ، الذي توهّمـوا أنـّه سيحـوّل إحتلالاتهم إلى مثـل إستقبالات الفاتحين ، كان مدويـَّا وكارثيـا ، وبدت أمريكا وهي تحاضر عن نشر الديمقراطية ، وحقوق الإنسـان ، ومنح الشعوب الحرية ، وجيوشـها تبيد البشر ، بـدت كأنـها عاهرة تحاضر عن الفضيـلة ، بل زاد نفاقـها من الحنـق عليها ، فكان ذلك من أهم أسباب هزيمتهـا !  
 
الثالث : إتجـاه العالم بقوة وسرعة إلى مشهد ( تعدد القطبية ) ، وتراجع التفرد الأمريكي أمام تقدم قوى عالمية أخرى تنافسها عالميـا ، وأخرى تنازعها المصالح إقليميا ، مثل تركيـا التي أحدثت شرخـا هائلا في معادلة القوة الصهيونية ، وإيران التي غيرت قواعد اللعبة في المنطقة جذريـا ، بل أصبحـت تملك العبث فيها إذا شاءت .
 
ولهذا فإنه حتى لو عاد الجمهوريـون إلى البيت الأبيض ، فسيجدون المعادلات ذاتها ماثلة أمامهم ، بل زادت تعقيدا ،  وأنهـم أمام خيارين لاثالث هما :
 
أحدهما : أخذهـم الملفات إلى مربع التفجيـر الذي لايعلم إلاّ الله ، متـى وكيف سينتهي .
 
والثاني : القبول بتراجع مشروعهم ، وخروجهم من اللعبة إمـّا خاسرين ، أو حائزين على جزء من المكاسب المحفوفـة بمخاطـر الضياع أيضا لاسيما على المدى البعيد ، في ظل تنامي القوى المنافسة لهم في المنطقـة ، وإنحسار نفوذهم ، وتراجـع دور حلفائهم الرئيسيين كالسعودية ، ومصـر .
 
ولم يكن هـذا التدهور الأمريكي مفاجئا ، في ظل ديون مرعبة بلغـت أكثـر من 10 تريليونات دولار ، وتراجع دورهـا الإقتصادي العالمي من 40% إلى 10% ،
 
وأحسن من لخـّص ما وصلت إليه أمريكا من التردّي في طـريق إنتهاء إمبراطوريتها ، هو ديفيد وولكر كبير مفتشي الحكومة الأمريكية عندما قال :
 
( إنّ الولايات المتحدة الأمريكية تقف الآن على حافة الهاوية ، وذلك في صورة سياسات ، وممارسات لاتطيقها البلاد ، تسببت في العجز الشديد في الميزانية ، والنقص الحاد في الرعاية الصحية ، وتزايد إلتزاماتها العسكرية الخارجية ، مما يهدد بإندلاع أزمة طاحنة ، إنّ وضع البلاد يشبه وضع روما القديمة قبل إحتراقها ، وإنهيارها ، ومن أوجه التشابه ، والعوامل المشتركة ، إنحـدار القيم الأخلاقية ، وفساد النشاط السياسي ، وفرط الثقة بالنفس إلى درجة الغرور ، والمبالغة في نشر القوات في الأراضي الأجنبيّة ، والتبذير في الإنفاق العام من قبل الحكومة المركزيـّة ، هناك سياسات خاطئة تمارسها الحكومة في مجالات الطاقة ، والبيئة ، والتعليم ، وفي العراق ، ولهذا فإنّ الولايات المتحدة بحاجة إلى مئات المليارات من الدولارات ، لإعادة تعديل وتحديث بنيتها التحتيّة ، من الطرقات ، والمطارات ، وأنظمة الصرف الصحي ، والجسـور ، وإني أعتبر إنهيار الجسر في مينا بلوس ، جرس إنذار ، ولقد سلطت الضوء من قبل على عدد من هذه القضايا ).
 
والحقُّ الذي ليس فيه أيّ مبالغة ، أنـّه كما كان الحادي عشر من أيلول إعلان إنهيار الإمبراطورية الأمريكية ، كان بدء العد التنازلي لسقوطها ، قد أنطـلق بأول طلقة أطلقها المشروع الجهادي في العراق الذي إشتـعل أواره ، من مساجد المثلث السنّي في عراق المجـد ، والشمـوخ ، من بغداد إلى الفلوجـة ، ثم أخذ بمنخـري الثور الأمريكي فنـوَّخه .
 
لقد غرقـت أمريكا في مستنقع العراق ، وحاولت أن تخرج منـه واضعـةً إحدى قدميها في أفغانسـتان ، فوجدت قدمها الأخـرى هنـاك في مستنقـع أشـدّ منـه طيـنا ، وأقسـى بعوضـا ، وأحلك ظلمـة .
 
وبدأت كأنها عجوز تولـول في مستنقعيْهـا هذين ، بينـا يُشـدُّ شعـرُ رأسها في لبنـان ، وتُقرص قدماها ، ورجلاها في اليـمن ، وتُعض يداها من كلِّ جهـة ، كلَّما أرادت أن تنهض .
 
وأضحـت الدول العالمية المنافسة لها _ مُسـرَّةً الفرح بمصابها _ تزيحها شيئا فشيئا عن مكانها ، وتحـلُّ قريبا منـه ، طامحـة أن تلقيها من عليائها إلى الحضيض.
 
ولاريب أنَّ المستقبل يحمل لها مستقبلا مظلما مليئا بالشـقاء ، جزاءً وفـاقـا لإجرامها وطغيانـها في الأرض .
 
 كما أنّ الأيام حبلى ببشارات تملأ آفاق الإسلام مسقبـلا مشـرقا ، وغـدا بالآمـال مورقـا.
 
والله حسبنا ، عليه توكّلنا ، وعليه فلتوكّـل المتوكّـلون .
 

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 05/11/2010