فتوى عجوز أفغانيـّة ! |
|
فتوى عجوز أفغانيـّة !
.
حامد بن عبدالله العلي
تنفق أمريكا 113 مليارا سنويا _ وهي تئنّ من وطأة الأزمـة الإقتصادية _ على مشروعها الصليبي في أفغانسـتان ، حتى إذا وجدت نفسها وسط مأسدة تتواثب عليها الليوث الضارية فتخطف جنودها ، كما تُخطف الأرانب المذعورة ، قررت أن تلوذ بالفرار ، وتحفظ ماء وجهها بتكوين جيش محلّي يُغطـّي فضيحة هروبها ،
وذلك لتقول إنها قـد إنسحبت بعد أن أنهت المهمّة ، ثم تبين أنهم لم يجمعوا سوى آلاف من الحشاشين ، والمعتوهين ، تحت إمـرة حكومة هي من أفسـد الحكومات على وجه الأرض ، وأعظمـها تخلفـا.
أمـّا من كان يُرجى خيرُه من العسكريين ، فقد هـرب إلى معسكرات طالبان طالبا التوبة من خيانته لدينه ، ووطنه ، وأمّته ، ملتحقا بمآسدهم المنتشرة على طول البلاد وعرضها .$$$
ذكر الكاتب الأمريكي دومينيك تيرني أنّ أعضاء الكونغرس الأمريكي وقفوا جميعا في صف واحد إثـر هجمات أيلول داعين ربهم أن يقف بجانبهم ، ويمدَّهم بنور من السماوات !
غير أنه رأى أنّ هذا النور لم يأت قـط ، ولم يقـف أحد بجانبهـم ، لأن الله تعالى لايصلح كيد المفسدين ، وأنّ الهزيمة في أفغانسـتان باتت مؤكدة ، وأنّ المهمة هناك مستحيلة ، وقد صـدق فيما قال .
لقد فقد كريستال صوابه ، بعد أن أقيـل مكيرنان ، وإستقال عدة قادة عسكريين بسبب الحيـرة ، والإحبـاط ، وأخيـرا هلك هولبورك ، ويتخبَّط القائد الحالي باتريوس في محاولات يائسة للخروج من حفرته ، فلا يزيده ذلك إلاّ هويـَّا إلى قاعـها .
وبعزم أولى العزائم السماوية ، وصرامة النمـور الآسيويـة ، نقلت وكالات الأنباء بعد تعيين بترايوس خلفا لماكريستال : ( قال يوسف احمدي في اتصال هاتفي من مكان مجهول " لا يهمنا من هو القائد، أكان ماكريستال أم بترايوس ، موقفنا واضح ، سوف نقاتل المحتلين حتى رحيلهم ) .
والسبب في هذا الثبات العجيب الذي سيـقود إلى النصر الأفغاني الأسطوري ، ليس كما يقول كيسنجر : ( أفغانستان ليست دولة بالمعني المعروف تماما ، وإنما هي أمـّة ، بمعني أن سلطة الحكومة المركزية لا تغطي سوي كابول والمناطق القريبة منها ، وأما بقية البلاد فهي أقاليم يغلب عليها العرق البشتوني ، يتفاهم أفراده مع بعضهم بعضا من خلال تفاهمات علنية ، أو ضمنية ، واستراتيجية مقاومة التمرد الأمريكية مهما بلغت درجة إبداعها لا تستطيع أن تغير هذا الواقع ) .
ليس هذا فحسب ، بل لأنّ الشعب الأفغاني لازال يتلفَّـع بمفاهيم العـزّة ، ويتدثـَّر بدثـار الإبـاء عن الخضوع للأجنبي ، لم تلوثه ثقافة الإنهزام ، وينفـر بفطرته عن دياثة الإنبطـاح ، ولا يعتـرف بفكـر ( نحن في عصر الإستضعاف ) الذي خرج من رحم إستخبارات الإستعمـار الصهيوصليبي الجديـد !
إنـَّه يسير على نهج آباء له جُبلوا على ارتقاء جبال تورا بورا ، لينظروا إلى العالم من تلك القمم ، ويقرِّروا مكانهم فيه من ذلك الشَّمـم ،
آباءٌ وأجـداد لا تفـرِّق بينهم وبين تلك الجبال ، وأبناء وأحفـاد لاترى بينهم وبين الأسود فرقـا إلاَّ بالعمائم والثيـاب .
قبل يومين ذهبت المستشارة الألمانية ترتعد فرائصها في جنح الليل إلى أرض الأسود ، فهالها ما رأت حتى قالت : ( إنها تشبه الحرب العالمية ) ، واستقبلها المجاهدون هناك بمقتل أحد جنودها ، والسيطرة على قاعدة عسكرية .
والعجيب أنّ هذا الجهاد الأفغاني المبارك يسير من نصر إلى نصـر وسط تضييق غير مسبوق في التاريخ على كلِّ مقومات الدعم :
على الفكر الجهادي في البلاد الإسلاميّة حيثُ يُلاحق بتهم الإرهاب ، وتُشوَّه صورته ، وتحُاصـر ثقافته ، ويُنشر بدلها ثقافة الخنوع ، والإنهـزام ، والتخنُّث الفكري !
وعلى الدعم المالي للجهاد حيث يجُـرَّم المتبرِّع لتحرير البلاد الإسلامية من الجيوش الصليبيّة ، فيُلقـى في غياهـب السجـون !
وعلى المدد البشري حيث تُراقب كلّ الحدود الدولية لمنع أي إنتقال للعناصر الداعمـة إلى أفغانستان ، أشدّ من مراقبة مهرّبي المخدرات!
ولكن ما الحاجـة إلى كل هـذا ؟! وقد سمعنا الناطق الرسمي بإسم طالبان محمد يوسف أحمدي يقول عن عجوز أفغانية مجاهدة : ( إنَّ العجوز التي كانت تشتهر في القرية المذكورة باسم (بيدوامه) ، رأت عددًا من الجنود الأمريكيين متكئين على الجدار بالقرب من منزلها فدخلت المنزل ، وأخرجت بندقية نوع كلاشنكوفـا ، وأفرغـت ذخيرتَها كاملة صوبهم ، وقتلت ثلاثة منهم ، وأصابت رابعًا بجروح بليغة ، ثم قام بقية الجنود الأمريكان باطلاق النار عليها وقتلها على الفور ) .!
.
سبحان الله !!.. إذا كان القوم هذه عجائزهــم ؟!
.
لقد أثيرت ضجـَّة على فتوى لجبهة العمل الإسلامي في الأردن تحرم مساندة الجيش الصليبي المحتل لأفغانسـتان ، كأنَّ أولئك العلماء الأجلاء قد أفتوا بغير ما أجمعت عليه أمـَّة الإسلام حتى عجائزهـا ؟!!
فالحمد لله الذي جعل في أمّة الإسلام هذه العجـوز التي أفتت بما هو أبلـغ ، وأعطت درسا في عـزّة العقيـدة أفضـل من كلّ محاضرات قطعان الخنـوع ، وأسراب الرُّخـْم المنظرة لثقافـة الرَّخامـة !
أطلب الموت ولا تخشى الرَّدى ** ميتةُ العزِّ كما تُسْقى العَسَلْ
ليس من يحنيَ ظهراً بطـَـلا ** إنـِّما مـن يرفعُ الرأس بطلْ
والله المستعان وهو حسبنا عليه توكّلنا وعليه فليتوكّـل المتوكّـلون
الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 20/12/2010