الورطة الأمريكية في أفغانستان

 

 

الورطة الأمريكية في أفغانستان
حامد بن عبدالله العلي

في عدد نيوزويك ( مجلة أمريكية ) الأخير لقاء مع أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى ، وقد جاء في اللقاء هذا السؤال : لماذا حدث هذا للولايات المتحــــــــدة ؟ فأجاب : ( الناس محبطون ، وفي أذهانهم أن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن كل ما يحدث في العالم ، لقد اجتاحت العالم حالة من الهيجان فيما يتعلق بالنظام الدولي الجديد ... لكن الوضع العام العالم محبط يبعث على الكثير من المعارضة والإحباط ، والعنف يأتي نتيجة لذلك ) .
وفي مجلة التايمز الأمريكية كتبت كاتبة أمريكية مؤخرا مقالا قالت فيه ( في إحدى المظاهرات في باكستان ، رفعت لافتة مكتوب عليها ، أمريكا هل تفكرت لماذا كل العالم يكرهك ) ، وقالت الكاتبة ( في الحقيقة لم نكن بحاجة إلى هذه اللافتة لكي نسأل هذا السؤال ) ثم أرجعت سبب الكراهية المنتشرة في العالم الإسلامي لأمريكا إلى أن العالم الإسلامي يرى في أمريكا الوريث لتاريخ الجرائم التي ارتكبها العالم النصراني في حق المسلمين من الحروب الصليبية إلى الاستعمار إلى عصر العولمة ـ وهي السرقة العالمية المنظمة التي تتزعمها أمريكا لاقتصاد العالم الثالث ـ كما ذكرت الكاتبة السبب الآخر وهو أن العالم الإسلامي يرى أن جرائم إسرائيل ليست سوى مظهر لجرائم أمريكا ، إضافة إلى أن الأنظمة المستبدة الصديقة لأمريكا ، والتي يحكمها ديكتاتور حوله أثرياء ، تستمد قوتها وأسباب بقاءها من كونها صديقة لأمريكا مدعومة منها ، بينما ترزح الشعوب تحت الفقر والظلم .

ولاريب أن هذه الأسباب هي بمثابة الأدلة المعلنة على إدانة أمريكا، الإدانة التي عبر عنها أمين عام جامعة الدولة العربية بقوله ( الناس محبطون وفي أذهانهم أن الولايات المتحدة الأمريكية هي المسؤولــة عن كل ما يحدث في العالم ) .

وفي مقابل هذه الأدلة المعلنة والقطعية على إدانة سياسة أمريكا في العالم ، لم تستطع أمريكا أن تأتي إلا بشيء تستحي من إعلانه أمام الإعلام المفتوح ، وهي لاتطلع عليها إلا الأصدقاء الذين تضمن موافقتهم ـ أو عدم معارضتهم خوفا منها على الأقل ـ لخططها الرامية إلى إيجاد قواعد عسكرية ونفوذ سياسي ، ووضع يدها على مصادر بديلة للطاقة حول إقليم أفغانستان .

هذا وقد بات واضحا أن إخفاء أمريكا للأدلة التي تدين ابن لادن ، سببه هو أنها أدلة ملفقة واضحة التلفيق ، مثل تلك الوصية المضحكة التي يزعم أن محمد عطا ، كتبها والتي ظهر تلفيقها المضحك ، وكأنها وصية نصرانية في قالب إسلامي .

أو هي أدلة ظرفية لا قيمة لها ، في ساحة القضاء وقيم العدالة ، ثم هي في النهاية أدلة مقدمة من محكمة غير عادلة ، أضحى فيها المدعى العام والقاضي والشهود والمحلفين هم المجني عليه نفسه ، وهي أظلم محكمة عرفها التاريخ .

لاريب أن أمريكا شعرت بأن الأدلة المعلنة على إدانة سياستها الخارجية ، لاسيما في الشرق الأوسط ، وبالخصوص في دعمها لحكومة الكيان الصهيوني ، وهي اشد الحكومات إرهابا في العالم ، إن هذه الأدلة المعلنة والقاطعة ، ستبقى تثير مشاعر الإحباط والغضب المولدين للعنف ، ولهذا أطلقت الإدارة الأمريكية مؤخرا أنها تؤيد إقامة دولة فلسطينية ، في محاولة إما لامتصاص مشاعر الغضب ، أو لخلط الأوراق في وقت تخدر مثل هذه التصريحات مشاعر الشارع العربي ، غير أن الظروف التي أطلق فيها هذا التصريح ، جعلته مستهلكا عديم المصداقية ، كأمثاله من التصريحات التي أطلقها بعض الرؤساء السابقين لأمريكا.

وأخيرا ماذا تتوقع أمريكا من الشعوب الإسلامية ، غير الدفاع عن النفس ، وهي ترى تورط الإدارة الأمريكية المتعاقبة في دماء آلاف الأبرياء في فلسطين بدعمها لإسرائيل ، إضافة إلى رعايتها ، للأنظمة الديكتاتورية البوليسية الصديقة لأمريكا ، في كثير من بقاع العالم ، ثم تورطها في التحالف الغربي في نصب فخ العولمة للاستئثار بخيرات الدولة النامية ، والقضاء على فرصتها في المنافسة الاقتصادية على المسرح العالمي .

إن انتصار أمريكا ـ وهي مهزومة لا محالة وستبقى كذلك ـ هو في استطاعتها إقناع شعوب العالم ، بأنها لم ترتكب ظلما سياسيا وأخلاقيا ، ولم تخدع الشعوب للاستيلاء على ثرواتها تحت شعار العولمة ، ولم تنشر الإباحية لتحطم فطرة البشر ، وقيم الأسرة ، باسم الحرية ، ، وأن أسامة بن لادن ليس سوى مجرم لا يحمل أي مبادئ إلا التخريب الدمار وإلحاق الأذى بأمريكا قائدة العالم إلى الحرية ومبادئ العدل والحق .

وهذا الانتصار لن تقدر أمريكا على تحقيقه ، لانه الله تعالى قال في محكم التنزيل ( والكافرون هم الظالمون ) فلا يقع من الكفار إذا علوا في الأرض ، وكانوا هم الظاهرين إلا الظلم ، وإن لم يظلموا شعوبهم ، فسيقع ظلمهم على المسلمين بلا ريب ، ولهذا أمر الله تعالى بجهاد الكفر ، ليعلوا الإسلام بكلمة الله تعالى عليه ، لتتخلص البشرية من الآثار المدمرة لظهور الكفر في الأرض .

وأيضا هي لا تقدر على تحقيقه ، مادامت الأدلة المعلنة على إدانة سياستها الخارجية ، لاتمر على خبراء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لتزييفها ، بل هي أمام أعين الجميع في العالم ، لا يضامون في رؤيتها ، لأنها في الفضاء الرحب في كل مكان .

وقد وضعت أمريكا نفسها عندما دخلت أفغانستان ، موضع الفضيحة التي تكشف للعالم قبح فعالها ، فهي لا تستطيع بحال أن تثير حفيظة أولياءها اليهود ، فتدافع عن حرية الشعب الفلسطيني ، وحقوقه ، وتبرأ نفسها من دعمها للإرهاب الصهيوني ، بل ستبقى داعمة له ، بعد جرائمها في أفغانستان ، وهي ورطة أخلاقية تاريخية ، ستكسبها مزيدا من العداء والكراهية في العالم الإسلامي ، وستدفع ثمنها يوما ما بما هو أكثر كلفة من يوم 11/9.

 


الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 06/12/2006