لماذا لــم تكـــن آمنــــــة آمنــــــــة ؟!

 

 

لماذا لــم تكـــن آمنــــــة آمنــــــــة ؟!

حامد بن عبدالله العلي

*** في الأسبوع الماضي ، اقترفت عصابــــــــــة من الأشقياء ـ ثلاثة فتيان وفتاة ـ جريمة شنيعة اقشعرت منها جلود الناس ، وكادت قلوبهم أن تنفطر من هولها .

***فقد اختطفوا طفلة صغيرة ، لم يكن لها ــ وا أسفا ــ من اسمها نصيب فقد كان اسمها آمنة ، لم تتم السابعة من عمرها ، وفعلوا فيها الفاحشة عدة مرات ، ثم طعنوها عدة طعنات في بطنها ، وفي قلبها الصغير المفزوع ، ثم ذبحوها ذبحا ، كما تذبح الشاة ، وألقوها في الصحراء ، ثم ولوا عنها مدبرين ، كأن شيئا لم يكن ,

***فلما لبثوا إلا يوما أو يومين حتى أحيط بهم ، فجيء بهم يساقون ، وعلى وجوههم ظلمة الإرتكاس في الشر ، وانتكاس الفطرة ، عياذا بالله تعالى .

***وقد شاهد عملية الخطف ، شخص أصم أبكم ، كان على سطح منزله ، ولم يفقه الناس ما كان يحاول إخراجه من مكنون صدره ، حتى استدلوا على قوله بلغة الإشارة ، فلما أحيط بالمجرمين ، اقروا بجريمتهم النكراء .

*** وعلت أصوات الناس حينئذ بالصياح ... أقيموا عليهم حكم الله تعالى ... لا أمان إلا بشريعة الرحمن ... غير أن تلك الأصوات لم تجد آذانا صاغية ، فعادت من حيث أتت ، عادت خائبة وهي حسيرة .

*** عندما ترتكب جريمة تنتهك فيها حدود الله تعالى في أي مجتمع ، يحصل من جرائها أثران سيئان :

*** أحدهما : على الجاني نفسه ، وهو تلطخه بقذر السيئات ، وما تفعله من إفساد في فطرة الإنسان ، و اندساس نفسه في الخطيئة ، كما قال تعالى ( قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها ) .

*** والثاني : أثر عام على المجتمع وهو فقدان الأمان ، وشعور أفراد المجتمع بالجزع والفزع ، وخوف كل فرد منهم على نفسه وولده و عرضه ، وهذا الأثر أخطر من الأول بكثير .

***ومن حكمة تشريع الله تعالى للحدود ، أنها تأتي على الأثرين فتمحوهما ، فالحد إذا أقيم على المجرم محا عنه أثر الجريمة ، فعاد إلى مجتمعه طاهرا بعد أن استزله الشيطان بالذنب ، فإن كان جرمه لا ينفع معه التطهير بتـــر بتـــرا ، من باب التضحية بالجزء حفاظا على الكل ، كما يفعل بالزاني المحصن .

*** كما أن الحد الشرعي يمحو أيضا أثر الجريمة السيء على المجتمع ، فيلبسه لباس الأمن بعد الخوف ، وينشر الاطمئنان على كل نفس فيه .

*** ولم يتفطن لهذه النقطة الأغبياء الذين يعترضون على شريعة خالق الأكوان ، عندما ظنوا أن حد الحرابة ، أو رجم الزاني ، أو قطع يد السارق عقوبات قاسية ، ولم ينتبهوا إلى أن هدفها إعادة لباس الأمن ، الذي يزيله كل واحد من هؤلاء عن المجتمع ، وليس فقط عقوبة الجاني .

***فالسارق في الحقيقة ـ على سبيل المثال ـ يسرق من شخص متاعه في جنح الليل ، ولكنه يسرق أيضا من كل المجتمع أمنه ، ولهذا جاء حد السرقة رادعا ، لان القطع يقع على اليد التي سرقت الشعور العام بالأمن ، قبل أن تسرق المتاع.

*** ولهذه الحكمة العظيمة جاء في الشريعة أنه لا يقطع إلا السارق من حرز ، لان عامة الناس يحرزون أموالهم طلبا للأمن ، فإذا شعروا أنها مع ذلك ليست في أمان ، ساد الشعور بالخوف في ذلك المكان ، وهجره الناس ، وشاعت الفوضى ، وتراجعت مشاريع التنمية ، وتدهور الاقتصاد ، وتهاوى المجتمع وتفكك .

*** وكذلك الزناة يسرقون أمن الناس على أعراضهم وأنسابهم وشرفهم ، ويشيعون في المجتمع الفاحشة والفساد ، فغلظت العقوبة عليهم لاعادة الأمن إلى المجتمع .

***والجريمة الشنيعة التي اقترفها شياطين الإنس الأسبوع الماضي ، لم تكن الجناية فيها على آمنة فحسب ، بل كانت علينا كلنا ، على كل من له بنت صغيرة تذهب إلى المدرسة ببراءة الأطفال ، وتعود مشتاقة إلى أسرتها ، فهي بعد يوم آمنة الأسود ، ، غير آمنة على نفسها ، ونحن جميعا غير آمنين على أولادنا ، لأنهم وجهوا طعناتهم الغادرة إلى كل أسرة في الكويت ، وليس إلى أسرة آمنة فقط .

***وليعلم الذين يحكمون في هؤلاء الشياطين الذين فعلوا في آمنة ما فعلوا ، أن تركهم حكم الله فيهم أعظم جرما ، وأشد إثما ، وأشنع عند الله تعالى ، من جريمة أولئك الأشقياء ، وأننا جميعا معنيون بحكمهم الذي سيصدرونه ، فهو حكم لكل أب ، ولكل أم ، ولكل أسرة في الكويت ، وأن حقنا جميعا الذي لا يرضينا سواه هو إنزال العقوبة الإلهية الرادعة فيهم ، ، ذلك أن حق المجتمع أن يرجع إليه لباس الأمن الذي اتسع خرقه ، يوم مزقت طهارة تلك الطفلة المسكينة ، واغتيلت براءتها .

*** والحكم فيهم أن يقتلوا ويصلبوا ويشهد عذابهم الناس ، وإلا يكن هذا الحكم فيهم ، فكفوا أيها الآباء والأمهات أولادكم في بيوتكم ، وأوصدوا عليهم الأبواب ، واحكموا الأقفال ، واحبسوهم السنين الطوال ، فليس في بلدكم أمن بعد اليوم ، فآمنة إنما لم تكن آمنة ، لان حكم الشريعة معطل ، قد أوثـــــــــــــــق بالأغلال ، فهم ـ واحسرتا ـ يجادلون في أحكام الله تعالى ، وهو شديد المحال .

*** قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى مبينا أصناف المعترضين على حكم الله تعالى ( ومنهم أهل الاعتراض بالسياسات الجائرة التي لأرباب الولايات التي قدموها على حكم الله ورسوله ، وحكموا بها بين عباده ، وعطلوا بها شرعه وعدله وحدوده ، وقالوا : إذا تعارضت السياسة والشرع قدمنا السياسة فجعلت كل طائفة قبالة دين الله تعالى وشرعه طاغوتا يتحاكمون إليه ) مدارج السالكين 2/65

 


الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 06/12/2006