هل أمريكا السلام أم الكيان الصهيوني!!

 

هل ترعى الولايات المتحدة السلام أم الكيان الصهيوني ؟


حامد بن عبدالله العلي

تكمن أهمية هذا السؤال حينما نبحث عن تفسير موضوعي للتناقض الصارخ بين ما تظهره الولايات المتحدة الأمريكية من حماس كبير للدفاع عن القانون الدولي وقيم الحق والعدل والحرية وحقوق الإنسان في العالم ، حتى حملها ذلك على فرض العقوبات الاقتصادية على كثير من دول العالم بحجة أنها دول (مارقة) على مبادئ الديمقراطية حسب التفسير الأمريكي لها ، بين هذا الموقف ، ورعايتها للكيان الصهيوني رغم تحديه السافر لما يسمى القانون الدولي ، وانتهاكها المستمر لحقوق الإنسان ومبادئ العدالة والحرية والسلام .
ما هو السر الحقيقي وراء التأييد الأمريكي للكيان الصهيوني ؟:
فما هو السر وراء هذا التأييد المطلق للكيان الصهيوني ، وهل حقا قوة ونفوذ اللوبي الصهيوني في أمريكا ، هما السبب الأول والأخير الذي يحمل الولايات المتحدة الأمريكية على الظهور في صورة المنافق الذي يكيل بمكيالين ، أم أن ثمة أسبابا أخرى ، وما الذي تعنيه تصريحات عدة من رؤساء الولايات المتحدة عندما يقولون : (إن دعم ورعاية أمريكا لإسرائيل مسألة مبدأ) ، هذا ما سنحاول الإجابة عليه في هذا المقال .
نتيجة مهمة جدا :
توصل الكاتب حمدان حمدان في كتابه القيّم (الجذور المذهبية لحضانة الغرب وأمريكا لإسرائيل ) والذي أهداه إلى ( صديقه المسيحي الذي كانت أخر كلماته لقد أصابنا الضر جراء دمج الإنجيل بالتوارة ) ، توصل إلى نتيجة مهمة جدا في هذا المجال ، وقد عبر عن هذه النتيجة بقوله :
(( وقد خلصت المؤلفات الأمريكية والغربية العديدة مثل ( الديانة في أمريكا) لكاتبها هدسون ونثروب 73م ، و(الحركة الأصولية) لكاتبها لويس كاسبر عام 63م ، و(جذور الأصولية) لكاتبها أرنست ساندين68م ، و(تاريخ العقائد للشعب الأمريكي) سيدني أهلستروم 75م ، و(تاريخ الأصولية في أمريكا) جورج هولار عام 73م ، هذه المؤلفات وغيرها أجمعت على :
أن الكنيسة البروتستانتية وفروعها المتمثلة في (الإنجيلية) و(المعمدانية)و(الدهرية) و(المتجددة) و(السبتية) و(الماسونية) كلها آمنت بنسقين من المعتقدات .
نسق جرى في الماضي وانتهى وكان أهم ما فيه ما يلي :


1ـ اختيار اليهود كشعب مفضل ومختار.
2ـ اختيار فلسطين كمكان لمعبد الله وموقع لمملكة إسرائيل.
3ـ إرسال المسيح لهداية العالم وإنقاذه وقد رفضه اليهود.
4ـ معاقبة الله اليهود لمخالفتهم تعاليمه .
5ـ الصفح عنهم لان الله لن يخلف وعده مع شعبه المختار.


أما المنظومة الثانية من المعتقدات ، فتتصل بالنبوءات المستقبلية التي ستأتي وفق الإيقاع التالي :
1ـ أن خطة الله تتضمن العودة الثانية للمسيح للتبشير بمملكة الله .
2ـ أن ذلك مشروط باستعادة إسرائيل كشعب مختار لارضها الموعودة في فلسطين من أجل تمهيد المكان للمجيء الثاني للمسيح .
3ـ أن إنشاء إسرائيل في فلسطين وعودة القدس تحت حكم إسرائيل ،إشارات دالة على اقتراب عودة المسيـــــح )) انتهى النقل من المصدر السابق ص 44 .
والمنظمات البروتستانتية السالفة الذكر هي المهيمنة على الحركة الدينية الأصولية المسيحية في أمريكا ، فلاعجب إذن أن يكون للكيان الصهيوني هذه المنزلة الكبرى في حضن الولايات المتحدة الأمريكية ، وهي دولة يحرك سياستها البعد الديني إلى حد بعيد ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
كيف تهودت المسيحية في أمريكا :
أما كيف (تهودت) المسيحية البروتستانتية في أمريكا بهذه الصورة العجيبة ، حتى أصبحت داعية متحمسة لمبادئ الصهيونية ، وكيف تحولت هذه المؤسسات إلى بذور التأثير الصهيوني في سياسة الولايات المتحدة تجاه الكيان الصهيوني في فلسطين ، ثم حملها على دعمها اللامحدود لهذا الكيان ؟
فلا يمكننا الإجابة علــــى هذا الســــــــؤال ، دون أن نذكر نبذة عن حياة مؤسس البروتستانتية مارتـــــــن لوثــــــــــر ، ذلك أن لشخصية مؤسس البروتستانتية وأفكاره أثرا كبيرا في تقريب النصرانية من اليهود .
ومارتن لوثر هذا مؤسس المذهب النصراني البروتستانتي ، درس اللاهوت وانتسب إلى كنيسة الاوغسطينيين ، غير أنه قد صدم في حياته الروحية مرتين ، فأثر ذلك على رؤيته للنصرانية الكاثوليكية ، مرة وهو يرى مبعوث البابا وهو يجبي الأموال الألمانية عن طريق وكلائه في مدينتي ماينز وماغدبرج ، حيث كان الأسقف أولبرخت ووكيله يوهان تيتزل ، يبيعان صكوك الغفران بصورة مشينة .
أما المرة الثانية فقد صدم في روما حين تحولت زيارته الدراسية إلى كابوس مرعب يؤرقه كلما تذكر ( أن اثنتي عشرة فتاة عارية تماما ، كن يقمن على خدمة رجال البلاط البابوي وقت العشاء ) قصة الحضارة ديورانت ص 236 ، نقلا عن الجذور المذهبية حمدان حمدن ص 40
وهذه الصدمة جعلت مارتن لوثر يقرر قيادة حركة الإصلاح الديني والتمرد على الكنيسة الرسمية في روما ، والتي كانت السبب الأهم في نشوء البروتستانتية ، والتي قامت على أساس معارضة احتكار الكنيسة الرسمية لحق تفسير الكتاب المقدس ، فدعا لوثر إلى تعميم هذا الحق ، والاهم من ذلك أنه دعا إلى جعل العهد القديم ـ وهو التوراة (المحرفة) المليئة بالتراث اليهودي ـ جعلها جزءا أساسيا من العقيدة النصرانية ، بعدما كانت الكنيسة المعادية لليهود تقتصر على الإنجيل (المحرف)، ومن هنا ، من المذهب البروتستانتي ، بدأ تخصيب النصرانية بالمعتقدات اليهودية ، ووضع اللبنات الأولى للتقارب بينهما ، بعدما كانت أوربا قبل حركة مارتن لوثر لاتعد اليهود شيئا يذكر.
تقول الكاتبة الأمريكية هيلاري بولوك في كتاب (اليهود) المطبوع في مدينة بوسطن عام 1922م ص 210( فان أوربا كلها كانت تعتقد بأن الله إذا ما اختار اليهودي لامر ما فانه للعنه ، فاليهود كانوا يعتبرون من الآثمين المارقين ، ويوصمون بأنهم قتلة السيد المسيح ، ولم يكن هناك ذرة من توارد عاطفي مع المجد القديم للجنس العبري ، كما لم تكن بارقة أمل في إعادة بعث اليهود روحيا وقوميا ، ولم تكن هناك أدنى فكرة مسيحية تقول بتملك اليهود لفلسطين ، وكان الصيهونية غير اليهودية غائبة تماما عن أوربا في العصور الوسطى ) نقلا عن المصدر السابق حمدان حمدان .
دور اللوثرية في دمج المسيحية بالأفكار اليهودية :
لم يبق شأن اليهود كما وصفته الكاتبة آنفا ، ذلك أن مارتن لوثــــــر ، كمؤسس لحركة الإصلاح البروتستانتية ( الاحتجاجية ) كان مسؤولا من الناحية التاريخية بل والدينية عن تخصيب الأرض الأوربية المسيحية لازدهار بذور الصهيونيـــة في الديانة المسيحية ، ولكن كيف تم ذلك؟
لقد أيد لوثر اليهود وفتح المجال لاختلاط معتقداتهم بمعتقدات النصرانية، وألف كتابا بعنوان ( عيسى ولد يهوديا ) وأعيد طبعه سبع مرات في عام واحد ، ومما قاله في هذا الكتاب ( وإذا أردنا أن نجعلهم خيرا مما هو عليه ، فعلينا أن نعاملهم حسب قانون المحبة المسيحي لاحسب قانون البابا ، علينا أن نحسن وفادتهم وأن نسمح لهم بالانخراط معنا لكسب عيشهم كي تتاح لهم رؤية الحياة وسماحة العقيدة المسيحية ) .
وقد زرع لوثر في النصرانية مرجعية التوراة ، وأعاد مركزيتها في الديانة ، فأدى ذلك إلى تقارب النصرانية مع اليهودية .
يحكي لنا التاريخ أن الكالفينيــــــــة اللوثريـــــــة ، وكالفن هذا هو أحد أهم المؤمنين باللوثرية ، قد أصبحت قوة غالبة في السياسة الإنكليزية بحيث أن روادالانجلو ـ ساكسون إلى المناطق الساحلية في أمريكا الشمالية ، خاصة مستعمرات نيو انجلند ، منذ رحلة السفينة ماري فلور عام 1621م ، دانوا جميعا بالعقيدة الكالفينية ، وهي التي أفتت بسياسة الإبادة ضد السكان الأصليين .
كما يحكي التاريخ أن الكالفينية اللوثرية هي التي حملت النصارى على التحويل إلى العهد القديم ، كما فتحت العقائد البروتستانتية الجديدة باب التفسير الشخصي لآيات التوراة على مصراعيه ، كذلك اعتبرت اللغة العبرية القديمة ، باعتبارهــا ( لغة الله المقدسة ) التي خاطب بواسطتها (شعبه المختار) هي لغة رجل الدين الجديد.
كيف أصبح اسم إسرائيل جزءا من التراث المسيحي :
وبما أن قصص التوراة وأحداثها كانت قد جرت على أرض فلسطين في معظمها ، فان اسم إسرائيل الوارد في كتاب العهد القديم أصبح جزءا من التراث المسيحي ،ونتيجة لانتشار الاتجاهات الدينية البروتستانتية بأسماء مختلفة في نصف الكرة الغربي ( أوربا وأمريكا ) فان الفرد ينشأ بالضرورة على الإيمان بمقولات مقدسة تتمثل في :
1ـ أن اليهود هم شعب الله المختار وانهم في كلمات الله هم الأمة التي فضلها الله على العالمين ، غير أن المشكلة تكمن هنا في أن التخصيص لم يعد حكرا على العبرانيين القدامى من أتباع ملة إبراهيم وموسى ، بل شمل تعميمه يهود عصرهم بدأ من منتصف القرن السادس عشر وحتى اليوم .
2ـ والمقولة المقدسة الأخرى تتمثل في شعب الميثاق ، حيث أن اله اليهود ، هو الذي ربط يهود العالم بأرض فلسطين المقدسة عبر ميثاق الهي لا يدحض ، وهو لا يحول ولا يزول حتى قيام الساعة .
3ـ والمقولة المقدسة الثالثة تقوم على النبوءات القائلة بعودة المسيح الثانية ( حسب العقيدة المسيحية ) أو بمجيئه للمرة الأولى حسب العقيدة اليهودية .
ورغم هذا الفارق الذي ينم عن عدم إيمان اليهود بنبوة المسيح أصلا فان كلا العقيدتين ربطت ما بين عودة المسيح أو مجيئه ، مع قيام دولة اليهود في فلسطين بعد تجميعهم فيها ، وأن هذه العلاقة مقدسة ، هي نذير قيام المملكة الألفية السعيدة التي سيقودها المسيح المنتظر حمدان ص 42
إذن فالأهمية الكبرى للتحول البروتستانتي عن الإنجيل إلى التوارة ، أنه قاد إلى التحول في النظرة إلى فلسطين والقدس ، من كونهما أرض المسيح المقدسة والتي نشبت الحروب الصليبية بذريعتهما ، إلى كونهما وطنا لليهود .
أما النتائج الإيمانية بالنبوءات فقد جاءت أشد نكالا إذ فيما ( حتمت عودة اليهود إلى فلسطين قبل مجيء المسيح بتدخل الهي ) ذهبت إلى ( إمكانية تحقيق النبوءة بتدخل بشري) .
تأويل البروتستانتيين نصوص التوراة لتتنزل نبوءاتها على الكيان الصهيوني:
ثم سيس البروتستانتيون نصوص الكتاب الحرفية ، فذهبوا في رؤيتهم الدينية إلى اعتبار إسرائيل الواردة في العهد القديم هي ذاتها إسرائيل المعاصرة في فلسطين وان قيام إسرائيل في العام 1948م ، تحقيق للنبوءة القائلة باقتراب العودة الثانية للمسيح ، وأن عودة القدس إلى يد إسرائيل تأكيد لها .
وبهذا العرض التاريخي يتبين أن الأصولية البروتستانتية في أمريكا هي المسؤول الأول عن الاحتضان السياسي الأمريكي للكيان الصهيوني ، ويأتي بعدها دور اللوبي الصهيوني في أمريكا .
وما أصدق وصف بول فندلي عضو الكونغرس الأمريكي ورئيس مجلس المصالح الوطنية ، في ورقة قدمها لندوة عقدت في لندن 15فبراير 1996م ، بعنوان ( وضع نهائي أو لعبة نهائية ) ، ما أصدق وصفه لهذه الأصولية في أمريكا وكيف أنها أصبحت تؤمن بإسرائيل كما تؤمن بها اليهودية تماما .
وشهد شاهد من أهلها :
فقد قال : (فكثير من الأمريكيين يعانون من رؤية الإنفاق غير الواضحة التي تحجب الجانب غير المرغوب من الشارع الإسرائيلي ، وفي كثير من الأحيان يكون ذلك ناتجا عن التعصب الديني للمسيحيين الأصوليين في أمريكا البالغ عددهم حوالي أربعين مليونا ، والذين يعتقدون بأن إسرائيل تحتل دورا مهما في الخطة الإلهية ، وحيث إنهم مقتنعون بأن إسرائيل هي الوريث الشرعي للأرض التي أعطيت للإسرائيليين في العصور القديمة ، فإنهم يطالبون إلى الولايات المتحدة أن تبقى إسرائيل قوية حتى يحين موعد المعركة التي طال انتظارها في سهل هرمجدون ، حيث سيتم خلاص المسيحيين الأصوليين ، كما يعتقدون ، ثم يتحول جميع من يتبقى من اليهود حالا إلى اعتناق النصرانية أو يهلكون … أما التيار العام من المسيحيين فيتم التأثير فيه بطريقة أكثر فعالية فالتراتيل التي يغنونها والآيات التي يتلونها من الإنجيل ، تكون عادة مليئة بالتمجيد لإسرائيل والقدس ، وتربط من غير وعي بين الاثنين في عقول الناس ، أما في المنازل فإنهم يتعرضون لوجبة إعلامية مبرمجة بغرض جعل الفكرة التي عفا عليها الزمن أبدية ، وهي أن اليهود شعب مضطهد ، ولكنها لاتصور اليهود قط كشعب يمارس الاضطهاد على الآخرين ) نقلا عن كتاب السلام الضائع محمد عطوي ص 172.
الخلاصة :
وبهذا يتبين التفسير الحقيقي لحماس رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية والإدارات الأمريكية المتعاقبة ، لرعاية الكيان الصهيوني ، إنه ـ بالإضافة إلى ضغط اللوبي الصهيوني على الإدارة الأمريكية ـ إيمان المنظمات التنصيرية والأصولية المسيحية نفسها في الولايات المتحدة ، وكثير من الزعماء السياسيين في أمريكا ، إيمانهم بالكيان الصهيوني ، كما قال الرئيس الأمريكي كارتر ( انه التراث التوراتي الجامع في العقيدة بين شعبين) .
ذلك أن تراث (اللوثرية البروتستانتية النصرانية ) وأثره البالغ في التاريخ الثقافي والديني الأمريكي ، هو الذي أعاد مركزية التوراة في العقيدة النصرانية ، فأدى ذلك إلى تقارب النصرانية مع أفكار الحركة الصهيونية ، وصدق الله تعالى إذ يقول في محكم التنزيل ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) .
وهذا يتبين أيضا أنه لا يصح عقلا ولامنطقا ولا واقعا ، استبعاد البعد الديني العنصري المتعصب اليهودي والنصراني المتحالف ضد الإسلام ، في فهم ما يجري على المسلمين في فلسطين هذه الأيام من إبادة وحشية يتعرضون لها بسلاح اليهودية الصهيونية ، ورعاية ودعم الصليبية الحاقدة المتمثلة في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية ، ويجب أن تعلم شعوبنا التي ضللتها وسائل الإعلام الغربية عن رؤية هذه الحقيقة ، يجب أن تعلم أن الرجوع إلى التمسك بالإسلام هو السبيل الوحيد للانتصار على هذا التحالف الديني المتعصب ضد الإسلام ، كما قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ،والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم )

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 06/12/2006