سقوط ولاية السَّفيه !

 

 
سقوط ولاية السَّفيه !
 
حامد بن عبدالله العلي
 
لولا أنَّ الطغمة الحاكمة في إيران تحمل عقيدة الأمميّة الشيعية ـ المشبَّعة بخرافة عصمة الفقيه النائب للغائب المعصوم ، الممزوجة بعنصريّة مقيتــة ـ والتي في تصورهـم لـن تقوم إلاّ على أنقاض الإسلام ،
 
 تلك العقيدة التي دفعتهم لتدنيس أرض الخلافة الإسلامية ، وإبادة العـراق ، ثم الإنتقام الأعمى من كلِّ شريف فيها دافع عن الأمـّة ، والتآمر على أفغانسـتان ، وزرع الدسائس في كلِّ بلاد الإسلام بغية تدمير عقيدته الصافية .
 
 لكان الواجب دعـم أيِّ نظام معارض للمشروع الصهيوأمريكي ، مادام يقف موقف المحايد من مشروع أمِّتنا ، وينبغي التصدّي للتحريض الغربي ضدَّه.
 
ولا يخفى أنّ التحريض الغربيّ ضد النظام الإيراني ليس بدافع الحرص على الشعوب ، ولا الدفاع عن حقوقها ، فها هو يحمي دول السفهاء ، الذين يسحقون شعوبهم ، ويتوارثونها مع ثروات بلادهم ، كما يُتوارث القطيع ، والمتاع ، على طول وعرض الأصقاع ما بين الشاطىء إلى الشاطىء ، يحميها ، ويرعاها ، بل يقوّيها ، ويطوّرها، حتى تستمر في أداء وظيفتها في تسخير بلادنا لأطماعه.
 
ولكن تعالـوا لنطرح السؤال الأهم هنا ، أليس لولا  ظاهرة دولة ( ولاية السفيه ) ، لما استطاعت الجيوش الصهيوصليبية ، إحتلال أفغانسـتان ، ولاتدميـر أرض الخلافة ، مستغلة تآمر دولة ( ولاية الفقيه) ؟! $$$
 
بل لما استطاعت دولة الصهاينة أن تذيق أمتنا ألوان الذلّ منذ ستة عقود مضت .
 
وأنَّه لولا حكامُنا السفهاء الذين أضاعوا كرامة أمَّتنا ، لما أصبحت بهذه الحال شعوبنا ، ولا غدت بهذه المثابة بلادنا ، وديارنا .
 
فقد أجمع العقلاء أنَّ الداء الأخطر ، والسبب الأكبر ، إنمَّا يكمن في النظام العربي الرسمي ، وأمَّا الأمـّة ، فهي أمَّة الخير إلى يوم القيامة .
 
وقد قال الحق سبحانه : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لاَ يَعْلَمُونَ ) ، فالله تعالى قد حصر السفاهة في هؤلاء الذين يبدلون شريعة الله بسواها ، ويعرضون عن وحيه ، إلى غيره .
 
وفي الحديث الصحيح : ( بادروا بالأعمال ستا : إمارةَ السفهاء ، وكثرة الشرط ، وبيع الحكم ، واستخفافا بالدم .. الحديث ) رواه الطبراني وغيره .
 
فقرن بين حُكم السفهاء ، القائم على العنف المعبـَّر عنه بكثرة الشرط ، وفساد القضـاء ، حتى يُباع ويُشترى ، واستخفافا بدماء الناس.
 
وفي الحديث أيضا : ( سيأتي على الناس سنواتٌ خداعاتٌ ، يُصدّق فيها الكاذب ، ويُكذّب فيها الصادق ، ويؤتمن فيها الخائن ، ويخوّن فيها الأمين ، وينطق فيها الرويبضة . قيل : وما الرويبضة . قال : المرء التافه يتكلم  في أمر العامة ) رواه أحمد وغيره .
 
وإنْ كنا قد أبطلنا ( ولاية الفقيه ) وفق العقيدة الشيعيـة ، فكيف لانحـارب ( ولاية السفيه ) ، ونحن نرى أنها السبب الأعظم ، فيما أصاب الأمّة من مصائب .
 
ولهذا فإن  إعادة نظام الحكم الإسلامي ، الذي وحده ـ بعد الله ـ الكفيل بوقف التدهور الحضاري الذي أوصلنا إلى هذا الحال ، هو من أعظم فرائض العصر ، ويجب أن تُسخـَّر له جميع جهود العاملين للإسلام .
 
وكفى دليلاً على ذلك ، أنَّ الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام ، إنّما هو وسيلة لتحقيق هذا الهـدف الأسمـى ، لتكون كلمة الله هي العليا.
 
كمـا أنَّنـا لو رجعنا إلى الذاكرة القريبة ، إلى عهد الخلافة العثمانية ، التي كانت تجمع الأمّة في كيان سياسي قائم على الجامعة الإسلامية ، لوجدنا أنَّ الدور الذي كان يلعبه الصفيون ضد أمّتـنا ، هو نفسه الذي يؤدونه اليوم ، بل أخبث بكثير .
 
غير أنَّ الخلافة كانت تقوم بدورها في كفاية الأمّة شرّهم ، كما كانت تحول دون الغزو الصليبيّ لبلاد الإسلام ، وكان العقيدة القتالية للخلافة مبنيّة على عقيدة الجهاد في الإسلام ، وهـي أنَّ النظام السياسي مكلَّفٌ بحماية جميع بلاد المسلمين كافّة ، وحفظها من أيّ غزو ، أو وجود عسكري أجنبيّ على أرض الإسلام ، وأنّه يفقد الشرعيّة إن فرَّط في هذا الواجب .
 
ولما أَسقط الغرب الصليبي الخلافة الإسلاميّة ، بغية إلحاق الهزيمة الحضارية بالإسلام ، كان أخطـر ما جاء به ، هـو العقيدة الأوربية للدولة الحديثة ، القائمة على رابطة التراب بدل الملّة ، والقانون المادّي بدل الشريعة المنزلـة ، ومفهوم جديد للأمَّة ، لم يكن يعرفه المسلمون ، ولاعلاقة له بالإسلام ، بل يُبنى على البقعة الجغرافية المحدودة .
 
وكانت هذه الباقعة التي حلت ديار الإسلام ، مطلع القرن الماضي ، هي أشدّ ما طرأ عليه في تاريخه كلِّه .
 
وقد أحدث هذا الهجوم الثقافي ، زلزالاً عظيماً في البلاد الإسلامية من جهتين :
 
أحدهما : أنه فاجأ الفكر الإسلامي بغتة ، حتى إنـَّه مضى وقت ليستوعب العلماء ـ وكثيرٌ منهم لم يستوعب حتى الآن ! ـ حجم القطيعة الهائلة بين عقيدة الإسلام السياسيّة ، وفكرة (الدولة القطرية) الناشئة مع الإستعمار الغربي ، وما يترتّب على هذه البدعة الجديدة ، من تحديات كارثية على الرسالة الحضارية للإسلام .
 
والثانية : أنَّه ـ أعني الفكر الإسلامي ـ سرعان ما وجد نفسه هـو ، واقعا تحت مفهوم جديد للدولة ، أنها آلـة تبتلع كلَّ شيء تحتها ، ذات سيادة علوية مطلقة ، يتركـَّز بيدها كلِّ وسائل العنف ـ حتى تجريم حيازة السلاح لغيرها ـ ،كما يتركز بيدها مشروعة استخدامه أيضا ، إضافة إلى إمتلاك جميع وسائل التأثير الثقافي .
 
وأخطر شيءٍ هنا ، أنَّ الدين نفسه أخضعته هذه الدولة الحديثـة ـ لأوَّل مرَّة في تاريخ الإسلام ـ لها ، فصنعت ديناً مبـدّلاً ، استعملته ضمن كلِّ ما تستعمله من أدوات تحقّق السيطرة ، والإنضباط ، والخضوع ، لمن تحت يدهـا.
 
حتى أصبح أمثل المفكّرين (الإسلاميّين) طريقةً ، ممن يخضعون لهذا (الغول المتوحش) ، أعنـي الفكرة الأوربية للدولة الحديثة ، من يبذل جهده في تكييفات متكلَّفة حداثية للعقيدة الإسلامية ، ليجمع بينها وبين ولاء (التراب) ، وعقيدة القانون الوضعي المادِّي ، و( أخـوّة الوطنية) ، وأمّة ( الحدود السياسية السايكوسية )  ، نسبة إلى سايكس ـ بيكو! ، مع ما في ذلك من تناقض واضح ، مع الأصول التي يقوم عليها الإسلام ، وتُبنى عليها حضارته.
 
وتحت هذا التحوُّل الأخطر في تاريخ الإسلام ، حُشدت منذ مائة سنة ، جيوشٌ من الأفكار الآفكة ، لإحلال هذه العقيدة الجاهليّة العصريّة ، محلّ عقيدة الإسلام ، بدأً من علي عبدالرازق في كتابه الإسلام وأصول الحكم ، إلى آخر مُجعجع يخرج علينا في بعض الفضائيـَّات ، يتفيهق في الترقيع لهذه الضلالات ، من هذه الطائفة المنبطحـــة التي ( صدَّعت رؤوسنا ) بالتحذير من الغلوّ بالصالحين ـ وهو حقّ ـ ثم غلوْا في الفاسقين ، بل أضلِّ الضالين ! من الزعماء الفاسدين ، وأنكروا ( ولاية الفقيه الشيعي المعصوم ) وأنزلوا على حكَّامهم ما هو أعظم من عصمة المرسلين !
 
وازداد الأمر خطورة  ، عندما عُدَّت الدولة القائمة على الفكرة الأوربية الضالـَّة ، هي المؤتمنة على الإسلام ، فدُمجــا زوراً وبهتاناً ، وأتوا بدين مزيَّف جديد ، (يعلمن) الإسلام ، ويغلف العلمانية بغلاف الدين ، فانفتحـت بذلك أبواب الشرور ، ثـمَّ ربى على هذه البدعة الشنعاء الصغيـر ، وهرم عليها الكبير ، ونشأت عليها طوائف ، وهيئات ، وبُنيت عليها التجُّمعات ، والجماعات.
 
ثم بعدمـا استحكم هذا الشرّ المستطيـر ، الذي لم ينج منه إلاَّ القليل ، أذن الله تعالى بصحوة جديدة للأمّة ، فأخذت تتلمّس طريقها لتصحيح المسار ، وترسم الطريق لبعث الأمّة الإسلاميّة من جديد ،
 
أمّة الوحي ، التي تربطها رابطة الإسلام ، فتربط كلِّ شيء به ، حتى الوطن ، بين دار إسلام ، ودار كفر ،
 
وتجمع الأمّة على وشيجة الإيمـان ، وتعيد إخراج الأمّـة المجاهدة المرسلة للعالمين ، لا أمّة القطعان المحصورة في حدود جغرافيّة رسمها المستعمر !
 
الأمّة ذات البصيرة ، التي لاترضى أن تقاد إلاَّ لأهدافها ، ولا تطيع إلاّ لمن يقودها بكتاب ربّهـا ، ونـهج نبيّها .
 
ورغـم أنَّ هذه الصحوة المباركة ،  ما لبثت حتّى اصطدمت بواقع أنَّ فئـاماً عظيـمة من الشعوب قد طال عليها العمر ، حتَّى نسيت ما كانت عليه قبل سقوط الخلافة ، من اجتماعها على أمر الإسلام ، وجهادها في سبيله .
 
 فأصبحت الخلافة عند هذه الفئام ، تاريخـاً رغبوا حتّى عن تذكـره ، بل غدت الدعوة إليها جريمة ، يعاقب عليها قانون الدولة الحديثة ، وفق العقيدة الأوربية الإستعمارية .
 
 رغـم هذا التحدِّي الكبير ، فقـد نجحت الصحوة الإسلامية في نفخ الروح في ضمير الأمّة ، واستطاعت أن تُلحق الهزيمة بجاهلية العصر ، في كثيرٍ من المواطن بحمد الله تعالى ، ولا يزال أمامها السبيل محفوفاً بالمكاره ، وستبلغ الغاية المنشودة بإذن الله .
 
 غيـر أنَّهـا لن تصل إلى منتهى غايتـها إلاَّ بثلاثة أمور :
 
أحدها : اليقين أنه لاخلاص للأمَّة إلاَّ بالعودة إلى نظام الحكم القائم على العقيدة الإسلامية ، على أنقاض العقيدة الأوربية للدولة الحديثة ، التي أضيف إليها في بلادنا التقسيم والتجزئة ، لتبقى تلك العقيدة الضالة ، تغذِّي تقسيمها ، وتبقي أجزاءها متصارعة ، ويبقى التقسيم والتجزئة ، يؤكِّدان استمرار هذه العقيدة الجاهلية.
 
ولهذا فلابد من بذل غاية الجهـد ، لنشر الوعـي ،  بأنّه لاقيام للأمّة إلاَّ بإعادة الحكم الإسلامي ، القائم على عقيدة الإسلام السياسية ،  الذي يكون على رأسه خيـارُ هذه الأمة ، ويستمدّ شرعيَّته من بيعة الأمَّة له ، بيعة إقامة الشريعة ، والجهاد في سبيلها ، وإعلاء أمّة الإسلام على كلِّ ما سواهـا ،
 
 وبأنَّ واقع الأمة السياسي الذي يقوم عليه النظام الرسمي العربي في شقّ ، ورسالـة الإسلام في شقّ .
 
الثانية : العـلم بأنَّ هذه العودة لا ، ولن تأتي بالعمل المرتجل ، فهي يقطعها العجلة ، ويمُيتها الجهل ، ويُضعفها التفرّق ، ويعيقها التنازع.
 
الثالثة : معرفة أنَّ جميع التجارب العصرية التي فشلت في الوصول إلى الهدف ، هي من جهة أخرى كنزٌ من المعلومات المفيدة ، لتصحيح الطريق ، وأنَّ الإعتراف بفشل التجربة ، ودراسة أسبابه ، خير من التمادي في الباطل ، والإصرار على العناد .
 
والله أعلم وهو حسبنا عليه ، توكلنا ،  وعليه فليتوكل المتوكـلون.

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 28/06/2009