هل بدأ العد التنازلي لسقوط الولايات المتحدة الأمريكية

 

حامد عبد الله العلي

الإسلام يحرم قتل الأبرياء ، والامة الإسلامية لم تزل أمة متحضرة في سلمها وحربها ، وقد استنكر المسلمون في كل أنحاء العالم أن يقتل الذين لاذنب لهم ، وأصدرت أكثر الجهات التي تمثل المسلمين في العالم إدانتها للقتل العشوائي ، وذلك رغم وقوف الولايات المتحدة وأوربا علنا مع الإرهاب الصهيوني ودعهمها له ورفضهما إدانته ، مع أنه لم يزل من عقود يقتل المسلمين العزل الأبرياء شيوخا وأطفالا ونساء ، في فلسطين ولبنان وغيرها ويعذبهم ويصادر حقوق شعب بأكمله ، ولم يعبأ أحد من الذين يطلقون على أنفسهم العالم الحر بتلك الدماء ، ولم يُعلن عليها الحداد ، ولا نكست الأعلام بعد كل مجازر اليهود من دير ياسين مرورا بصبر وشاتيلا إلى ما يفعله شارون في الشعب الفلسطيني هذه الأيام ، بل قال نائب الرئيس الأمريكي عن جرائم الكيان الصهيوني : (إن ما تفعله إسرائيل له ما يبرره ) فشتان بين موقف المسلمين ، وموقف اليهود وأولياءهم .

وقد وقف المسلمون هذا الموقف ، رغم أن سجل أمريكا في القتل العشوائي للبشر ، وإبادة الأبرياء في المدن السكنية بما فيها من المستشفيات ومدارس الأطفال ودور العجزة ، لن يكون مشرفا إلا أكثر بقليل من سجل (جنكيز خان) ، فما فعلته في المدن المكتظة بالمدنيين في اليابان بالسلاح النووي ، وما اقترفته في حق المئات من قرى الفلاحين في غابات فيتنام بالسلاح الكيماوي ، كل ذلك وغيره ، شاهد لن ينساه التاريخ ما بقيت الأجنة تحمل الكروموسومات المشوهة جيلا بعد جيل ، والحقيقة أن المرء ليعجب من تباكي القيادة الأمريكية على قتل الأبرياء والمدنيين ، ثم من عدم حياءهــا من إظهار هذا التباكي .

والنظر إلى ما وراء الحدث يطرح هذا السؤال المهم : هل ستبدأ أقوى دولة في العالم بالانحدار والضعف التدريجي من هذه النقطة ، أم أنها أصلا كانت تعاني من ضعف وثغرات كشفها الفشل المتتابع للوكالة الاستخبارات الأمريكية ، في كشف عمليتي تفجير السفارتين في أفريقيا 1998، والعجز عن توقع قيام الهند بتجاربها النووية ، والخطأ الفاحش في قصف سفارة الصين في بلغراد ….. الخ

ثم استطاعت هذه المنظمة المتطورة والدقيقة والتي تمتلك قدرة هائلة على التخطيط السري البالغ الدقة والمكلف جدا ، وعلى مدى سنوات دون أن يُكتشف شيء من ذلك ، وعلى التنفيذ السريع بصورة جماعية سرية للغاية ، وينتمي إليها مجموعة من الطيارين المهـــرة ، استطاعــت خداع (السي آي أيه) واختراق شبكات التجسس ـ ونقول هذا لأن الاحتمال الآخر هو معرفة القيادة الأمريكيــــــة بوقوع الضربات مسبقا ، ولكنها سمحت بها ليكون مواطنوها طعما يبرر احتلال أمريكا لأفغانستان وهو الأدهى والأمرّ ـ وتوجيه ضربات شديدة التأثير إلى مدى عميق وبعيد جدا على الروح المعنوية والاقتصاد والسياسة الأمريكية ورمز تفوقها العسكري .

هل أزاحت الكارثة التي أصابت أمريكا ، الغطاء الذي كانت تختفي وارءه نقطة البدء لتهاوي القوة الأمريكية ، والتي كانت آيلة للسقوط أصلا والعالم لا يشعر بذلك ، أم هي التي بدأتها فعلا .

وأيا كانت الجهة المنفذة للضربات القاضية التي تلقتها أمريكا ، والتي يجزم الخبراء أنه لايمكــن أن يكون أسامة بن لادن ـ على فرض اشتراكه ـ وحده مسؤولا عنها لأنها تتجاوز إمكانياتــه بكثير ـ وقد نفى هو وقائد حركة طالبان ضلوعه فيها أصلا ـ فإن الورطة الحقيقية ليست فيها ، بل فيما بعدها ،إنه بقاء عامل خوف أمريكا والغرب من المجهول ماثلا يتراءى في كلمة (الإرهاب) ،لأن طبيعته القاتلة هي أنه لايمكن القضاء عليه في حرب ، فكلما قطع له راس ظهر مكانه رأسان ، وهو مثل طائرة (الشبح) لا يدري أحد متى ومن أين يظهر ويضرب ، ويصعب جدا توجيه ضربة قاضية إليه .

هذا وجميع التوقعات تتجه نحو قيام حرب تشنها أمريكا بدعم أوربي على أفغانستان لاحتلالها وتغيـير النظام فيهــا وإلقاء القبض على أسامة بن لادن ، وهي لعمري مخاطرة فادحة لن تخرج منها أمريكا بسلام ، وستكون لها آثار هائلة ، ولن تكون خسائرها في فيتنام أكثر ، ولاحتى تماثل ما ستخسره في أفغانستان .

وهب أن أمريكا ضربت أفغانستان ضربات موجعة ، حتى لو كان ذلك بسلاح نووي محدود ، لأنها تريد أن تعيد وهج تفوقها العالمي الذي أصيب في مقتل ، وتريد ذلك بأسرع وقت قبل أن يفيق الشعب الأمريكي ويحول غضبه إلى نظامه ، بعد أن يكتشف الحقائق التي كان يخفيها النظام عن شعبه .

هب أن ذلك حدث ، فإنه يعني انفتاح أبواب الجحيم على أمريكا ، لأنها لاتحارب نظاما أو دولة فقط ، إنها ستدخل نفقا لاتُعرف نهايته ، وسيظهر إرهاب جديد لا يمكن تقدير مدى رعبه هذه المرة ، وسيدخل الغرب بقيادة أمريكا في متاهة من المواجهات مع العالم الإسلامي ، وستبدأ مشاعر الكراهية تضطرم نارها في كل مكان من جاكرتا إلى نواكشوط ، وستموج الأرض موجا تحت أقدام الأنظمة الصديقة لأمريكا .

وحتى ما يطلقون عليه الإجماع الدولي الذي تسعى أمريكا ليكون غطاء لانتقامها ، لن يرضي شعوب العالم الإسلامي مادام الكيان الصهيوني مطلق اليد في قتل المسلمين الأبرياء كل يوم في أرضهم التي شهد الإجماع الدولي بقرارت الأمم المتحدة أنها أرض احتلال ، إن الشعوب لن تقبل بالكيل بمكيالين ، لأنها لن تفهم لماذا يفرقون بين الإرهاب من المسلمين وإرهاب الكيان الصهيوني ، وستبقى المشكلة تنذر ببداية النهاية ، نهاية تفوق أكبر قوة في العالم ، ليفسح ذلك الطريق ، أمام نهاية أخرى من وراء ذلك لا يعلمها إلا الله تعالى ، فاستعدوا لمتغيرات تاريخية ، قدرنا أن نكون شهودا عليها ، ونسأل الله تعالى أن يلطف بأمة الإسلام وينصرها على أعداءها ويردهم عنها
خائبين


الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 05/12/2006