دولة المعسسات

 

دولة المعسسات
حامد بن عبدالله العلي

الفرق بين دولة المؤسسات ودولة المعسسات ، أن المعسسات مشتقة من عس يعس عسا ، والعاس في لغة العرب هو الذي يطوف في الليل (باحثا) عن أمر ما ، فدولة المعسسات هي دولة بوليسية تقوم على الريبة والشك والخوف الدائم من الشعب .

ولهذا فهي تراقب وتتجسس على كل شيء وتتنصت لكل حركة ، ولا أدري إن كان في معجم مقاييس اللغة ربط بين (عس) و(جس ) من تجسس ، فإن لم يكن قد ربط بينهما ، فما ينبغي أن يكون بينهما هو ما في دلالـــــة حرف (السين) (سسسس )من التخفي والصمت للتربص بشيء ، ولهذا تجد هذا الحرف في كلمة الهمس والسكون والسكوت والتجسس والعسس والتسمع ... إلخ .

ولا تكاد تجد كلمة يكون فيها حرف السين أساسيا إلا وهي تدور على ما ذكرت ، حتى حرف الصاد لانه قريب من السين ويتبادلان أحيانا ، ولهذا فاللص بـ(الصاد) ،يتنصت ويتربص في سكون الليل ، وإذا أردت أن تستدعي السكوت للإنصات لشيء قلت ( صه ) .

دعونا من هذا الآن ... المهم أن دولة المعسسات ، قائمة على العس والجس في الليل، ثم الضرب والرفس في النها ر، ولهذا فلاحقوق للإنسان فيها ، حقه الوحيد أن يأكل ليعمل ويرضي النظام الحاكم ، فقط لاغير ، كلمتان : علف وعمل ، وهاتان الكلمتان أيضا أصلها ( عل ) العين واللام ، وإذا أضفنا إليها الألف صارت (علا ) والمعنى النهائي المستخلص هو اعلف واعمل وإلا علا السوط ظهرك !
أما دولة المؤسسات فهي على الضد تماما ، لان وظائف الدولة فيها تقوم بها مؤسسات ، كل وظيفة تقوم على مؤسسة ، والشعب هو الذي يدير هذه المؤسسات ، وتنتظم كلها في النهاية وتشكل نظام الدولة ، فالشعب والدولة متلاحمان بصورة متكاملة ، يفهم المواطن أهداف الدولة لانه جزء منها ويسعى لتحقيقها ، ويعرف حقوقه ويستطيع حمايتها من مؤسسات الدولة نفسها ، ويعيش جميع المواطنين في دولة المؤسسات في شعور دائم بالأمان ، لانهم حموا أنفسهم بمؤسساتهم ، وحفظوا حقوقهم بها ، وإذا سول أحد لنفسه أن ينتزع منهم حقوقهم ، استردوها بقوة القانون ، لا يوجد إنفصال بين النظام والشعب ، النظام مؤسسات يديرها الشعب ، والشعب منتظم في مؤسسات تدير الدولة .

والدولة التي اختارت أن تكون دولة المؤسسات ، فتشرك الشعب في القرار وإدارة الدولة ، وتقر للشعب بحقوقه الإنسانية والمواطنية ، ولهذا وضعت قنوات يسلكها إذا ما انتهكت حقوقه ، وله أن يأخذها من الكبير والصغير ، كما قال الصديق رضي الله عنه أول خليفة إسلامي في أول مبدأ من مبادئ ولايته التي حفظ الله بهـــــــــا الإسلام قال الصديق ( إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه ، وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق ) ، وقد بين أن الدولة في الإسلام قائمة على حفظ الحقوق العامة والخاصة ، لا إشباع مطالب الخاصة على حساب حقوق العامة .

وقضية الأخ الفاضل ماجد المطيري الذي كان أسيرا سبعــة شهور في العراق ( دولة المعسسات ) ثم يقسم بالله العظيم أنه لم ير مثل التعذيب الذي لقيـــــــــه في الكويت ( دولة المؤسسات ) ـ إثر إلقاء القبض عليه بعد اتهامه بمقتل الضابط الكندي ـ قضية تحتاج إلى وقفة ، وليست القضية مدى صدق أقواله فهو صادق ، لا كما يشكك بعض العلمانيين بدافع الحقد ، ولكن هذا ليس مهما الان ، بل المهم هنا تحقق ثلاثة أمور يفرق بها بين دولة المعسسات ، والمؤسسات :

الأول : أن لا يزج بالمشتبه به في غياهب لايراه أحد ، ويمنع حضور محاميه في أثناء التحقيق ، فهذا في حد ذاته انتهاك لحقوقه ، فهل وقع هذا أم لا ؟؟
الثاني : أن لا يكون الحاكم على صحة دعواه في تعذيبه ، وهو الطب الشرعي تحت سلطة المتهم بتعذيبه ( الداخلية ) فهذا خلاف الشرع والعقل والمنطق.
الثالث : يجب أن يكون هناك قنوات محايدة وآمنة يمكن للمواطن أن يشتكي إليها بعد تعرضه للتعذيب ويسترد حقه ويعوض ويعاقب الذين تجاوزوا فيه القانون ،والله المستعان .

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 06/12/2006