المنبطحــون بــلا حــدود !!
حامد بن عبدالله العلي
طالب النائب الجمهوري بوب ناي الثلاثاء قبل الماضي بتغيير اسم "البطاطا الفرنسية" (فرينش فرايز) ، إلى اسم "بطاطا الحرية" (فريدوم فرايز) في كل مطاعم مجلس النواب الأمريكي ، قال : تعبيرا عن دعمنا للقوات الأميركية التي تحمي حريتنا في الخارج ، وعن استيائنا من رفض فرنسا المتواصل للإنضمام إلى الولايات المتحدة وحلفاء آخرين !
أمريكا تقول : إن وجود نظام متمرد عليها ، لكنه محاصر ، وتحت رقابة المفتشين ، وغير قادر على مهاجمة جيرانه ، لان جيرانه بعضهم قادر على حماية نفسه ، وبعضهم الآخر بينهم وبين أمريكا وغيرها اتفاقيات أمنية ، ثم هو بعيد بآلاف الأميال عنها ، ولن يبقى نظامه إلى الأبد لأن بقاءه أيضا مرهون ببقاء شخص واحد وقدرته على السيطرة على بلد مقسم ضعيف ، إنه خطر على حريتها ، وبالتالي فإنها لن تقبل بأكل البطاطا الفرنسية ، مادامت تحمل اسم ( بطاطا فرنسيّة ) ، حتى تغيّر اسمها إلى ( بطاطا الحريّة ) ، لأن فرنسا لا تريد أن تقف معها في وجهة نظرها هذه ، فلا تستحق البطاطا أن تسمّى باسم فرنسا إذاً ، فالبطاطا أيضا يجب أن يكون لها إسهام في دعم عقيدة الدفاع عن حرية أمريكا في العالم!
ولاريب أنه ليس لما بين البطاطا وبين أم القنابل المهلكة للبشر ، وهي أكبر قنبلة في التاريخ ، صنعتها أمريكا ، لتستعملها في حربها القادمة ، ليس لما بينهما من شبه في الشكل الخارجي ، سـرُّ في هذا الموضوع .
بل السـرُّ يكمن في أن هذه السياسة الغربية التائهة ، التي بدأت بدعوة مزيّفة إلى تحرير الإنسان ، وانتهت بتدميره ، لاتقيم وزنا للبشر البتة ، فليهلك الآلاف ، ولتدمّر الشعوب ، من أجل إرضاء حفنة من المتعصبين البروتستانت المتحالفين مع شرذمة صهاينة ، وثالثة الأثافي أولئك الملأ من أهل الثراء والترف ، وهم قلة تقبع في تلك القصور ، التي بنيت من سرقات العولمة ، وزُيِّنت بسحت مكاسب الربا العالمي ، وقد قررت أن تسمى ثراءها ، وترفها ، وهيمنتها على حساب فقر العالم ، وجوعه ، وتمزقه .. حرية !!
إنهم فحسب ، قد هانت عليهم دماء الناس ، في سبيل تحقيق مطامعهم الوضيعة ، فجاؤوا للقتل الجماعي بلا عــدّ ولا حــدّ .
وخذ مثلا هذه الحقائق ، فقد هدمت قوات الاحتلال خلال عامين من الانتفاضة 2249 منزلا ، وشردت 22 ألف فلسطيني ، تضرر بسبب ذلك 11ألف طفل ، هذا فضلا عن الآلاف الذين سقطوا قتلى منذ بدأ الانتفاضة ، ولازالوا يسقطون ، لافرق بين أطفال رضع ، وشيوخ ركع ، وامرأة في المخاض يقتلونها وطفلها بهدم بيتها على رأسها كما حصل مؤخرا في بيت حانون ، ومرضى يموتون عند الحواجز ، كل هؤلاء البشر لاقيمة لهم البتة، فلم يسأل عنهم أحد !!
في 8 ديسمبر عام 1953، أعلن الرئيس الأمريكي (دويت ايزنهاور) برنامجه الشهير ذرة من أجل السلام، وتحت مظلة هذا البرنامج وقعت "إسرائيل" مع الولايات المتحدة في 12 يوليو عام 1955 اتفاقية خاصة حصلت "إسرائيل" بمقتضاها على مفاعل نووي للأبحاث أنشئ في منطقة تسمى (نحال سوريك) على شاطئ البحر المتوسط.. وسمي حمام السباحة.. وفي الوقت نفسه، سافر 56 عالماً إسرائيلياً للتدريب في وكالة الطاقة الذرية الأمريكية، التي أمدت "إسرائيل" أيضاً بمكتبة أبحاث نووية تحتوي على 6500 بحث وكتاب متخصص.. وما أن عادوا حتى راحت "إسرائيل" تبني 12 مفاعلاً نووياً .
كان أكبر عالم ذرة مصري عصمت زين الدولة يؤكد أن إسرائيل كانت تملك القنبلة النووية عام 72م ، ونشرت مصادر متعددة أنه بعد الضربات الأولى في حرب 73م ، صرخ (موشي ديان) وزير الدفاع في وجه (جولدا مائير) رئيسة الوزراء.. هذه هي نهاية المعبد الثالث !.. فقامت (جولدا مائير) بإعطائه الإذن باستخدام أسلحة الدمار الشامل الإسرائيلية، وفور تجهيز كل قنبلة نووية كانت تنقل على جناح السرعة إلى وحدات سلاح الجو التي كانت تقف في انتظارها.. لكن.. قبل أن يجري وضع أجهزة التفجير في واحدة من تلك القنابل راحت الولايات المتحدة تتدخل لإنقاذ "إسرائيل" بمدها بجسر جوي من الأسلحة المتطورة، التي لا تنتهي فتراجعت عن استخدام السلاح النووي.
كادت المنطقة أن تدمر بكاملها ، وهي لازالت وفي كل حين معرضة لذلك ، مادمت ترسانة الجحيم النووي التي هي فوق القانون الدولي المزعوم ، في قلب الشرق الأوسط ، ومادام سدنة هذه الترسانة الصهيونية يعتقدون عقيــدة : ( إذا هدم المعبد الثالث فليدفن الجميع تحته ) أي أنهم مصممون أن يدمروا كل البشر ليحافظوا على دولة المعبد الثالث الصهيونية.
هذا هو السر ، فالعالم اليوم يسيطر على مقاليد السياسة الدولية فيه ، مجموعة تعشش في أذهانها أفكار دينية متطرفة ، متحالفة مع مصاصي الدماء في تلب أبيب ، وملاّك شركات عملاقة ، مستعدة لسحق العالم كله ، من أجل مطامعها.
لا يهمُّهم أن يبدو الأمر ، وكأنهم يعاقبون النملة إن قرصت الفيل ، ويصفقون للفيل إن سحق ملايين النمل تحت قدميه ، ثم يظهرون الفيل أيضا في صورة المظلوم البريء ، وتلك النملة في صورة الإرهابي الكبير الخطير على العالم ، يعبثون بعقول البشر ، وقد ملأوا الأرض كذبا ونفاقـــا !!
ومثيرون للشفقة أولئك المنتسبون إلى علوم الشرع عندنا هنا ، المغرورون ببهرج الإعلام ، المنساقون وراء زيفه بغير شعور ، الذين يفتون بشرعيّة هذه الحرب المرتقبة ، متحمّلين أوزارهم على ظهورهم ، وأوزارا مع أوزارهم ، في كل قطرة دم مسلم بريء ، تهراق على أرض العراق .
وعجيب أمرهم والله ، فقد كانوا أشد الناس حربا لمن يقول : من حق الشعوب المستضعفة أن تزيل أنظمة الكفر الجاثمة على صدورها ، اتباعا لنصوص الشرع الآمرة بذلك ، ويرمون القائل بذلك بالتكفير والخروج ، يستحلون عرضه ، ويسعون في دمه ، مستدلين بأن ذلك يؤدي إلى سفك دماء الأبرياء ، وأن الصبر على طغيان هذه الأنظمة ، وجورها ، أخف ضررا ، ولعمري إن الأمــر لكذلك ، في كثير من الأحوال والأحيان .
لكن .. فاليوم.. ما بال أهل الانبطاح ، يهللون لمجيء الكفار الأمريكيين بقضهم وقضيضهم ، خارجين على النظام الدولي كله ـ لا أبقاه الله ـ وليس على نظام دولة واحدة ، ببطرهم كله ، وخيلاءهم كله ، يسفكون الدماء أنهارا ، ويجاهرون بالكفر ليلا ونهارا ، ويدمِّرون البلاد ، ويهلكون العباد ، ويسعون في الأرض بالفساد ، قبل الحرب هاهم يفعلون ، وفيها , وبعدها حين يستقر لهم المقام ، وإلى مالا يعلم إلا الله مداه ، في ردفهم طبول أحبار اليهود ، ومزامير رهبان النصارى .. ويصرحون أنهم جاءوا ليغيروا المنطقة كلهالصالحهم ، فيا للعجب .. هلاّ سـأل المنبطحون أنفسهم ، كيف أحلُّوا لأمريكا أن تخرج على الحكّام ، بل كلِّ العالــم ، وحرموا على من يجاهد لإعلاء كلمة الله !!
وأخرى أعجب وأعجب ، فقد كان هؤلاء المنبطحون ، يعظمون النكير على من يصدع بكلمة حق ، تخالف هوى الحكام ، زاعمين أنه يخرج بالكلمة على ولاة الأمور ، فاليوم أتفق الزعمـاء ـ لما خافوا جميعا على أنفسهم بعد العراق ـ على رفض هذه الحرب ، ومنع المشاركة فيها ، ومع ذلك فهؤلاء المنبطحون ، يصدعون مصرحين بتأييد أمريكا في حربها ، يمهدون طريقها بالفتاوى الشاذة عن سبيل المؤمنين ، والتخريجات البعيدة ، ضاربين عرض الحائط بقرارات الزعماء !
وثالثة أعجب من هاتين ، فقد كان ديدنهم الشغب على من يخالف ما ألفوه ، بأنه خرج على نهج العلماء ، فلا تسأل عن تبديعه وتضليله ، فاليوم ضربوا بما أفتى به علماء المشارق والمغارب ـ حتى علماء العراق المطاردين في الخارج ـ من تحريم المشاركة بحرب الفجار هذه ، فركب هؤلاء المنبطحون رؤوسهم في هذه القضية ، زاعمين أنهم اعلم الناس بها !!
فتأملوا يا عباد الله ، كيف أن أمريكا إن أرادت أن ينقلب الحرام مباحا ، أو العكس ، وجدت من يجعل شريعة الله تبعا لا هواءها ، حتى إن بعض شيوخ الدين ، لم يجدوا غضاضة أن يحلوا لها ، ما كانوا يجعلونه من قبل ، من أشد المحرمات ، وأن التبعية قد وصلت إلى عتبات البيت الأبيض ، وانكشف الغطاء ، فلم يعد في الأمر خفاء !!
ووالله الذي لا إله إلا هو ، إن الذين لم يدركوا بعد أين يمكن الخطر الحقيقي على الإسلام والعالم ، لا حق لهم أن يتكلموا باسم علماء الشريعة الإسلامية ، ولا يمثلونها ، وهم فيها أدعياء ، وعليها مفترون ، يلبسون ثوب العلوم الشرعية زورا ، وينطقون باسمها بالباطل ، يظنون أن انبطاحهم أمام كل من يلوح لهم بالعصا ، نصر للإسلام ، ومازالوا ينبطحون ، حتى صـــار انبطاحهم بلا حدود !!